تمايز صارخ في مستويات الخطاب والتأويل والتفسير

تمايز صارخ في مستويات الخطاب والتأويل والتفسير

أتذكر هنا سعد الله ونوس في البيت الذي كان يغذيه بروحه ووجدانه ودمه. المسرح بيت أليف، الممثلون هم أولاد هذا البيت، والنص المسرحي هو جمرة البيت، خصوصًا إذا كان كاتبه رجلًا فذًّا مثل سعد الله الذي كان يحضر بروفات عرض «الاغتصاب» بين حين وآخر، معبرًا عن احتجاجه على المقالات التي ملأت صحف دمشق آنذاك، ومجلة الحرية والهدف وهي تتناول نصه الإشكالي «الاغتصاب» الذي عدَّه ذروة الاشتباك مع السياسي، في تفاوت كبير من ناحية مستوى النقد وقيمته، وهو ما أشاع جوًّا متوترًا آنذاك وسلبيًّا حول معنى النص وراهنيته وجدواه ونزعته، فمن هؤلاء من نكل بالنص، متحاملًا على شخص سعد الله ونوس نفسه.

ولك أن تتخيل ذلك الرُّكَام من النصوص والنقاد الأيديولوجيين ممن أسسوا لشطب المبدع، لا مجادلته حول معنى وقيمة عمله الإبداعي، ناهيك عن عقمهم في إمكانيات الجدل، وحرية الكاتب ونوع الكتابة. لقد ذهبت بعض الأقلام النقدية إلى مساحات التخوين وقذف الكلمات البذيئة التي لا تنم عن وجود عقول جديرة بمعنى الاختلافات حول تشريح الأفكار والشخصيات في عرض «الاغتصاب»، حتى إن أحد هؤلاء النقاد وعبر جريدة رسمية طلب تقديمي وسعد الله ونوس إلى المحاكمة بتهمة كتابة مسرحية «الاغتصاب» وإخراجها، مدعين أنها كانت ضد المد الثوري المسلح آنذاك، وأنها ذات نزعة تصالحية مع اليهود، وأنها مشتبه فيها.

إن تلك الكتابات غير العقلانية وغير المنطقية لا تزال تترك ثقلًا كبيرًا على كتفي وروحي وعلى أرواح كل من عمل في ذلك العرض.

الهجمة الشرسة على المسرح والمسرحيين كشفت الستار لي منذ ثمانينيات القرن الفائت، عن تناقض خشن بين ثقافتين وانتماءين متضادين، الصراع بينهما عميق وجذري، ولا يزال حتى يومنا هذا يأخذ أشكالًا متعددة، ويؤكد لي كل يوم هذا التمايز الصارخ في مستويات الخطاب والتأويل والتفسير.