إنك لا تختار والدك في حين أنك تختار أصدقاءك

إنك لا تختار والدك في حين أنك تختار أصدقاءك

تتمثل واحدة من أكثر الادعاءات لفتًا للانتباه التي قالها أرسطو في بحثه الشهير حول الصداقة المعنون بـ«الأخلاق النيكوماشية» في أنه لا يمكنك أن تكون صديقًا مع الله. تستند حجته هذه إلى فكرة مؤداها أن الصداقة تتطلب المساواة، وأن الله أرفع درجةً منا. في الواقع، يمكننا القول: إن الصداقة مميزة، على وجه التحديد، من ناحية كونها غير هرمية، فإذا كنتُ حقًّا صديقك، فما أعنيه لك أنا هو بالضبط ما تعنيه أنت بالنسبة لي.

يبدو أن الصداقة تتناسب بشكل سيئ مع الفكرة الكونفوشيوسية القائمة على إنشاء العلاقات الإنسانية على أساس الروابط العائلية. تتمثل إحدى المقارنات الممكنة، التي تنظر إلى الأصدقاء باعتبارهم تجمعهم روابط مثل تلك التي تجمع الأخ الأكبر والأصغر، لن تضمن التماثل الذي نبحث عنه، كما تعد كذلك علاقة شاذة بين العلاقات الأساسية لافتقارها للتعاليم الطقسية، ولكونها طوعية؛ إذ إنك لا تختار والدك أو (على الأقل في الصين القديمة) حاكمك، في حين أنك تختار أصدقاءك.

ربما كان لدى كونفوشيوس (551- 479 قبل الميلاد) بعض الأسباب التي دفعته للاعتقاد بأن الصداقات يجب أن تكون غير متساوية؛ إذ يتمثل الغرض من وراء الصداقة بالنسبة له في إنماء الفضيلة. يبدو من الطبيعي إذن أن نصاحب من هم أفضل منا، كي نتعلم منهم. ومع ذلك، فإن كونفوشيوس، شأنه شأن أرسطو، يصرّ على التناسق في الصداقة الحقيقية، داعيًا: «لا تقبل أن تصادق الذين ليسوا ندًّا لك».

في ضوء هذه القاعدة الأخيرة، لقد قيل: إنه لم يكن بوسع كونفوشيوس أن يكون له أصدقاء على الإطلاق. 

ديفيد هول وروجر آميس يؤكدان في كتابهما المعنون بـ«التفكير عبر كونفوشيوس» أن «كونفوشيوس منقطع النظير، ومن ثم لا أصدقاء له، والقول بأن كونفوشيوس كان لديه أصدقاء من شأنه أن يقلل من قيمته». لقد كانت علاقته بطلابه أقرب إلى الهرمية العائلية، كما يتضح من خلال حقيقة أنه كان يسميهم بـ«xiaozi»، أي «أسياد أو أبناء صغار». وتماشيًا مع المساواة التي تميز الصداقة، يحدد كونفوشيوس الثقة (xin) بوصفها السلوك الذي يميزها، في حين أن العلاقة الأسرية ستتميز بميزة غير متكافئة مثل برّ الوالدين (xiao)، وهكذا فإن كونفوشيوس سيثني الآباء عن محاولة إقامة صداقة مع أبنائهم، وهو الاتجاه الشائع في الحياة الأسرية المعاصرة. تمامًا كما لا يمكن للأب أن يكون معلم ابنه لأن علاقتهما جد وثيقة؛ لذا فإن كون المرء حميميًّا جدًّا لا يعدّ من الأمور الأسرية.

ولكن كيف أنمي بالضبط جذور التميز عبر مصادقة شخص مساوٍ لي؟ في نهاية المطاف قد يبدو أن ليس لدي ما أتعلمه من نظيري الأخلاقي. يبدو أن كونفوشيوس مقتنع بأن الأمر على هذا النحو. فمن ناحية، تتيح لنا الصداقة فرصة ممارسة الفضيلة، بشكل لا يقل عن العلاقات الأخرى، كما كان كونفوشيوس نفسه يهدف إلى «إراحة كبار السن، وأن أكون [كونفوشيوس] جديرًا بثقة الأصدقاء، وأرعى الصغار»، وعبر تقديم النصح لنا حول النظر في شخصيتنا، يتحدث عن إمعان التفكير فيما إذا كنا دائمًا نَفِي بوعودنا تجاه أصدقائنا. تعدُّ الصداقة كذلك مصدرَ سرور، مثلما يتضح في هذه الفقرة الافتتاحية لكتاب «التعاليم»: «أن يكون لديك أصدقاء [peng] يأتون من أقطار بعيدة: أليس هذا مصدرًا للمتعة؟». إن هذا لَيُعَدُّ تلميحًا نحو أهمية أعمق للأصدقاء، وهي أنهم أبحروا معنا في مشروع مشترك لتثقيف الذات؛ إذ إننا لا ننمو من الناحية الأخلاقية من خلال النظر إلى الأصدقاء كمثال يحتذى به، كما قد نفعل مع من هم أعلى درجة، بالأحرى تستند المودة التي نكنُّها لهم على الاعتراف بأنهم يشاركوننا أعظم مساعينا. 

المصدر : philosophy Now