في حفلة تكريم الفائزين خالد الفيصل: جائزة الملك فيصل شقت طريقها بين جوائز العالم وتبوأت مكانة مرموقة

في حفلة تكريم الفائزين

خالد الفيصل: جائزة الملك فيصل شقت طريقها بين جوائز العالم وتبوأت مكانة مرموقة

برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كرّم أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر، الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية دورة عام 2022م. وفي حفلة الجائزة ألقى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل كلمة، قال فيها: «قامت مؤسسة الملك فيصل الخيرية بإنشاء هذه الجائزة، التي تمثل القيم التي آمن بها الملك فيصل، رحمه الله؛ إذ كان محبًّا للعلم، مكرمًا للعلماء، عارفًا لهم فضلهم في تقدُّم الأمم والشعوب. وكانت قناعته الراسخة أن نهضة شعبه وأمته لن تكون إلا على أساس من العلم الملتزم بقيم الإسلام وتعاليمه، وتأتي غايات الجائزة ومقاصدها بهذا المنظور الإنساني الشامل؛ لأنها تصدر من أرض الرسالة السماوية الخاتمة، ومَهْوَى أفئدة المسلمين في جميع أصقاع العالم، ومن دولة أُسِّست على نهج هذه الرسالة، واحتكمت إليها، وهذا ما يُكسب الجائزة منزلتها العظيمة بين الجوائز».

وأكد الفيصل أن جائزة الملك فيصل «شقت طريقها بين جوائز العالم وتبوأت مكانة مرموقة. ولعل أكثر ما تفخر به هذه الجائزة هو اعتراف الجميع بحيادها، وعدم التأثر بالمشاعر الشخصية، أو تأثير التيارات السياسية والفكرية من جميع أنحاء العالم».

عقب ذلك أعلن أمين عام الجائزة الدكتور عبدالعزيز السبيل، أسماء الفائزين، وهم سبع شخصيات من العلماء في مجالاتهم، وممن أثروا المعرفة الإنسانية، بفكرهم وبحوثهم في مجالات خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم، وتضمن الحفل عرضًا لفِلْم تسجيلي قصير عن سيرة كل فائز.

وكانت جائزة خدمة الإسلام هذا العام مناصفة بين الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا، علي حسن مويني، وذلك لقيادته الحكيمة لبلاده، وتأسيس الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، واهتمامه بالمسلمين والرفع من مستواهم التعليمي والاجتماعي، والعمل على بث روح التسامح الديني في المجتمع، وتقديمه أنموذجًا ناجحًا في توجيه بلاده نحو الإصلاح، وتسلم الجائزة نيابة عنه، ابنه الدكتور عبدالله مويني، وبين الأستاذ الدكتور حسن محمود الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية، إذ مُنِحَ الجائزة لخدمته العلوم الإسلامية تدريسًا وتأليفًا وتحقيقًا، وإسهامه في تأسيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، إلى جانب جهوده المميزة في خدمة اللغة العربية. وفي كلمته ذكر الشافعي أنه وهب قيمة جائزته لوقف البحوث والدراسات الإسلامية في القاهرة، وأنه نذر ثواب ذلك للملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله.

أما جائزة اللغة العربية والأدب، التي كان موضوعها: دراسات الأدب العربي باللغة الإنجليزية، فكانت مناصفة أيضًا بين البروفيسورة سوزان ستيتكيفيتش، الأستاذة في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك لامتلاكها مشروعًا نقديًّا علميًّا تمثل في بحوثها حول القصيدة العربية في عصورها المتعاقبة، وتميزها في قراءة النص الشعري في سياق نظري محكم، ومحاولة تجديد المنظور النقدي للقصيدة العربية الكلاسيكية.

الفائز الثاني في فرع اللغة العربية والأدب البروفيسور محسن جاسم الموسوي، الأستاذ في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأميركية، ومُنِحَ الجائزة لجهوده في دراسة النثر العربي القديم والحديث، وتميز دراساته بمعرفة واسعة بالنظريات النقدية، وانفتاحه على النص الإبداعي العربي والعالمي؛ إذ أضحى منظوره النقدي جسرًا متينًا بين الثقافتين العربية والغربية، وفي كلمته ذكر الموسوي أن «جائزة الملك فيصل هي احتفاءٌ كبيرٌ بالثقافة العربية، وبثقافتنا داخل الثقافات العالمية في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا».

أما جائزة الطب، التي كان موضوعها: تقنيات تعديل الجينات، فقد فاز بها البروفيسور ديفيد روشيان لو، الأستاذ في جامعة هارفارد؛ وذلك لإسهاماته الفاعلة في تطوير ميكانيكية التعديل الجيني التي مثّلت ثورةً علمية كبيرة، حيث يعدّ تطويره لتقنيات التعديل القاعدي والتحرير الأوليّ إنجازًا متميزًا في تطوير هذه التقنيات لتصبح أكثر دقةً وتطويعًا في التطبيقات الطبية. والبروفيسور لو أوضح في كلمته أن اختيار لجنة الجائزة للتصحيح الجيني محورًا لفرع الطب ضمن جائزة الملك فيصل لعام 2022م «تذكير قوي بأن عصر تصحيح الأنظمة الجينية البشرية قد انطلق فعليًّا، وأن الإنسانية قد اتخذت الخطوات الأولى باتجاه تحرير أنفسنا وأطفالنا من قيد الاختلالات التي تشوب حمضنا النووي».

أما جائزة العلوم، التي كان موضوعها: الرياضيات، فقد فاز بها البروفيسور مارتن هايرر، الأستاذ في إمبريال كولدج بلندن، وذلك لتميز أعماله في استحداث طرقٍ مبتكرة في تحليل المعادلات التفاضلية العشوائية، والوصول إلى منظورٍ جديد في مجال الأنظمة العشوائية اللامتناهية، وشارك هايرر في الفوز بهذا الفرع؛ البروفيسور نادر المصمودي، الأستاذ في جامعة نيويورك، وذلك لجهوده المتميزة في تحليل المعادلات غير الخطية التفاضلية والجزئية، وإسهاماته البارزة في النظريات الرياضية لديناميكيات الموائع. البروفيسور المصمودي قال في كلمته: «إن الأبحاث التي من أجلها أكرمتموني بهذه الجائزة تتعلق بحالات الاستقرار في حركة السوائل، أنا الآن بصدد إيجاد تطبيقات لها في دراسة حركة المرور والحشود الكبيرة، فقد تيسر لي بفضل الله أن أؤدي مناسك العمرة مرات عديدة في السنوات الماضية، وكنت دائمًا أحاول فهم حركة الحشود حول الكعبة وعند رجم الجمرات، فمعادلات المرور والحشود شبيهة جدًّا بمعادلات السوائل».

هذا وقد حُجِبَت جائزة الدراسات الإسلامية في هذه الدورة، وكان موضوعها: تراث الأندلس الإسلامي.

موضوعات الدورة الجديدة

أعلنت أمانة الجائزة موضوعات جائزة الملك فيصل العالمية لعام ٢٠٢٣م وهي: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، وموضوعها عن العمارة الإسلامية. واللغة العربية والأدب، وموضوعها: السرد العربي القديم والنظريات الحديثة. أما الطب فموضوعه: الأوبئة وتطوير اللقاحات. والعلوم، سيكون موضوع الجائزة: الكيمياء.

يذكر أن جائزة الملك فيصل العالمية تحظى بمكانة مرموقة بين كبريات جوائز العالم، وقد نالها منذ انطلاقها، 282 فائزًا من 44 جنسية. والفائز بالجائزة يمنح في كل فرع من فروع الجائزة الخمسة، مبلغًا قدره 750 ألف ريال سعودي (نحو مئتي ألف دولار) وميدالية ذهبية عيار 24 قيراطًا تزن 200 جرام، إضافة إلى براءة مكتوبة بالخط العربي بتوقيع رئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل، تحمل اسم الفائز وملخصًا حول مسوّغات فوزه بالجائزة.


سوزان‭ ‬ستيتكيفيتش‭:‬ نحن‭ ‬المتخصصون‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬بأميركا‭ ‬نعمل‭ ‬منعزلين‭ ‬ومهمشين

البروفيسورة سوزان ستيتكيفيتش رئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة جورج تاون، المحررة التنفيذية لدراسات الأدب العربي ودراسات بريل في سلسلة دراسات الآداب في الشرق الأوسط، الحاصلة على درجة الدكتوراة من جامعة شيكاغو عام 1981م، عُرِفَت بأعمالها المميزة عن الشعر العربي الكلاسيكي منذ حقبة ما قبل الإسلام، ولها عدد من المؤلفات في الأدب العربي القديم منها: كتاب «أبي تمام وشاعرية العصر العباسي»، وكتاب «القصيدة والسلطة».

وفي حديث لـ«الفيصل» قالت ستيتكيفيتش في مناسبة فوزها بجائزة الملك فيصل: «لعل الفوز بجائزة الملك فيصل العالمية أصدق تعبير لزملائي في العالم العربي عن تقديرهم لأعمالي الأدبية والنقدية في الشعر العربي القديم، واعترافهم بإخلاصي لدراسات اللغة العربية وثقافتها وأدبها». وعن انطباعاتها حول هذه الجائزة، لفتت إلى أن الانطباع الأول هو في المفاجأة، موضحة «نحن المتخصصون في الأدب العربي القديم في الولايات المتحدة، وبصفة خاصة في مجال الشعر، نعمل منعزلين عن التيارات الأكاديمية العامة، ومهمشين إلى حدٍّ ما»، وأكدت: «هذا ليس في بلدنا نحن فحسب، بل أيضًا في البلدان العربية ذاتها؛ لذلك أسعدني، الحصول على هذه الجائزة المرموقة».

منطلق لفهم الشعر العربي

البروفيسورة ستيتكيفيتش التي قدمت نموذجًا فريدًا للباحثة المجتهدة التي سعت لاستكشاف الشعر العربي منذ العصر العباسي، حيث شكلت دراستها عن أبي تمام منطلقًا مهمًّا لفهم الشعر العربي في تلك الحقبة الزمنية، تقول عن مشروعاتها التي تشتغل عليها حاليًّا: «أحاول الانتهاء من كتابي في شعر أبي العلاء المعري، بعنوان «نوح الحمام ونعيق الغراب عن سقط الزند واللزوميات»، كما أنني مشغولة بمشروع يخص التطورات في المدائح النبوية فيما بين القرنين الخامس والتاسع الهجريين، وهذا المشروع متمم لكتابي الصادر في عام ٢٠١٠م عن قصائد البردة لكل من كعب بن زهير والبوصيري وأحمد شوقي. وفي دراستي الحالية أهتم بجذور النسيب النبوي في حجازيات الشريف الرضي، والغزل الصوفي عند ابن الفارض، وإبداع القصيدة البديعية لدى صفي الدين الحلي، وجماليات فن تخميس البردة لشمس الدين الفيومي». وعن أحوال دراسات الأدب العربي في الدوائر الأكاديمية الغربية، قالت: «في دراسات الأدب العربي أرى الظاهرة نفسها التي في الدراسات الأدبية عامة تحصل، وهي التوسّع أو الانتشار إلى المجال الأوسع من الدراسات الثقافية، بما في ذلك إثبات روابط متينة بين الأدب والفنون الجميلة والدراسات الإنسانية من جهة، وبين الأدب والعلوم الاجتماعية من جهة أخرى. وذلك، في تقديري، سيفتح آفاقًا جديدة للكشف عن أبعاد أخرى من الأعمال الأدبية العربية، ولتعميق دور ومكانة الأدب العربي في كل من الدراسات الإنسانية والاجتماعية في الغرب وفي العالم».

جيل من الباحثين والطلاب

وبسؤالها عن سبب ازدياد الدراسات والأبحاث حول الأدب العربي والإسلامي في أميركا قالت ستيتكيفتش: «في الولايات المتحدة برز جيل من الأساتذة والباحثين والطلاب، كثير منهم من أصول عربية أو إسلامية، يرون في الحضارة العربية والإسلامية جزءًا لا يتجزأ من التراث البشري المشترك، وركنًا من الأركان التي سنبني عليها مستقبلًا إنسانيًّا هو لا محالة مشترك». ستيتكيفيتش أكدت أن «الحصول على جائزة الملك فيصل يعدّ مسؤولية عظيمة»، وتابعت: «إنني أتخذ بعين الجدّية كون مؤسسة الملك فيصل مؤسسة خيرية في أصلها، ولقد تشرفت بالفوز بجائزة الملك فيصل العالمية، فمن الجهة المعنوية فهي لا تعتبر اعترافًا بإنجازاتي في مجال الأدب العربي القديم فحسب، بل إنها جائزة تشجعني وتحثّني على القيام بمزيد من الدراسات الجديدة، وتدفعني للاضطلاع بدوري في تشجيع الجيل القادم من الطلاب والباحثين على مواصلة بحوثهم في الأدب العربي، أما من الناحية المادية فسوف أستثمر الفرصة للتبرّع للمؤسسات الخيرية من أجل إنقاذ اللاجئين والنازحين». وعبّرت ستيتكيفيتش عن أمنيتها بمواصلة مشوارها ومسيرتها مع الشعر العربي القديم، وقالت: «أتمنى أن أستمر في تدريس الشعر العربي، وفي تنظيم أنشطة علمية للطلبة والباحثين، لتطوير دور الشعر العربي في الدراسات الإنسانية العالمية».


عبد‭ ‬العزيز‭ ‬السبيل‭: ‬اللجان‭ ‬العليا‭ ‬للاختيار‭ ‬والحكم صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬حجب‭ ‬أي‭ ‬جائزة‭ ‬

أثار حجب جائزة الدراسات الإسلامية، التي كان موضوعها «تراث الأندلس الإسلامي»، تساؤلات عدة بين المهتمين، كيف لموضوع لمثل هذا لا يوجد فيه باحثون بارزون يستحقون نيل الجائزة؟ الأمين العام لجائزة الملك فيصل الدكتور عبدالعزيز السبيل، أوضح قائلًا: «نحن في أمانة الجائزة لا يسعدنا حجب أي من جوائز الملك فيصل، لكن الواقع أنه لا علاقة لأمانة الجائزة بقرار الحجب أو المنح، فهناك لجان عليا للاختيار والحكم، مكونة عادةً من عشرة علماء من مختلف أقطار العالم، وهم من المختصين في موضوعات حقول الجائزة، وهم يتدارسون الموضوع من جوانبه كافة ويدرسون الترشيحات التي وصلت ويطلعون على تقارير الحكام ويتناقشون فيما بينهم، وبعد ذلك يصدرون قرارهم حول من يستحق منحه الجائزة، سواء كان بالانفراد أو بالاشتراك، أو ربما يتخذون القرار بحجب الجائزة كما حصل في جائزة الدراسات الإسلامية لهذا العام».

وأضاف السبيل: «نحن عادةً في أمانة الجائزة ولجان اختيار الموضوعات لا نقوم باختيار أي من الموضوعات إلا بعد التأكد إلى حدٍّ كبير من وجود شخصيات معرفية تستحق الفوز بالجائزة، والملاحظ أن جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية تحديدًا هي الأكثر نصيبًا في الحجب، وهذا مرده لعدة عوامل، منها: رؤية لجنة الاختيار بالدرجة الأولى، وأحيانًا أنه لا يتم ترشيح كل الأسماء المتوقعة، وهذا جانب لا نحكمه لأننا في أمانة الجائزة لا نرشح الفائزين وإنما تأتينا الترشيحات من المراكز العلمية والمؤسسات البحثية والجامعات على مختلف مرجعياتها»، لافتًا إلى أن «هناك جهودًا كبيرة بُذِلَت من الباحثين فيما يتصل بـ«تراث الأندلس الإسلامي»، لكن أمانة الجائزة تحترم رأي لجنة الاختيار وتأخذ به، ونأمل في المستقبل ألا يكون هناك حجب لأيٍّ من الجوائز». وقال: إن اللجان «تضطر إلى الحجب للحفاظ على المستوى العلمي الرفيع الذي تتسم به جائزة الملك فيصل، فهم في بعض الأحيان يرون أن بعض الأعمال المقدمة جليلة، ولكن للجنة الاختيار وجهة نظر مختلفة في تلك الأعمال، التي قد لا ترقى للمستوى التقديري الموقر لجائزة الملك فيصل».

كتاب سعوديون يتأملون الحياة في شروط أفضل خالد البكر: «قابلية العيش» و«نمط الحياة» مفهومان نعمل على تمكينهما

كتاب سعوديون يتأملون الحياة في شروط أفضل

خالد البكر: «قابلية العيش» و«نمط الحياة» مفهومان نعمل على تمكينهما

أوضح خالد البكر المدير التنفيذي لقطاع دعم التنفيذ، والمكلف لقطاع التسويق والتواصل في برنامج جودة الحياة، أحد برامج رؤية السعودية 2030، أن مركز برنامج جودة الحياة ذو شخصية اعتبارية مستقلة، أقره مجلس الوزراء، ويعمل وفق محورين أساسيين؛ الأول: تمكين برنامج جودة الحياة. والمحور الثاني يرتبط بإطاره التنظيمي الذي يهدف بصورة عامة إلى أن يكون المركز مرجعًا لجودة الحياة في السعودية، من خلال تشجيع وحَفْز إنشاء المعاهد والمراكز التدريبية، ورعاية المواهب والكفاءات المتخصصة في مجالات جودة الحياة.

ويلفت البكر إلى أن برنامج جودة الحياة أسندت إليه أربعة أهداف إستراتيجية عند إطلاقه، وأضيفت إليها أهداف أخرى «تندرج في إطارها مبادرات عدة، يعمل البرنامج على التأكد من تحقيق غاياتها مع الجهات التنفيذية على اختلافها، ومن هذه الجهات وزارة الرياضة، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة للترفيه، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، ووزارة الداخلية، ووزارة التعليم، ووزارة الإسكان، إضافة إلى جهات تنفيذية أخرى سيُعلن عنها مع الأهداف الجديدة ومبادراتها قريبًا».

وأشار إلى أن تمكين برنامج جودة الحياة لأداء مهامه يرتكز إلى محورين: «الأول التأكد من تنفيذ المبادرات في وقتها، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والمحور الثاني تذليل العقبات والتحديات التي تواجه الجهات التنفيذية في إطار عملها».

وذكر البكر أنه عند وضع برنامج الجودة «درس المكلفون به ستة مؤشرات عالمية تُعنى بجودة الحياة، ووُسِّعتْ نماذجها التعريفية لتتناسب مع حاجات السعودية، والمؤشرات موجودة في وثيقة البرنامج التي نُشِرتْ في مايو 2018م، وستُنشَر نسخة مُحدَّثة عنها قريبًا. وبناءً على الدراسات التي لُخصت في وثيقة البرنامج حُدِّدَ مفهومان مرتبطان بشكل مباشر بجودة الحياة وخصوصيتها الاجتماعية، الأول هو «قابلية العيش»، وهي المعايير الحضرية الأساسية للمعيشة… أما المفهوم الثاني فيخص «نمط الحياة» وهو مجموعة من خيارات وأساليب الاستمتاع بالحياة».

وعما تحقق للبرنامج من أهداف فيما يخص جودة حياة، قال البكر: «البرنامج نجح في تحسين جودة حياة الفرد والأسرة في السعودية، وتهيئة البيئة المناسبة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، والأنماط الأخرى التي يمكن أن تسهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة». وأضاف أن البرنامج حقق الكثير فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل في قطاعات جودة الحياة، «ومن ذلك ابتعاث سعوديين وسعوديات لدراسة مجالات مرتبطة بقطاعات الترفيه والثقافة، وتدشين وبناء الأكاديميات مثل أكاديمية مهد الرياضية، وأكاديميات للفنون… والبرنامج مقبل على تطوير كبير، فالمعرفة ازدادت بحاجات البلاد فيما يتعلق بجودة الحياة».

خيارات جديدة تعزز المشاركة

عبدالرحمن الحبيبكاتب سعودي

برنامج جودة الحياة هو أحد البرامج التنفيذية التي وضعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030. هذا البرنامج مَعْنيّ بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، عبر تحسين البنية التحتية بالارتقاء بالمعيشة السكنية والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية والطبيعية.. واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية التي تساهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة، كما سيسهم تحقيق أهداف البرنامج في توليد العديد من الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وفي تعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية.

تشهد المملكة تقدمًا واضحًا في جودة الحياة على المستوى الإقليمي والعالمي، وفقًا للمعايير المختلفة في نوعية الحياة مثل القوة الشرائية، والسلامة، والرعاية الصحية، والحد من التلوث، والانفتاح الاقتصادي والثقافي. ففي الآونة الأخيرة قطعت المملكة أشواطًا متقدمة وقفزات مشهودة في مجالات الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والصحية والأعمال التطوعية ونظافة البيئة.. ونرى ما يحدث في إنشاء أو تطوير معارض الفنون ومراكز الترفيه والسينما والمسارح والمتاحف. كذلك المراكز الرياضية الصحية والمتنزهات والحدائق العامة، وأنسنة المدن والحياء السكنية.. كلها تصب في تحسين جودة الحياة الاجتماعية للمجموعات، والنفسية والذهنية للفرد، وصحة البيئة التي لها دور في صحة الإنسان وتلافي الملوثات.

وإذا كانت صحة البيئة تعني العناية الصحية غير المباشرة للناس، فإن جودة الحياة تبدأ مباشرة بالصحة والغذاء وجودتهما، وخير مثال هو التفوق المذهل للسعودية في إجراءات مواجهة وباء كورونا سواء كانت إجراءات صحية أو تموينية غذائية أو تمويلية مالية.. فعلى سبيل المثال ما رأيناه من توفير الغذاء والدواء وجميع المواد الأساسية والثانوية بكل يسر وسهولة، في كل مناحي المملكة، في ذروة أزمة وباء كورونا، في وقت كنا نرى دولًا عظمى تخلو رفوف أسواقها من المنتجات الغذائية منذ الصباح الباكر. هذا التفوق السعودي تظهره أيضًا الإجراءات الأخيرة في التطعيم باللقاح المضاد لكورونا، التي تميزت بتنظيم مريح وسلاسة في الإجراءات، من التسجيل، ثم حجز موعد، إلى الوصول للموقع مع بشاشة من المستقبلين وتوفير الاحتياجات حتى المشروبات، وفي النهاية الحصول على وردة بيضاء من المودعين لك بالدعاء والتمني بالتوفيق، بينما رأينا كيف تعاملت دول كبرى من متاعب توفير اللقاح، ومن ارتباك في التنظيم والترتيب لتطعيم مواطنيها.

إذا انتقلنا من جودة الصحة إلى جودة الغذاء، وتماشيًا مع برنامج جودة الحياة، فقد نفذت وزارة البيئة والمياه والزراعة مشروعات جبارة، من أهمها إطلاق مشروع الممارسات الزراعية الجيدة التي تضمن سلامة المنتج للمستهلكين، وسلامة الإجراءات للعاملين، وعدم استنزاف الموارد الطبيعية وبخاصة المياه، أو الإفراط في استخدام المواد الكيماوية؛ أي زراعة مستديمة لمنتج سليم وبيئة نظيفة.. هذا المشروع الضخم يُعَدّ نقلة نوعية كبرى في القطاع الزراعي، ورافدًا لبرنامج جودة الحياة؛ لأنه يعني غذاءً صحيًّا، وزراعة مستديمة، وبيئة نظيفة.

جودة الحياة بين الأخلاق والسياسة

شايع الوقيانكاتب سعودي

من أجل تحقيق رؤية ٢٠٣٠ طُرِحَ برنامج «جودة الحياة»، الذي يهدف بشكل أساسي إلى تحسين نمط حياة الأفراد والأسر والمجتمع كله. وينطوي البرنامج على مشروعات عدة ذات طابع ثقافي وفني وترفيهي ورياضي. «جودة الحياة» شغلت الناس قديمًا، وتصدى الفلاسفة لها كغيرهم. وكان الفلاسفة منذ القدم مشغولين بسؤال: كيف نعيش حياة جيدة؟ وكان هذا السؤال في البداية ينتمي لفلسفة الأخلاق. أي يركّز على الفرد بصرف النظر عن محيطه الاجتماعي. وهكذا يرى سقراط أن غاية الحياة الجيدة هي تحقيق السعادة، وهذا يتم عبر الفضيلة. ويوافقه أرسطو، ويرى أن الحياة الجيدة هي الحياة الفاضلة، أي اتباع فضائل العدل والكرم والشجاعة والإحسان والتواضع وغير ذلك. ومع الفلاسفة اللاحقين صارت الحياة الجيدة مرادفة لِلّذة كما عند الإبيقوريين، سواء اللذة الحسية أو العقلية، أو مرادفة للصبر والزهد والاستسلام للقدر كما عند الرواقيين.

إلا أن فلاسفة العصور الحديثة أخذوا يفكرون في المجتمع والدولة بوصفهما الإطارين اللذين يسمحان بحياة جيدة. وهكذا دخلت معايير جديدة مواكبة للتطور العلمي والصناعي والتقني الحديث. وصار موضوع جودة الحياة مرتبطًا بالنشاط السياسي وليس الأخلاقي كما كان الأمر قديمًا. من أهم معايير جودة الحياة استتباب الأمن، وارتفاع المستوى الاقتصادي أو الرفاه، وتحسن الأوضاع الصحية والتعليمية، وسيادة الوعي النقدي، وحرية التعبير والاعتقاد. والأمن هو العامل المركزي، فبدونه ينهار النسق الاجتماعي وبقية الأنساق الفرعية المنطوية تحته كالتعليم، والصحة، والرياضة، والترفيه.

ولا جرم أن ينصب اهتمام حكومتنا على الأمن بكل معانيه. فهناك الأمن العام الذي يحرس المجتمع من الإرهاب والفساد، وهناك الأمن الفكري الذي يتمحور حول فحص الأفكار الرائجة التي قد لا تخلو من أفكار خطيرة وضارة بالفرد والمجتمع. والأمن الأسري وضرورة حماية الأسر وأفرادها من العنف المنزلي. استتباب الأمن يفتح المجال لما يأتي بعده في الأولوية، كالرفاه الاقتصادي والترفيه والرياضة والثقافة ونحوها. وقد حققت المملكة خطوات عظيمة في هذه الأطر، ولا تزال الجهود فاعلة. وكلنا أمل في أننا معًا، حكومة وشعبًا، سنصل ببلادنا إلى ذُرى الجوزاء، واعتلاء المراتب الرفيعة بين الأمم والشعوب.

مؤشرات قياس جودة الحياة

جعفر الشايبكاتب سعودي

هناك اهتمام عالمي متصاعد حول بلورة وتطبيق مفاهيم جودة الحياة بوصفها أساسًا للتنمية المستديمة، وخصوصًا ما يتعلق ببعد المشاركة المجتمعية في مختلف جوانب التنمية؛ لكونها الضامن الإنساني لها، فإغفال البعد الإنساني يفرغ الحياة وجودتها من العنصر الأساس فيها. فالصحة ضمن هذا السياق على سبيل المثال لم يعد ينظر إليها في غياب الأمراض فقط؛ بل في الاكتمال البدني والذهني والاجتماعي، أي من خلال تشكل عناصر مركبة ومتكاملة تشكل أبعادًا مختلفة لدور الإنسان فيها.

استخدم مصطلح جودة الحياة بداية للتعبير عن كفاية المسكن والعمل والصحة والبيئة، وشمل ذلك بُعْدين رئيسيْنِ هما: البعد الذاتي، ويتضمن الرفاهية الشخصية العامة والرضا عن الحياة والسعادة الشخصية، والبعد الموضوعي ويعني تلبية الاحتياجات الأساسية والاجتماعية، كأوضاع العمل، ومستوى الدخل، والمكانة الاجتماعية والاقتصادية، ويتميز بمجموعة من المؤشرات القابلة للملاحظة والقياس المباشر. وتُعَرِّف منظمة الصحة العالمية جودة الحياة بأنها «إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة وأنساق القيم التي يعيش فيها، ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع: أهدافه، وتوقعاته، وقيمه، واهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، وحالته النفسية، ومستوى استقلاليته، وعلاقاته الاجتماعية، واعتقاداته الشخصية، وعلاقته بالبيئة عامة، وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا المعنى تشير إلى تقييمات الفرد الذاتية لظروف حياته». (WHOQOL Group 1995).

يلعب الإنسان (الفرد والجماعة) دورًا محوريًّا في قياس جودة الحياة، إذ تركز جميع المؤشرات التي ترصد ذلك كونها تتعلق بالنواحي الأكثر أهمية في حياة الفرد، ومن ثم قياس مستوى الرضا عنها من حيث إن الحياة بالنسبة للإنسان هي ما يدركه من محيطه، وبالتالي فهي تعبير ذاتي عن جودة ما يدرك من الحياة. وهناك مجموعة مؤشرات عالمية معروفة لقياس جودة الحياة من أبرزها:

أولًا– التصنيف العالمي لقابلية العيش: وهو مؤشر سنوي يصنف المدن في 140 دولة حسب جودة الحياة الحضرية فيها بناء عوامل، من بينها الاستقرار والرعاية الصحية والثقافة والبيئة والتعليم والرياضة والبنية التحتية.

ثانيًا– مسح ميرسر (Mercer) لجودة الحياة الذي يصنف 231 مدينة بناءً على النقل، والبيئات السياسية والاجتماعية والثقافية، والخدمات العامة، والصحة، والبيئة وغيرها من العوامل.

ثالثًا– قائمة مجلة مونوكل (Monocle) لنمط الحياة، وهي قائمة سنوية تصنف 25 من أفضل المدن للمعيشة في العالم.

رابعًا– مؤشر السعادة العالمي ويصنف 155 دولة وفقًا لمستويات السعادة فيها، وذلك بناءً على حالة الفساد، وحرية الاختيار، ومتوسط العمر المتوقع، وإجمالي الناتج المحلي للفرد، والدعم الاجتماعي.

خامسًا– مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لجودة الحياة، وهو مؤشر يقارن جودة الحياة بين البلدان بناءً على 11 جانبًا أساسيًّا: الأمن، والصحة، والدخل، والوظائف، والتوازن بين الحياة والعمل، والتعليم، ومستوى الرضا، والسكن، والبيئة، والمجتمع، والمشاركة المدنية.

سادسًا- مؤشر ARRPلجودة المعيشة، وهي مبادرة متميزة من معهد السياسات العامة لقياس جودة الحياة في المجتمعات الأميركية، بناءً على النقل والصحة والاقتصاد والتعليم والإسكان والأحياء السكنية والبيئة والمشاركة المجتمعية والتساوي في الفرص. ولعرض سريع لمجمل المؤشرات نرى أن البعد الذاتي يشمل الاتجاه النفسي؛ كالاتصال العالمي، وبيئة الثقافة، والاستجمام، والأمان، والرضا، والسعادة والحريات، كما يشمل في الاتجاه الفلسفي التساوي في الفرص، والدعم الاجتماعي والعطاء، والاستقرار والدعم النفسي. ويندرج في مجال البعد الموضوعي الاتجاه السياسي؛ كالبيئة السياسية والأمن، والاتجاه الاجتماعي كالبيئة الاجتماعية والسكن، والجودة المعمارية والتصميم الحضري، والبنية التحتية، والتعليم. أما في الاتجاه الاقتصادي فيشمل البيئة الاقتصادية والسلع الاستهلاكية وفرص العمل، والاتجاه الطبي يشتمل على الصحة، والخدمات الطبية، والرياضات، والبيئة الطبيعية، ومكافحة التلوث.

من هنا نرى أن مؤشرات جودة الحياة تشمل مختلف العناصر التي تتشكل منها حياة الفرد، ولا يمكن اختزالها في جوانب محددة، وذلك من أجل أن تتكامل أبعاد جودة الحياة؛ كي يحقق الإنسان مستوى متقدمًا من جودة حياته، وأرى أنه من المهم الاستناد إلى مؤشرات القياس هذه، ووضعها كمعايير لنجاح أي مشروع في تحسين جودة الحياة.

الإحساس بالهوية والانتماء

أميرة كشغريكاتبة سعودية

يشير مفهوم «جودة الحياة» إلى مستوى الرضا فيما يتعلق بالجوانب الأكثر أهمية في حياة الفرد. ومن أجل الوصول لتعريف موضوعي قابل للقياس لهذا المفهوم لا بد من استعراض المؤشرات العالمية المتبعة في قياس جودة الحياة. تشمل هذه المؤشرات مستويين من المعايير هما: المؤشرات الكمية (المادية)، والمؤشرات النوعية (غير المادية).

تتضمن المؤشرات الكمية عناصر قابلة للقياس مثل مستوى الرعاية الصحية، وجودة التعليم، وجودة البيئة، والبنية التحتية، والخدمات العامة كالنقل والمواصلات، والاستقرار الاقتصادي وفرص العمل والأجور، والرياضة وسهولة ممارستها داخل المنزل وخارجه، والترفيه والترويح الذي يقاس بوفرة المرافق المتاحة للمجتمع كالمتنزهات والملاعب والحدائق العامة المتوافرة للأحياء السكنية، وأخيرًا البيئة الثقافية الفاعلة، مثل: توافر المسارح، ودور السينما، والمتاحف، والمكتبات العامة، والمهرجانات الثقافية. أما المؤشرات النوعية فتتضمن عناصر غير مادية، مثل مستوى السعادة لدى الأفراد، والأمن والأمان على المستوييْنِ الفردي والمجتمعي، ومحاربة الفساد، والتساوي في الفرص، والمشاركة المدنية، والدعم الاجتماعي للفرد من جانب مؤسسات الدولة، وأخيرًا لا آخرًا، حرية الاختيار والتعبير.

هذه المؤشرات متوافقة، في معظمها، مع «وثيقة برنامج جودة الحياة 2020» التي اطلعت عليها عبر موقع الرؤية 2030. أهم ما ورد في الوثيقة هما مفهوم «قابلية العيش» ومفهوم «نمط الحياة» مصحوبة بخطة التنفيذ. وحسب ما ورد في الوثيقة فإن «تطوير نمط حياة الفرد» يتطلب وضع منظومة تدعم وتسهم في توفير خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطنين في الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية. كما أن قابلية العيش يعني تحسين جودة الحياة، ووضع مجموعة واسعة من الأهداف والطموحات التي حددتها رؤية 2030 في المجالات الخاصة بالبنى التحتية والإسكان، وبرامج الرعاية الصحية، والفرص التعليمية والأمن والبيئة الاجتماعية المناسبة.

وأعترف أنني لا أمتلك الإحصاءات اللازمة كي أحدد مستوى التقدم الذي أحرزناه على المستوى الكمي الذي ورد في الوثيقة. ولكن ما أستطيع تأكيده هو التقدم الذي لمسته في مسار مستوى جودة الحياة الكمي الذي انعكس إيجابًا على الأفراد والمجتمع من خلال برنامج التحول الوطني في وزارة الثقافة التي أنشأت إحدى عشرة هيئة عامة خلال السنوات الأخيرة، مثل هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة التراث، وهيئة المتاحف، وهيئة الترفيه، وهيئة الرياضة، وغيرها. وقد أسهمت هذه الهيئات في خلق فرص وظيفية جيدة للمواطنين، وبخاصة الشباب منهم، وانعكس إيجابًا على حياة الأفراد النفسية والاقتصادية، فالعمل ليس فقط من أجل الحصول على الراتب وتحسين مستوى الدخل، بل أيضًا من أجل منح الأفراد الإحساس بالهوية والانتماء وفرص لتكوين علاقات مع الآخرين والشعور بالرضا والامتلاء.

إن من يمتلك القدرة على تقويم مؤشرات موقعنا وتقدمنا في ميزان جودة الحياة هم علماء الاجتماع ومراكز البحث والإحصاء، التي نسعى ونتطلع لأنْ تكون جزءًا مواكبًا لبرنامج جودة الحياة وبرنامج التحول الوطني لتحقيق الرؤية 2030 الذي يهدف إلى جعل المملكة أفضل وجهة للعيش للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وعلى الرغم مما نلمسه من تقدم ملحوظ في مستوى جودة الحياة الذي أحرزناه على مستوى الأفراد والمجتمع وهو ما انعكس إيجابًا على جودة الحياة الثقافية والنفسية والوظيفية، فإننا نطمح للمزيد، وبخاصة على مستوى المؤشرات النوعية الداعمة للمؤشرات الكمية.


‮«‬نور‭ ‬الرياض‮»‬‭ ‬احتفال‭ ‬بالأضواء‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة في‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية

يسلط معنى شعار معرض «نور الرياض» لعام 2021 «تحت سماء واحدة»، الضوء على الفكرة التي تدفع البشر للتجمع حول الضوء، وإمعان النظر في نار المخيم والتحديق في النجوم. وتشتمل النسخة الأولى من الاحتفال، الذي يقام في شهر مارس من كل عام، على أكثر من 60 عملًا فنيًّا عامًّا نُظِّمَت في جميع أنحاء مدينة الرياض. ويستعرض المعرض فنون الضوء منذ ستينيات القرن الماضي؛ كما يشتمل برنامجه على فعاليات متنوعة من الجلسات الحوارية والورش العملية والأنشطة العائلية وعروض الأفلام وحفلات الموسيقا. وعلى هامش الحدث تنظم لقاءات لمناقشة أعمال الفنانين المشاركين، مثل عمل الفنان الهولندي دان روزيغارد «الطبيعة المتوهجة»، وهو تجربة تفاعلية غامضة تتعمق في الجوانب الفريدة للكائنات الحية الدقيقة، التي يبلغ عمرها ٧٠٠ مليون سنة والتي تضاء عند اللمس.

بمثل هذا المعرض وفعاليات أخرى تجتهد الرياض لأن تصير إحدى أفضل مدن العالم من ناحية جودة الحياة، كما تفتح أبوابها لاستقبال الأعمال، وترحب بالزوار من شتى أنحاء العالم. ويهدف احتفال «نور الرياض» إلى تجسيد روح الإبداع من خلال استقطابه الفنانين والمبدعين في مجال فنون الضوء والموسيقا من المملكة ومن مختلف أنحاء العالم؛ إذ يشارك في الاحتفال ثنائي التوزيع الموسيقي: أمين عقيل، وحمزة علي، إلى جانب عازفة الكمان والمنسقة والمنتجة الموسيقية «كيان» بوصلات فنية موسيقية، تُعرَض حصريًّا على المنصات الإلكترونية الرسمية لاحتفال «نور الرياض».

والمعرض هو باكورة برامج مشروع «رياض آرت»، أحد مشروعات الرياض الأربعة الكبرى، التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 19 مارس 2019م بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، بهدف تحويل مدينة الرياض إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة. وكان «نور الرياض» قد انطلق بمشاركة أبرز الفنانين السعوديين والعالميين، ومنهم: أحمد ماطر، ولولوة الحمود، وأيمن زيداني، وراشد الشعشعي، ومها ملّوح، ودانيال بورين، وكارستن هولر، وإيليا وإميليا كاباكوف، ويايوي كوسوما، ودان فلافين.

كادر

المثقف السعودي والتحولات الجديدة تهميش قصدي مستمر أم هناك مبالغة في دور المثقف وقيادته للحراك الاجتماعي؟

المثقف السعودي والتحولات الجديدة

تهميش قصدي مستمر أم هناك مبالغة في دور المثقف وقيادته للحراك الاجتماعي؟

التحول الكبير الذي يشهده المجتمع السعودي حاليًّا، ويطول مؤسساته الرسمية، بدا لافتًا للمتابع، أيًّا كان هذا المتابع، فالتحول يعصف بما كان يُعَدُّ من المسلَّمات التي يستحيل المساس بها، بفعل الإرادة القوية والتفاعل الواسع من شرائح المجتمع المختلفة. وعلى الرغم مما أحدثه هذا التحول من تداعيات مباشرة وجوهرية في الإنسان السعودي وفيمن يعيش في السعودية، فإن المهتمين برصد هذا التحول، يلاحظون غياب التفاعل من جانب المثقفين والأدباء، فلا نصوص، إبداعية أو سواها، تواكب ما يجري، ومن ثم لا مساهمة لهم تُذكَر في قيادة التنمية والتحول المجتمعي، سواء على مستوى بناء النماذج النظرية للتغيير المستهدف، أو كحد أدنى المحافظة على دورهما التاريخي التقليدي من خلال صياغة الرؤى والمفاهيم النقدية المقابلة، كمساهمة تؤدي إلى توازن الأدوار بين منظومة المجتمع والقوى الثقافية الأخرى.

لماذا ينزوي المثقف ويغيب عن مسيرة التحول؟ وما التداعيات المترتبة على انحسار دوره؟ هل تخلى المثقفون والأدباء عن الوظيفة التاريخية للمثقف، أم إننا نشهد مرحلة جديدة يُعاد فيها بناء الأدوار والوظائف داخل منظومة الثقافة والإعلام وصولًا إلى ما يعرف بـ«المثقف الجديد»؟ هل لعبت الوسائط التقنية الجديدة والمنصات الرقمية للتواصل الاجتماعي دورًا في انزواء المثقف وعزوفه، لصالح صعود نشطاء ومشاهير هذه المنصات لدرجة لعب دور المثقف؟

«الفيصل» طرحت هذه الأسئلة على عدد من المثقفين والكُتاب:

عبدالله المطيري: المثقف أمام تحدٍّ أخلاقي

سأتحدث هنا فيما يخص النشاط الفلسفي في السعودية الذي يعيش أزهى عصوره حتى الآن. في هذا النشاط لا يوجد انزواء ولا محدودية مشاركة، بل حالة انطلاق ومساهمة متزايدة. الآن هناك مناشط مختلفة ومتعددة في أكثر من مدينة سعودية. الآن حلقة الرياض الفلسفية «حرف» تعد مجموعة من الأنشطة، التي تناقش قضايا الانفتاح الثقافي واستقبال الآخر والغريب في السعودية كما تناقش مفهوم الثقافة في الحياة وجودة الحياة من منظورات فلسفية. الانفتاح الاجتماعي الحالي نافذة دخل معها كثيرٌ من أنوار الأسئلة والاستفهامات وطاقة التأمل والدهشة.

فلسفيًّا، التحولات الأخيرة فتحت قضايا كبيرة متعلقة بالحقوق والحريات والعدالة والانفتاح والتنوع الثقافي والتعددية. النشاط الفلسفي السعودي يتفاعل مع هذه القضايا ولكن تبعًا لطبيعته الخاصة. البحث الفلسفي بطبيعته ميال للتجريد والبحث المفاهيمي أكثر من التركيز على نماذج بعينها. لكن يمكنني تقديم الملاحظة التالية: المجتمع السعودي مر بأوقات طويلة من الجدل والنقاشات مع هدوء في القرارات العامة التي تعكسها اجتماعيًّا. لكن في الوقت الحالي لدينا حيوية في صناعة القرار حسمت الكثير من الملفات العالقة بسرعة لا يستطيع الحراك الفكري بطبيعته الهادئة مجاراتها. اليوم الجميع في حالة من الانكشاف على المستقبل بدلًا من الارتباط الطويل بالملفات القديمة والعالقة. هذا تحول جديد برأيي وتَحَدٍّ حقيقي للبيئة الفكرية السعودية.

أعتقد أننا عشنا مدة طويلة من المبالغة في دور المثقفين والأدباء في الحراك الاجتماعي وصناعة الوعي. اليوم أمامنا صورة واضحة لاتساع الفضاء العام وتعدد خطاباته والأدوار التي يلعبها كل خطاب. الشروط الاقتصادية والسياسية لها الدور الأكبر في كل مجتمع، ولدينا اليوم الانفتاح العمومي على وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل الشعبي الذي لم يَعُدْ يمر من خلال القنوات القديمة. في هذا المشهد يبقى للفاعلين الثقافيين أدوار مهمة ولكنها ستبقى محدودة ولن تكون هي المحرك الأساسي للتغير الاجتماعي. أعتقد أن التأقلم مع هذه الحالة ومحاولة رفع حالة الاندماج المجتمعي من المثقفين والمثقفات هو السياق المتاح. المثقف لم يعد قائدًا ولا موجهًا، ولكن أمامه مهمة أساسية في العمل كمحلل وملاحظ ومراقب وناقد ومسؤول عن تقديم مادة ذات معنى وجودة داخل هذا المشهد الكبير.

على مدار التاريخ كان صوت الناس يمر عبر قنوات غير محايدة؛ منها القناة الثقافية التي رسمت مخيالًا عامًّا عن المثقف ودوره الاجتماعي. الآن المثقف أمام تحدٍّ أخلاقي وهو أن يكون فاعلًا من دون أن يكون بطلًا. إنها حالة من التعامل الجديد مع الواقع الذي يفرض معادلة جديدة. صوت الناس أخذ فرصته للخروج مع تعدد وسائل التواصل المتعددة، ولكن هذا لا يعني أنه أصبح صوتًا واحدًا أو حتى صوتًا يعبِّر بطريقة مفهومة وواضحة؛ لذا أعتقد أنه على المثقف اليوم أن يصغي جيدًا، وأن يحدِّث باستمرار قدرتَه على الاستماع والملاحظة والدهشة.

أكاديمي وكاتب.

نورة القحطاني: سلطة الخطاب الجديد

كل هذه التساؤلات مشروعة ومهمة لمحاولة فهم أسباب تراجع دور المثقفين في الوقت الراهن، بعدما حملوا الهم الثقافي سنوات عديدة في زمن كانت الأنفاس محسوبة على أصحابها ومساحة الحرية محدودة. ومع ذلك، نهضوا بالثقافة رغم قلة الإمكانات المادية والمعنوية، ونجحوا في تحقيق حراك ثقافي فعّال تركت معاركه الأدبية والنقدية إرثًا زاخرًا للباحثين وطلبة العلم. وما علينا إلا مراجعة إصدارات تلك الحقبة ومقارنتها بالحالية لترجح الكِفَّة لصالح الذين عملوا يدًا واحدة بحس المسؤولية الثقافية المنوطة بهم؛ لذا إن أردنا أن نكون منصفين في طرح أسباب الركود الثقافي وتراجع مؤشرات دور المثقف في التغيرات الحالية، فعلينا الإشارة إلى سببين بارزين: أحدهما يعود إلى المثقف، والآخر فرضته سلطة الخطاب الجديد والتغيرات الثقافية والاجتماعية.

أولًا- علينا أن نعي جيدًا أن المثقف والمفكر السعودي والعربي عامة قلَّما نجد لديه الحس النضالي كما وُجد عند غاندي مثلًا في الهند، أو عند مانديلا في جنوب إفريقيا، فقد يتراجع ويلجأ إلى العزلة عند عجزه عن المواجهة أو التغيير. وعلينا أيضًا أن نعي أن المشهد الثقافي والمجتمع السعودي عامة استيقظ فجأة من قبضة التنويم المغناطيسي السائد في حقبة الصحوة، واليوم بعد انحسار هذا الخطاب وجد المثقفون أنفسهم في مواجهة تحولات ثقافية جديدة ومتسارعة خلقت ما سماه الناقد محمد العباس بـ«فراغ ما بعد الصحوة»، وبرزت موجة جديدة من الثقافة الشعبوية على حساب صوت المثقف النخبوي، حيث ساهمت منصات الإعلام الجديد في انتشار خطاب ثقافي هش نتج منه تشويه فكري وثقافي واجتماعي على مستوى المنشور، والمرئي، والمسموع.

هذا الخطاب الجديد استهدف الشريحة المتوسطة التعليم من الجماهير، وحاول كسبها على حساب المفكر والمثقف الذي تضاعف تراجعه أمام هذا المد الجديد. وهنا أصبح المثقف بين خيارين: إما النأي بفكره وخطابه عن هذه الضحالة الفكرية، أو امتزاجه وتماهيه مع هذه الموجة؛ لضمان استمرارية وجوده وتحقيق مصالح ذاتية تقزّم من اهتمامه بالقضايا والتحولات الثقافية الكبرى. وهنا تتحول الثقافة إلى سلعة تحكمها قواعد السوق والاستهلاك، وتخضع لمعايير العرض والطلب التي قد تجبر المثقف على مجاراتها؛ ليتحول معها الإنتاج الثقافي إلى كم متراكم يُغفل القيم الفكرية العليا، ويخدم تطلعات المستهلِك على طريقة «المخرِج عاوز كده».

وقد يكون هذا أيضًا سببًا رئيسًا في أن تنفصل النخب الفكرية المثقفة عن المشهد الثقافي والأحداث الراهنة، انفصالًا ترك أثره في الخطاب السائد وشكّل شرخًا في الدور التنويري المنوط بالمثقف، الذي شعر بتهميشه القصدي ليس فقط من الخطاب الاجتماعي والثقافي الجديد، بل أيضًا من الخطاب الثقافي الرسمي ممثلًا في وزارة الثقافة التي تتحمل جانبًا من تراجع دور المثقفين، الذين ينتظرون دعم الوزارة لهم من خلال تفعيل المراكز الثقافية وبرامجها التثقيفية.

ختامًا، علينا أن نتنبه إلى أن غياب النقد والمراجعات التي يقوم بها غالبًا المثقفون يشكل خطرًا حقيقيًّا على الفكر والثقافة، ويملأ المشهد بالجمود والهشاشة والفساد. فالنقد قوة تعيد التوازن إلى المشهد الثقافي وتحميه من الانحرافات الفكرية، وتعيد الاعتبار إلى المثقف العضوي ودوره في مجتمعه.

ناقدة وأكاديمية.

فهد العتيق: الأدب سيستوعب التحولات على طريقته الخاصة

ربما ليس انزواء. هذه الملاحظة تنطبق أيضًا على كثير من الحالات الثقافية والإعلامية، ومنها مثلًا ضعف صوت أو تشتت النصوص الأدبية الآن في فضاء إعلامي واسع جدًّا؛ مثل: فيس بوك، وتويتر، ومواقع النت الثقافية. بعد أن كانت تجتمع يوميًّا أو أسبوعيًّا في ملاحق صحافية ثقافية وأدبية محددة ومعروفة، وكان صوتها وحضورها قويًّا وواضحًا جدًّا.

وكل هذا له أسبابه الموضوعية والطبيعية، ومنها أننا الآن نعيش مرحلة جديدة ومختلفة ومتجددة على الدوام، أصبح فيها الكتابة والرأي غير محصورين في فئة ثقافية محددة كما كان الوضع في السابق، خصوصًا بعد انتهاء حقبة الصحافة الورقية التقليدية، وتبعثر كتاب وكاتبات تلك الصحافة في الفضاء الواسع لوسائل تواصل اجتماعية وإعلامية وثقافية جديدة هي الفيس بوك وتويتر. وأصبحوا جزءًا أو أعضاء في هذا المجتمع الثقافي الكبير جدًّا. لهذا لم يعد هناك الآن فارق فني أو موضوعي كبير بين الكاتب الاجتماعي أو الكاتب الأدبي أو الفني أو العلمي. ولهذا أيضًا أصبح الرأي حقًّا للجميع. فكل من لديه رأي وقدرة على التعبير يستطيع أن يشارك ويتفاعل ويكتب الرؤية النقدية الاجتماعية والأدبية والعلمية بكل حرية في التعبير.

وإذا كانت المرأة السعودية قد أثبتت وجودها وقدراتها بإبداعاتها الأدبية والفكرية والعملية في مختلف المجالات الثقافية والفنية والعلمية والعملية، فقد واكب هذا عدد مهم من القرارات الوطنية والاجتماعية الرائدة والمؤثرة والمنتظرة منذ زمن طويل في بلادنا. وهذا بالفعل أحدث تحولًا جوهريًّا إيجابيًّا في المجتمع السعودي، وتحديدًا في قضايا الفن والثقافة والمرأة والأسرة. من خلال قرارات تاريخية رفيعة القيمة ستكون لها ظلالها الإيجابية على كل أفراد المجتمع، وعلى حركة الثقافة والعمل والإنتاج عامة.

فحين نشاهد العائلة السعودية في حياتنا اليومية المعيشة، وهي تذهب إلى صالات السينما وإلى ملاعب الكرة والمقاهي. وحين نشاهد الفتاة السعودية تقود سيارتها بنفسها في شوارعنا ولا تعتمد على سائق أجنبي، وحين نرى الأم في الصباحات المبكرة تأخذ أولادها وبناتها في سيارتها لإيصالهم إلى المدرسة. هذه المشاهد هي أفضل توثيق عملي على أرض الواقع. ومن هذه الحياة اليومية الجديدة والملهمة سوف تبدأ المواقف والذكريات والحكايات والقصائد لتعبر عن ذاتها في نصوص أدبية مقبلة، مع مرور الزمن وبطريقة تلقائية غير مباشرة تحددها موضوعات هذه النصوص الأدبية التي لها طبيعتها الفنية الخاصة.

روائي.

نورة الصويان: أزمة ثقافية

انزواء المثقفين والأدباء في رأيي المتواضع يمثل أزمة ثقافية يمر بها مجتمعنا الآن، التي هي جزء من أزمة اجتماعية شاملة نتيجة لانغلاق المجتمع لسنوات عديدة، وهو ما أثر في مؤسساته المجتمعية والثقافية كافة. والآن حان الوقت في ظل التغيرات النوعية التي يمر بها المجتمع لأنْ يمارس المثقفون والأدباء دورهم الطبيعي والمتوقع، في كسر حالة الجمود التي مرت على المجتمع… حان الوقت لحوار جاد ومعمق لتشخيص تراجع دور المثقفين والأدباء عن ممارسة دورهم التنويري المفترض، وعن الأزمة الثقافية وإشكاليات المثقف والأديب السعودي.

المثقف هو ضمير المجتمع وعندما يتراجع دوره يفسد ضمير المجتمع. أزمة الثقافة والمثقفين تتجلى في غياب الرؤية الذاتية للمثقفين في التحولات العميقة على الصعيد المجتمعي. الثقافة ظاهرة اجتماعية تمثل بمعناها الشامل مجموع القيم المادية والروحية التي يتبناها الفرد، هذه القيم ومحتواها تختلف من عصر إلى عصر وتعبر عن المستوى الثقافي لأي مجتمع. إن سيادة التوجه الفكري الواحد وإقصاء أي أفكار مخالفة لسنوات عديدة، ساهم بالتأكيد في تراجع دور المثقفين وفي اتساع الفجوة بينهم.

من ناحية، أعتقد أنه من المبكر أن نتوقع أن نلمس تأثير هذه التحولات في النتاج الأدبي في مجالاته كافة. المجتمع لا يزال في مرحلة مخاض هذه التحولات ولم يتجاوزها بعد، وبالتأكيد سنرى انعكاس هذه النقلة النوعية للمجتمع في الأدب خلال السنوات القريبة المقبلة، وخصوصًا في مجال الرواية والشعر والقصة. أما انعكاس هذه التحولات على العمل البحثي، فإننا نحتاج في رأيي لانفتاح أكثر من المؤسسات المجتمعية والجهات الرسمية؛ لإعطاء المجال للباحثين والتجاوب معهم في دراسة مختلف الظواهر الاجتماعية المصاحبة لهذه التحولات والنقلة النوعية التي يمر بها المجتمع السعودي.

أكاديمية.

عبدالرحمن الشهري: الحاجة إلى أشكال أدبية جديدة

أتوقع أنه ليس انزواء بقدر ما هو تفتُّت للواقع وانفراط، أدى إلى صعوبة نَظْمِه في خيط كما في السابق، وهذا ما لم ينتبه له بعض، وهو يسعى إلى الحضور في مواقع التواصل، بوصفه نجم مرحلة كانت تتميز بمركزية ثقافية، تنتج خطابها ضمن قنوات محدودة، ومتعارف عليها، وبإمكانها أن تجمع الناس حول فكرة أو هوية معينة.

ما يحدث تغييرات اجتماعية مهمة جدًّا، ويشكر الأمير محمد بن سلمان على تلك المبادرة؛ لأنه لا مجال للتأخير في تلك القرارات والتشريعات، في زمن رقمي «أصبحت فيه التغيرات المجتمعية أسرع من التاريخ» حسب ليونيداس دونيسكيس، وأسرع من الأدب والبحث أيضًا، ولن تلتقط « الحياة الذكية» التي نعيشها؛ إلا بأدوات لا تقل عنها ذكاء وسرعة، وربما بأشكال أدبية جديدة، وكما أقول دومًا: إن كل دقيقة تأخير قد تعني الذهاب إلى سلة محذوفات كونية، ستمتلئ بالكثير من الكتابات.

التنوير مفهوم حداثي كانت له مبرراته في الانتقال بالإنسان ما قبل الحديث إلى الحداثة، والمواءمة بينه وبين قيمها ومفاهيمها. أما اليوم فالإنسان يعيش في لحظة تاريخية تجاوزت المفاهيم والأفكار، التي سادت في عصر الحداثة إلى ما بعدها؛ ولم يعد المفهوم بتلك الصلابة التي تساعد على تحديده، في ظل انتقال الثقافة من بعدها التنويري إلى بعدها الإغرائي، حسب زيغمونت باومان، بل أظن أن السؤال الذي يمكن طرحه اليوم، في ظل الثورة الرقمية التي أفاد منها الجميع، وبخاصة الأجيال الجديدة: من ينوِّر من؟!

أعتقد ذلك، وعلى النخب أن تتخلى عن أوهامها؛ لأن «ثقافة الحشود»، المبنية على الرغبات، والميول والمحاكاة، مع عدم ثبات الأهداف، هي الغالبة على كل المنصات والمواقع، وإن كانت لا تخلو من بعض التوجيه أحيانًا؛ إلا أنها ثقافة بعيدة كل البعد من الإيمان بالنخب المثقفة، وتأثيرها السالف في الجماهير، ومن يدخل إلى الفضاء الرقمي على أساس أنه وصيّ، فلن يجد أمامه قُصَّرًا كما كان يظن، بل مجموعات متباينة من الأوصياء.

شاعر.

مسرحيون سعوديون: المسرح قوة ناعمة للتواصل مع  الجمهور وتعزيز الهويــة الوطنيــة.. والنهوض به ضرورة

مسرحيون سعوديون: المسرح قوة ناعمة للتواصل مع الجمهور وتعزيز الهويــة الوطنيــة.. والنهوض به ضرورة

المسرح السعودي لحظة من اللحظات الأساسية في تاريخ المسرح العربي، وما مر ويمر به من تحديات هي نفسها التحديات التي واجهت غالبية المسارح في الوطن العربي. تحديات استطاع المسرحيون السعوديون، بمثابرة وشغف وقتالية عنيدة، التغلب عليها كأفراد، في حين بقيت تحديات أخرى، يجهدون في العمل على تلاشيها؛ لأنه لا بد من تدخل جهات ومؤسسات بكاملها. «الفيصل» سألت عددًا من المسرحيين والمهتمين بالمسرح في السعودية، عن هذه التحديات، وعن المسرح وتطوره؛ ماذا يأملون في وزارة الثقافة؟ كيف يرون أنفسهم في سياق رؤية 2030 الواعدة؟

سامي الجمعان: تحديات ثابتة وأخرى متغيرة

من ناحية الرصد التاريخي بالتأكيد يمكننا الحديث عن مسيرة مرحلية في المسرح السعودي، لكنها عبارة عن حِقَب متداخلة، ينسل بعضها من بعض، ويتراكم بعضه فوق بعض، بمعنى أنه لا توجد مرحلة تحول انكساري ومفاجئ ومدهش إن ساغت لي التسمية. مراحل المسرح السعودي اعتيادية من حيث البدايات المرتبكة ككل البدايات المعتادة في تشكل مسرح بسيط للغاية، انطلق من المدارس ومن حلقات الكشافة، وتبلور في مرحلة لاحقة في حواضن الأندية الرياضية، وبدأ يأخذ طابعه الرسميّ في مرحلة ظهور جمعيات الثقافة والفنون مع بواكير عروض جماهيرية، تتلمس طريقها وتستكشف مواهبها، فظلت هذه الحالة التي يميزها اقتراب المسرح السعودي من الناس وتمثّله للقضية الاجتماعية، وتعبيره عن بيئته، وهذه مرحلة مهمة للغاية؛ لأنها شهدت أثر المسرح الاجتماعي. 

بعدها جاءت مرحلة جديدة أُسمِّيها مرحلة الانطلاق خارجيًّا، والغياب داخليًّا، وبدأت هذه المرحلة بصبغتها الإيجابية والسلبية في آنٍ، حين بدأ المسرح السعودي يشارك خارجيًّا في المهرجانات المسرحية الخارجية بعروض لها سمة التغريب والتجريب واللامعقول وغيره من المدارس التي تطرح المسرح بوصفه فنًّا يتوجب التغلغل في مفرداته، حتى إن كان ذلك على حساب القضية الاجتماعية وغياب صوت المجتمع.

هذه العروض التي استشرت وهيمنت على الفِرَق المسرحية السعودية بشكل لافت لم يكن لها من الأهداف أكثر من الحرص على الوجود الخارجي والتنافس على جوائز تلك المهرجانات، لكن أثرها الخطير كان واضحًا حين انسحب الجمهور بصفته الشعبية من قاعات المسرح وحضر جمهور النخبة والنخبة المسرحية فقط، بمعنى أن المثقفين السعوديين بوصفهم نخبة لم يكونوا على دراية بما يفعله المسرح.

هذه المرحلة الخطيرة من الانزواء واجهت اجتهادات لكسر خطورتها بالفعاليات التي كانت تقوم بها أمانة الرياض والأمانات الأخرى بتكريس حضور المسرح الجماهيري وتدعيم حضوره، وهذا كان هدفه موجهًا نحو استثمار المسرح في الإجازات لشغل أوقات فراغ الشباب.

ثم ما نلحظه حاليًّا من هيئة الترفيه وهو موجَّهٌ الآن أيضًا للاستثمار الاقتصادي.

هناك تحديات ثابتة وهناك تحديات متغيرة بتغير الحال، الثابتة كان أهمها انعدام البنى التحتية التي يحتاج إليها المسرح السعودي، ولي رجاء أن يفهم الجميع أن حديثنا عن المسرح السعودي لا يختزل في الرياض بل في مدن ومناطق ومحافظات مترامية الأطراف يفتقد معظمها وجود مسارح وقاعات مؤهَّلة للعمل المسرحي، فإذا كانت الرياض العاصمة تحتوي على بعض القاعات، فإن أكثر من ٧٠% من مدن المملكة لا يتوافر فيها ذلك، والمسرح من المجالات التي يحتاج إلى بيئة مناسبة تتوافر فيها تلك المتطلبات وأولها القاعات المؤهلة. 

ومن التحديات الثابتة قلة الدعم المادي للمسرح علمًا أن المسرح كما هو معلوم فن جماعي ويتطلب ميزانيات قوية بل باهظة، ومن ثم فإنه في حال فَقْد ذلك الدعم لن يستطيع أن يتحرك من مكانه.

من التحديات المتغيرة ما واجهه المسرح مع تشدد حركة الصحوة وممارساتها في حقبة ما للوقوف ضد أي محاولة، فنعلم كم ضُرِبَ الممثلون على الخشبة بالعصيّ! وكم أُوقِفَت العروض لوجود مؤثرات موسيقية! وكم طُرِدَ الجمهور من الصالة! وهي مرحلة خطيرة تحتاج إلى قراءة متعمقة؛ لأنها كانت ستُودِي بالحركة المسرحية بِرُمَّتها. 

من التحديات أيضا عدم وجود معاهد قادرة على تأهيل المسرحي السعودي وتطوير أدواته، وهذا تحدٍّ متغيرٌ؛ إذ إننا سمعنا بنوايا لترفير مثل هذه الأكاديميات في القريب.

من التحديات ضعف جمعيات الثقافة والفنون في حضورها المجتمعي وهي الجهة المنوط بها رعاية المسرح، وهذا الضعف انعكس على أثر المسرح مجتمعيًّا، وكما له أوجه عدة؛ منه ضعف سلطة المؤسسة، وضعف ميزانياتها، وضعف إمكانياتها بشكل عام.

أستاذ المسرح والسرديات المشارك بكلية الآداب،
جامعة الملك فيصل، ورئيس رابطة الإنتاج المسرحي العربي المشترك ATPA

حليمة مظفر: نحتاج إلى المسرح التجاري للتسلية
ولكن من دون إهمال المسرح الإبداعي الذي يعكس وعينا الإنساني

الحقيقة التي لا تغيب عن حكاية المسرح السعودي هو تأخره كثيرًا كفعل مسرحي عن بقية الدول العربية الأخرى، التي عرفت المسرح منذ أكثر من قرن ونصف القرن؛ مثل: مصر ولبنان، وكان أول بذرة لهذا الفن في الثقافة السعودية خرجت من المسرح المدرسي حيث اهتم العديد من المدارس بمختلف المناطق به وشجع عليه المدرسون الوافدون ممن حاولوا نقل التجربة من دولهم العربية إلى التعليم السعودي، ويمكن القول: إن معرفة المجتمع السعودي بالتجربة المسرحية ترافقت مع النهضة الشاملة التي شهدتها البلاد منذ إعلان أول خطة للتنمية عام 1390- 1395هـ، وقد أشار ناصر الخطيب في بحث أجراه بعنوان: «مدخل إلى دراسة المسرح في المملكة العربية السعودية» إلى أن قيام الفعل المسرحي السعودي بأركانه المكتملة من ناحية توافر النص، والمسرح، والممثلين، والإخراج كان عام 1393هـ/ 1973م، بمسرحية «طبيب بالمشعاب» التي أخرجها وألَّفها إبراهيم الحمدان، لتكون خطوة البداية الحقيقية للمسرح السعودي، عرضًا ونصًّا رغم أنّ نص المسرحية مقتبس من مسرحية الكاتب الفرنسي موليير «طبيب رغم أنفه» وقد عمل على سعودته.

وعلى إثر هذه المسرحية أُنشِئت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وهي من تحمل العبء الأكبر في ممارسة العمل المسرحي عبر الفِرَق التابعة لها، والمشاركة بها في المهرجانات المسرحية العربية والعالمية، وقبل هذه المسرحية نُفِّذَتْ تجارب مسرحية لا يمكن إسقاطها من التاريخ المسرحي السعودي، ولم يُسلَّط عليها الاهتمام الإعلامي؛ مثل: مسرحية «ثمن الحرية» التي رعاها رسميًّا الأمير سلمان بن عبدالعزيز حين كان يتولى إمارة منطقة الرياض قبل توليه الحكم، وهي من إخراج العراقي محسن العزاوي، ومثَّل فيها عبدالعزيز الحماد عام 1389هـ/ 1969م، وكان هناك عدد آخر من المسرحيات التي أخرجتها جمعية الفنون الشعبية والتي تأسست عام1380هـ/1970م في منطقة الأحساء بالمنطقة الشرقية، ومنها مسرحية: «غلط في غلط»، ومسرحية «ماطور النور» وغيرها، لكن هذه التجارب لم يهتم بها الإعلام كما حصل مع مسرحية «طبيب بالمشعاب» التي تسبب نقلُها تلفزيونيًّا في نجاحها إعلاميًّا، فحظيت بالتغطية، وعُدَّت البداية للمسرح السعودي.

ومن بعدها تتابعت التجارب المسرحية، وإن كانت باهتمام متفاوت عبر قنوات يمكن إيجازها في المسرح المدرسي، وهو أقدم نشاط مسرحي في السعودية، ثم المسرح الجامعي الذي يعود نشاطه إلى عام 1975م، والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تمثل دورها في الإشراف والتمويل للتجارب المسرحية عبر اهتمامها بالنشاط الثقافي، وأيضًا فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون المنتشرة في المملكة، وهي أهم القنوات التي دعمت النشاط المسرحي، وإنتاج المسرحيات السعودية، والمشاركة بها في المهرجانات العربية والدولية؛ أما القناة الأخيرة فتتمثل في مسرح الجنادرية الذي كان يقام سنويًّا ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة حيث اهتم بالمسرح اهتمامًا خاصًّا من خلال استقطاب الفِرَق المسرحية السعودية، وهو ما أثر في الحراك المسرحي وشجعه.

المسرح ورؤية 2030

هناك كثير من التحديات التي تواجه المسرح السعودي، ولكننا متفائلون جدًّا بطموحات وزارة الثقافة وتحقيق رؤية 2030 السعودية التي يقودها الأميرُ المُلْهِمُ لنا وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، أما التحديات فأهمُّها إعادة تشكيل الوعي المجتمعي للاهتمام بالمسرح كي يتحول فيه من فعل مسرحي ينهض فقط في المناسبات إلى فعل مسرحي مجتمعي منظم يُمارَس على مدار العام من وجهة نظري. ومؤكد أن خطوة التعاون التي أعلن عنها الأمير بدر بن عبدالله آل سعود وزير الثقافة مع وزارة التعليم في إدخال الموسيقا والمسرح إلى المناهج الدراسية ستكون عاملًا مهمًّا لرفع مستوى الوعي بثقافة المسرح وتقديره. ومن أهم التحديات عدم توافر الدراسة الأكاديمية للمسرحيين في جامعاتنا، وعدم جعل المسرح مادة ضمن الأدب في مدارسنا كاهتمامها بالشعر والقصة الأدبية، وعدم توافر كليات أكاديمية متخصصة، حتى نستطيع تخريج ممثل محترف، وكاتب محترف، ومخرج محترف، ومهندس إضاءة محترف، ومهندس ديكور إلى آخر الفريق الذي ينهض بعناصر مسرح يُخرِجُه من الهواية والاجتهاد إلى الاحترافية والاختصاص.

فالمسرح يعتمد فعلًا على الموهبة والشغف ولكنه لا ينهض بهما من دون العلم والتعلم والدربة، وهناك تحدٍّ آخر يواجه المسرحيين وهو من أبرز وأهم التحديات، ويتمثل في تمويل التجارب المسرحية وإنتاجها وتبنِّيها على مستوى محليٍّ ودوليٍّ من المؤسسات. ونحن اليوم نُعَوِّل على وزارة الثقافة لدعم الإنتاج المسرحي المحلي والنهوض به؛ فالمسرح من أهم وسائل القوة الناعمة للتواصل مع الجمهور، وتعزيز الهوية الوطنية، ونشر الثقافة، وأهم سفير للارتقاء الفكري الإنساني، ولكنه يحتاج إلى التمويل والميزانية التي تستهدف الاستثمار في وعي وثقافة الجمهور قبل أموالهم!

ولكي نصل إلى ذلك فهو يحتاج إلى إيمان حقيقي وليس عدّه مسرحًا تجاريًّا يستهدف الربح المادي؛ نعم نحن نحتاج فعلًا إلى المسرح التجاري للتسلية والضحك ولكن من دون أن نهمل المسرح الذي يستثمر في ثقافتنا ووعينا الإنساني، مع العلم أنه حين يُمَوَّل المسرح السعودي بميزانية تتناسب مع هذا الهدف السامي فسيؤدي حتمًا إلى ربح مادي؛ لأن المسرح اليوم هو إبهار في تناول الفكرة كما هو إبداع في هندسة سينوغرافية تجتذب المتلقي، وتؤدي رسالتها الترفيهية إلى جانب رسالتها الثقافية، ومثل ذلك يحتاج إلى مسارح متخصصة للعروض المسرحية، ومجهزة بأحدث وسائل المسرح والتكنلوجيا، وهذا أيضًا بمنزلة تحدٍّ أتمنى تجاوزه.

حاليًّا، أصبح المسرح ضمن الاهتمامات والإستراتيجيات الوطنية الثقافية؛ وهو ما ساهم في حل مشكلات كثيرة كان المسرح السعودي يواجهها؛ أهمها تغييب المرأة عن المسرح كممثلة، وتجاوزنا هذه الإشكالية بعد صعودها على المسرح، والمشاركة في التمثيل، وكان ذلك أولًا في مسرحية «حياة الإمبراطور» التي عُرِضت في جامعة الأميرة نورة بالرياض، حيث شاركت شابة في تمثيل المسرحية التي تبنَّتها هيئة الترفيه، وكان ذلك عام 2018م. ولأن المسرح بات مشروع دولة وليس مشروع مؤسسات أو أفراد مُحبِّين ومجتهدين؛ فمن المهم جدًّا للمسؤولين فهم ذلك من دون بحث عن أمجاد ومصالح شخصية؛ ويخرج من الفكر القديم الذي اعتمد عليه المسرح في كونه اجتهاد أفراد إلى أن يصير اجتهاد مؤسسات وطنية كبرى تعي مسؤوليتها الكاملة تجاه دعم وتمويل وتبني فِرَق المسرح السعودي؛ وبخاصة أننا لا نبدأ من الصفر، فهناك فِرَقٌ ومسرحيون اشتغلوا على أنفسهم سابقًا، وهؤلاء يحتاجون إلى الدعم لمواصلة الطريق وتطوير تجربتهم إلى جانب تعزيز عملية الابتعاث وتخريج محترفين؛ والأهم من ذلك هو التحدي الذي يعتمد على الوعي في التفريق بين المسرح التجاري الذي أرى أنه من مسؤولية هيئة الترفيه ويستهدف الربح المادي، وبين المسرح الإبداعي الثقافي المناط بوزارة الثقافة الذي يستثمر في ثقافة المجتمع ووعيه وفكره، ويسعى لأنْ يكون سفيرًا للقوة الناعمة وللارتقاء الحضاري.

وحين ندرك أن المسرح لم يعد وحيدًا اليوم، ودوره أعمق مما كان في السابق، سيكون أهم من يساعد على التحولات الجارية حاليًّا في المجتمع السعودي وبخاصة أن الإمكانيات المادية والثقافية والفكرية والإبداعية البشرية متوافرة في مجتمعنا، وكل ما نحتاج إليه فعلًا هو الإيمان الحقيقي به كقوة ناعمة محليًّا وخارجيًّا.

أديبة وناقدة مسرح.

فهد ردة: غياب الإستراتيجية

التحديات التي تواجه المسرح السعودي كثيرة، لكن من أبرزها غياب الإستراتيجية والمشروع الذي من دونه سيكون كل عمل وكل نشاط تقوم به مجرد هامش لا عمق فيه. لدينا الآن عناوين كبيرة أطلقتها وزارة الثقافة في مشروعها المقبل، لكنها ظلت عناوين لا مشروع واضح بها، هنالك معاهد ومسرح وطني ودعم، هكذا الأمر مجرد عنوان وفي الداخل لا شيء واضح، لا مشروع، لا خطة، لا خطوة، وما زالت حالة الانتظار قائمة في ظل بطء سُلَحْفِيٍّ فيما يخص المشاريع الثقافية وفي الوقت نفسه حركة سريعة وخطوات كبيرة في قطاعات أخرى مثل: الترفيه والسياحة والاقتصاد. وعندما تنظر هنا وهناك تستطيع أن تلمس الفارق، فما زال الأمل قائمًا وما زلنا ننتظر، لكن بوصلة الانتظار غير مستقرة. المسرح السعودي الذي كان ينتج في العام الواحد عشرين عملًا مسرحيًّا على أقل تقدير هو الآن لا ينتج إلا عملين أو ثلاثة، الوضع بائس جدًّا في شكله العام لكننا في الانتظار.

فيما يخص المسرح التجاري، فهو مسرح ترفيهي له جمهوره، وفي تصوري أنه متى كان للمسرح الجاد الدعم المناسب فليس هنالك تأثير، فكلٌّ يعمل وفق مشاريعه، لكن عندما يجد المسرح التجاري كل الدعم، ولا يجد المسرح الجاد نقطة دعم واحدة، بالتأكيد سيكون ذلك مؤثرًا جدًّا. تسليع الفن والثقافة قد يكون مفيدًا في أشياء لكنه ضار جدًّا في أشياء أخرى، وعلى وزارة الثقافة أن تعي أن دورها تنويري وخاص بقطاعات تنويريه، وأن مشاريع الدعم والمعاهد والتدريب وإنشاء قاعات العروض والمراكز الثقافية هو من صميم عملها. قضينا عمرًا نطالب فيه ببناء المراكز الثقافية في كل مدينة وقرية في بلادنا؛ لأنها تستحق ذلك، ومن المعيب في بلد متطور جدًّا مثل بلدنا أن تدخل مدن ليس بها مركز ثقافي واحد، فالأمر بحاجة لمراجعة بالفعل، إن كانت الوزارة جادة في رغبتها في دعم المسرح.
منذ عشرين عامًا صُنِّف المسرح السعودي والمسرح البحريني كأكثر المسارح تطورًا في العالم العربي حتى في ظل الاستقرار الذي كانت تشهده تلك البلدان، لكن حركة النمو والتطور توقفت أو أصبحت بطيئة وتعتمد على المشاريع الشخصية في ظل قلة الدعم والاهتمام، وظلت الكويت محافظة على الحراك نفسه تقريبًا بسبب وجود معهد للفنون المسرحية ودعم جيد للفرق المسرحية. برزت الإمارات مؤخرًا بسبب وجود الإستراتيجية في الشارقة، فصار بها أكاديمية للمسرح ومهرجانات، وجلبت خبرات الوطن العربي للمسرح المدرسي، واهتمت بطباعه الكتب والندوات، وحولت المهرجانات المسرحية المحلية إلى دولية، وأصبحت منارة مسرحية، فرئاسة الهيئة الدولية للمسرح لديها وهي تملك مشروعًا كبيرًا اسمه الهيئة العربية للمسرح الذي يدعم المسرح ومشاريعه، ليس في الإمارات بل في الدول العربية، وهذا يوضح ما كنت أعنيه بوجود الإستراتيجية ودورها.

مسرحنا غنيٌّ جدًّا بالكوادر التي يستعان بها عربيًّا؛ من مؤلفين ومخرجين وممثلين وفنيين، لكن لا يوجد المشروع الحاضن له والداعم والحافز، لدينا حالة من فردانية المشروع هي من أبرز هذه الطاقات، ولو وجدت الدعم الكامل لتصدَّر المسرح السعودي المشهد ولَقدَّم الكثير.

كثيرًا ما قام المسرح بذلك عبر ثلاثين عامًا مضت لكن الضوء كان بعيدًا منه؛ الإعلام، حركة النقد، الدراسات والبحوث؛ لذلك لم يرصد هذا الأمر كثيرًا رغم وجوده منذ زمن، فالمسرح لديه القدرة على التنبؤ والاستقراء ورصد التحولات ومناقشتها وإثارة الاستنارة والتنوير حولها، كل ذلك للأسف لم يرصد ولم يوثق. الآن يوجد العديد من الدارسات ورسائل الماجستير والبحوث المحكمة التي ترصد هذا الواقع وحركته وحراكه، وعندما ينطلق مشروع الدعم للمسرح سيكون له دوره المهم جدًّا؛ لأن فن المسرح في تكوينه قائم على السؤال والبحث والنحت والقراءة والاستقراء والتنبؤ بالقادم.

كاتب مسرحي.

عبدالعزيز السماعيل: قريبًا الإعلان عن خطتنا الإستراتيجية الشاملة للمسرح

أبرز التحديات التي تواجه المسرح السعودي: غياب إستراتيجية واضحة المعالم للمسرح السعودي، والافتقار للبنية التحتية، وضعف الدعم المالي، وعدم إدراك قيمة المسرح ليس كمجالٍ ترفيهيٍّ فحسب، بل كرافدٍ ثقافيٍّ مهم ومنصة تشريحية للكثير من قضايا المجتمع ومشكلاته وتقديم الحلول الممكنة. إلا أننا الآن في المملكة منذ أن تأسست وزارة الثقافة وأعلنت خطتها الإستراتيجية في بداية هذا العام، نشعر بأن المسرح السعودي سوف ينال نصيبه المفقود من التنمية الشاملة سواء في البنية التحتية أو التخصص العلمي، أو من طريق دعم المؤسسات والجمعيات المسرحية ومساندة نشاطها عبر خطط طموحة لدى الوزارة بإذن الله.

ربما كان من أبرز التحديات التي واجهها المسرح السعودي -إضافة إلى ما ذكرناه سابقًا- هو الافتقار إلى البنية التحتية المتمثلة في المقرات الملائمة والمعاهد والأكاديميات المتخصصة. حيث تمثل هذه البنية التحتية الأساس الذي يقوم عليه المسرح، ومن المستحيل قيام المسرح بشكلٍ صحيح في ظل غيابها. ولو وجدت هذه البنية في الوقت السابق لنافس المسرحيون السعوديون غيرهم في الدول المجاورة. ولكن كان التحدي الأبرز أمام المسرح غياب العنصر النسائي عنه. وقد قابل المسرحيون السعوديون هذا التحدي بروح العزيمة والإصرار على المسرح فأسهموا وشاركوا وأبدعوا في الداخل والخارج نصًّا وإخراجًا وتمثيلًا. هذا التحدي -في اعتقادي- يجب ان يكون وسام فخر لكل المسرحيين الذي عملوا في المجال منذ تأسس المسرح لدينا في بداية السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم، حيث لم يواجه المسرح العربي مثل هذا التحدي من قبل.

كانت التجربة الإدارية التي عشتها في الإدارة العامة للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض لمدة خمس سنوات تقريبًا ومن قبلها في إدارة الجمعية بالدمام من التجارب المهمة في حياتي. وأستطيع وصفها بالحلوة المرة أو الناجحة نسبيًّا؛ لأن الإدارة الثقافية بشكل عام تحتاج -إضافة إلى الخبرة- إلى وعي إداري خاص، ليس فقط بالشأن الثقافي والفني بل الأهم من ذلك هو الشأن العام وأحواله المختلفة. ولكون الثقافة والفنون تحديدًا في المملكة كانت تمرُّ بمرحلة تاريخية صعبة طوال الأربعين سنة الماضية تقريبًا، بسبب مواجهة التشدد الديني الرافض تمامًا للفنون الذي كان يشكل ضغطًا هائلًا ليس على الفنانين فقط بل على المجتمع عمومًا وهو ما شكل موقفًا مجتمعيًّا سلبيًّا تجاه الفنون. كل ذلك –لا شك– كان يشكل همًّا وعبئًا ثقيلًا على العمل الإداري الثقافي في كل المؤسسات الثقافية القائمة، وهو ما عاق كثيرًا من الجهود التي كان يمكن لها أن تزدهر الآن بشكل لافت. ورغم ذلك فقد تعلمت من التجربة السابقة الصبر وصلابة الموقف المدافع عن الثقافة والفن، والاهتمام ببناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل مع الوسط الفني والثقافي عمومًا مهما يكن شكل الاختلاف. وما زلت –بطبيعة الحال- أتعلم حتى الآن.

لا أريد أن أستبق الأحداث في هذا السياق، حيث نعمل في وزارة الثقافية حاليًّا على الإعداد لإعلان خطتنا الإستراتيجية الشاملة، وأهدافنا في المسرح الوطني للجميع في القريب العاجل بإذن الله.

كاتب وممثل مسرحي.

حمزة كاشغري: جرح البداية: قصة من المسرح السعودي

«خلال عام 1960م كان أحد أعلام السعوديين الشيخ أحمد السباعي يعيش في مكة المكرمة ممتهنًا الأدب والصحافة، وراق للرجل إيجاد أدب مسرحي في البلاد، فقدم طلبًا لجهة الاختصاص في ذاك الحين فقوبل طلبه بالقبول والاستحسان، فشرع الرجل همة وعزمًا، واشترى أرضًا للمسرح، وكوّن البناء وكمّله بالعتاد، ممنيًا نفسه بعروض صيفية، وتكميلًا لاحتياج هذا المرفق الأدبي، أوجد مدرسة لتعليم التمثيل، وفعلًا اكتظت بالطلبة ووظف المدرسين والمدربين ثم استقدم مخرجًا لإتمام العمل، واستمر الحال نشطًا، وشاع بين العامة مولد المسرح الإسلامي الأول، وأنه سيبدأ العرض بدار قريش للتمثيل الإسلامي، وهو اسم المسرح. وقبل أسبوع من مولد أول عمل صدر أمرٌ حازم بإغلاق دار العرض، ومنع موظفيها من مزاولة ذلك العمل المسرحي. صُعق الشيخ وهبّ مستنجدًا للإبقاء على أمله وتحقيق حلمه، وبهذا الخصوص يقول الشيخ نفسه: «ورحت من جانبي أراجع الجهات العليا، حتى وصلت إلى جلالة الملك سعود، وقلت له: إن دار قريش للتمثيل الإسلامي سوف تكون مدرسة لتعليم القيم الإسلامية. واقتنع جلالته ولكن الآخرين لم يقتنعوا»)

انتهى الاقتباس، وقد حاولت أن أختصره وأعيد صياغته ولكن النص كان مشحونًا بعاطفة منعتني من اجتزاء أي جزء منه، ويبدو أن الخريجي الذين أهدى كتابه إلى (الرعيل الأول: زملائي عشاق المسرح السعودي) كان صادقًا في انتمائه إلى هذا الفن وأهله إلى حدّ أن تسرب ألم الشيخ السباعي إليه، وللكلام بقية مفادها أن المشروع وُضع قيد الدراسة حتى دبّ اليأس في نفس الشيخ، وأصبح مكان المسرح مستودعًا للعب الأطفال، ليس الغرض من استعادة هذه القصة فقط رد الاعتبار للسباعي من (الآخرين) فقد أنصف الزمن مشروعه بل المشروع الطبيعي للتطور الفني والثقافي، ولكن بإيقاع أبطأ من المُعتاد، وهذا هو السؤال الذي تحاول المقالة طرحه؛ لماذا بقي المسرح يتحرك ببطءٍ أكثر مما ينبغي؟

محاولة السباعي كانت مبكرة لكنها لم تكن وحيدة، فقد سبقه التأليف المسرحي بثلاثة عقود حين كتب الأديب عبدالله حسين سراج عددًا من المسرحيات، حينها سُئل عن سبب كتابته لهذه المسرحيات رغم علمه بصعوبة تجسيدها على خشبة المسرح في ذلك الوقت، فكان جوابه: كتبتها كي تُقرأ ولتكون نموذجًا للكُتاب والمؤلفين من الأجيال الجديدة، تعاقب بعده عدد من الكُتاب مثل أحمد عبدالغفور عطار، وعبدالله عبدالجبار في كتابة النص المسرحي، وصولًا إلى عبدالله مليباري الذي كتب نصين بعنوان: (فتح مكة، ومسيلمة الكذاب)، وكانت هي النصوص التي كان مخططًا لها أن تتحول إلى عروض في مسرح الشيخ أحمد السباعي، أو بالأصح دار قريش للتمثيل الإسلامي (وكانت من إخراج الأستاذ مشيخ وهي من سبع عشرة ورقة تقريبًا ولكن حسها الفني والأدبي كان عاليًا لدرجة أن المؤلف استنطق الأصنام فيها، وكان هنالك مسرحية تليها أسمها «مسيلمة الكذاب» ولكن إغلاق الدار كان إغلاقًا لكل الجهود والأحلام).

هل كان خوف (الآخرين) من نصوص السباعي تحديدًا؟ أم من خروج المسرح عن أنظارهم وأيديهم؟ ربما فقصة (الآخرين) مع محاربة الوسائل الجديدة ثم ابتلاعها واستغلالها قصة معروفة ومكررة، تكررت مع البث التلفزيوني وأطباق القنوات الفضائية ومع أجهزة الجوال والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

لم يكن الخوف من المسرح في ذاته مبررًا حينها، فقد دخل المسرح –ولو بشكل تعليمي تربوي– إلى مدارس المملكة مبكرًا، كان الأستاذ صالح بن صالح يقيم المسرحيات في مدرسته في عنيزة، (وقد زار الملك عبدالعزيز -رحمه الله– عنيزة في عام 1354هـ أو 1355هـ، وحضر حفل المدرسة، وأعجب به غاية الإعجاب، وكانت التمثيليات متقنة، ولافتة للنظر، وكان الأستاذ صالح موفقًا في اختيار موضوعاتها والطلاب الممثلين لها، والحوار الذي احتوت عليه، وكانت في هدفها لائقة بهذه المناسبة. وقد مثَّل الطلاب أمام الملك تمثيلية كسرى والوفد العربي الذي وفد عليه، وهي قصة مشهورة ومعروفة في كتب الأدب… ومن التمثيليات التي يذكرها الأخ تمثيلية الأعمى وهي شعر… وتمثيلية الشاهي والدارسين، قام بتمثيل دور الدارسين عبدالرحمن أبا الخيل ودور الشاهي صالح الضراب).

وقد تعمدت أن أطيل الاقتباس قليلًا ليأتي على ذكر نماذج من التمثيليات –وهو الاسم الشائع للمسرحيات في ذلك الوقت– فهي ليست مسرحيات مبتذلة أو بسيطة، فالأولى من التراث الأدبي المعروف والثقيل على المستوى الفني والأدبي، والثانية هي مسرحية شعرية تقوم على تقمص ومحاكاة، تبدأ ببيت شعري يقول: يا أمُّ ما شكل السماء.. وما الضياء وما القمر؟

وهذه القصيدة اشتهرت لاحقًا وذاعت بين الناس؛ لقيمتها الإنسانية أولًا والأدبية كذلك، أما الثالثة فقد استُنطِقَ فيها الشاهي، وهو ما يُمكننا من القول بأن المسرح السعودي عرف الرمزية منذ بداياته الأولى، سرعان ما تبنت وزارة التعليم –وزارة المعارف آنذاك– في بدايتها النشاط المسرحي، ولم تكد تخلو مدرسة من فرقة مسرحية تقدم عروضها في احتفال نهاية العام، أو عند زيارة وزير أو أمير منطقة، وامتد ذلك للجامعات والمعاهد حتى الأندية الرياضية التي كانت أندية رياضية ثقافية اجتماعية آنذاك، ثم امتد النشاط المسرحي لجمعيات الثقافة والفنون التي أصبح المسرح عمودًا ثابتًا منذ تأسيسها حتى الآن، وأقيمت مهرجانات للمسرح في فروعه المختلفة، فهل اندمل جرح البداية إذًا؟ لماذا لم يحقق هذا النشاط المسرحي الذي بلغ ذروته في الثمانينيات والتسعينيات حدّ أنه يمكننا القول بأنه لا يكاد يوجد سعودي لم يشارك في مسرحية واحدة أو يتعرض لعدة مسرحيات -في حياته الدراسية على الأقل- انعكاسًا واضحًا في حياة الناس اليومية؟ لماذا لا يحضر في ذاكرتهم كما يفعل التلفزيون؟

لا تبدو الإجابة سهلة، وقد لا تكون إيجابية كذلك، إلا إن كان عام 2020م عام التعافي الذي بدأت إرهاصاته منذ عامين تقريًبا، فمن سوء حظ المسرح أو من غرابة حظه أنه موصومٌ بما يجعله أكثر بطئًا في التقدم من باقي الفنون، فلو نظرنا إلى دخول المرأة –كمثال– إلى باقي الفنون، فسنجدها دخلت إلى التمثيل التلفزيوني في وقت مبكر نسبيًّا، الكتابة سبقت ذلك طبعًا، حتى الكتابة المسرحية تحديدًا فقد كتبت هند باغفار مسرحية في عام 1975م، وأخريات بعدها، وكذلك دخول المرأة مجال الغناء وباقي الفنون، ولكن أول ظهور لخشبة المسرح –باستثناء العروض المسرحية النسائية التي تُقام داخل الجامعات النسائية الخاصة وفي حضور نسائي فقط- للرجل والمرأة معًا كان في عام 2018م، في مسرحية مقتبسة من قصة (حياة الإمبراطور) لوالت ديزني، بتنظيم هيئة الترفيه، وتأمل هذا الفارق الزمني الهائل بين 1960م و2018م يُغني عن أي تعليق.

آن الأوان لأن يتحرر المسرح من جرح البدايات والحمولة الملتصقة به، لقد وُلد المسرح السعودي في أزمة، وهذه الأزمة في ظني أنتجت طريقين شكَّلا واقع المسرح المعاصر اليوم؛ الأول هو الاتجاه نحو الخارج، فقد يبدو المشهد مضحكًا –أو محزنًا، ولكن شر البليّة ما يضحك على كل حال– حين ترى بعض الفرق المسرحية السعودية تحصد الجوائز تلو الجوائز في المهرجانات الخليجية العربية، ثم تشاهد عدد المقاعد الفارغة في عروضها المحلية، أو بالأحرى العدد المحدود للمقاعد الشاغرة، وهو ما يوحي أن «الانكسار المسرحي» المحلي إذا جاز الوصف دفع عددًا من المسرحيين إلى مساحات من التجريب والابتعاد من الإيغال في البعد المحلي في المسرحية، لا يبدو هذا الابتعاد أسلم فحسب، ولكنه أكثر راحة، وهذا ما أدى إلى خلق حالة يصفها منتقدوها «بالنخبوية».

أما الطريق الثاني فهو نقيض ذلك تمامًا، إنه الغوص في المحلية حدّ التهريج أحيانًا، ولا تحضر مفردة «التهريج» بالمعنى السلبي، ولكن بالمعنى المسرحي الذي يقصد نوعًا محددًا من الكوميديا المباشرة والخفيفة، المسرح التجاري يعيش أيامًا من الانتعاش، وهذا صحِّي على الأغلب من وجوه عديدة، بل صحّي تمامًا، لكنه يكشف حالة العَرَج لدى النوع الآخر من المسرح، تعزز حضور المسرحيات التجارية في «مواسم السعودية»، ولكني وقفت على تجربتين تستحقان الالتفات؛ الأولى في موسم جدة، حيث قدّمت أمل الحربي نصًّا مسرحيًّا يراوح بين التجريد والتجريب، مُثِّلَ في منطقة البلد في مساحة مفتوحة، والثانية كانت في موسم الرياض، وموسم جدة كذلك، حيث قُدِّمتْ مسرحية الملك لير، وهي من كلاسيكيات شكسبير، كنت حاضرًا في التجربتين، معظم الفريق في المسرحية الأولى كانوا من الهواة، أمل الحربي روائية وهذه هي تجربتها الروائية الأولى، باستثناء محمود شرقاوي، فإن فريق التمثيل كان من الهواة كذلك، أما المسرحية الثانية فكانت لفريق من المحترفين وعلى رأسهم يحيى الفخراني، ولكن في التجربتين كان المكان ممتلئًا عن آخره، والجمهور مشدود منذ اللحظة الأولى حتى النهاية، وكلتاهما انتهت على وقع تصفيقات الإعجاب والتحية الكبيرة.

إذا استوعب الفريق الأول أن المسافة التي تفصله عن الجمهور المحلي مسافة متخيّلة غير حقيقية، وإذا استوعب المستثمرون في القطاع الثاني أن مخاوفهم من تحقيق إيرادات جيّدة وإقبال جماهيري في «المسرحيات الجادة» –إذا صحّ الوصف– مخاوف غير واقعية، سيتعافى حينها المسرح السعودي من عرجه ويخرج أخيرًا من أزمته.

باحث في الشأن الثقافي.