قصائد

قصائد

ترجمة‭:‬ ‬بنعيسى‭ ‬بوحمالة‭ ‬ناقد‭ ‬ومترجم‭ ‬مغربي

ولد الشاعر والكاتب دافور سالات DAVOR SALAT عام 1968م بمدينة دوبروفنيك بكرواتيا. قضى حياته بالعاصمة زغرب حيث سيحصل على إجازة في الأدب المقارن واللغة والأدب الإسبانيّين من كلية الفلسفة. يكتب الشعر والمقالة والنقد الأدبي ويترجم من اللغة الإسبانية. نال عام 1991م جائزة «غوران» للشعراء الشباب، كما أصدر ستّ مجموعات شعرية وأربعة مؤلّفات في النقد الأدبي.

وفي حقل الترجمة سينقل، عام 1999م، إلى اللغة الكرواتية ديوان «أبديّات» للشاعر الإسباني الكبير خوان رامون خيمينيث، الحائز على جائزة نوبل للآداب، مثلما ترجم قصائد للشاعرين فيكتور رودريغيز نونيز وفرانسيسكو دوميني. علاوة على هذا سيصدر بانوراما للشعر الكرواتي المعاصر، «بطائق أحلام»، ليعقبها، عام 2006م، بأنطولوجيا المهرجان الرابع للشعر في كرواتيا «كيروس إلى زغرب». نشر قصائد ونصوصًا أدبية في منابر كرواتيّة وأجنبيّة ويعمل حاليًّا مديرًا للنّشر في صحيفة التّعاون الأدبي الدولي «البرزخ».

هذا وينضوي دافور سالات إلى الحساسيّة الشّعرية الكرواتيّة الجديدة الآيلة إلى موجة ما بعد الحداثة التي ستتبلور في غضون تسعينيّات القرن المنصرم، ومن رموزها: ميروسلاف كيران، وبوريس مانورا، وإيفان هيرسيغ، وإيفيكا برتيجاكا، وإيرفين جاهيك، وتوميكا باجسيك، ولانا ديركاك (التي كنّا ترجمنا لها ديوانها المعنون بـ«من صفّ ناطحات السّحاب.. وقصائد أخرى» إلى العربيّة وصدر عن دار البدوي للنشر، تونس 2014م)، وجوزيفينا دوبتيغوفيك، ودورتا جاجيك، وآنا برنارديك..؛ الصّادرة، أي هذه الحساسيّة، وخلافًا لشعريّة الرّيادة الكرواتيّة التي تبلورت بعيد الحرب العالميّة الثانية على أيدي رعيل شكّلته أسماء من قبيل: جور كاستلان، وفيسنا باران، وسلافكو ميهاليك، وإيفان سلامنينغ، وغوتوفاك فلادو..؛ عن تمثّلات جذريّة لمسائل اللغة، والجملة الشعرية، والإعمال المجازي والتّرميزي، والمعنى الشعري، والرُّؤيا الشعرية..؛ متموقعة، هكذا، في صلب الدّينامية الإبداعيّة والثقافيّة التي يحياها بلد استعاد استقلاله الكياني منذ نحو عقدين زمنيّين أو يزيد بعيدًا من الفيدرالية اليوغوسلافيّة السابقة، ويسعى لتوكيد جدارته، هويّةً وثقافةً، في الفضاء الأوربي وكذا العالمي.

وفي جملة القصائد المنتقاة (من الأنطولوجيا الشعرية الموسومة بـ«الأبّهة البلقانيّة»، المجلّد الأول، شعراء كرواتيا، اختيار وتقديم: توميشلاف دريتار، بروكسيل 2013م) نقف على طبيعة الكتابة الشعرية في منجز دافور سالات، سيّان من حيث الموضوعات أو الجماليّات.. على انمساس الذّات الشاعرة بتلاحقات اليومي تمامًا كما استغراقها في تمفصلات التاريخ وإملاءاته العظمى.. تفاعلها مع إشاريّات الأمكنة والمشهديّات، والاختلاجات والمفارقات التي يمور بها واقع ضحل لكنه شرس.. وانحيازها، بالتالي، إلى طزاجة الجوّاني على حساب بهرج البرّاني ورتوبه، بَلْه ابتذاله.. إلى القصيّ بدل الدّاني، واللامرئي عوض المرئي، وذلك توسُّلًا بجملة شعريّة رشيقة، إن شئنا، لكن مكثّفة، أو، بالحريّ، سهلة ممتنعة، إن نحن استعملنا التّخريج النّقدي العربي القديم.

التّمرُّس بالغد

أقلب حصوات ملساء فوق ساحل رملي، أعاود إعداد الدّلالات
أضغط الشّمس في باقات شمريّة
بينما الخليج المتضائل لا يني يتكوّم ضدّي، مراكبه الحلوة مثلما
قطيع أغنام وليدة.
لكن في دخيلتي يخبو الدّير وحيث
الشمس في صيام
وقمر يقرص كلّ ليلة صخور باغ (1)
ها إنّي قد أدفأت سائر صالات الصلاة، مترقِّبًا الرّب الذي
دهن يديّ بالزّيت واستودع أذنيّ ملحًا
من ساعتها لَزِمَني، ومن جديد، استجماع نفسي، نفسي أنا بين
الحصوات الملساء المبدّدة، حصون الرّمل المقوّضة
كما وجدتني منغمرًا في اللهو، أعيث تبديلًا في أمكنة فيليبي (2) قطعة قطعة.

سيرة غرّارة

ما الذي يؤول إلى عداد الأرقام؟ ما الموسيقا التي تزرع الحركة في أوصال الباصات الكهربائيّة؟
كذا تنفذ السّبل عند البداية والسّيرة غرّارة
أولئك الذين ينزلون من السيارات هل رأوا شمس ما يصعدونه؟
من ذا الذي يؤول إلى عداد الأرقام؟ أيّة عجلات تقتاد صوب المحطّة؟
أيّة محطّة تثوي عند خاتمة كلّ الترقيمات؟

عتمة جذلانة

شمس دوّنت نفسها في طرس الأرض
جرّت نحوها أشجارًا، جفّفتها في عرض البيداء
في الأنهر لم يكن قطّ محيّاها متلهّفًا، في حين انضغطت
الأطوار الشمسيّة بين الأفعال في خضمّ لغات رهن العراك.
شمس تكتب نصوصًا مغايرة لنصوصنا، تغدق على العالم
متاح النماء، حدّ التلغُّز.
تحمل ضياء يعمي، تخلق عتمة أزخر
حبورًا من رحم كلّ أزهار عبّاد الشمس.

كون جاثم

البهاء لا يتوطّن المنازل، المتهدّجة نوافذها
باللامبالاة
لا يسّاقط مع المطر المكدّس بينما صمتك
المريب
يلتفّ على الآلات التي لا تكلّ عن الابتهال لمزماره
الناشز نغمه
لعلّه همس يتكوّم فيه الكون
ويرتدي الثلج دثاره، حكيم يغوي اللغة عن آخرها
ويلزم الصمت، مع ذلك، كما حجرة تفكّر.

شمعات مطفآت

فوق الطاولة فيما يلوح فوضى
ثانية أسماك وأزاهير
ولا نزر من مطر
في النّافذة
هناك مسوّدة لقاء
بغاية جسّ ارتكاس
غيمة على الجدار
وحفنة كلمات
بغاية التلطيف من روع
الرعد إلى الأقصى
طيور من جبلّة الخيال
تحمل فتاتًا ملمومًا من على أديم الأرض
وها قد تخفّف، بطيئًا، كلّ شيء من روعه
لحظة خبوّ الشمعات.

عالم مضادّ

المنزل لهو غابة معتمة
مفرغ ودونما حفيف
والقمر لا يكاد يسمعه
ذلك أنّك لست هنا
صهباوات فتيّات
يعضضن صباحًا
من غياب ووهم
الضوء يطيح بالعتمة
لكن أقبية سحيقة
خزانات لحول مضى
الصوت أهو محض خرس، أهو
عالم مضادّ
في مدينة بلا عمران
لهي خلائق دونما أبدان
لهو معبود
من غير ما لحية ولا مرآة.

الهوامش:

(1)  جزيرة دالماتيا الواقعة في الإقليم الساحلي من كرواتيا
(2)  سلسلة جبال على طوال ساحل دالماتيا