قصيدة إلى القمر

قصيدة إلى القمر

     كان ذلك في ليلة داكنة

رأيت القمر

فوق برج الكنيسة المصفَرّ

مثل نقطة فوق حرف الآي. 

أيها القمر.. 

أي روح داكنة.. تمشي بك في الظل 

مربوطًا إلى رسن

بوجهك المستدير.. وصورتك الجانبية؟

هل أنت عين السماء ذات العين الواحدة؟

أي ملاك حزين..

ينظر إلينا 

تحت قناعك الشاحب؟

ما أنت.. سوى كرة!

أو عنكبوت.. ضخمة جدًّا 

تتدحرج..

بلا أرجل.. ومن غير أذرع!

هل أنت – فيما أظن –

وجه ساعة.. حديدي قديم.. 

يعلن الوقت

للملعونين في الجحيم؟

في رحلتهم عبر جبينك

هذه الليلة.. 

هل هم يعدّون

كم تبقّى لهم من خلود؟

أهي دودة.. 

تلك التي تلتهمك..

فيستطيل قرصك الداكن..

كهلال منكمش؟

من تسبب في عماك تلك الليلة؟ 

هل تعثرت 

فوق أشجار 

قصيرة شائكة؟

حين جئت.. شاحبًا وكئيبًا..

تلتصق على نافذتي،

وقرنك..

متعلق بقضبانها.

ارحل.. أيها القمر المُدنف..

يا جسد فيبي الجميلة،

ربّة القمر الشقراء

التي سقطت في البحر.

ما أنت إلا وجه..

مجعد.. فعلًا

وجبينك البائس

شاحبٌ.. باهتْ.

ردّ علينا الصيادة 

عذرية الصدر.. البيضاء

تلاحق نهارًا 

بعض الغزلان!

آه! تحت الشجرة الخضراء،

وثمار البندق الطازجة..

دايانا.. ربّة الصيد،

وكلابها السلوقية الكبيرة!

الماعز الأسود 

فوق صخرة..

ينصت.. في ارتياب 

ينصت إلى دنوهم.

ثم عبر الأودية،

وحقول الذرة.. والمروج 

في تدافع خلف طرائدها

هنالك.. ذهبت كلابها.

آه! في المساء..

مفاجأة.. بين الظل والنسيم

فيبي.. أخت أبولو

بقدمها.. تداعب الماء!

فيبي.. التي تبزغ

بعد حلول الظلام

من شفتي راعٍ..

مثل طائر صغير.

سيدة القمر

حكاية علاقاتك الغرامية

ستبقيك دومًا جميلة

في ذاكرتنا.

وبشباب متجدّد وخالد

سيمنحك العابرون بركاتهم

قمرًا مستديرًا كنت..

 أو هلالًا.

سيحبك الراعي القديم

وحيدًا..

بينما كلابه تنبح

نحو جبهتك المرمرية.

سيعشقك الملّاح..

في باخرته الكبيرة

تطفو..

تحت سماء صافية!

وتلك الفتاة الرشيقة،

التي تمر عبر الشجيرات

حافية القدمين..

وتغني أغنيتها.

خلف عينيك الزرقاوين،

يزحف المحيط الهائل 

دومًا..

مثل دب في سلسلة.

وأنا.. ماذا أفعل.. 

في هبوب الرياح، 

أو سقوط الثلوج.. كل ليلة..

هل آتي هنا وأجلس؟

إنني أحضر في العتمة،

لأرى القمر

فوق برج الكنيسة المصفَرّ

مثل نقطة على حرف الآي.

ربما حين ينظر إليك

زوج فاحش.. مخذول..

عن بعد.. 

في وجهه تبتسمين.

عندما قدمت الأم..

وسط حزنها المرير 

مفتاح البيت.. 

لصهرها المبارك.

ها القدم في حذائها،

ها هو الزوج، 

مستعد تمامًا،

يطفئ الشمعدان المتطفل.

والعذراء التي بخجل.. 

تحتفظ ببكارتها 

تشعر بالإثارة..

ترتجف في سريرها البارد.

لكن السيد المشتعل لهبًا 

يبدأ استبداده،

سيدتي..

يشرع في الصراخ.

يقول: « أف!… 

أنا أعمل جاهدًا.. ولكن..

لا أقوم بشيء.. ذي بال

وأنت لا تتصرفين بلباقة».

وسرعان ما يغادر!

ولكن أي شيطان خفي 

يمنعه

من ارتكاب خطيئة؟

يقول: «آه، لنأخذ حذرنا. 

يا له من شاهد فضولي

يراقبنا..

بتلك العينين الكبيرتين»

وكان ذلك في ليلة داكنة..

القمر..

فوق برج الكنيسة المصفَرّ

كنقطة على حرف الآي!

رومانسية‭ ‬أم‭ ‬باروديا؟

ألفريد دي موسيه

ولد الروائي والكاتب المسرحي والشاعر الرومانسي الفرنسي ألفريد دي موسيه في باريس عام 1810م، وهو أحد أكبر ثلاثة شعراء فرنسيين في القرن التاسع عشر مع لامارتين وهوغو. في شبابه، تعرف إلى الشاعر فكتور هوغو وانضم إلى مجموعته كشاعر رومانسي واعد. في عام 1830م، نشر كتابه الأول بعنوان: «قصص من إسبانيا وإيطاليا»، وقد حقق الكتاب من فوره نجاحًا باهرًا. في المقابل، أثار الكتاب بعضًا من المعارضة المريرة، وقيل عن لهجته إنها غير أخلاقية إلى حد ما وساخرة. على الرغم من تأثره وارتباطه بالحركة الرومانسية، فإن دي موسيه كان يسخر من مغالاتها وتجاوزاتها. وهكذا جاءت قصيدته الشهيرة، «قصيدة إلى القمر»، مثل تحفة فنية أو طرفة رائعة في غرابتها وانحرافها، تسخر وتستخف بالنجم السماوي الذي احتفى به اصدقاؤه الشعراء لامرتين وهوغو! هذه القصيدة كانت أشهر ما حواه كتابه آنف الذكر! علاقته الغرامية مع الكاتبة الشهيرة جورج صاند كانت مصدر إلهام له في كثير من أعماله الأدبية، وفي الوقت نفسه أصبحت واحدة من أكثر العلاقات شهرة وتعقيدًا في الأدب العالمي. في عام 1852م، انتخب الشاعر كعضو في الأكاديمية الفرنسية التي تعد المجلس الأبرز الذي يهتم بالأمور المتعلقة باللغة الفرنسية. اشتهر دي موسيه بمسرحياته وشعره وقصصه وبرواية السيرة الذاتية التي نشرها بعنوان: «اعتراف فتى القرن». لم يعمّر الشاعر طويلًا، فقد توفي في عام 1857م، وكانت كلماته الأخيرة: «أخيرًا، أنا ذاهب للنوم». عاش دي موسيه حياة قصيرة لكنها كانت غنية بطيبته وإنسانيته وأدبه وشعره. على النقيض من القصائد الرومانسية التي تتغنى بالقمر، جاءت هذه القصيدة الفريدة المنتمية إلى الشعر الغنائي، تصنع الدهشة عبر تثمين وتخفيض قيمة القمر. كأن القصيدة تنوي السخرية من الشعر الرومانسي في تباعد واضح عنه. هذه القصيدة ربما أثارت ضحك البعض، ولكن في الوقت نفسه أثارت بعضًا من الصخب بين النقاد والأدباء، وبخاصة رواد المذهب الأدبي الرومانسي الكلاسيكي. كتب دي موسيه القصيدة متعمدًا السخرية من المذهب الرومانسي، مختارًا القمر كموضوع لها، وهو يعلم مكانة القمر لدى شعراء المدرسة الرومانسية. القصيدة جاوزت الحد في تضادها مع الرومانسية، وأصبح من الصعب القول ما إذا كانت القصيدة تشكل مبالغة فائقة أم هي مجرد باروديا أو محاكاة ساخرة!

في القصيدة، يخفض الشاعر من قيمة القمر ويقلل من شأنه حين يشبهه بالعنكبوت تارة، وبذي العين الواحدة تارة أخرى. لكنه يعود بعد ذلك ويعيد تثمين القمر، حيث يقول «القمر، حكاية علاقاتك الغرامية، ستجعلك دومًا جميلًا في ذاكرتنا». نلحظ مقدرة الشاعر على تحويل الكآبة والحزن إلى طرفة قاتمة، في قوله: «أي روح داكنة تمشي بك في الظل، مربوطًا إلى رسن». يستلهم الشاعر الأساطير الإغريقية والرومانية، حيث بدأ بذكر فيبي وهو الاسم الشائع لربة القمر في الأساطير الإغريقية، ثم انتقل بعد ذلك إلى دايانا وهي ربة الصيد في الأساطير الرومانية. ومن العجيب أن دايانا هي أيضًا ربة القمر، وهي أخت أبولو كما تقول الأساطير الرومانية. لكن الشاعر، في استعراض لثقافته ومعلوماته حول الأساطير، عاد مرة أخرى إلى فيبي، ذاكرًا أنها هي أخت أبولو! والواقع أن فيبي الإغريقية هي نفسها دايانا الرومانية! بقي أن ننوه أن بعض مقاطع القصيدة تحولت إلى أغنية مثالية لتعليم اللغة الفرنسية للأطفال، بعد أن لحنها المغني الفرنسي الشهير جورج براسان!