الكتابة شعرًا في نظم أبي تمام

الكتابة شعرًا في نظم أبي تمام

أدونيس

برز موقف جديد ينحو بدراسة شعر أبي تمام نحو النقد الغربيّ، فطه حسين، رأى فيه، في قراءة عابرة، ما رأى بول فاليري في مالارميه، وتبعه شوقي ضيف، فقال: «إن هناك شبهًا بين غموضه ومعانيه العويصة، وغموض الرمزيين المتفرِّع عن البرناسيين الذين يعنون بالموسيقا والجمال المادي». وجاء أدونيس، بموقف الحداثة القائل: «إن أبا تمام انطلق من أولية اللغة الشعرية…أي خلق العالم باللغة…شعره يصدر عن «ضمير صنع. ليصل إلى أن الشعر «هو التطابق أو زواج الكلمة البكر بالعالم البكر» وهي مفاهيم مشتقة من مالارميه وبودلير وفاليري». وربط كمال أبو ديب بين شعر أبي تمام والشعر الإنجليزي الميتافيزيقي في القرن السابع عشر الميلادي. ومن الغريب أن هذا الشعر الميتافيزيقي شعر الروحانيات والفلسفة، كما عند J. Donne- وG. Herbert A. Marvell و. Vaughan H وهو خلاف شعر القرن السابع عشر الشكسبيري- لا يتفق مع قوله الذي خلّط فيه، فجاء مشوَّهًا، صورة أخرى من قراءة أدونيس: «الحداثة في شعر أبي تمام».

وورد في دراسة إيليا حاوي لأبي تمام اسما مالارميه، ورامبو. والأشد غرابة أن يقول عنه في موضع آخر: «الحقيقة…أن طبيعة شعره كانت تناقض التجربة الرمزية؛ لأنه من أصحاب الاتجاه العقلي ومن الذين يتفكرون على التجربة بقدر ما يعانونها، وربما كان يتفكر بها أكثر مما يعانيها». ولكنه كذلك لا يستبعده من البرناسيين. والعجب كل العجب أن عمَل حسين الواد -وإن كان أثر عبدالقادر الرباعي وكمال أبو ديب فيه واضحًا، وإن لم يذكر هنا- تطبيق عمليّ لما فهمه من انتهاج أدونيس نهج الرمزيين، ولم يذكر أدونيس أيًّا من أولئك، مع فارقٍ هو أسبقية الرؤية عند أدونيس وجمودها عند الواد. يتفق الواد الآن مع أدونيس، حتى إنه يشير إليه ولا يذكره في قوله: «وقد تأثر كتّاب الحداثة في البلاد العربية بهذا المسلك حتى جعلوا لأبي تمام منزلة في الشعر القديم شبيهة بمنزلة مالارميه في الشعر الفرنسي لما لمسوه بين شعريهما من وجوه التشابه والتقارب».

ولهذا قال: «تأسر الناظر في شعر أبي تمام، من ناحية اختياراته اللغوية، أول ما تأسره منه، تلك اللغة الأساسية المنتقاة التي تكاد تنطق بلسان حال العالم. وهي لغة أنفق الشاعر في انتقائها مجهودًا كبيرًا، فالتمسها في الموروث الشعري، واستخلصها من مخبوء كلام العرب، فأحدث بها المفاجأة التي تبعث على الاندهاش، وتستفز الحس، وترجع بالمرء إلى التأمل في علاقة الأسماء بالمسميات في النظام اللغوي. ثم إن هذه الاختيارات تجرجر معها قضايا لغوية كانت محلّ خلاف لم يُحسم…». والمهم أن الواد، الذي لم يقدّم جديدًا، عاد، واعترف بتحصيل أدونيس، بل نقض هذا التطبيق عمومًا، واضطرب، فتورّط، حين قال: «استعمل أبو تمام إلى جانب هذه الاختيارات التي تعتمد، عادة، في التمييز بين الكلام الفني والكلام العادي، اللغة التي يكثر جريانها في المحاورة فقصَّ وسردَ وعلَّق شعره باليومي والتافه والراهن وأورد ألفاظًا من كلام «العامة وتعابيرهم». بينما يقيم دراسته على إيجاد حلّ لاختيارات أبي تمام اللغوية، على أساس أن لغته لغة ليست مكتسبة أو مصطنعة.

الشعر الفرنسي وأبو تمام

كمال أبو ديب

بل ابتدأ بالقول: «استعمل… الكلام الغريب الوحشي والساذج الغث السخيف المبتذل الذي يتنكّبه المُغرِبون ويترفّع عنه الشُّداة المبتدئون ويتجنّبه الصِّغار من المتشاعرين». فهِم الواد الشعرَ علـــــى أنه «فعل شعري»، ولم يستقم له الربط بين «الواقع والحلم والخيال»، فها هو يقول: «الفعل الشعري…فعل إرادي وواعٍ، فلو لم يكن كذلك لكان هذيان المجانين وكلام الحمقى شعرًا». وسنرى أن هذا نقيض رأي الرباعي. وحيث ينحدر الشعر إلى الإرادة والوعي، ولا توضع قيمة للعاطفة في هذه العمل، فإن المقارنة بين الشعر الفرنسي الرمزي وشعر أبي تمام لا واقع لها. وإنما أخضع الواد شعر أبي تمام له على ما بينهما من بون شاسع. ولا عجب أن تتأسّس دراسة الرباعي على «الإلهام الفطري»، و«القصيدة عند أبي تمام… شعرية تعبيرية أخرجها الانفعال وولّدها الخيال»، و«اندماج الذات في الموضوع»، و«في قصائده المدحية… تشعر أنك فوق اللذة الأرضية… كان يمتلك دائمًا انفعالًا قويًّا…إنه زحزح اللغة عن مواضعها». وكذلك: «كان أبو تمام في دراميته شبيهًا بـ(هاردي) وعلينا أن نلحظ الفرق بين المدرستين: المدرسة الرمزية ومدرسة كلٍّ من شكسبير وهاردي، التي يحاول كل فريق أن ينسب أبا تمام إلى إحداها. وإذ أصبحت الجادَّة سالكة لشعر أبي تمام، وآلَ إلى تلك النتيجة، فإن بعض أصحاب النقد الحديث رأى أنه لم يعد بعدُ مجال للعودة إلى الوراء، وكان علينا أن نتقدّم خطوات في دراسة أبي تمام، فكان هنالك طريقان: الطريق الأول هو الطريق البنيوي، على ما تمّ على يد يسرية المصري، ثم الطريق الذي يجمع بين البنيوية والتأويل.

وقد أقام سعيد السريحي دراسة عن شعر أبي تمام، على منهج «جدلية الأضداد». وواضح من تحليلاته أننا خرجنا من التحليل إلى التأويل، وليت ما قاله السريحي صادقًا: «إن الشعر عنده تجربة مع اللغة تتفجر فيه أعماق طاقاتها، وتترامى فيها الكلمات إلى آفاق قصوى».. ورأينا منه مؤخَّرًا ذكر للرمزية والميتافيزيقية. وقد أشاد الواد بالسريحي، فقال: «أما عمليًّا فيتمثّل انعتاق السريحي من الحِرباويّة في اتجاه الباحث إلى فهم الأبيات الشعرية في علاقة مكوّناتها بعضها ببعض مع السعي إلى فهم اختيار الشاعر لها دون سواها في اللفظ أو التركيب أو في العلاقات التي تنسجها داخليًّا وتدلّ بها خارجيًّا». وليس هناك خلاف يذكر بين السريحي والواد وستيتكيفيتش، إلا إيغال الأخيرة في «البنية الطقوسية».

التصنيع وتشويه الشعر

سعيد السريحي

لقد شوّه التصنيع شعر أبي تمام، ولم يبق له إلا الصور مجتزأةً، والألفاظ موقَّعةً، إذ لم يكن يهمّه إلا ذلك الحشد. كان أبو تمام واعيًا كل الوعي بالعملية الشعرية، حاضرًا كل الحضور في أثناء الصياغة الشعرية، فكانت هذه مفارقة حادّة بين الشعر والصناعة. وحتى يكون شعرًا لا بد أن يتناغم مع سواه في جو انسجامي مشحون بالعاطف والتنامي، وأن يأتي متفجرًا من أعماق نفسه. ولم تكن معاني أبي تمام جزءًا من روحه الخفّاقة، بل كانت صياغات خياله المدرِك، من تفكيره. وهنا يتبيّن البون الشاسع بين الشعر الحلم والصناعة الشعرية. وهنا، علينا التوقّف كلية عن دراسة شعر أبي تمام دراسة فنية أو إبداعية، وإن جاز لنا أن نقرأه أسلوبيًّا (لغة وتراكيب) على أنه طريقة كتابية، وليس شعرًا. ومن ثم، نتفق مع عبدالله التطاوي حين ساح مع نقد أبي تمام، مائلًا إلى تقديمه، ولكنه انتهى إلى القول: «التقت فيه العلوم، وتبلورت المصطلحات ممّا أثقل كاهل العملية الفنية كموقف إبداعي التقى فيه الوجدان بالعقل، والفكر بالشعور، والفن بالمنطق وبغيره من العلوم». وإن خالف هذا بعد زمن، فقال: «حالة العقل والاضطراب التي يعيشها الشاعر لحظة الإبداع ليستجمع طاقته وليصوغ فنّه، ومع محاولة الاضطراب – هذه- تتسع دائرة الانفعالات الأصيلة التي تحوّل المادة الواقعية إلى مادة فنية، وتحيل الحقائق إلى رموز».

وماذا يبقى لأبي تمام، إن وافقنا على مقولة عبده بدوي: «الثابت أن موسيقا أبي تمام كانت ريّانة، ومسترسلة حين يطلق لوجدانه العِنان ولكن حين يتحكّم فيها العقل نحسّ بنوع من الخفوت والرتوب الموسيقي». فكيف يكون هذا شاعرًا؟

مالارميه

ولم يأت أبو تمام من فراغ، بل جاء من ثقافة أدبية، شكّل أبو تمام قمتها، أي: استخدام البديع، وهكذا، سلَّم الجميع بأن هذا هو نوع الشعر الذي يفرض نفسه. وبالتأكيد، فإن هذا النوع من الشعر كان خاصًّا بالطبقة العليا من المتعلّمين، ولم يكن يستهوي الشريحة الواسعة من القرّاء، حتى إنه كان مفصولًا كلية عن الشعب. كان أبو تمام فاتر العاطفة، جامد الإحساس. ويرى سيد الأهل أن هذا: «هو غاية الإبداع الفني». يقول بدوي: «إنه شاعر «صنّاع». ولقد قال العشماوي: «كان معظم محاولاته ضربًا من العناية بالشكل وإسرافًا في التأنق والتزويق والزخرف».. ليست الشاعرية في الشعر «المحدَث» مسألة إلهام وأحلام، وإنما مسألة وعي وصناعة، وعلى مقدار ما يتحقّق في ذلك الشعر من غنائية وتأثير يكون استقبال ذلك الشعر، بحيث لم يعد هناك أدنى معيار لما قاله أبو العتاهية، أو ابن دريد، أو ابن المعتز، أو غيرهم من العلماء والفقهاء، والكُتّاب، والنقّاد، والفلاسفة، وهلمَّ جرًّا. وكان النقّاد الأوائل قد وضعوا معيارًا فصلوا به بين الشفوي والكتابي: «الإسلاميون» و«المولَّدون» و«المحدَثون». والعجب أن يمجّد نجيب البهبيتي هؤلاء، فيما نرى خلافه عنده، فيقول: «أما ما كتبه القدماء، فأحكام مركَّزة صادقة، تقوم على علم صحيح، وإلمام سليم بدقائق فنّ أبي تمام ومذهبه، وهم في ذلك لا يَغلون، ولا يفرّطون، وليس فيما كتبوه شيء من التخليط الذي هو الطابع البيّن لبعض الكتابات الحديثة…».

حسين الواد

وكان أولئك الدارسون قد ضربوا عُرض الحائط بنقد محمد مندور الذي لم يجد في شعر أبي تمام، كي يكون تجديديًّا إلا «استعارة الهياكل»؛ لأنه أدب جزئيات «صادر عن صنعة ووعي بما يفعل، وأن الطبع فيه ضعيف الحظ» حتى وصفه وصفًا لائقًا به، وهو «الكلاسيكي الجديد». ولقد كان إخفاق دعاة الميتافيزيقية الرمزية وكذلك الشكسبيرية- الهاردية اللتين قامت عليهما البنيوية من كونهما لم يقدّما نماذج عملية من الرمزية نفسها للقياس والمقارنة؛ لأن ذلك غير ممكن، وإنما عرضوا انطباعية وذاتية، فتحجّرت البنيوية. ليست الميتافيزيقية إلا مغالطة وجهالة، فشعر أبي تمام أبعد ما يكون عنها.

وليست الرمزية أبياتًا منتقاةً؛ لأن «الشعرية عند مالارميه هي شعرية الأحاسيس الباطنية والانفعالات المتأجّجة لا شعرية القوالب اللغوية الجاهزة». وإن وضع شعر أبي تمام في مكانه الملائم له من صناعة البلاغة العربية هو الوضع المناسب له جدًّا. ولذا، فإنه لا يسع المرء إلا أن يدهش أشد الدهشة لهذا التحكم في تحويل الفنّ الكتابي إلى صناعة شعرية؛ وليته كان فنًّا شعريًّا خالصًا!! ومن ثمّ، فإن أبا تمام باستعماله لغة لا يستخدمها، ولا تجاري عصره، حتى في اللغة الفصحى المكتوبة في ذلك العصر، يقع خارج العصر والزمان والطبيعة، فهي إذن لغة -لغته الأم- لا تصلح للدراسة على النحو السابق. والظن بأن أبا تمام كان يتكلم الفصحى سليقة هو الذي جرّ إلى كل تلك المغالطات. أننتهي حسبما يرى بسيوني عبدالفتاح بسيوني إلى أن موقفنا من شعر أبي تمام ليس لأنه تمادى في الإغراب والتخييل، وإنما لأنه كان يستخدم اللغة بوعي تامّ، وهنا تكون المفارقة، وليس لأن الشعر عنده «نتاج عبقرية؟ وهل نقبل رأي كامل حسن البصير القائل: «كثير هو دون شكّ شعر أبي تمام الذي لا يغذّي في هذا العصر عقلًا ولا عاطفة والذي إن دُرس فإنما يُدرس لغاية تاريخية».

علم غزير ونبل وتسامح

علم غزير ونبل وتسامح

دكتور-يحيى-بن-جنيدكان‭ ‬اختيار‭ ‬شخصية‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الجنادرية‭ ‬موفقًا،‭ ‬ومفرحًا،‭ ‬وعادلًا؛‭ ‬لأن‭ ‬المُختار‭ ‬يستحق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عزوفه‭ ‬عن‭ ‬الترشح‭ ‬للجوائز‭ ‬وخلافها‭. ‬والقول‭ ‬باستحقاقه‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مسوّغات‭ ‬كثيرة؛‭ ‬أكثرها‭ ‬يتصل‭ ‬بعلمه،‭ ‬ومشاركاته‭ ‬الثقافية،‭ ‬وأقلها‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مما‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بشخصيته.

أمَّا‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بعلمه‭ ‬فأمر‭ ‬واسع‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬تتبعه؛‭ ‬فهو‭ ‬عالم،‭ ‬وباحث،‭ ‬وفقيه،‭ ‬وأصولي،‭ ‬ومُحدّث،‭ ‬ومُفسّر،‭ ‬ونحويّ،‭ ‬ولغويّ،‭ ‬وعَروضيّ،‭ ‬وناقد،‭ ‬وقاصّ،‭ ‬وشاعر،‭ ‬ونسَّابة،‭ ‬وله‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬مشاركات،‭ ‬توضحها‭ ‬مؤلفاته‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬ثلاث‭ ‬مئة‭ ‬مؤلَّف،‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬المحتوى،‭ ‬والحجم،‭ ‬والتأثير‭.‬ ثم‭ ‬هو‭ ‬فيما‭ ‬يخصّ‭ ‬صلته‭ ‬بالعلم‭:‬ محاضر،‭ ‬خطيب،‭ ‬جدلي‭ ‬بارع،‭ ‬يملك‭ ‬الحجة‭ ‬والبرهان‭ ‬عندما‭ ‬يُقدم‭ ‬رأيًا‭ ‬يسنده‭ ‬بذخيرته‭ ‬المكنوزة‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬يشكو‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬خيانتها‭ ‬إيَّاه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭.‬

أمَّا‭ ‬الجوانب‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الاختيار‭ ‬قد‭ ‬عرج‭ ‬عليها؛‭ ‬فهي‭ ‬أيضًا‭ ‬واسعة‭ ‬ذات‭ ‬تشعبات؛‭ ‬فهو‭ ‬إداري‭ ‬مميز،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بارتقاء‭ ‬المناصب‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬براعته‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬جليّ،‭ ‬لكن‭ ‬يوضحها‭ ‬تولِّيه‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬وحدتين‭ ‬ثقافيتين؛‭ ‬هما‭:‬ رئاسة‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬للشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬بالجمعية‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬عند‭ ‬تأسيسها،‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬رئيسها‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬الشدي،‭ ‬فاختير‭ ‬لعضويتها‭ ‬شخصيات‭ ‬متباعدة‭ ‬في‭ ‬توجهاتها،‭ ‬لكنها‭ ‬ذات‭ ‬مكانة‭ ‬علمية‭ ‬مرموقة؛‭ ‬منها‭:‬ الشيخ‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬أبو‭ ‬غدة،‭ ‬وهو‭ ‬يومئذ‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سعود‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وعالم‭ ‬حنفي‭ ‬المذهب‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬والشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الرفاعي،‭ ‬الأديب‭ ‬والشاعر‭ ‬الرائد،‭ ‬وكان‭ ‬مسؤولًا‭ ‬حكوميًّا‭ ‬يشغل‭ ‬منصبًا‭ ‬رفيعًا‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبنيه‭ ‬ندوة‭ ‬أسبوعية‭ ‬كانت‭ ‬الأشهر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المملكة،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬المفدى،‭ ‬عالم‭ ‬النحو‭ ‬المعروف،‭ ‬وكان‭ ‬أستاذًا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سعود‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الضبيب،‭ ‬وكان‭ ‬أستاذًا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬سعود،‭ ‬ومؤلفًا‭ ‬ومحققًا‭.‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬جلال‭ ‬قدر‭ ‬الأعضاء‭ ‬وتميزهم،‭ ‬فإن‭ ‬الشيخ‭ ‬كان،‭ ‬بإدارته‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الاحترام،‭ ‬والمدعومة‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬ما‭ ‬يخـدم‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي،‭ ‬ناجحًا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الحوار،‭ ‬واستــخـلاص‭ ‬الفوائـد‭.‬ وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬التي‭ ‬رأسها‭ ‬في‭ ‬الجمعية،‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬التوباد،‭ ‬واختار‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬رئيس‭ ‬الكتبة‮»‬‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭:‬ رئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬وكان‭ ‬متابعًا‭ ‬كل‭ ‬أعمالها‭.‬

yahya2كما‭ ‬وُلّي‭ ‬أمر‭ ‬النادي‭ ‬الأدبي‭ ‬بالرياض؛‭ ‬فكان‭ ‬في‭ ‬وقته‭ ‬شعلة‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬المنظم‭ ‬وغير‭ ‬المنظم؛‭ ‬فمن‭ ‬محاضرات‭ ‬يلقيها‭ ‬مرموقون‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬وغيرهم،‭ ‬إلى‭ ‬كتب‭ ‬متنوعة،‭ ‬إلى‭ ‬جلسات‭ ‬في‭ ‬فناء ‭)‬الفيلا‭ ‬الصغيرة)‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مقرًّا‭ ‬للنادي‭.‬ كان‭ ‬يتابع‭ ‬كل‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة؛‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الإعلام‭ ‬لفسح‭ ‬الكتب،‭ ‬ومع‭ ‬المحكمين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تصحيحها‭.‬ ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬خطابه‭ ‬التعقيبي‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬ظاظا،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬بخصوص‭ ‬كتاب‭ ‬الشعر‭ ‬الأندلسي،‭ ‬ونص‭ ‬الرسالة‭:‬

‮«‬سعادة‭ ‬الدكتور‭/‬ حسن‭ ‬ظاظا‭ ‬المحترم

السلام‭ ‬عليكم‭ ‬ورحمة‭ ‬الله‭ ‬وبركاته‭ ‬وبعد،

إلحاقًا‭ ‬لخطابنا‭ ‬رقم‭ ‬بدون‭ ‬وتاريخ 18 / 6 / 1399هـ،‭ ‬المرفق‭ ‬به‭ ‬ترجمة‭ ‬الدكتور‭ ‬الطاهر‭ ‬أحمد‭ ‬مكي،‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬الأندلسي‮»‬‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بتقرير‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬زغلول‭ ‬سلام،‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬والترجمة‭.‬ وحيث‭ ‬رغبنا‭ ‬من‭ ‬سعادتكم‭ ‬مراجعة‭ ‬الترجمة،‭ ‬وتلافي‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬زغلول‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬بعض‭ ‬العبارات‭ ‬ووقوع‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء‭.‬ نفيد‭ ‬سعادتكم‭ ‬أنه،‭ ‬وحتى‭ ‬تاريخه،‭ ‬لم‭ ‬نتلق‭ ‬إجابتكم‭.‬ نرجو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلينا؛‭ ‬شاكرين‭ ‬لكم‭ ‬سلفًا‭ ‬حسن‭ ‬تجاوبكم‭.‬ وتفضلوا‭ ‬بقبول‭ ‬وافر‭ ‬تحياتنا‮»‬‭.‬

‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬فضل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬اقـتـناء‭ ‬مجموعة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والدوريات‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬النادي،‭ ‬واستطاع‭ ‬بعلاقاته‭ ‬الشخصية‭ ‬أن‭ ‬يستعين‭ ‬بأثرياء‭ ‬لدعم‭ ‬الميزانية‭ ‬الرسمية‭ ‬المتواضعة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭.‬

yaha3أمَّا‭ ‬النمط‭ ‬الآخر‭ ‬المتصل‭ ‬بشخصيته،‭ ‬خارج‭ ‬العمل‭ ‬العلمي‭ ‬والوظيفي؛‭ ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬سعةً‭ ‬وعمقًا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المتصل‭ ‬بالعلم‭ ‬والأدب‭ ‬والثقافة؛‭ ‬فالشيخ‭ ‬إنسان‭ ‬اجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الأسبوع‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬لديه،‭ ‬تحفل‭ ‬بمدعوين‭ ‬غير‭ ‬متجانسين،‭ ‬وهذه‭ ‬صفة‭ ‬مميزة‭ ‬لدعواته؛‭ ‬إذ‭ ‬ستجد‭ ‬العالم،‭ ‬والأديب،‭ ‬والثري،‭ ‬والمتدين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العامي‭ ‬والفقير،‭ ‬بلا‭ ‬تمايز‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬أو‭ ‬الاحتفاء؛‭ ‬فهو‭ ‬يحتفي‭ ‬بالحضور‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬درجاتهم‭ ‬ومشاربهم‭.‬ ثم‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬البساطة‭ ‬والشفافية،‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬أمام‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وهو‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬النميمة‭ ‬والحسد‭ ‬والحقد،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬للمال‭ ‬قيمة‭ ‬غير‭ ‬السعادة‭ ‬الوقتية؛‭ ‬فإن‭ ‬جاءه‭ ‬‮«‬الرزق‮»‬‭ ‬أفناه‭ ‬في‭ ‬الولائم،‭ ‬ومساعدة‭ ‬المحتاجين،‭ ‬والصرف‭ ‬على‭ ‬الأبناء،‭ ‬وبالطبع‭ ‬تسديد‭ ‬الديون،‭ ‬ودعم‭ ‬احتياجات‭ ‬المجلة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭:‬ ‮«‬الدرعية‮»‬‭.‬

ولعل‭ ‬مما‭ ‬يقدم‭ ‬الشيخ‭ ‬المبجل‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬البساطة،‭ ‬والتواضع،‭ ‬وخفة‭ ‬الظل،‭ ‬علاقته‭ ‬المتميزة‭ ‬بإنسان‭ ‬بسيط‭ ‬فقير‭ ‬عامي،‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬بأبي‭ ‬عزيز،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬يهنأ‭ ‬له‭ ‬بال‭ ‬إلا‭ ‬بوجوده،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬أرسل‭ ‬في‭ ‬طلبه‭ ‬سائقه‭ ‬الخاص،‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه،‭ ‬ولا‭ ‬يجلس‭ ‬أبو‭ ‬عزيز‭ ‬إلا‭ ‬متصدرًا،‭ ‬ولا‭ ‬يبخل‭ ‬عليه‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬تعج‭ ‬بأدباء‭ ‬وشعراء‭ ‬ومثقفين‭ ‬بالسؤال‭ ‬والمناكفة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬وكم‭ ‬حزن‭ ‬عند‭ ‬وفاته‭ ‬وتألم‭ ‬لفراقه‭.‬ ومن‭ ‬يتعمق‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬أبي‭ ‬عزيز‭ ‬وأبي‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬سيجد‭ ‬المثل‭ ‬الواضح‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الشيخ‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬إنسانية‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬جم،‭ ‬وخلق‭ ‬رفيع،‭ ‬وحب‭ ‬المساعدة،‭ ‬واحترام‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مكانته‭.‬ كان‭ ‬أبو‭ ‬عزيز‭ ‬لصيقًا‭ ‬بالشيخ‭ ‬محبًّا‭ ‬إياه،‭ ‬لا‭ ‬يفتأ‭ ‬يشيد‭ ‬به‭ ‬وبما‭ ‬يقدمه‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عون،‭ ‬وهو‭ ‬الفقير‭ ‬المعدم (المقطوع‭ ‬من‭ ‬شجرة)‬؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬والأقارب‭ ‬غير‭ ‬ابن‭ ‬مريض‭ ‬وابنة‭ ‬متزوجة‭.‬ ولم‭ ‬يكن‭ ‬أبو‭ ‬عزيز‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬البسطاء‭ ‬الذين‭ ‬ربطتهم‭ ‬علاقة‭ ‬بالشيخ؛‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬غيره‭ ‬ممن‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬وقرى،‭ ‬بعيدة‭ ‬أو‭ ‬قريبة،‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬استضافتهم‭ ‬في‭ ‬منزله،‭ ‬مُخصّصًا‭ ‬لهم‭ ‬مكانًا‭ ‬للنوم،‭ ‬مع‭ ‬إكرامهم‭ ‬مدة‭ ‬إقامتهم،‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬حوائجهم‭.‬

ذلكم‭ ‬هو‭ ‬المكرم‭ ‬في‭ ‬جنادرية‭ ‬هذا‭ ‬العام (‭‬1437هـ)‭ ،‬والحائز‭ ‬وسام‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭:‬ الشيخ‭ ‬المبجل‭ ‬محمد‭ ‬ابن‭ ‬عمر‭ ‬العقيل ‭)‬أبو‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬عقيل‭ ‬الظاهري‭‬،(‭‬ المتفرد‭ ‬بشخصية‭ ‬يصعب‭ ‬وصفها‭ ‬وتحديد‭ ‬إطارها،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬صاحبها‭:‬ عالم‭ ‬موسوعي،‭ ‬نبيه،‭ ‬كريم،‭ ‬متسامح،‭ ‬بسيط،‭ ‬محب‭ ‬الحياة؛‭ ‬لإفادة‭ ‬الآخرين‭.‬

دقة‭ ‬وطموح

العـودة إلى محاضـر اللجنة الاستشارية للشؤون الثقافية بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وأوراقها الرسمية، يكشف لمن سيقف عليها مشاريع كبيرة كان يطمح إلى تحقيقها؛ من بينها:

موسوعة «الألفاظ المصطلح عليها بين أهل الفنون»، وقد أوضح ما يتعلق بها في خطاب وجَّهه إلى أعضاء اللجنة الاستشارية الدائمة للشؤون الثقافية بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وقد بسط فكرتها في ثماني نقاط، هي:

أولًاأن تكون بحوثًا تستوعب الألفاظ المصطلح عليها بين أهل الفنون.

ثانيًاأن تغطي الفنون الجمالية؛ مثل: الفنون التشكيلية، والألوان، والعروض، والقافية، والبديع، وما له علاقة بالنقد الأدبي الجمالي.

ثالثًاأن يكون بحث المادة مستوعبًا من الناحية اللغوية وعلومها، ومن الناحية الفنية، ومن الناحية التاريخية، ومن الناحية الشرعية، ومن الناحية الأدبية.

رابعًاأن تصدر مرتبة على الحروف وفق منهج القاموس المحيط.

خامسًاأن تُرتَّب معاني المادة اللغوية على طريقة ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، مع محاولة إرجاع المعاني إلى معنى واحد أصلي يدلّ دلالة مطابقة؛ لأن ابن فارس يُرجع المعاني إلى أكثر من أصل.

سادسًاأن تُدرَس الحروف الأصلية لكل مادة؛ صوتًا ومعنى، على نحو دراسات ابن جِنّي في سِرّ صناعة الأعراب ودراسة ابن هشام في المُغنِي.

سابعًاأن تُستخدم الإحالات في الإشارة إلى المواد المبحوثة من قبلُ.

ثامنًاأن تصبح دراسة تطبيقية لكل علوم اللغة والنحو والصرف والرسم الإملائي والتشكيل.

أما مراحل العمل فيها، فسردها في تسع نقاط؛ أقـتبسها بنصها فيما يأتي:

أولًامن الضروري اشتراك أعضاء اللجنة الاستشارية في تحرير دراسة أنموذجية لإحدى المواد، وبتحرير تصور كامل للموسوعة.

ثانيًامن الممكن تكليف رئيس الشؤون الثقافية بتحرير التصور الكامل للموسوعة؛ عن أهدافها، وضرورتها، ومنهجها من دراسة مستفيضة للاشتقاق اللفظيّ والمعنويّ الذي سيُبنى عليه منهج الموسوعة.

ثالثًايُكلف الدكتور محمد المفدى ومحمد عبدالخالق عضيمة بجرد جميع الصيغ الصرفية لمادة «زمر» للماضي والمضارع والأمر، واللازم والمتعدي، والمبني للمجهول والمبني للمعلوم، والجمع، والتصغير، والتفضيل، والمبالغة. ويذكران القاعدة فيها عند تركيبها في سياق الكلام؛ كالقاعدة في اتصال الفعل بالضمائر، وكالقاعدة في تحويل الفعل الماضي إلى مضارع، أو اللازم إلى متعدّإلخ.

شريطة أن يكون لهذا التركيب أثر في حروف الصيغة. ويذكران المعنى لكل صيغة حقيقية ومجازًا؛ كالأصل في صيغة فعال وفعالة ومفعال. ويُشَكِّلان كل صيغة بالقدر الكافي الذي يميز الصيغة ويمنع من التباسها بغيرها. ويضعان القاعدةكلما سنحت الفرصةللقدر المكتفى به من الشكل.

مثال ذلك: «كسرت مزمار زيد»، يُكتفى بالجزم للزاي، ويُقال في القاعدة أو المسوغ: لم تشكل الميم بالكسرة؛ لأنه لم يرد فتحها أو ضمها لا سماعًا ولا قياسًا؛ لأن العرب لا تبدأ المفردة بالسكون فتعين الكسر. ولم تشكل الراء بالفتح؛ لأن وقوع مزمار مفعولًا به دون أي احتمال برهان على فتحها. ويذكران ما له علاقة بهذه المادة من علم النحو: كـ «مزامير»؛ يذكران القاعدة والعلة من منعها من الصرف. وإذا استوعبا الصيغ القياسية يذكران الصيغ السماعية، ويُبينان وجه مخالفتها للقياس ووجهة التجوز بها. ويذكران وجه الاشتقاق لكل صيغة والقاعدة في ذلك

رابعًايكلف أبو عبدالرحمن بن عقيل بحصر معاني «زمر» في اللغة الفصحى. ويعين المعنى الحقيقي الأوَّلي الأصلي الوضعي، ويستدل عليه، ويذكر المعاني المجازية، ويرتبها تاريخيًّا حسب الإمكان، ويستوفي الاستعمال العامي ويحقق أصله، كما يستوفي المصطلحات العلمية من هذه المادة إن وجد مصطلحات.

خامسًايكلف فضيلة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ببحث ما ورد في الزمر من نصوص الشرع، ويمحصها دلالة وثبوتًا.

سادسًايكلف أحد الفنانينكطارق عبدالحكيمببحث المزمار تاريخيًّا وفنيًّا.

سابعًايكلف معالي الشيخ عبدالعزيز الرفاعي، وسعادة الدكتور أحمد الضبيب، والأستاذ يحيى ساعاتي بجمع ما ورد من الشعر والأمثال والنثر الفني عن الزمر.

ثامنًابعد ذلك تُعيّن لجنة لصياغة هذا الأنموذج بحيث يدمج البحث اللغوي والصرفي والشرعي ونصوص الأدباء وفق ترتيب منطقي؛ لتتضح دلالة المادة مضمونًا وسياقًا.

تاسعًابعد إرسال الأنموذج إلى المجامع والأفراد المكلفين بالاشتراك وأخذ آرائهم، يُعقد المؤتمر المصغر لدراسة فكرة الموسوعة، ويتم توزيعها على الباحثين، ويعين نصيب كل باحث، وتكلّف لجنة بجرد جميع المصطلحات الفنية في بيان وترتيبها ترتيبًا معجميًّا.

وقد سردت ما سبق لإظهار ما كان لدى الشيخ من طموح عظيم؛ لإخراج أعمال مرجعية كبيرة، ولتبيين دقته في التحديد.