الجوائز الأدبية في العالم العربي.. شراء ولاءات أم بحث عن فعل ثقافي حقيقي؟

الجوائز الأدبية في العالم العربي.. شراء ولاءات أم بحث عن فعل ثقافي حقيقي؟

لم تكن الثقافة العربية تعرف غير عدد محدود من الجوائز التي يتنافس عليها المبدعون العرب، فلكل دولة جوائزها القومية التي تمنحها لمبدعيها، ولا يوجد غير جائزتي العويس والشيخ زايد اللتين كانتا في عداد مكافأة نهاية الخدمة، إذ تمنح للشيوخ على مشروعاتهم الثقافية التي استنفدت أعمارهم، سواء في الشعر أو الرواية أو الفكر بشكل عام، حتى إن «العويس» كانت تسمى نوبل العرب، أما جائزة الملك فيصل العالمية فكان الكثيرون يعدونها جائزة التيار المحافظ، أما «زايد» فقد كان الرهان عليها قليلًا، ونادرًا ما كانت التغطيات الإعلامية توفر مادة جيدة عن الفائز بها.

كانت جائزة نجيب محفوظ التي تمنح مرة لفائز مصري وأخرى لفائز عربي هي أولى الجوائز التي خرجت عن الإقليمية، فقد قررت ترجمة النص الفائز إلى اللغة الإنجليزية، ومنح الفائز مبلغًا رمزيًّا قيمته ألف دولار تخصم من عائد مبيعات أعمال نجيب محفوظ المترجمة، وفي يوم ميلاد صاحب نوبل تقيم الجامعة الأميركية حفلًا ومؤتمرًا صحفيًّا بحضور أمانة الجائزة وأعضاء تحكيمها وكبار المثقفين المصريين ليتم الإعلان عن اسم الفائز ومنحه ميدالية نجيب محفوظ. ظلت هذه الجائزة رغم صغر قيمتها المالية هي الجائزة الأبرز والأهم حتى ظهرت جائزة البوكر في نسختها العربية، لتخطف الأضواء والمبدعين أنفسهم، ففي حفل إعلامي كبير تتم تسمية الفائز ومنحه ستين ألف دولار، ويمنح إلى جانبه كل من وصلوا إلى القائمة القصيرة عشرة آلاف دولار. هكذا عرف العالم العربي القائمة الطويلة والقائمة القصيرة، وأخذ الجميع يترقب إعلان القوائم واسم الفائز.

من جانبها حاولت القاهرة البقاء في المنافسة كمركز ثقافي كبير وقديم عبر منحها ثلاث جوائز تخص ثلاثة ملتقيات دولية للشعر والرواية والقصة القصيرة، لكن جوائزها ظلت محكومة بأدائها الحكومي ورغبتها في مراعاة أبعاد سياسية وجغرافية، ما أفقدها البريق المطلوب للجوائز الكبرى. ثم ظهرت جائزة كتارا عبر سخاء غير مسبوق لتغطي على الجميع، فلأول مرة في تاريخ الجوائز الثقافية في العالم العربي نجد عملًا روائيًّا يفوز بنحو ربع مليون دولار، إضافة إلى ترجمته وتحويله إلى عمل سينمائي. الملحوظ أن كل هذه الجوائز للنثر وليست للشعر، بما فيها جائزة الملتقى التي خصصتها الجامعة الأميركية بالكويت للقصة القصيرة. والملحوظ أيضًا أن التنافس بين الجوائز أصبح على مستوى العواصم والمدن، فالعويس والشيخ زايد والبوكر من أبو ظبي، ونجيب محفوظ وجوائز ملتقيات الشعر والرواية من القاهرة، وكتارا من الدوحة، والملك فيصل من الرياض، والملتقى من الكويت، والطيب صالح من الخرطوم.

والمدهش أن دول الخليج أصبحت قبلة المبدعين العرب عبر ما أطلقته من جوائز كبرى ماليًّا وإعلاميًّا، وخرجت من المنافسة العديد من المراكز الثقافية القديمة، كدمشق وبغداد والرباط وتونس، على حين ما زالت القاهرة تصارع للبقاء في مكانها عبر آلياتها القديمة. ويتضح أنه منذ بداية الألفية لم تعد الجوائز تمنح بأسماء أمراء ولا شيوخ، فقد حرصت كل جائزة على أن يكون لها مجلس أمناء ولجان تحكيم مستقلة، كما حرصت على عقد مؤتمر صحفي تحضره قنوات الإعلام ومشاهير الثقافة والفن لتدشين اسم الفائز أمامهم جميعًا، وعلى الرغم من أن جوائز مثل البوكر وكتارا تقوم بترجمة الأعمال الفائزة فإن أحدًا لا يهتم ولا يشعر بمردود لهذه الترجمات.

في ظل هذا السياق كان لا بد لـ«الفيصل» أن تتوقف أمام ظاهرة الجوائز الثقافية العربية لنعرف ما لها وما عليها، وكيف تعامل النقاد والمبدعون معها، وكيف تركت آثارها بالسلب أو الإيجاب على إبداعنا العربي، وهل الأموال التي تغدق عليها من أجل شراء الولاءات السياسية للمثقف العربي، أم رغبة في خلق فعل ثقافي حقيقي؟ أسئلة طرحتها «الفيصل» على عدد من أدباء وكتاب من مختلف البلدان العربية، سواء ممن فازوا بالجوائز أو تنافسوا ولم يحصلوا على شيء، أو شاركوا في تحكيم بعضها، أو اكتفوا بالنقد والتعليق، سواء من الشباب أو الشيوخ، بقصد تعرف رؤية كل منهم وكيف يمكن الدفع بعجلة التطوير إلى الأمام.

أمير تاج السر: كثير من الأعمال المقدمة للجوائز نيئة

%d8%a7%d9%94%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%aa%d8%a7%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b1كما هو متوقع، فإن من المفترض أن يبدع الناس في كل المجالات الفنية والإنسانية، من دون أن ينتظروا جوائز أو تكريمًا معينًا من أي جهة، وقد كان هذا التقليد، أي الإبداع بلا تطلعات مادية، سائدًا في الوطن العربي حتى عهد قريب، إذ فجأة ظهرت الجوائز الأدبية، ظهرت في البداية على استحياء ثم تكاثر عددها، وهكذا أصبح للكتاب أمل جديد في الاعتماد على كتابتهم، حين تصيب جائزة ما، كتعويض بالنسبة للكتاب الكبار، وكبداية تساعد على المضي في سكة الكتابة، بالنسبة للمبتدئين.

وفي المقابل، سلبت كثيرًا من القناعة، وأوجدت لهفة جديدة لدى كل من يكتب، ومن يحاول أن يكتب، في الركض للحصول على جائزة، ولذلك قد تجد كثيرًا من الأعمال المقدمة للجوائز الأدبية، حتى من كتاب كبار، نيئة، وبحاجة لتنضج، لكن نُشرت لتركض في سباق الجائزة. أيضًا نتجت كثير من الغيرة التي لم تكن موجودة حين كان الأدب مجرد تميز طفيف، لا عائد ماديًّا له. بالنسبة للقيمة المادية للجوائز الأدبية، فأنا لا أراها مبالغًا فيها، وهناك جوائز لأنشطة كثيرة في الرياضة، والغناء، والموسيقا أعلى كثيرًا من أعلى قيمة جائزة لدينا، وما دامت هناك مؤسسات تقوم بالتمويل فلماذا نقول بأن القيمة مبالغ فيها؟ نأتي لمسألة الأعمال التي قد تفوز في تلك الجوائز، وهي مسألة معقدة خاصة للذي يعمل محكمًا فيها. لذلك لن نقول بأن أي عمل حصل على جائزة، هو بالضرورة عمل جيد وينبغي اتخاذه مرجعًا، وأي عمل طرد من الجائزة هو بالضرورة عمل سيئ وينبغي الحطّ من قدره. ودائمًا عندي رأي أردده وهو أن الجوائز مكسب في النهاية، ينبغي الحفاظ عليه، مهما كانت السلبيات.

يحيى يخلف: الجائزة توفر للمبدع حياة كريمة

yahya-2الجوائز نظام معمول به في الدول والمؤسسات الأهلية. الجوائز تكريم للمبدعين في مجالات الآداب والفنون والعلوم. الدول ممثلة بوزارات الثقافة تمنح جوائز لأدباء وفنانين عن مجمل أعمالهم أو مسيرتهم اعترافًا بجهودهم وعطائهم. كما تمنح لأدباء وفنانين شباب جوائز تشجيعية لتحفيزهم وتشجيعهم. يحدث ذلك في دول عربية وفي دول العالم. الجوائز العربية الأكثر أهمية هي الجوائز التي تمنحها مؤسسات غير حكومية أو مستقلة ممولة من حكومات أو رجال أعمال مثل جوائز البوكر، وكتارا، والشيخ زايد، والعويس، والملك فيصل، ومؤسسه الفكر العربي… إلخ، وهي جوائز تستحق التقدير وتلعب دورًا في تكريم القامات العالية، وتحفيز إبداع الشباب. الجوائز بشكل عام تفيد ولا تضر. إنها تكريم وتحفيز وقيمتها المادية توفر للمبدع حياة كريمة. لنتذكر الشعر والشعراء في تراثنا الذين كانوا يضطرون للتكسب في بلاط الحكام على حساب كرامتهم. التكسب قبيح لكن الجوائز مختلفة. للجوائز لجان تحكيم ونظم داخلية ومعايير لا تمنح إلا إذا توافرت لها عناصر فنية. وبالتالي تحفظ للمبدع كرامته. صحيح أننا أحيانًا نختلف مع لجان التحكيم؛ إما لأن بعض أعضائها ليسوا على مستوى من ناحية القدرات أو الكفاءة، لكن معظم لجان التحكيم يتوافر بها حد معقول من النزاهة. باختصار يستحق المبدع التكريم ويستحق أن يمنح جوائز كما هو معمول به في كل دول العالم.

هيثم حسين: البيئة الثقافية الفاسدة لا تنتج إلا جوائز فاسدة

%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82حسن النيّة يفترض التعاطي مع الجوائز لكونها مخصّصة للاحتفاء بالفنون التي تقوم بتتويج المبدعين فيها، وتركيز الاهتمام على أعمالهم وعليهم، وتسليط الأضواء على مجالاتهم وتسويقهم وتقديمهم لشرائح عريضة من المتلقين، لكن كما يقال: إنّ سوء الظنّ من حسن الفطن، فإنّ التعاطي لا يخلو دومًا من تأويلات وبحث عن مقاصد خفيّة تكمن في مضمون اختيار الفائزين وآليات التتويج المتّبعة التي لا تنجو من انتقادات تصل حدّ الاتّهامات بالفساد والإفساد. لا يمكن الإغفال عن أنّ الجوائز المخصّصة للفنون الإبداعيّة (شعر، رواية، قصة، رسم..) في العالم العربيّ على قلّتها تدار في مناخ فاسد، ولا أقصد إدارة أيّة جائزة بعينها، بقدر ما أشير إلى البيئة الثقافيّة الفاسدة التي تنخر بنية المؤسّسات الثقافيّة العربيّة، البيئة التي هي جزء من بيئة أشمل تنتعش فسادًا وإفسادًا، ذلك أنّ هناك من كرّس نفسه للشلليّة والتنفيع، يكون إمّا هنا في لجنة تحكيم أو هناك في لائحة قصيرة أو طويلة، يمنح هنا تتويجًا أو تصديرًا ليتسلم من هناك المقابل المطلوب. وقد لا يخلو التتويج من إقحام اسم ما على سبيل التنويع وتبديد الشكوك والتأكيد على الاستقلالية والنزاهة والبراءة من التنفيعات والفساد. الفائزون بالجوائز يسبغون عليها نزاهة مطلقة، أمّا بعض المرشحين لها ممّن لم يحالفهم الحظّ فيبالغون في اتّهامهم لها بالإقصاء والتهميش وتصدير أسماء بعينها. بالطبع لا توجد وثائق تدين الفاسدين في الجوائز، لكن لدى المتابعين ما يمكن توصيفه بحدس بما بين السطور.

ناصر عراق: لم تسلم جائزة من غمز

%d9%87%d9%8a%d8%ab%d9%85-%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86حسب علمي لم تسلم جائزة من الغمز واللمز من الذين لم يحالفهم الحظ وينالوا فواكهها، حتى نجيب محفوظ نفسه تلقى هجومًا شرسًا من يوسف إدريس وآخرين واتهموه بأن مهادنته وتأييده للسلام مع إسرائيل هي التي فرشت له طريق الورد إلى قطف نوبل… ويبدو لي أن غضب الخاسرين يتصاعد كلما كانت قيمة الجائزة المالية مرتفعة. بسبب الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعيش في كنفه أغلب المبدعين العرب بكل أسف. فالجوائز السخية توفر قدرًا من الأمان المالي لمن يظفر بها. فإذا خاصمتهم الجائزة هذه الدورة صبوا عليها اللعنات واتهموها بعدم النزاهة. لكن سرعان ما يهرعون إلى تقديم رواياتهم للمشاركة في الدورة المقبلة وهكذا. وأنا أتفهم هذا الأمر جيدًا. وأتمنى لجميع زملائي من الروائيين والكتاب الفوز بجوائز مهمة. أما هل كانت هناك أعمال تستحق الفوز فلا أستطيع التأكيد. لأَنِّي لا أعرف الروايات التي تقدمت للمشاركة، ولكني موقن أن المبدع العربي يتمتع بإمكانيات مدهشة تجعله قادرًا على كتابة رواية مهمة وجديرة بثقة القارئ والناقد. أعتقد أن آليات جائزتَيْ كتارا والبوكر معقولة جدًّا وفقًا لما أعلنته إدارة كل جائزة عن طريقة التحكيم وآلياته. وحبّذا لو أُصدِرت ورقة تشرح حيثيات الفوز موقَّعة من لجنة التحكيم. هذا باختصار فيما أعتقد بشأن الجوائز.

مكاوي سعيد: مرحى بالجوائز وإن جانبها الصواب

makkawi2في اعتقادي أن الجوائز التي تمنح لأشكال الإبداع الثقافي كافة لها فوائد ومزايا جمة مهما اتفق أو اختلف بعض المهتمين عليها، وبخاصة في واقعنا العربي النامي، فالمبدعون يعانون تردِّي الرواتب وقلة ساعات الفراغ التي يستقطعون منها بصعوبة وقتًا يخصصونه للإبداع، إضافة إلى رحلة البحث المضنية عن ناشر يتحمس لإبداعهم ويوافق على نشره، كما أنهم لا يحصلون على مقابل لإبداعهم إلا نسبة قليلة يمنحهم الناشر مقابلها بعض النسخ. هذه الجوائز سواء ممنوحة من دول أو مؤسسات خاصة أو رجال أعمال، فهي أمر حسن جدًّا يدافع عن وجوه الإبداع ضد خطر التقزم والاندثار. الجوائز في غاية الأهمية لدفع عملية الإبداع ومساعدة الشباب الموهوب في تكملة طريقه الإبداعي، وأيضًا مساعدتهم في اقتحام مجالات باتت مهجورة؛ لأن أغلب الجوائز صارت تعطى للترجمات والأعمال الروائية (وهذا جانب سلبي من الجوائز؛ لأنه يدفع بالمتبارين لاقتحام مجالات غير موهوبين فيها. كبعض الشعراء الذين يتجهون للرواية من أجل القيمة المالية) وقد انتبه بعض المهتمين لذلك فظهرت بعض الجوائز التي تمنح للقصة القصيرة، وأتمنى أن تكثر هذه الجوائز بالنسبة للقصة والشعر والكتابة المسرحية حتى نضخ دماء جديدة في هذه الشرايين الإبداعية. وبعض الذين يهاجمون هذه الجوائز (وبخاصة الكبرى منها) يتقدم لها سنويًّا ويثير اللغط نفسه بغية الضغط على لجان التحكيم كي تمنحهم الجائزة في العام التالي. وبعضهم قد يكون محقًّا لأن عدد المحكمين المعلن عنهم لا يكفي لفحص كل الأعمال المقدمة. وهذا جانب سلبي أيضًا في الجوائز يجب معالجته. المهم في هذا الصراع في رأيي أن من ارتضى أن يدخل إلى هذه السباقات لا بد أن يرضخ لنتائجها.

هويدا صالح: معيارية التحكيم في الجوائز العربية


%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%af%d8%a7-%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%adكلما قرأت نصًّا يحصل على جائزة عربية وأجده أقل فنيًّا وجماليًّا من أن يصل إلى مستوى جائزة كبرى كنت أتساءل عن معيارية التحكيم في الجوائز العربية، ثم جاءت جائزة نوبل التي منحت جائزتها لمغنٍّ، عاودني التساؤل أليس ثمة معيارية أدبية يتمثلها مانحو الجوائز وهم يمنحونها؟

ومن خلال تجربتي في تحكيم جوائز مصرية وعربية أتحدث عن طريقتي مع النص الذي يجب تحكيمه، أنا شخصيًّا عند قراءة نص ما من أجل تحكيمه، وتبيان مدى استحقاقه لجائزة أم لا، أضع لنفسي معيارين أساسيين لا يمكن أن أحيد عنهما: المعيار الأول هو الخطاب الجمالي ومدى تحقق الأدبية والجمالية في النص، والمعيار الثاني هو الخطاب الثقافي الذي يتضمنه النص، ومدى قبول هذا الخطاب من منطلق وعيي الفكري والأيديولوجي، فإن تحقق للنص مستوى أدبي يرضي قناعاتي الأدبية ومقولاتي النقدية لكنه يحمل خطابًا ثقافيًّا لا يليق بما نتمنى أن نجده في مجتمعنا من خطاب يكرس لقيم المدنية والمواطنة، ويتوافق مع منظومة القيم الإنسانية العالمية أرفض هذا النص فورًا.

شريف صالح: نوبل نفسها لم يحصل عليها مبدعون كبار

2%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%adمن المؤكد أن أي أديب يفوز بجائزة مشفوعة بحفنة من الدولارات لن يشعر أن ثمة ضررًا، بل سيكون سعيدًا للغاية، وسيتلقى التهاني بأريحية وسيظل يشيد بنزاهة المانحين. حتى الجوائز التي «على قد حالها» يتكالب عليها الكثيرون؛ لتأكيد جدارتهم واستكمال وجاهتهم الاجتماعية بتعليق شهادات التقدير على الفيسبوك. لا أقول ذلك زاعمًا أنني لا أشارك في الجوائز. إنني بالفعل أشارك وأدرك أن «الكاتب العربي» في وضع مادي بالغ البؤس. فالجائزة هي تعويض مادي ومعنوي من الصعب الاستغناء عنه. لكن إذا أعدنا صياغة السؤال «هل تفيد الجائزة الأدب نفسه؟» الإجابة: ليس بالضرورة. بل ربما تضرّ أكثر مما تفيد. إذا عممت نموذجًا متوسطًا على حساب النموذج الأكثر أصالة. ولكي تفيد جائزة الأدب لا بد أن تتحلى بمصداقية وشفافية عالية جدًّا. وهو ما لا يتوافر في معظم الجوائز العربية، والنتائج والكواليس معروفة للجميع.

إعتدال عثمان: الجوائز إما تتويج لمشروع أو تبشير بموهبة

%d8%a7%d9%95%d8%b9%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86لا شك أن تعدد الجوائز الثقافية في الساحة العربية مؤشر دالّ على حراك ثقافي يسهم في توجيه الثقافة، وتزويد المجتمع بالزاد الفكري والإبداعي المطلوب. إننا نستطيع أن نحصي أكثر من عشر جوائز لمؤسسات وهيئات مانحة، اكتسب معظمها شهرة واسعة ومصداقية عالية؛ لكونها تجمع بين التكريم المادي والمعنوي لأسماء لهم إسهاماتهم البارزة في الإضافة إلى مجالات تخصصهم، لذلك فإن فوزهم يعدّ تتويجًا لرحلتهم، وحفزًا لهم على مزيد من الإبداع والتطوير والتأثير في الساحة الثقافية. كذلك تُسلِّط الجوائز الضوء على أصحاب مواهب مغمورة، يمنحها الفوز بالجائزة فرصة الحضور والاعتراف بمواهبهم وتقديرها حق قدرها، وهذا مكسب كبير يضاف إلى تشجيع المبدعين الجدد لتطوير أدواتهم، والانطلاق إلى آفاق واسعة، تتيح لهم الدخول بكفاءة في حلبة المنافسة.

ولكن الملحوظ أيضًا تواري بعض الأسماء الفائزة بعد انطفاء أنوار الاحتفال. ترجع بعض أسباب هذه الظاهرة السلبية إلى أن الجهة المانحة غالبًا ما تنصرف عن مواصلة رعاية المشروع الأدبي أو الفكري الفائز، وتهيئة المجال لنوع من الاستمرارية والمتابعة التي تفتح آفاقًا أرحب في الواقع الثقافي عن طريق عقد المؤتمرات، ونشر الدراسات حول الأعمال الفائزة، وتنظيم ندوات ومناقشات مفتوحة على نطاق واسع، تحقق تواصل الأجيال، وجذب شباب الأدباء والمبدعين، إلى جانب الجمهور العادي من مختلف الأعمار؛ لذلك يظل هذا الحراك الثقافي محدود الأثر في الواقع الفعلي، كما لا يحدث التراكم المطلوب لنقلة نوعية على مستوى زيادة أعداد القراء، وبالتالي التفاعل المجتمعي المأمول، فيما تبقى الجوائز مناسبات احتفائية مرموقة، لكنها معزولة في إطار موسمي.

من السلبيات التي لا بد من تداركها افتقاد تخطيط منظم على مستوى العالم العربي، ينظر إلى الأعمال الفائزة بوصفها منتجًا حضاريًّا عربيًّا يقتضي نوعًا من التنسيق بين الجهات المانحة لتدارس ما تكشف عنه الأعمال الفائزة من توجهات ومسارات واستشرافات فكرية وإبداعية، وارتباطها بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. ومن الضروري أن يمتد هذا التنسيق مع دور النشر لتسهيل زيادة مراكز التوزيع على نطاق أكثر اتساعًا وتنظيمًا. أيضًا ينبغي ألا ننسى دور الإعلام الثقافي في التعريف بالأعمال الفائزة، وتقريبها للجمهور العادي، وعدم اقتصار هذا الدور على إبراز الحدث في تغطيات صحفية سريعة، تهتم بالإخبار والاحتفاء أكثر من اهتمامها بالقيمة الأدبية الحقيقية للأعمال الفائزة.

أحمد‭ ‬المديني‭:‬ فقر‭ ‬المبدعين‭ ‬يدفعهم‭ ‬للتهافت‭ ‬على‭ ‬الجوائز

%d8%a7%d9%94%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8aعلى رغم تكرار الحديث عن قضية الجوائز في حقل الثقافة والإبداع العربيين في السنوات الأخيرة، فإنه حديث يعبر عن حاجة فعلية يتبادلها المانحون والفائزون والناشرون، أعني السوق. فالمانحون، أغلبهم اليوم من بلدان الخليج، لما يتمتعون به من ريع مالي، اهتدوا إلى هذا السبيل، بين سُبُل أخرى، للفت نظر وترويج صيت ثقافي لبلدان ناشئة، لا بأس، وللإحسان، على غرار سلوك معهود في حواضر وأزمنة، لا بأس كذلك.

والفائزون، بين روائيين وشعراء وفنانين، أغلبهم من المعوزين، ممن وجدوا ضالتهم في هذا الأعطيات والإكراميات، فتهافتوا عليها إما لسدِّ العوَز أو لنيل شهرة يغفلون أن رأسمالها هو النصوص قبل صكوك المانحين، فيختلط الحابل بالنابل، وتختل المقاييس، وقد اختلَّت.

وأما الناشرون فهم أكبر الكاسبين، يجنون من البضاعة الكثير، ويروِّجون ويزايدون بالرخيص والنفيس، على حد سواء، سيكبر في أعينهم أردأ كاتب غدًا، شأن القراء تقريبًا؛ لأن البَرَكة حلّت به، وسيباع، ومنهم من يتطاوسون كأنهم في بورصة، سيرشحون هذا العمل لوليمة الجوائز أو هم لا يفعلون، والكتاب والمفكرون الجياع كُثر عليهم يتهافتون، وبأعتابهم يتمسّحون، وفوق هذا بعضهم لكُتبهم مموِّلون، حتى إنه لا ثقافة عربية الآن، ولا إبداع، إن لم تتوَّج بجائزة! حسن. ليُعلم، بعد هذا، أن ما العيب في الجائزة، ولا للغط أن يقوم عنها لذاتها مجردة. إنه حول إطارها وشروطها وسياقها… أهلًا بالجوائز، شريطة أن تكون لغرض نبيل، ولها مُحكِّمون أكْفاء، ويقتحمها النبغاء، لا سقط المتاع من كل قول، كأغلب روايات هذا الزمن الأعور، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.

شوقي‭ ‬عبدالأمير‭:‬ الجوائز‭ ‬أساءت‭ ‬للرواية‭ ‬وأسهمت‭ ‬في‭ ‬ابتذالها

%d8%b4%d9%88%d9%82%d9%8a-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%94%d9%85%d9%8a%d8%b1لقد أساءت الجوائز إساءة بالغة للرواية، وأسهمت في ابتذال قيمها؛ بسبب تحويلها إلى سوق رخيصة، ويكفي قراءة النصوص ومقارنتها مع الجوائز العالمية التي أعطيت لروائيين عرب كما حدث مؤخرًا في باريس بجائزة الغونكور للرواية، وهي أرقى الجوائز؛ إذ منحت ثلاثة من العرب هم: الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، وأخيرًا هذا العام للمغربية ليلى سليماني، والمؤكد أنه لا يمكن رعاية الرواية الحديثة، إنما فقط محاولة شراء الروائيين، كمن يتسوق بضائعه في المولات…

ولا يمكن اعتبار أن القيمة المالية المرصودة للجائزة هي مال سياسي أكثر منه ثقافي، فالأمر يعتمد على طريقة التوظيف، لا على القيمة المالية مهما كانت مرتفعة، ومن ثم فأمر الجوائز يحتاج إلى ترفُّع وإيمان بدور الأدب والفكر، لا باستغلاله مباشرة. وعلى البلدان المانحة للجوائز الكبرى والمهمة أن تختار الأسماء في شكل حيادي، وتشكل لجنة تحكيم متوازنة، وتمنح الجائزة لمن يستحقها، حتى إن كان معارضًا لسياستها، عند ذلك يبدأ العمل الجدي والتأسيس الصحيح. الظاهرة في الجوائز العربية هو أن الفائز لا يذكر إلا ساعة الجائزة، ثم يختفي… لأنه حصل عليها بترتيب ما لا علاقة له بالدور والحضور، ظروف مالية لشراء الولاءات.

ثم إن هناك عملًا في الخطاب الإعلامي للجائزة، الجائزة ليست مكافأة مالية فقط، إنها خطاب إعلامي للعالم، هذا الجانب لا تفكِّر فيه الجوائز العربية كلها؛ لأنها تجهل مفردات وفلسفة الخطاب، كيف نوصل صوت الفائز واسمه إلى العالم؟ هل فكروا بهذا؟

كل الجوائز العربية تتهشم أمام صخرة الخطاب العالمي، هذا الجانب مهم جدًّا، ولم يشتغلوا عليه. يعملون حفل عشاء وخطبًا إنشائية ومجاملات ويطبعون كتبًا بورق «أملة»، يصرفون عليها آلاف الدولارات، وتبقى مكدسة في السراديب، ويعيدون الكرة كل عام من دون نقد ذاتي أو دراسة جدوى…، هدر أموال وجهل مع سبق الإصرار. وبالطبع يختلف فوز بوب ديلان عما يحدث في جوائزنا الثقافية في العالم العربي، ففوز بوب ديلان تطوير لنوبل؛ ذلك لأنها المرة الأولى التي تكِّرم فيها مغنيًا وهي جائزة أدبية… يمكنك المقارنة عندما تضع اسم بيكت إلى جانب ديلان لفهم القفزة التي حققتها نوبل، والرسالة من وراء ذلك موضوع يطول الحديث عنه بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له.

عزت القمحاوي: لجان التحكيم قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا

ezzatالأصل في الجائزة الأدبية أنها تقدير من المجتمع لكاتب مجتهد. قد تنوب الحكومة عن المجتمع في تقديم هذه الجائزة، وقد تفعلها شركة أو يقدمها شخص يقدر الثقافة. المهم أنها نوع من التقدير، نوع من المديح الذي يرتدّ في جزء منه على الجهة المتبنية للجائزة. لكن لجان التحكيم قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا على الأدب والكتابة، عندما تتخلى عن الاشتراطات الأدبية لصالح اشتراطات أخرى، سياسية كانت أو شخصية. هذا الانحراف يصيب العدالة في مقتل ويؤثر على الكتابة سلبًا؛ لأنه يغالط في ترتيب أقدار الأدباء. عندما نتأمل الساحة العربية حاليًّا نجد أنواعًا من الجوائز، قليلها ينتصر للأدب، والكثير منها ينتصر لقيم أخرى، مثل قيمة الاحتفالية مثلًا، وكأن أهم ما في الجائزة هي الإشارة إلى الجهة المانحة لا التنويه بالعمل الفائز وصاحبه. بعض الجوائز دأبت في الترويج للكتابة الخفيفة «الأكثر مبيعًا» وأصبح هذا مستقرًّا فيها. ولذلك، قد أخالفك، في أن بعض الجوائز تبدأ قوية ثم تضعف؛ فكل جائزة تقف من البداية في المكان الذي يريده لها مطلقها.

وإذا كانت لجان التحكيم تتغير في كل عام، فإن هذا التغيير بلا جدوى؛ لأن مجالس الأمناء أو مجالس إدارات الجوائز ثابتة. وهذه المجالس لا تصوّت على الأعمال، لكنها قد تختار لجنة التحكيم التي ستخرج بنتائج تُرضي المجلس ولا تحرجه مع مطلق الجائزة. يختارون من يرونهم أقرب فكريًّا منهم، أو المتمرسين في معرفة سقف الجائزة ومحظوراتها. وهناك الكثير من المحظورات في الدول العربية، ولا يمكن الاحتفاء بكتاب يخترق حدود الحرية المعروفة سلفًا، سواء المتعلقة بقيود السياسة أو بما يـسـمـى أعراف وتقاليد المجتمع والذوق العام.

بلا إستراتيجية ثقافية  العرب يتلمسون طريقهم في الظلام

بلا إستراتيجية ثقافية العرب يتلمسون طريقهم في الظلام

على الرغم من تأكيد وزراء الثقافة العرب أهمية التفكير الإستراتيجي، وتشديدهم في مؤتمرهم الذي يعقد سنويًّا في إحدى العواصم العربية، على وجود خطط إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى المجتمع، إلا أن المتأمل لواقع الثقافة العربية لا يكاد يلمس أي أثر لتفكير إستراتيجي، فهل فعلًا لدينا إستراتيجية ثقافية تنظم العمل الثقافي وتعطيه بعدًا مؤسسيًّا؟ أم أن العرب يفتقدون فعلًا التفكير الإستراتيجي؟… إذا كان الأمر كذلك فما الأسباب التي جعلتنا بلا خطط مدروسة بأهداف تعمل المؤسسات على تحقيقها في مراحل منتظمة، ثم كيف يمكن للثقافة العربية أن تقوم بدورها تجاه المجتمع، في ظل هذا الغياب؟

«الفيصل» لجأت إلى عدد من المثقفين العرب؛ لمعرفة إن كان لدينا إستراتيجية ثقافية حقيقية في بلدان العالم العربي أم لا، وإذا كانت موجودة فلماذا لا يتم تفعيلها؟

%d8%b4%d8%a7%d9%83%d8%b1-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af-2

شاكر عبدالحميد

في البدء أكد وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور شاكر عبدالحميد عدم وجود إستراتيجية ثقافية في بلدان العالم العربي، موضحًا أن غالبية الأنظمة العربية «تعدّ الثقافة شيئًا ثانويًّا مرتبطًا بالتسلية والترفيه، وليس تكوين الإنسان، أو أن للثقافة دورًا فعالًا في المكون الاقتصادي للدولة والبشر، ومن ثم فهذه الأنظمة تعدّ الثقافة كما يقولون: «فض مجالس»، والثقافة في نظر كثير من المسؤولين مجرد رقص وغناء، وفي بعض الأحيان شعر وقصة وفن تشكيلي».

ويلفت عبدالحميد إلى أن الثقافة «هي كل ما يخص حياة الإنسان، بدءًا من المأكل والمشرب وأدوات العمل وطريقة التفكير وصولًا إلى الآداب والفنون والقيم والمفاهيم، وبالتالي فأي إستراتيجية عليها أن تضع كل هذه الحسابات في مخيلتها، لكن الواقع يخبرنا بنقيض ذلك، ومن ثم فكل مسؤول يتحرك وفق أهواء شخصية ورؤية يومية يحكمها «الشو الإعلامي»، أما فكرة وجود مفهوم كلي متكامل فهذا غير وارد، وفكرة الإستراتيجية نفسها غير موجودة».

وأضاف عبدالحميد: «وبالرغم من ذلك فما زلت أحلم بوجود تكامل بين بلدان العالم العربي يمكنه أن يخلق لنا رؤية ثقافية واحدة، وإن كان ذلك أمرًا يحتاج إلى سنوات من التعاون كي يتحقق؛ لذا فإننا يمكننا أن نبدأ بعمل خريطة واحدة للعالم العربي، خريطة تخبرنا بالمواقع الثقافية الموجودة في كل بلدان العالم العربي، تخبرنا بكل مواقع وقاعات الفن التشكيلي وأنشطته، تخبرنا بتباين المناطق العربية من الفقر إلى الغنى، من العشوائيات إلى الصحراويات، خريطة نرى أنفسنا من خلالها، وحينها سوف ينتبه الجميع إلى ما يجب عليهم عمله حيال ما يرونه على هذه الخريطة، وهذه بداية وضع إستراتيجية ثقافية عربية شبه موحدة، أو على الأقل متلائمة مع كل هذا التنوع والتباين والتفاعل العربي».

%d8%b2%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%af%d9%8a

زين عبدالهادي

أما رئيس قسم المكتبات بجامعة حلوان والرئيس الأسبق لدار الكتب المصرية الدكتور زين عبدالهادي، فأوضح أن الثقافة تحتاج إلى دعم سياسي كبير يأتي من الدولة ومؤسساتها الكبيرة المتحكمة، «ومن دون ذلك تظل الثقافة هامشًا، كما أنها تحتاج إلى عقل واعٍ بقيمتها وأهميتها، ومدى تأثيرها في الشارع، وأشك كثيرًا في وجود مثل هذا العقل في العالم العربي، وتحتاج إلى بيئة حاضنة لمفهوم الثقافة بكل أشكاله، وأشك أيضًا بأن هناك في العالم العربي هذه البيئة، وإن كانت بعض دول الخليج الآن لديها هذه المساحة وبشكل محدود».

وتساءل عبدالهادي: إذًا كيف يمكننا بناء إستراتيجية للثقافة في هذه البيئة الطاردة؟ ربما كان لدينا في مصر في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات مثل هذه البيئة بشكل أو بآخر، فانتشرت صناعة الكتاب والسينما والمسرح والأدب والفن التشكيلي وغير ذلك، لكن العقل الذي بنى ذلك ليس كالعقل الموجود الآن، فهناك تحالفات سياسية دينية، وهناك تحالفات مذهبية وعرقية أو فئوية، وكلها تحالفات ترى في الثقافة مجالًا للزندقة، وليست صناعة يمكن أن تسهم في العالم العربي بنسبة مئوية كبيرة في اقتصاد الخدمات».

نديم الوزة

نديم الوزة

وذهب إلى أن الفكر السياسي والديني المتطرف «يلتهم في طريقه كل شيء. ولم نصل بعد – كدول وجماعات وأفراد- إلى درجة من النضج التي تمكننا من التوجه نحو اقتصاد معرفة مبني على مفاهيم إنسانية عظيمة؛ إذ يعاني الإنسان العربي من نقص شديد في المعرفة، بدليل القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها كل يوم، لذلك لم يحن بعد الوقت لإستراتيجيات الثقافة؛ لأن الأرض نفسها تمتلئ الآن بالمطبات والغبار والمعارك الطاحنة، دعنا نأمل في المستقبل القريب أن يتفهم العالم العربي مدى حاجته لإستراتيجيات ثقافية توازي ما هو موجود بالعالم المتقدم وتفوقه».

الشاعر والناقد السوري نديم الوزة يرى أننا عندما نتحدّث عن إستراتيجيات ثقافية في بلدان فائتة حضاريًّا مثل البلدان العربية، «فإننا أمام سؤال التأسيس الذي فشلت هذه البلدان مجتمعةً أو منفردة في الإجابة عنه إن كان إحيائيًّا مع عصر النهضة أو حداثيًّا مع المدّ القومي؛ وهذا بسبب فقدان العوامل الذاتية والموضوعية لإنجاح مثل هذه الإستراتيجيات. ويبدو السؤال حاليًا أكثر تعقيدًا في ظلّ العولمة من جهة، وفي ظلّ الأنظمة التي هي امتداد للفشل العربي وعامل من عوامله الأساسية من جهة أخرى. بهذا المعنى يستطيع من يحلم بمستقبل ما لأيّ من البلدان العربية المتشظية أو في طريقها إلى ذلك؛ أن يتساءل: ما العوامل أو الحوامل الممكنة للتأسيس من جديد لإستراتيجيات ثقافية عربية؟ أو ربما مصرية أو سورية أو مغربية أو خليجية… كلّ على حدة؟ وهل يمكن لهذه الإستراتيجيات أن تلقى قبولًا إقليميًّا وعالميًّا؟ على ما أرى في ظلّ الأنظمة الحالية، ومنظومات معارضاتها الهشّة، يصعب عليّ الإجابة، وإن كنت ما زلت أفكّر بها!».

من جانبه أرجع الروائي المصري محمد المنسي قنديل غياب إستراتيجية ثقافية في العالم العربي ككل، «إلى أننا نعيش في عالم عربي مأزوم، وكل عوارض الأزمة العربية تتجسد في الثقافة، ومن ثم لا توجد لدينا سياسات ثقافية، وربما كانت لدينا مشروعات طموحة في زمن ما، كانت لدينا مجلات ثقافية كبرى، لكن كل الأشياء تَفَتَّتَتْ، وكل بلد يحاول على حدة، ومن ثم حجم العمل الثقافي أصبح خافتًا، الاهتمام بالثقافة وتفعيلها بشكل عام أصبح خافتًا، نظرًا لأننا نعيش في جزر منعزلة، بلدان العالم العربي جميعها تعيش في جزر منعزلة، وتعيش في أزمة التخلف، إننا نكتشف كل فترة أننا صرنا أكثر تخلفًا، وندخل كل معركة جديدة ونحن أكثر تخلفًا مما سبق، حتى في إنتاجنا الثقافي، فقد صار من النادر وجود أعمال مهمة، أو مجلات مهمة، أو مشروعات مهمة، والإعلام لا يروج إلا للأشياء التافهة، التلفزيون لا يعرض إلا المسلسلات والإعلانات، كل الأمور طابعها صار تجاريًّا، والثقافة بمعناها المجرد لم تعد موجودة».

المنسي قنديل

المنسي قنديل

وأضاف قنديل فيما يخص تمنياته للبدء في وضع هذه الإستراتيجية العربية الكبري قائلًا: «كنت أتمنى أن توجد دار نشر عربية موحدة، أو مؤسسة كبرى للترجمة العكسية إلى الآخر، بحيث تدفعنا قليلًا إلى دائرة النور، أو أن توجد مؤسسات تختار الأعمال السينمائية الحقيقية، وتقوم بدعمها وتوزيعها في العالم كله، كنت أتمنى أن توجد فرقة مسرحية جوالة في العالم العربي ككل. أشياء كثيرة أتصور أو أتمنى أن تحدث لكن لا توجد إستراتيجية حقيقية لفعل ذلك».

علوان الجيلاني

علوان الجيلاني

ورفض الشاعر والناقد اليمني علوان الجيلاني الحديث عن فكرة إستراتيجية عربية أو إستراتيجيات للبلدان العربية كل على حدة، مؤكدًا أن هذا الحديث بات لا يقوم على أساس؛ «إذ إن ثلث دول العالم العربي يفتقر إلى وجود الدولة بمعناها المتعارف عليه، كما هي الحال في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا.. وثلث آخر تفترسه مشكلات بنيوية عميقة تعوق التنمية بشكل عام، وعلى رأسها التنمية الثقافية المستدامة كما هي الحال في مصر والسودان وتونس والأردن والبحرين، والثلث الأخير يتمتع بقدر كبير من الرخاء والاستقرار لكن البنى المجتمعية تحول دون استثمار هذا الرخاء والاستقرار وتحويله إلى خادم جيد للتنمية الثقافية». ويشير الجيلاني إلى أن المقصود بالإستراتيجية الثقافية «هو وجود خطة إستراتيجية دقيقة يدرس فيها الواقع الثقافي بشكل دقيق وتحدد الأهداف، وتعد البرامج التنفيذية لتلك الأهداف، ويتم وضع آليات لعمل المؤسسات على نحو ما يتم في دول العالم المتقدمة التي تعتمد على مناهج صارمة وتطوير وتحديث مستمرين لأساليب العمل والتنفيذ، وعلى رأس ذلك مراكمة مجموعة من القيم المؤسسية التي تضمن البقاء والنمو والاستمرارية لتلك المؤسسات التي يجب بديهيًّا أن تكون ذات شخصية اعتبارية، ويتوزع نشاطها على كل أشكال الثقافة والتعبير والإبداع بحرية كاملة وتمويل سخي رسمي وأهلي. وتلك شروط يستحيل أن تكون موجودة إلا على شكل مبادرات نشهدها بين الحين والآخر هنا وهناك أشبه ما تكون بالجزر المعزولة. وغالبًا ما تفتر وتتقهقر بعد حين».

وقال: إن وجود إستراتيجية ثقافية «يعني وجود مجموعة مؤسسات في شتى مجالات العمل الثقافي تعمل على طريقة الأواني المستطرقة، أي تتكامل جهودها وتترادف اشتغالاتها لتؤدي وظيفتها على نحو مكتمل… ناهيك عن كونها ذات رسالة من شقين؛ شق يتوجه إلى الداخل، وشق يتوجه إلى العالم بما يعنيه ذلك من قدرات على الترجمة والتسويق والترويج للفنون المختلفة… فهل هذا موجود عندنا؟!».

بينما ذهب الشاعر والمترجم المصري محمد عيد إبراهيم إلى أن السياسة الثقافية هي الدليل الوحيد على ترقّي المجتمع، «فالنظام حين يتفشّى في كل شيء تنطلق الثقافة إلى نمط أمين، لا تظهر فيه تلك المظاهر التي تبين سوءاته. ولا أستطيع قطعًا الكلام عن العالم العربيّ، حتى أظلّ أمينًا في وجهة نظري، ويكفيني وزيادة مشاكل الثقافة في مصر».

وطبق عيد رؤيته من خلال ما جرى في الثقافة المصرية عقب قيام ثورة يناير قائلًا: «بالنظر إلى ما حدث لدينا من ثورة نُقضت بل سارت بالأمور إلى ما هو أسوأ مما قبلها، فأرى أن وزراء الثقافة المتعاقبين منذ بداية الثورة، ومع احترامي للجميع، لم يكن لديهم الطاقة لتنفيذ ما يرون؛ لعدة أسباب: أن النظام يرى الثقافة وكأنها الحلقة الأضعف فباستطاعته الضغط على مسؤوليها أو تخفيض الميزانية أو تعيين مسؤولين غير أكفاء، وبعضهم لا ناقة له أو جمل أصلًا في التنظير الثقافي، أو حتى التنفيذ الإداريّ، كما كان الجوّ السياسيّ -بل لا يزال- مشدودًا، كلّ يوم هو في شأن، فكيف تستقرّ الأوضاع، ومتى، وأين، ولماذا؛ إلى آخر الكلمات الاستفهامية؟ ولذلك تتفشّى أمراض وعلل، منها تحكّم كلّ فريق في منصب أو مطبوعة، يخدم بها المقربين، ويلوي عنق المبعَدين، فانهار مستوى الكتب والمطبوعة الثقافية أكثر من ذي قبل. عمومًا، هذه أعراض لغياب السياسة الثقافية، حيث لا رقيب ولا حسيب لما يقوم به كل منا في موقعه، ناهيك عن غياب مفهوم الجمهور أو المتلقي، فبارت سلعة الثقافة أو تكاد، ويكفينا أسى أن الكتب الإبداعية مثلًا لم تعد توزّع أكثر من مئتي نسخة وسط شعب تعداده 90 مليونًا!».

فاطمة بوهراكة

فاطمة بوهراكة

على حين تقول الباحثة المغربية فاطمة بوهراكة صاحبة موسوعة الشعراء العرب: «من وجهة نظري الشخصية ومن خلال تجربتي المتواضعة في فعاليات الحقل الثقافي العربي أستطيع أن أقول: إننا لا نتوافر على إستراتيجيات ثقافية حقيقية في أوطاننا العربية، رغم تفاوتها من بلد إلى آخر، والسبب في ذلك يعزى إلى عدم الاعتراف بقيمة الدور الثقافي داخل الشعوب التي عرفت تقهقرًا فكريًّا خطيرًا أوصل بعضها إلى تدمير بلدانها تحت ما يسمى بالربيع العربي، فلو كانت هناك إستراتيجية حقيقية للنهوض بالمشاريع الثقافية الجادة التي تخدم العقلية البشرية بالأوطان العربية لما كانت نتيجتها بهذا الحال» .

وتذكر فاطمة بوهراكة أنه آن الأوان «لوضع خطط إستراتيجية للعمل الثقافي الجاد، ودعمه ماديًّا في جميع الدول العربية حتى لا نضطر إلى الوصول لمرحلة الدمار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بسبب تفريط دولنا في دعم المجال الفكري والثقافي، فما أحوجنا إلى أن يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب بغية الوصول إلى شاطئ الأمان من خلال هذه الإستراتيجية» .

فتحي عبدالسميع

فتحي عبدالسميع

ويذهب الشاعر فتحي عبدالسميع إلى أن المجتمع العربي «يعانى أزمتين كبيرتين، تتمثل الأولى في ضعف اهتمام الحكومات العربية بالثقافة، ويبلغ الأمر حد الشعور بأنها لا تؤمن بالثقافة، أو تناصبها العداء وتتجاهلها عن عمد، وفي تقديري إيمان الحكومات بدور الثقافة بائس جدًّا، ومشوّه، فالثقافة تعني الترفيه، أو الدعاية الوطنية، وغير ذلك مما يبعد عن معنى الثقافة باعتبارها جوهر بناء الدولة، والسبيل لبناء الأفراد، والمعبّر الحقيقي عن الرقيّ والتقدم الإنساني، وهكذا ينتقل بؤس إيمان الحكومات بالثقافة إلى الإعلام، ومن ثم إلى المجتمع، أما الأزمة الأخرى فتأتي نتيجة طبيعية للأولى وتتمثل في عشوائية الفعل الثقافي، فهو لا ينطلق من قاعدة ثابتة، بل يعتمد على مزاج صانعي القرار، أو وعيهم الفردي فقط، أو اهتمامهم المرحلي، وتلك العشوائية تقتل الثقافة؛ لأن الثقافة في جوهرها تنظيم للعالم الإنساني، ولا يمكن أن تؤدي رسالتها بعشوائية».

ويشير فتحي عبدالسميع إلى جهود ثقافية لأفراد يؤمنون بالثقافة ويستوعبون قيمتها، «لكن تلك الجهود تتحطم في الغالب؛ لأنها تتأثر بالمناخ العام المعادي جهلًا أو عمدًا للثقافة، كما أن الواجب الثقافي أكبر من الطاقات الفردية رغم أهميتها، وهكذا يبقى وضع إستراتيجيات ثقافية فعالة مرهونًا بإرادة الحكومات، أو المؤسسات الأهلية، ويبقى الجهد الفردي مجرد حفاظ على راية مهزومة، واستغاثة طويلة المدى تعلن عن بؤس المصير الذي ينتظرنا، ما دام الوضع الثقافي بائسًا».

تخبط وعشوائية

عيد الناصر

عيد الناصر

يرى الكاتب السعودي عيد الناصر أن الأمة في هذه المرحلة التاريخية بأقطارها كافة، «تعيش حالة تخبط وعشوائية وارتجالية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه فإنه لأمر طبيعي جدًّا، وكتحصيل حاصل، أن نعيش على نفس مسار التخبط والعشوائية فيما يخص الفن والفكر والثقافة. ولكن بالإمكان رؤية الأمر من زاوية أخرى، وهو أن ما يحدث الآن هو نفسه إستراتيجية، ولكنها إستراتيجية بالمعنى السلبي وليس المعنى الإيجابي، إستراتيجية تهدف إلى تفكيك وتمزيق العلاقات الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تكونت ونسجت خيوطها على مدى مئات السنين بين أبناء الوطن العربي لأهداف وأغراض لا تمت بصلة لمصلحة الوطن الأكبر أو الأصغر (طبقتها أميركا بشكل كامل في العراق).

ويشير إلى أنه «لو تتبعنا مسار الأحداث منذ بداية القرن العشرين حتى هذا اليوم لوجدنا أنها حدثت بفعل وجود خطط وإستراتيجيات كبرى تحاول السيطرة على مقدرات البشرية في كل مكان، بما في ذلك وطننا العربي الكبير، عبر استخدامها لكل السبل وأدوات القهر البشعة والناعمة على السواء. وكانت النقطة الرئيسية في محاولة السيطرة هي التغلغل في العقول عبر الثقافة (فكر وفن وأدب وسياحة … إلخ)؛ لأن من يمتلك السيطرة على مكونات التفكير يمتلك القدرة على توجيه المستهلك لتلك الثقافة أينما شاء».

ويعتقد الناصر أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه «يعني المزيد من الفرقة الثقافية والتمزق الاجتماعي والسياسي والدماء النازفة بلا مبرر أو قيمة إنسانية أو أخلاقية».

عائشة‭ ‬البصري‭:‬ الدولة‭ ‬تعدّ‭ ‬القطاع‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬منتج

عائشة البصري

عائشة البصري

من جانبها أكدت الشاعرة والروائية والفنانة التشكيلية المغربية عائشة البصري أن ما تعرفه عن السياسات الثقافية في البلدان العربية لا يسمح لها بإصدار أحكام. وإن كانت قد لاحظت في العموم أن هناك بعض الديناميات التي تشهدها بلدان عربية، مثل مصر وتونس ولبنان والجزائر وبعض البلدان في منطقة الخليج، وقالت البصري: «سأتحدث عن المغرب فقط، فأول مرة فكرت الدولة المغربية في هيكلة قطاع الثقافة كان ذلك سنة 1968م، بإسناده إلى وزارة التعليم. ثم أُلحقت بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد ذلك. قبل أن يستقل قطاع الثقافة بوزارة خاصة به سنة 1974م. الواقع أن الشأن الثقافي في المغرب اهتم به المجتمع المدني قبل أن تهتم به الدولة. فقد تأسس اتحاد كتاب المغرب سنة 1961م. وظهرت مجلات ثقافية مستقلة منذ بداية الستينيات. فاهتمام الدولة بالشأن الثقافي كان رد فعل. حين أدركت أن الثقافة بدأت تصبح من اهتمامات اليسار المغربي. والحديث يطول بهذا المعنى التاريخي. إذًا، فالمغرب ظل يمتلك سياسة ثقافية تشمل مجالات: التراث والفنون والنشر وترويج الكتاب وسوق القراءة العمومية، والدبلوماسية الثقافية… إلخ».

وتلفت البصري إلى أن الإخفاق الذي ظل يطبع السياسات الثقافية العمومية في المغرب، «يرجع إلى انعدام مشروع ثقافي وطني من جهة، كما أن الدولة ظلت دائمًا تعدّ القطاع الثقافي قطاعًا غير منتج، بالرغم من أنه استثمار في رأس المال البشري. ما يفسر أن وزارة الثقافة ظلت تخصص لها أصغر الاعتمادات المالية. وهي أرقام يصعب أن تستجيب لتطلعات ومطامح الفاعلين في المجال الثقافي المغربي».

سعد‭ ‬البازعي‭:‬ ما‭ ‬أكثر‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬وما‭ ‬أقل‭ ‬العمل‭ ‬بها

سعد‭ ‬البازعي

سعد‭ ‬البازعي

قال عضو مجلس الشورى السعودي الناقد الدكتور سعد البازعي: إن «الإستراتيجية» من المفردات «التي تكاد تهيمن على الخطاب الإعلامي والتنموي في بلادنا وبلاد كثيرة تشبهها. نشكو من غياب الإستراتيجيات ونقصد بها التخطيط، فتبدو الجهود تبذل على غير هدى أو بشكل عفوي، إن لم نقل: عشوائي. غير أننا في الوقت نفسه نعيش تخمة في الإستراتيجيات، وهل خطط التنمية إلا إستراتيجيات؟ فما الذي أدى إليه العمل عليها وتبويبها والسعي للسير بمقتضاها؟ لا شك أن هناك نجاحًا ما قد تحقق، وأن أشياء كثيرة أنجزت، لكني لا أدري ما مقدار ذلك الذي أنجز، وما مقدار الذي لم ينجز، ولماذا. إحدى المشكلات هي أننا قلما نتحاور على نحو شفاف حول تلك الخطط أو الإستراتيجيات».

ويتساءل البازعي: «هل العمل وفق إستراتيجية بحد ذاته كافٍ لإنجاز ذلك العمل؟ هل وجود الإستراتيجية ضمان بالنجاح؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بلا؛ لأن الخطط سهلة من حيث هي تصورات تبنى على وقائع ومعلومات، لكنها أيضًا تنطوي على الكثير من الأماني غير المختبرة والتي كثيرًا ما تتراجع أمام قسوة الواقع».

ويرى أن ذلك «لا شك ليس مبررًا لعدم التخطيط، والمؤسسات الثقافية بشكل خاص بحاجة إلى التخطيط، بل هي الأولى أن تكون واعية بذلك من حيث هي قائدة للمجتمع برؤيتها المستقبلية وطموحاتها الكبيرة. لكن التخطيط دون مقدرة على التنفيذ سيتحول إلى نوع من الرضا الذاتي والمؤقت. لقد كنت ضمن لجنة وضعت إستراتيجية لوزارة الثقافة عند إنشائها، وحتى اليوم لا أرى من تلك الخطة شيئًا على أرض الواقع، بل إن الوزارة حاليًا تفكر في إستراتيجية أخرى. فما أكثر الإستراتيجيات وما أقل العمل بها».

أسباب انحسار الشعر في مصر

أسباب انحسار الشعر في مصر

حين تدعى إلى أمسية شعرية في القاهرة فإنك تتخيل أن كل الذين يجاهرون بحبهم للشعر سيكونون في انتظارك، لكنك حين تذهب لا تجد جمهورًا غير المشاركين في الأمسية، وبعض هؤلاء يفضل أن يدخن سجائره خارج المكان إلى أن يأتي دوره. من ناحية أخرى، حين تكتمل لديك قصائد ديوان فإنك تبحث عن ناشر يقبل نشره، وإن قبله فلابد أن تتحمل كلفة الطباعة، وحين يطبعه تبدأ مهمتك في الترويج له وتوزيعه على الأصدقاء، وتصبح حفلات توقيع الشعر إن وجدت نوعًا من تبادل المجاملات.

هكذا أصبح واقع الشعر، فلا جمهور ولا جوائز ولا اهتمام إعلامي، ولا شيء سوى صراعات الشعراء بعضهم مع بعض على أيهم الأشعر، أو أي الأنواع الشعرية أكثر حياة من غيرها. فالتقليديون لا يؤمنون بقصيدة النثر، ويكفرون من يكتبها فنيًّا، والنثريون يؤمنون بالشعر العمودي وقصيدة التفعيلة لكنهم يرون أن الريادة الآن للنثر، ومن يكتب سواه فقد أصابته الردة، هكذا يتصارع الشعراء في حارة لا يكاد يراها أحد، والأضواء مسلطة على الرواية والسينما وربما المسرح..

فما الذي حدث لديوان العرب وفنهم الأول؟

Mohamed-Abdalmotaleb

محمد عبدالمطلب: المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعر هو فن اللغة العربية الأول، في حين نرى أن اللغة تضيع ضياعًا شبه كامل

يقول أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس الدكتور محمد عبدالمطلب: إن الشعر الآن أصبح له منافسون لم يشهدهم طوال تاريخه، وإن هؤلاء المنافسين أنتجتهم الحضارة الحديثة من خلال المسلسلات والبرامج التليفزيونية والعروض السينمائية، «منافسين استحوذوا على بعض من تقنيات الشعر الروحية والجمالية؛ لذا فقد انحسر الواقع العام عن تلقي الشعر، لكن ذلك لم يحدث في الواقع الأدبي، يدلنا على ذلك أن الشعراء يتزايدون، ولو قمنا بإحصاء عدد شعراء الحداثة في زمن السبعينيات وشعراء الحداثة الآن لوجدنا العدد أكبر بكثير».

وأوضح عبدالمطلب أن المشكلة في الفهم الخاطئ عن أن الشعر فن شعبي، «وهذا غير صحيح؛ فالشعر منذ ظهر وهو فن الخاصة، وللرسول- صلى الله عليه وسلم – حديث يقول فيه: «إنما الشعر كلام من كلام العرب جزل، تتكلم به في بواديها، وتُسَلّ به الضغائن من بينها»، أي أن الشعر جنس خاص من الكلام وليس كل كلام شعر، والأمر الثاني أنه ليس فنًّا شعبيًّا عامًّا، والأمر الثالث أن له جمالياته الخاصة وله وظائفه الاجتماعية، كما أنه ليس فناً شعبياً كما يتصور الكثيرون حين يقولون بانحسار دور الشعر، وربما كان في مراحل معينة من مراحله أقرب إلى الفن الشعبي؛ من بينها مرحلة جرير والفرزدق، ومرحلة شوقي وناجي، وربما آخر هذه المراحل هي مرحلة نزار قباني، لكن فيما عدا ذلك فالشعر في كل مراحله فن خاص، وهو الآن على ما هو عليه طوال مساره ومراحله التاريخية، فن خاص، لكنه على الرغم من ذلك يظل هو الفن الأكثر قدرة على اختراق جوهر الإنسان». ويلفت إلى أنه في الرواية يمكننا أن نجد تقابلات الحياة، ونجد صراعات الشخوص، وتفصيلات الوقائع، «لكن حين يخترق الكاتب جوهر الشخصية ومكنوناتها الداخلية يتحول إلى شاعر، نجد ذلك عند نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وكل كتاب السرد، ويبدو أن ذلك قديم قدم الشعر ذاته، فلطرفة بن العبد بيت يقول فيه:

«رأيت القوافي يتَّلجن موالجًا

يضيق عنها أن تولجها الإبر».

ويذهب عبدالمطلب إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعر هو فن اللغة العربية الأول، ولا يمكن تذوق إبداعاته وجمالياته من دون الإلمام باللغة العربية، «نحن في زمن تضيع فيه اللغة ضياعًا شبه كامل في مختلف مستويات التعليم، وهذا سبب عدم رواج الشعر، فهناك مدارس وجامعات الآن لغتها الأولى هي اللغات الأجنبية، فكيف ستخرج طلابًا يمكنهم تذوق الشعر أو معرفة جمالياته، نحن مقبلون على مرحلة ينفصل فيها المواطن عن لغته، وهو ما يعني انفصاله عن ثقافته ودينه ووطنه أيضًا؛ فاللغة هي المواطنة».

الشاعر-محمد-سليمان

محمد سليمان: الميديا وآلياتها سحبت السجادة من أسفل أقدام الشعر

عصر الشاشة

ويرى الشاعر محمد سليمان أننا نعيش في عصر الشاشة، «وعلينا أن نتذكر بيان الحركة المستقبلية الصادر عام 1916م، الذي حمل عنوان «السينما المستقبلية» وجاء في صدارته: «انتهى عصر الكتاب كمصدر وحيد للمعرفة، وبدأ عصر الشاشة»، وهو ما يعني إزاحة لبعض الفنون، وإنعاشًا لفنون، أخرى كالرواية التي يمكنها أن تتحول إلى فلم سينمائي». ويشير إلى أن السينما هي التي أدخلت نجيب محفوظ إلى النجوع والقرى، وأن كبار الكتاب في العالم العربي راجت أعمالهم؛ بسبب الأفلام والشاشة البيضاء، «ويمكن القول: إن التصوير وأدوات الميديا الجديدة أفادت فنونًا كالمسرح وغيره، لكن الشعر لم يستفد من هذا العصر؛ لأنه من الصعب تحويل قصيدة إلى عمل فني يعرض على المسرح».

ويؤكد سليمان أن الجوائز ليست العامل الحاسم في انحسار الأضواء عن الشعر والشعراء، «لكن الميديا وآلياتها هي التي سحبت السجادة من أسفل أقدام الشعر الذي ظل مهيمنًا طوال النصف الأول من القرن العشرين».

سامي-سليمان

سامي سليمان: إنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط رئيسة وعامة، وهي: الشعر الحر وقصيدة النثر والشعر التقليدي المتطور كالشعر الكلاسيكي والشعر الرومانسي

من جانب آخر يذهب أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة الدكتور سامي سليمان إلى أنه من الصعوبة الحديث عن الشعر على إطلاقه في دوائر التلقي العربية. ويقول: إنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط رئيسة وعامة، وهي: الشعر الحر وقصيدة النثر والشعر التقليدي المتطور كالشعر الكلاسيكي والشعر الرومانسي، ثم شعر العامية. ويضيف قائلًا: «في شكل عام نحن نحيا في العقود التالية لمرحلة الحرب العالمية الثانية في عصر السرد وعصر الصورة، وكلا التعبيرين دال على مرحلة حضارية تتقدم فيها أنواع أدبية وفنية كالسينما والمسلسل التليفزيوني والرواية والقصة القصيرة على حساب الشعر. ونلحظ أن نمط الشعر الحر وقصيدة النثر يتلقيان في دوائر محدودة. أما نمط الشعر التقليدي المتطور فيتحرك في دوائر تلقي أكثر اتساعًا، وهي دوائر تسودها أنواع من الجماليات ذات الصلة بالموروث من مسيرة الشعر العربي. ويبقى النمط الأخير ممثلًا في شعر العامية الذي اكتسب -في العقود الأخيرة- مساحات كبيرة من دوائر التلقي العام، على الرغم من أن الحركة النقدية المعاصرة له لم تمنحه ما يستحق من اهتمام».

ويوضح أن هذه الوضعية هي التي تفسر علاقة وسائل الإعلام بأنماط الشعر العربي؛ «فرغم محدودية المساحات المخصصة للشعر في تلك الوسائل فإن شعر العامية والشعر التقليدي المتطور لهما حضور أقوى في مساراتهما من الشعر الحر وقصيدة النثر. ولكن في العقد الأخير أخذت تتاح للشعر إمكانيات جديدة للتلقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وليس ممكنًا التنبؤ بإمكانيات تغير هذه الوضعية في المستقبل القريب؛ لأن أشكال التطور في وسائل الاتصال تؤدي دائمًا إلى تقليص المساحات المتاحة للكلمة التي أخذت الصورة تحل محلها وتتحول إلى بديل عنها».

أزمة كبيرة تعرقل مسيرة الشعر

من جانب آخر يقول الشاعر والمترجم عاطف عبدالمجيد: لا نختلف كثيرًا حين نقول: إن الشعر يمر في اللحظة الراهنة بأزمة كبيرة تتشابك أسبابها معًا للوقوف في طريق الشعر وعرقلة مسيرته، ويتفق بعض الشعراء مع كثير من النقاد، مع عدد من أصحاب دور النشر، في هدم آخر لَبِنات جدار الشعر. ويوضح أن الشعراء باتجاههم إلى نوع من الكتابات التي غالبًا ما تُنفر المتلقي من الشعر، والنقاد بتلميعهم للنماذج الشعرية المتواضعة والرديئة أحيانًا، وأصحاب دور النشر بمساندتهم لكُتَّابِ النثر وتحمسهم للرواية ورفضهم –إلا نادرًا– طباعة دواوين الشعر لأنها –من وجهة نظرهم– لا تباع، كل ذلك يُفاقم من أزمة الشعر.

ويرى أن تأثير الشعر تناقص «بعد أن ظهر من يروجون لمقولة: إن الرواية هي ديوان العرب، وبعد أن تنافست دور النشر في نشر السرد، وظهرت جوائز جرى تخصيصها للرواية والقصة القصيرة. لقد شارك الجميع في الهجوم على الشعر: شعراء، ونقاد، وقراء، وناشرون، ومخصصو جوائز، وهذا ضيق الخناق على الشعر، وجعل الجماهير تبتعد منه ولا تتفاعل معه. الآن يمر الشعر بأزمة حقيقية، غير أن بعض الشعراء لا يزالون يكابرون وهم جالسون في أبراجهم العاجية التي لن يعود للشعر دوره وتأثيره إلا بعد أن يغادروها، ويمتزجوا بجماهير القراء، معبّرين عن أحاسيسهم ومشكلاتهم وقضاياهم».

لا أحد يرحب بشاعر ينتصر للعدالة

عاطف-عبدالمجيد

عاطف عبدالمجيد: شعراء، ونقاد، وقراء، وناشرون، ومخصصو جوائز، ضيقوا الخناق على الشعر

ويذهب مدرس الأدب العربي بجامعة أسيوط الدكتور أحمد الصغير إلى أن القصيدة بدأت في التراجع مع التقدم المعرفي، لأسباب متعددة، منها، أولًا: تهميش دور الشعر، فلم تعد المؤسسات السياسية والإعلامية ترحب بوجود الشعر؛ لأن الشعر ينتصر للعدالة والحقيقة والمساواة، رغبة من الشعر في وجود حياة إنسانية مناسبة يجد الإنسان فيها روحه المعذبة. ثانيًا: تشجيع الفنون الأخرى على حساب الشعر مثل فن (الرواية والقصة والمسرح)، وإن كانت الرواية هي التي سحبت البساط من تحت أقدام الشعر ليصبح الشعر كالفارس الوحيد الذي يقف في ميدان المعارك معزولًا ومهمشًا، حزينًا على نفسه لما ألم به من غياب. ثالثًا: سياسة الجوائز العربية التي أصبحت تفرد مساحات واسعة للرواية والقصة على حساب الشعر، فتحول كثير من الشعراء إلى روائيين أو كتاب سيناريو، رغبة في تحقيق مكاسب مادية سريعة أو شهرة واسعة. رابعًا: لم يعد الإعلام يحتفي بدور الشعر المجدد، بل يرتكن إلى استدعاء الشعراء التقليديين الذين ينفذون المطلوب منهم. فجاءت صورة الشاعر في السينما مشوهة ورديئة. وفي النهاية رغم تراجع الشعر المدوي فإنه ما زال يلملم جراحاته في وجدانات الإنسانية من خلال روحه التي تضيء من حين إلى آخر».

وقال الصغير: إنه لن تقوم للشعر قائمة، «إلا إذا تبنت الدولة المصرية أفكار الشعراء، وبدأت وزارة التربية والتعليم في تجديد مناهجها العقيمة التي تقف عند أحمد شوقي فقط، لتطرح نصوصًا جديدة للشاعر الحي الذي يعيش بيننا الآن، وأن يفرد الأساتذة في الجامعة مساحات لتدريس الشعر الجديد أو شعر الحداثة العربية، واستضافة الشعراء الأحياء؛ لأنهم هم وحدهم الأكثر قدرة على إحياء الشعر وممارسة دوره الحقيقي».

الشعر أضحى ضيقًا على التعبير والتواصل

علاء-خالديرى الشاعر علاء خالد (مؤسس مجلة أمكنة) أن تحول الشعراء إلى الرواية «يعود إلى أن مجال الشعر أصبح ضيقًا على التعبير والتواصل مع الناس؛ فالمجال الرمزي بين الشعراء والناس أصبح مقطوعًا، ومن ثم توصيل المعنى لا يتم. والرواية لها مجال رمزي واسع ومشترك مع الناس، لذا ينُتقَل إليها كوسيط له تقاليده، وسهولته فى التواصل والتوصيل».

ويضيف قائلًا: في لحظات الأزمة فى التوصيل كما نعيشها الآن داخل الشعر، وعدم وجود مشترك عام، يجب أن يتحرك طرفا الأزمة، الشاعر والناس، لشق طريق جديد داخل هذا النوع الأدبي وطريقة القراءة. أقصد المهم فى هذه اللحظات ألا ينصرف الشعراء عن الشعر، بل يحاولون أن يطوروه ويكسبوه رمزية أوسع، وهو ما حدث بالفعل في تغير شكل القصيدة واتجاهها نحو القص والسرد والسيناريو. ولكن على الرغم من هذا التحول يحدث الانتقال إلى الرواية؛ لأنه انتقال وتطوير شكلي للقصيدة، وربما كذلك أفقد الشعر شعريته. انتقال مشوه وشكلي، أو بمعنى ما انفتاح شكلي على الأنواع الأخرى. في الوقت نفسه أصبحت الرواية مخزنًا للحس الشعري، الذي امتصته من الشعر، ولهذا أصبح المجال الشعري نشطًا داخل الرواية وليس داخل الشعر».

وأضاف خالد أن الجمهور العريق اختفى منذ نزار قباني ومحمود درويش، الذين كانوا يمثلون «لحظة جماعية على كل المستويات، أو كانوا الضوء الأخير من لحظة جماعية سياسية، كانت لها رموزها المشتركة، وكان الشعر يمثل الحياة فيها حتى لو كان كاذبًا أو مبالغًا فيه، مثل أشعار نزار قباني مثلًا. الآن لحظة «الحقيقة» وكسر نموذجها الإيهامي، الذي له أسباب كثيرة، إذ لم ينتج بعد شعره أو أبطاله القوميين، أو جمهوره، بل أنتج جماعات صغيرة من الجمهور. مصطلح الجمهور تفتت من تلقاء نفسه مع تفتت النمودج الإيهامي».

وخلص إلى أن الجوائز «فكرة سياسية تريد أن تصل لمن له تمثيل اجتماعي واسع، وإلى من يحقق لها الاستمرار والانتشار؛ لذا فإنها تتجنب الشعر الذي يدور في مساحات ضيقة من المجتمع».

مثقفون يتأملون أحواله وتأثير السياسة في دوره  هل غيَّرت ثورات الربيع العربيّ المثقف وزادته ارتباكًا؟

مثقفون يتأملون أحواله وتأثير السياسة في دوره هل غيَّرت ثورات الربيع العربيّ المثقف وزادته ارتباكًا؟

لسنوات عِدَّة درجت السينما على تقديم صورة نمطية للمثقف في الوطن العربيّ، وحصره في كونه الشاعر أو الكاتب، ومع اندلاع ثورات الربيع العربيّ، وظهور وسائط تواصل وأدوات اتصال جديدة لا يتقنها إلا جيل جديد ومغاير، تأكَّد للجميع أن مفهوم المثقف صار أوسع وأكبر مما اعتادوه، ومن ثَمَّ أخذت هذه الصورة في التغيُّر والتعدُّد والتبايُن، إلى أن صارت مهتزّة ومرتبكة وغير مفهومة في أعين الجميع. في هذا التحقيق تحاول «الفيصل» إعادة صياغة مفهوم المثقف ودوره وصوره التي يجيئنا من خلالها.

في البدء عرَّف وزيرُ الثقافة المصريّ الأسبق الدكتور جابر عصفور المثقفَ بكونه الشخص الذي يتّخذ موقفًا نقديًّا مما يدور في واقعه، بحيث لا يكون سلبيًّا تجاه قضايا هذا الواقع، وفي حال اتخاذه موقعًا وظيفيًّا كأن يكون وزيرًا أو غير ذلك فلابد أن يظل محافِظًا على موقفه النقديّ من قضايا الواقع. وذهب عصفور إلى أن صورة المثقف هي صورة مهمة وكبيرة؛ لأن الربيع العربيّ كان ثورة مثقفين بأدوات اتّصال حديثة، فالذين قاموا بالثورة هم الشباب أبناء أدوات الاتصال الحديثة؛ لذلك كانت حركتهم أسرع من حركة الدولة وأدواتها الروتينية القديمة المتهالكة.

وقال: «إن المثقف سيظل مؤثِّرًا ومهمًّا حتى لو تطاول بعض الناس على صورته»، وإن صورة المثقف أصبحت متعددة ومتباينة، ولم تعد وقفًا على الكاتب أو الأديب، «فالإعلامي مثقف، والصحافي مثقف، وكل من يُعمِل عقلَه ويتّخذ موقفًا نقديًّا مما يدور حوله فهو مثقف، أما من يُردِّد ما يسمع من دون عرضه على قياس الوعي والمنطق فهو خارج الفِعل الثقافيّ». وتطرّق عصفور إلى أن الإعلاميّ أحمد موسى لا يمكن أن نَعُدَّه نموذجًا للمثقف؛ «لكنَّ رجلًا مثل إبراهيم عيسى هو نموذج واضح لهذا المثقف؛ لأنه صاحب موقف نقديّ، وإسلام بحيري هو نموذج لهذا المثقف؛ لأنه اتَّخذ موقفًا نقديًّا من الخطاب السائد، وباسم يوسف مثقف نقديّ له برنامج مميّز وإن اتخذ طابعًا ساخرًا، ومن ثَمَّ فنماذج المثقف النقديّ كثيرة وفاعلة ومتعددة في أماكنها المتباينة، وإن لم يرصدها الإعلام كما ينبغي لها، أو يغير الناس فكرتهم القديمة عن المثقف؛ كي يرونه في تبايناته الجديدة».

rawwf

رؤوف مسعد

المثقف والأبواق الإعلامية

يرى أستاذ الأدب العربيّ بجامعة عين شمس الدكتور: محمد عبدالمطلب، الذي نال جائزة الملك فيصل العالمية، أن ثمة مستويين للمثقف، يصف المستوى الأول بكونه المحترم، ويعرّفه بأنه الذي يلتزم الصدق والأمانة، ويحافظ على الأصول الثقافية للأمة، ويتحرّك حركة محسوبة تؤدّي إلى نتائج تخدم الوطن، مؤكِّدًا أن أصحاب هذا الاتجاه هم الأقلية، أما المستوى الثاني فأصحابه هم الأغلبية؛ «تحوَّلت إلى أبواق إعلامية أكثرها هزليّ وفضائحيّ، ومن المؤسف أن هذه الكثرة تتصدَّر الموائد والمؤتمرات، ويحصدون الجوائز وهالات التقدير».

لكن عبدالملطب يعود ليؤكِّد من جديد أن أخطر ظاهرة في مصر الآن هي ضياع مقولة: «أهل الاختصاص»؛ «فالثقافة العربية تعرف مقولة: «كل ميسَّر لما خُلق له»، والمَثَل الشعبيّ يقول: «أَعْطِ العيش لخبازه»، بينما المثقفون الآن يَعرِفون كلَّ شيء، ويفتون في كل شيء، على الرغم من أن القاعدة تقول: إن مَن يعرف كل شيء فهو لا يعرف أي شيء، ومن ثَمَّ فإننا نجد الآن ظواهر غريبة ومدهشة؛ مثل الخبير الاقتصاديّ الذي يفتي بعلم أو بغير علم في كل شيء، والخبير العسكريّ الذي يتحدث عن كل شيء، والجميع صاروا خبراء على الرغم من أنهم لا علاقة لهم بأيّ شيء؛ نحن أمام فوضى وليس حرية رأي، أمام أبواق يستخدمها الإعلام لملء مساحات فراغ، ولسنا أمام مثقفين حقيقيين».

وصبَّ عبدالمطلب، صاحب كتاب «النص المشكل»، غضبه على الباحث إسلام بحيري الذي يمضي الآن عقوبة السجن مدة عام بعد اتهامه بازدراء الدين الإسلاميّ، في برنامج كان يقوم بتقديمه على إحدى القنوات الفضائية. قال عبدالمطلب: «من المؤسف أن هذه الأبواق هي التي تتصدَّى للدفاع عن انحراف وفساد ومساوئ الظواهر الثقافية، في أبرز تجلياتها الآن إسلام بحيري الذي أهان البخاريَّ واتَّهمه بأنه كان يجمع القمامة ويضعها في كتابه، من دون أن يعرف الدور الذي قام به البخاريّ، ولا الجهد الذي بذله؛ كي يتحرَّى الدقة في جمع أحاديثه».

صور متناقضة

سيد ضيف الله

سيد ضيف الله

من جانبه أكَّد رئيس اتحاد الكتاب المصريين السابق، الكاتب محمد سلماوي، أن صورة المثقف بعد الربيع العربيّ صارت مهزوزة، موضِّحًا أن هناك عدة صور متناقضة يجري تداولها عن المثقف، «وهي صور مخالفة للحقيقة التي تقول: إن المثقف كان في قلب الحركة الجماهيرية في مختلف البلدان العربية؛ ففي مصر على سبيل المثال، كانت أول نقابة تعلن تأييدها ثورة 25 يناير هي اتحاد كتاب مصر، وذلك يوم 26 يناير؛ أي بعد 24 ساعة من اندلاع الثورة في الشوارع المصرية، وقد أصدر الاتحاد بيانًا تبنَّى فيه مطالب الثورة، وقام المثقفون بمسيرة من مقرّ الاتحاد إلى ميدان التحرير، وطوال أسابيع متوالية حضر المثقفون في مختلف الميادين حيث فئات الشعب الأخرى، وكان كثير من الكتاب العرب يتصلون بي من مختلف الأقطار العربية الشقيقة؛ ليعلنوا تأييدهم الثورة، ومن كان يحضر منهم إلى مصر كنت أصطحبه إلى ميدان التحرير تلبيةً لطلبه».

وأضاف سلماوي «أن اتحاد الكتاب هو الجهة الوحيدة في مصر التي سحبت الثقة من رئيس الجمهورية محمد مرسي قبل أن تندلع ثورة 30 يونيو ضدّه، وتخرج الجماهير إلى الشوارع والميادين مطالبة بعزله، وهو أمر يعدّ الأول من نوعه في التاريخ الحديث؛ أن يسحب اتحادُ الكتاب الثقةَ من رئيس وهو في السلطة، وتأتي الثورة لتعضد ما ذهب إليه الاتحاد والمثقفون، هؤلاء الذين ذهبوا بمختلف أطيافهم من كتاب وفنانين وتشكيليين وغيرهم إلى مقرّ وزارة الثقافة حائلين دون سقوطها في براثن فكر الإخوان وأشياعهم».

ويستدرك سلماوي قائلًا: «لكن للأسف! الإعلام العربيّ لا يتحدث إلا عن السلبيات، متصورًا أن ذلك هو الطريقة الصحيحة التي تحقِّق له الرواج، ومن ثَمَّ فإنه إذا لم يجد هذه السلبيات فسوف يختلقها بحثًاعن الرواج، وقد صوَّر الإعلام للمواطن المصريِّ والعربيّ أن المثقفين انعزلوا عن الحياة، ولم يعودوا قادرين على أداء دور مهمّ في المجتمع، ولو كلف أي من هؤلاء الإعلاميين نفسه بأقل درجة من درجات البحث والتقصّي لَوَجَد أن الواقع على نقيض ما ذهب إليه».

خطأ منهجي

أما رئيس التحرير الأسبق لجريدة «الأهالي» ومجلة «أدب ونقد» اللتين يصدرهما حزب التجمع المصريّ؛ الناقدة والناشطة السياسية فريدة النقاش، فقد ذهبتْ إلى أن المثقف العربيّ تعرّض لحالة شديدة من الارتباك بعد أن تحمَّس بصورة هائلة للإنجازات التي حقّقها شباب ثورات الربيع العربيّ، «مع الوضع في الاعتبار أن إطلاق مصطلح (مثقف) على جميع المثقفين في وقت واحد هو خطأ منهجيّ؛ فهناك المثقف المنتمي إلى الجماعات الدينية، والمثقف المنتمي إلى اليسار، وآخر منخرط في تشويه ما أنجزته ثورة 25 يناير و30 يونيو، ومن ثَمّ فالمثقفون ليسوا كُتلةً واحدة، ومع ذلك فقد تعرَّضوا جميعًا لارتباك شديد من جراء ما حدث خلال الموجات المتعاقبة للثورة المصرية، التي أبدعها المثقفون من الشباب، فالشباب الذين انخرطوا في العمل مع أدوات التواصل الاجتماعيّ، وأدوات الاتصال الحديثة هم مثقفون».

وذهبت النقاش إلى أنه بعد أن سُرقت نتائج الثورات العربية؛ انقسم الجميع على نفسه وأصيب بالارتباك، «ومن ثَمَّ فالأمر الوحيد الذي بات متفقًا عليه لدى الجميع أن الأهداف التي اندلعت من أجلها الموجات المتعاقبة للثورة لم تتحقق بعد، وأن الأهداف الأساسية للربيع العربيّ: «عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية» لا تزال غائبة»، وأكَّدت النقاش «أن المثقفين في مصر يتفقون مع النظام حول الدولة الوطنية، وضرورة الحفاظ عليها، لكنهم يختلفون مع النظام حول أهداف الثورة وآليات تحقيقها»، مؤكدة أن الطريق طويل أمام المثقفين في صراعهم مع السلطة؛ لتحقيق هذه الأهداف، مشيرة إلى أن صورة المثقف العربيّ بعد المشاركة الهائلة في إنجاز ثورات الربيع العربيّ «تحسَّنت بشكل كبير».

كتاب وكتبة

فريدة-النقاش

فريدة النقاش

بينما يذهب الكاتب المصريّ رؤوف مسعد، المقيم في هولندا، إلى «أن لدينا نوعين من المثقفين: الأول كتبة لم ينذروا أنفسهم للفعل الثقافيّ في الأساس، لكنهم وجدوا فرصة طيبة لدخولهم هذا العالم، ورفع راية أصحابه كغطاء لعملهم الحقيقيّ؛ كأن نجد ناشرًا يصبح كاتبًا من خلال عمله، أو موظفًا يصبح مثقفًا كبيرًا من خلال موقعه، وهناك كتاب حقيقيون نذروا أنفسهم لفعل الكتابة والثقافة، ومن ثَمَّ فهم ضمير الوعي لدى جماعتهم ووطنهم في اللحظات الحرجة»، وأضاف صاحب رواية «بيضة النعامة»، أن دور المثقف العربيّ بعد الربيع العربيّ «أصبح أكثر أهمية وقوة، فللمثقف حيثية وحضور، وهو–أيضًا- مرجعية قوية، بدليل توقُّف المحكمة عن الحكم في قضية الكاتب أحمد ناجي لحين الرجوع إلى أهل الاختصاص؛ كان في مقدمتهم الكاتب محمد سلماوي والناقد الدكتور جابر عصفور، ومن ثَمَّ فعلى المثقف أن يكون واعيًا دوره في هذه المرحلة، ليس فقط مطالبًا بالحرية، لكن –أيضًا- مطالبًا بكيفية استخدامها، فالحرية سلاح ذو حدَّيْنِ، ورسالة المثقف أن يرصد ما يحدث من دون تحيّز، وأن تكون كلمته بمنزلة المظلَّة العامة التي تظلّ كلّ الناس».

ويوضّح مسعد قائلًا: «أنا مع النظام، لكن لست مع النظام الغبي، ودوري بوصفي مثقفًا أن أكشف العيوب في مقالاتي، وأن أرصد ما يجري في أعمالي الروائية، وبوصفي مثقفًا ينتمي إلى الأقلية فدوري يتمثّل في إخراجها إلى النور، وأن أدافع عن حقِّها في عدم التهميش، وأن يكون ذلك من دون تعصّب أو مغالاة، فالأقلية دائمًا بحاجة إلى فهم الآخر».

من جانبه، أوضح الناقد الدكتور سيد ضيف الله، أن مفهوم المثقف قد تغيَّر، «فمع ظهور الربيع العربي برز على السطح مسمّى الناشط السياسيّ، كما توسَّع دور مُقدِّمي البرامج الفضائية السياسية والاجتماعية؛ إذ أصبح كلّ من الناشط والمذيع أكثر قدرة على تحريك الشارع السياسيّ، والتأثير في الأحداث أكثر من المثقف التقليديّ المرتبط بسَعَة المعرفة، الذي يمتلك رؤية شاملة وتاريخًا من النضال السياسيّ من أجل مجتمع أفضل!»، ويوضح أن مفهوم المثقف «توزّع على أدوار ظهرت حديثًا؛ مثل: الناشط، والنجم الإعلاميّ، والمواطن الإعلاميّ، وساهمت التطوُّرات الكبيرة التي شهدتها وسائل الإعلام عامّة، ووسائل التواصل الاجتماعيّ خاصّة في تغيير مفهوم المثقف، لكنها لم تغيِّر الدور الذي يجب أن يقوم به المثقف، سواء أكان إعلاميًّا، أم نشاطًا سياسيًّا، أم مواطنًا فحسب؛ لأن تحصيل المعرفة إذا أصبح أكثر يسرًا بفضل الإنترنت، فإن اتساع قاعدة المعرفة جعلت الثقافة متاحة بشكل أكبر لقطاعات أوسع؛ مما كسر الحاجز بين النخبة التقليدية؛ المعروفة بالمثقفين، والمواطنين الفاعلين! فلم يَعُدِ الحاكم هو وَحْدَه مَن يُدير المجتمعَ ويقوده كما كان في الماضي! وهذا في حد ذاته بداية ربيع حقيقيّ للحرية».

عبدالله البريدي

عبدالله البريدي

الكفر بـ«المثقف» والإيمان بـ«المخلِّص الدينيّ»

عبدالله البريدي – أكاديمي وكاتب سعودي

الربيع العربيّ أحدث ارتباكًا بنيويًّا شديدًا في المجتمع العربيّ، فقد هزّ الأفكار والأنساق والرموز والمؤسّسات والخرائط، جالبًا معه منظومة مشوّشة من الرؤى الإستراتيجية والآنية، والاتجاهات المعتدلة والمتشدّدة، والآمال والخيبات. ومن الطبيعيّ أن تهتزّ صورة المثقف العربيّ في هذه السياقات؛ إذ لا يمكن أن يمثّل استثناء، أو أن يحصّن نفسه من تلك الاهتزازات والارتباكات، التي لم توفر أحدًا. إذن الاهتزاز في الصورة أمر متوقّع، بيد أن اللافت هو حجم الاهتزاز، فهو ضخم جدًّا، وبخاصة لدى بعض الشرائح، فقد كفر بعض المتلقِّين بالمثقف العربيّ، وأعلنوا إفلاسه؛ لمحدودية أدواره في الربيع العربيّ، وثمة شريحة كافرة به مِن حيث الأصل؛ لأنها آمنت بـ«المخلّص الديني»، وطفقت تجمع الأدلّة المؤكدة على تضعضع المثقف فكريًّا وأخلاقيًّا؛ مع قائمة اتهامات تزيد ولا تنقص. وهناك شريحة أخرى رأت في الربيع العربيّ فرصةً مواتية للفرز وإعادة التقويم، فهي تميِّز «المثقف العميق»، و«المثقف السطحيّ» مِن حيثُ الفِكرُ والمنهجيةُ؛ مِن «المثقف الإصلاحيّ» و«المثقف الانتهازي» مِن حيثُ القِيَمُ والدافعيةُ.

ليس لدينا استطلاعات رأي عام دقيقة؛ كي نحدِّد من الناحية العِلميّة وزنَ كلّ شريحة من تلك الشرائح، وانعكاسات ذلك على صورة المثقف، وما عسانا نستنتج من ذلك بخصوص فاعليته المحتملة في المستقبل؛ لذلك فإن كل ما يقال هو محض آراء انطباعية ذات بُعد تخميني. في رأيي أن فاعلية المثقفين العرب باتت ضعيفة من حيث الأثرُ والتراكميةُ في السياقات المختلفة لعدة أسباب؛ من أهمها:

أولًا- بروز المثقف الانتهازيّ في السياق المجتمعيّ العام، وتمكّنه (وربما تمكينه) من خلط الأوراق، والعبث بالقضايا الكبيرة؛ لأهداف ومصالح فئوية، وقد يمتلك بعضهم قدرًا جيدًا من «الذخيرة المنهجية»، لكنهم لا يستخدمونها إلا بما يخدم أهدافهم وتطلُّعاتهم النفعية، مع تقلُّبهم وميلهم إلى مَنْ يدفع أكثر.

ثانيًا- هيمنة الأنساق الدينية المعلية لنموذج «المثقف الدينيّ»؛ في صور: الشيخ، والمُربِّي، والمُصلِح، فقد صارت المجتمعات العربية تنقاد إلى هذا النموذج بطريقة فادحة، فهي تلفّ حبلًا على رقبتها، وتمكّن هذا المثقف من جرّها إلى حيث يشاء، مع تلبُّسه بقدر عالٍ من التزكوية الذاتية والتقديسية للرموز الدينية التي ينتمي إليها. وهنا نلتقط سرًّا من أسرار انجِرار كم متزايد من الشباب إلى الجماعات المتطرفة؛ مثل: داعش وغيرها، فثمة منظِّرون بارعون ومسوِّقون سحرة!

ثالثًا- تشكّل أنساق جديدة لصور المثقف في سياق الثورة الشبكية المعلوماتية، وما أفرزته من مناهج التفكير والترميز، وقد ترتب على ذلك شيوع أنماط «المثقف السطحيّ»، وغلبة تحليلاته وتشخيصاته للمشكل السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والعلميّ، والمشهد الشبكيّ يضجّ بأطروحاتهم البائسة.

رابعًا- انزواء المثقف العميق والإصلاحيّ، وانكماشه في دوائر ضيقة من التأثير العلميّ والفكريّ؛ نظرًا إلى التهميش الذي يعانيه من مؤسسات المجتمع، وارتفاع مستويات الإحباط لدى نسبة ليست قليلة من جرَّاء تراكم الخيبات، وانطفاء شعلة الأمل في الإصلاح. ومع ذلك كله سيبقى المثقف العربيّ في المشهد ولن يموت، وسيتعزّز تأثيره في المجتمعات التي تنجح في الاستفادة من المنهجية والأفكار الأخلاقية والرؤى النهضوية، والنضال من أجل تقرير الحريات العامة، وتوالد أنساق الاعتدال والوسطية، وستضمحلُّ فاعليته في المجتمعات التي تجدِّد عقدها مع أرباب العلم الزائف، ومبدعي الخرافات والأساطير، ومتوجي النفعيين والتافهين.

المثقف يفقد دوره الطليعي الديني

سعود البلوي – كاتب سعودي

سعود-البلوي

سعود البلوي

سعود البلويفقد المثقف الفرد في العالم دوره الطليعيّ والمؤثر لصالح المؤسسات الثقافية التي اضطلعت بها مؤسسات المجتمع المدنيّ، والمثقف العربيّ ليس استثناء من هذه الظاهرة؛ إذ أصبحت المؤسسات ومراكز البحوث هي البيئة الخصبة لانطلاق الأفكار والنظريات والمبادرات، ومهما يكن الأمر فإن التاريخ يحفظ للمثقف دوره الثقافيّ على مدى العصور، وإن انحسر هذا الدور أو قلّت مساحته. ويبقى دور المثقف العربيّ ملحوظًا في شريحة المجتمع التي تتماسّ مع أفكاره وأطروحاته، ولو لم يَجْرِ تقبُّل هذه الأفكار والأطروحات بداية؛ إذ وجد كثير من المثقفين أن المجتمعات العربية تحاربهم في أفكارهم، لكنها سرعان ما تتبناها بحذافيرها في مرحلة ما؛ لأن المجتمع يتطوّر فكريًّا -ولو ببطء- في عالم متسارع. إن صورة المثقف العربيّ قد ازدادت ارتباكًا وتشويشًا في أثناء «الربيع العربي»؛ لسببين:

الأول- نخبوية المثقف ومحدودية حضوره المجتمعيّ المباشر في ظل وجود قيادات سياسية ودينية قادت الثورات إلى مرادها.

الثاني- موقف المثقف العربيّ نفسه، وأعني ريبة بعض المثقفين من ثورات «الربيع العربي»، واختيار بعضهم الوضع القائم على التغيير غير المحسوب، بالوقوف مع الأنظمة السياسية القائمة، وكان مسوّغهم أن القادم أسوأ، فصار المثقف في هذا الإطار بين مطرقة الثورة وسندان السلطة، وأصبح هناك فرز خطير يتبناه الجانبان على أساس أن مَن لم يكن معنا فهو ضدّنا. من أكثر الأسماء التي أحدثت جدلًا على المستوى العربيّ؛ الشاعر والكاتب العربيّ السوريّ (أدونيس)، الذي وجد نفسه –أيضًا- أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الوقوف مع الثورة السورية التي لم يعرف بالضبط من قام بها وما ستؤول إليه، أو توظيف الواقع المعيش وهو النظام السياسيّ الموجود الذي يمثّل واقع الحال.

نجد كثيرًا من المثقفين وجدوا أنفسهم في منطقة لا لونَ رماديًّا فيها، ومن ثَمَّ فالحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن صورة المثقف العربيّ قد تغيَّرت أمام الرأي العام، فأصبحت مرتبطة بموقفه السياسيّ، فالمجتمعات العربية لم تتقبّل من المثقف العربيّ أن ينبذ الاستبداد، وينظّر له، وينتقد السياسات القائمة، ثم تجد منه موقفًا مغايرًا، وهذا أمر مسوَّغ في ظاهره، غير أن السنوات الخمس التي أعقبت الربيع العربيّ قد كشفت مآلات هذا الربيع «الصيفية» الملتهبة، سواء أكان على المستوى السياسيّ، أم الاجتماعيّ، أم الاقتصاديّ في الدول التي مرّت بتجربة الثورة، فقد وجد المثقف -بعد التجربة الثورية- أن بديل الأنظمة القائمة ليس سوى «الإسلام السياسيّ»، أو الفوضى، وبمعنى آخر: إن الخيار كان زوال السلطة العسكرية وحضور السلطة الدينية المباشرة بوصفها بديلًا؛ مما جعل المنطقة تغرق في الظلام والمصير المجهول أكثر من ذي قبل. وعلى ضوء ذلك فإن ما تبقّى للمثقف من دور هو تجارته القديمة التي طالما اشتغل بها، وهي إثارة الوعي العامّ بقضايا الإنسان الأزلية، بغض النظر عن موقفه السياسيّ الذي هو في نهاية المطاف خاضع لمدى تقديره الواقع، ومدى ربح المكتسب الحضاريّ أو خسارته، فالواقع السياسيّ العربيّ-الذي نراه اليوم بأُم أعيننا- هو أن البديل أسوأ، وأن القادم ليس حُلمًا ورديًّا كما كان معتقَدًا إنما هو تَحَدٍّ وجوديٌّ صعبٌ، والشريحة التي قامت بالثورات فِعليًّا اختفت، فورث السياسيُّ الدينيُّ ثوراتِها، وبقي المثقف موجودًا من خلال ما يتركه لمجتمعه من إرث فكريّ وإبداعيّ، ولنا في قراءة المواقف السياسية للمثقف الأوربيّ مثال جيد، فاختلافات المواقف السياسية بين جان بول سارتر وألبير كامو قد ذهبت، وبقي منهما أهمّ ما كانا يفكران فيه وهو الإنسان!

صورة ملطخة بالخيبة

طالب الرفاعي – روائي كويتي

طالب الرفاعي

طالب الرفاعي

بالنظر إلى واقع الحال في البلدان العربية التي اندلعت فيها انتفاضات ما باتت تُعرف بالربيع العربي، فمؤكد أن الثقافة بجميع تجلياتها كانت من أكثر الحيوات التي أصابها الخلل والوجع والتهميش، وكذا هي صورة المثقف العربي. من يعرف ساحات الثقافة العربية، يدرك تمامًا أن الأنظمة القمعية العربية ظلت لعقود تطمس كل ما يخص الثقافة الجماهيرية الحقة، ومعها تطمس صورة المثقف، بل وتطمسه وتغيّبه بالسجون والموت إن لزم الأمر.

صورة المثقف العربي ظلت لعقود قبل الانتفاضات مرهونة بسجالات الساحة العربية الثقافية، وكان فيها من التجاذب السياسي أكثر مما فيها من الإبداع والأدب والثقافة؛ لذا عاش المثقف في ساحة ثقافية مسورة بأسوار عالية، وبعيدة من واقع حال الناس البسطاء، حتى لو كتب بعض الأدباء والفنانين عن معاناة الفقر وسطوة الحكم الدكتاتوري.

قليلة هي اللحظات التي كانت لصورة المثقف العربي فيها لمعة خاطفة لأبصار الجماهير، باستثناء أولئك الذين لمّعت بعض المنصات حضورهم، وكان الزمن كفيلًا بامتحان بقاء إبداعهم، أو طيهم تحت تراب دورانه الدائم. فوسط بيئة قمعية دكتاتورية تكون مساحة حركة المبدع ضيقة، ويكون هامش الكتابة والتأثير والتواصل مع المتلقي محدودًا. لكن بالرغم من ذلك كانت هناك كتابات توفرت على عناصرها الفنية الضرورية، ولاقت قبولًا وصدى طيبًا لدى الجماهير؛ مما خلق وصلًا واتصالًا بين بعض المبدعين وجمهور التلقي.

صورة المثقف، في أي أمة من الأمم، كانت على الدوام حاضرة في ذهن الشعوب، متى ما كان هذا المثقف يعيش قضاياهم وهمومهم ويكون صوتهم الأعلى، متحملًا ما يترتب على موقفه الشجاع والجريء. وعادة ما كان المثقفون يتحركون كمجاميع، ولذا يحمل تحركهم التأثير. وفي الحالة العربية، ظل المثقف يعمل منفردًا، ولذا جاء تأثيره أقل، وظلت صورته مشوّشة.

بعد الانتفاضات العربية ازداد وضع المثقف سوءًا، وبخاصة بارتفاع موجة نجوم شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ صار المواطن العربي يستمتع بجملة عابرة على تويتر أو فيسبوك، دون النظر إلى صدق قائلها والقيمة الفكرية المختفية وراءها.

الانتفاضات العربية جارت على الكثيرين، وفي مقدمة أولئك يأتي المبدع والمثقف العربي، وتأتي صورة المثقف التي تلطخت بألوان الضياع والخيبة.

مثقف الجماهير أصبح بلا جماهير

gharibeh

هاشم غرايبة

– كاتب أردني

المثقف العربي أيًّا كان نهجه يقيم اليوم في الصدع القائم بين جسم الدولة المرتعش والرأس المتسلط.. بين مجتمع شبه أمي، ضعيف البنية، في عالم يزداد تعقيدًا ومعرفة.. بين بنية قبلية محافظة، والطموح لمدنية معاصرة.. بين جمر السلفية المخبأ في مواقدنا الروحية ولا ندري متى تشب ناره، والثورة العلمية التكنولوجية.. قبل الربيع العربي كان المثقف العربي منتشيًا بإنجازه بين أقرانه، متباهيًا بمعارفه على تلاميذه إن كان أكاديميًّا، وعلى متابعيه القليلين إن كان مفكرًا أو مبدعًا. كان وما زال السلطان مطمئنًا للمثقف سواء كان ممن ينظرون لقدرة الدكتاتور على قيادة قطار الحداثة، أو كان من المعارضين المشاغبين يمينًا أو يسارًا حتى لو جار في النقد، فكلاهما المثقف والسلطان متواطئ على الرضا، مطمئن لثبات الحال.

جاء الربيع العربي ليسحب «مخدات» الحرير من تحت رأس السلطان، وليسحب فضلة البساط التي يتربع عليها المثقف؛ لنكتشف أن المثقف الذي كان يدافع عن الجماهير لا جماهير له، والذي كان يتحدث عن الأمة لم تسمع الأمة به، والذي كان يتحدث باللاهوت وجد المتدينين يسخرون منه! المثقف العربي يقف اليوم حائرًا بين الدكتاتور والتكفيري.. الدولة تستبدُّ؛ لأنها رأته متنحيًا، ورجال الدين يلعبون به، لأنه لعبةٌ طيّعةٌ وسهلة المنال، والمثقف يحملُ كتابه القديمَ دليلًا لطريقٍ طويلة ومعتمة، يتكاثرُ فيها اللصوصُ، وتتناسلُ السجونُ، ويؤمُّ الجوعُ الصلاةَ، ويقرأُ في سيرةِ الدم.

لما سلّم الربيع العربي قياده للإسلام السياسي أصيب المثقفون العرب بالرخاوة.. حتى القوميون والفوضويون والديمقراطيون والإسلاميون المعتدلون تراخت مفاصلهم، وراحوا يهربون إلى مناطق رمادية تظلهم وتضلّ (من الضلال) مسالكهم. وفي بعض الحالات ارتدوا إلى ذواتهم معلين من شأن «أنا» الفردانية على حساب «أنا» المجتمعية والإنسانية، وبعيدًا من تشوقات الناس العميقة للحرية والحق والجمال. الفئات التي تقع مسؤولية يقظتها على المثقف العربي نراهم مستسلمين لواقع مائع، مستسلمين لثقافة المياومة. وجلس المثقفون «يتفرجون» على فتنة اجتماعية هنا، وتفتت عرقي أو طائفي هناك، ونسينا كلنا الصهاينة وشرورهم الواقعة على الفلسطينيين بشكل مباشر، وعلى الأمة بشكل غير مباشر. والحال أن الحاجة إلى المثقف ما زالت حاجة قائمة وراهنة، بل هي حاجة اشتدت وتعاظمت بتعاظم النكسات والهزائم التي شلت الكيان العربي قيادة وشعبًا.

كيان بلا حضور، هل تعيد إليه الإمارات الوهج ؟

كيان بلا حضور، هل تعيد إليه الإمارات الوهج ؟

ظلت‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬متتالية‭ ‬مقرًّا‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬لكنها‭ ‬فقدت‭ ‬مؤخّرًا‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الشرفيّ‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬احتضانها‭ ‬الاتحاد‭ ‬ورئاستها‭ ‬أمانته‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬المُدَد‭ ‬الثلاث‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬لتولّي‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬واتحاد‭ ‬جديد‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فقد‭ ‬قرَّر‭ ‬المجتمعون‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬العامّ‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬الإماراتيين‭ ‬الكاتب‭ ‬حبيب‭ ‬الصايغ‭ ‬رئيسًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للاتحاد،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مصر‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها‭ ‬التاريخيّ‭ ‬والثقافيّ،‭ ‬وما‭ ‬قدَّمته‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬وحضورها‭ ‬الثقافيّ‭ ‬الراهن،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدّمه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬ماليّ‭ ‬وترويجيّ‭ ‬للاتحاد‭ ‬وأنشطته‭ ‬وفعالياته‭..‬

‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬خسره‭ ‬الاتحاد‭ ‬بخروجه‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يكسبه‭ ‬بذهابه‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات؛‭ ‬أجرت‭ ‬«الفيصل»‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭.‬

Book1‬معارك‭ ‬مشهورة

في‭ ‬البدء‭ ‬أكَّد‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬تليمة،‭ ‬أن‭ ‬انتقال‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬أمر‭ ‬طبيعيّ؛‭ ‬«فقد‭ ‬أقرّ‭ ‬المثقفون‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬بتداول‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية‭ ‬رئاسةَ‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬طبيعيّ‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬مدة‭ ‬رئاسة‭ ‬مصر‭ ‬له،‭ ‬وينتقل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬جاء‭ ‬الانتقال‭ ‬هذه‭ ‬المَرَّة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية»‭.‬

وأوضح‭ ‬تليمة‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬شهد‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬المشهورة؛‭ ‬«كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬معركة‭ ‬جرتْ‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬المصريّ‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي،‭ ‬وكانت‭ ‬مصر‭ ‬ترأس‭ ‬الاتحاد‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬الإخوة‭ ‬اليمنيون‭ ‬والجزائريون‭ ‬بعض‭ ‬الاعتراض،‭ ‬مطالبين‭ ‬بحقّهم‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬معركة؛‭ ‬انتهت‭ ‬بخروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬تونس»‭. ‬

وأضاف‭ ‬صاحب‭ ‬«مقدمة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الجمال»‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬رغم‭ ‬اسمه‭ ‬الكبير،‭ ‬وأهميته‭ ‬الدولية‭ ‬«إلا‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬ومواءماتها‭ ‬أخمدت‭ ‬وهجه،‭ ‬وجعلته‭ ‬بلا‭ ‬دور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬أو‭ ‬فاعل،‭ ‬فالأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تستعمل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناصب‭ ‬مثلما‭ ‬تستعمل‭ ‬المندوبين‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬حضور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬لهذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬نتمنى‭ ‬له‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية،‭ ‬واتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬وقوة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬المثقف‭ ‬العربيّ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية،‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وخارجها،‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬بهذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وهو‭ ‬بدوره‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬فيهم‭ ‬يومًا‭ ‬ما»‭.‬


‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التغيير

Book4على‭ ‬حين‭ ‬عدَّ‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين،‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬مدحت‭ ‬الجيار،‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬رئيسًا‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬أمر‭ ‬مفيد‭ ‬جدًّا‭ ‬للاتحاد؛‭ ‬«لأنه‭ ‬أولًا‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ولاية‭ ‬سوريا‭ ‬ثم‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬ولاية‭ ‬الأمانة‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬الحرج،‭ ‬والإمارات‭ ‬دولة‭ ‬غنية،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجوائز‭ ‬أم‭ ‬السفر‭ ‬أم‭ ‬المؤتمرات‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.«‬

وأوضح‭ ‬الجيار‭ ‬أن‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬للاتحادات‭ ‬وليس‭ ‬للأفراد،‭ ‬«وهو‭ ‬يقوم‭ ‬برسالة‭ ‬مهمّة‭ ‬منذ‭ ‬أطلق‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬إشارته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬اللاذقية‭ ‬بسوريا‭ ‬عام ‭‬1958م،‭ ‬فهو‭ ‬يقوم‭ ‬بعلاقات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نشاطاتٍ‭ ‬عربيةً‭ ‬كبرى‭ ‬وكثيرة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬إلا‭ ‬مَن‭ ‬يُشارِك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة،‭ ‬وللاتحاد‭ ‬موقع‭ ‬مُهِمّ‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وله‭ ‬مطبوعات‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬وله‭ ‬جائزة‭ ‬باسمه،‭ ‬وله‭ ‬دور‭ ‬سياسيّ‭ ‬مهمّ‭ ‬في‭ ‬مناصرة‭ ‬القضايا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬فمن‭ ‬خلاله‭ ‬حدثت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإدانات‭ ‬لما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬وكذلك‭ ‬عندما‭ ‬جرى‭ ‬حرق‭ ‬السفارة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فالاتحاد‭ ‬هو‭ ‬محصلة‭ ‬تحالف‭ ‬عربيّ‭ ‬ضدّ‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تهدِّد‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأنا‭ ‬أتمنّى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬المقبلة‭ ‬بفعاليات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬ذات‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؛‭ ‬مثل‭:‬ سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬فهذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬سوف‭ ‬تصدر‭ ‬موقفًا‭ ‬داعيًا‭ ‬إلى‭ ‬التهدئة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان»‭.‬

Book2

أما‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للاتحاد‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬فأوضح‭ ‬أنه‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬مدة‭ ‬تسع‭ ‬سنوات،‭ ‬شكلت‭ ‬ثلاث‭ ‬ولايات‭ ‬أو‭ ‬مُدَد‭ ‬رئاسية‭ ‬متتالية،‭ ‬فاستنفذت‭ ‬مصر‭ ‬كل‭ ‬مُدَدها‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فقد‭ ‬قرَّر‭ ‬المؤتمرُ‭ ‬العامّ‭ ‬للكتاب‭ ‬العرب‭ ‬اختيارَ‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬الإمارات،‭ ‬ووفق‭ ‬لائحته‭ ‬التي‭ ‬تنصّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مَقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬هو‭ ‬دولة‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة،‭ ‬فإن‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬انتقل‭ ‬عقب‭ ‬انتخاب‭ ‬الكاتب‭ ‬حبيب‭ ‬الصايغ‭ ‬رئيسًا‭ ‬إلى ‭)‬أبو‭ ‬ظبي‭(‬.

وقال‭ ‬سلماوي‭:‬ «إن‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬رئاستها‭ ‬قدَّمت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الإضافات‭ ‬والإنجازات‭ ‬المهمة؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تقرير‭ ‬الحريات‭ ‬الذي‭ ‬يصدره‭ ‬الاتحاد‭ ‬كل‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مرجعًا‭ ‬للباحثين»،‭ ‬وأضاف‭:‬ «كما‭ ‬أننا‭ ‬فصلنا‭ ‬الاتحاد‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬السياسة‭ ‬عليه،‭ ‬واتخذنا‭ ‬مواقف‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬حال‭ ‬خطئها؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬حين‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬خطابة‭ ‬الأول‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬ولم‭ ‬يذكر‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين،‭ ‬وكان‭ ‬الاتحاد‭ ‬يعقد‭ ‬مؤتمره‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬فأصدرنا‭ ‬بيانًا‭ ‬أَدَنَّا‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬بلهجة‭ ‬صارمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مرَّت‭ ‬بها‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬فإننا‭ ‬حافظنا‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬كل‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬توقيتها،‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعثّرت‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدوريّ‭ ‬على‭ ‬أرضها؛‭ ‬بسبب‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربيّ،‭ ‬فقمنا‭ ‬باستضافة‭ ‬مؤتمراتها‭ ‬بوصفنا‭ ‬دولة‭ ‬المقرّ،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬نقيض‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬حين‭ ‬تولّت‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬مدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات؛‭ ‬فلم‭ ‬تُقِمْ‭ ‬مؤتمرًا‭ ‬ولا‭ ‬ندوةً‭ ‬واحدةً،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فلم‭ ‬ينتخبها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬مرةً‭ ‬ثانيةً»‭.‬

وأكد‭ ‬سلماوي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬تتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬المؤتمر‭ ‬«تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إضافة‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬تُذكَر‭ ‬بها،‭ ‬وأنها‭ ‬من‭ ‬إضافتها،‭ ‬وقد‭ ‬أرستْ‭ ‬مصر،‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬رئاستها‭ ‬الاتحاد،‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬تجاهلها‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬البناء‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الإمارات‭ ‬للإضافة‭ ‬إليه،‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬يعيد‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬انتخابها‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الأردن»‭.‬

.

Book7يوسف‭ ‬القعيد‭:‬

خروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬جريمة

شن‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬المصريّ،‭ ‬الكاتب‭ ‬يوسف‭ ‬القعيد،‭ ‬هجومًا‭ ‬ضاريًا‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬انتقال‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬«يُعَدُّ‭ ‬جريمة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬المثقفون‭ ‬المصريون‭ ‬جميعًا‭ ‬ضدها،‭ ‬فهذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬نُقِل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬مِن‭ ‬قبلُ؛‭ ‬بعد‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد،‭ ‬وكنا‭ ‬جميعًا‭ ‬ضد‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬تسامحنا‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدِّيه‭ ‬الإمارات‭ ‬بأموالها،‭ ‬فإننا‭ ‬لو‭ ‬تسامحنا‭ ‬وفتحنا‭ ‬الباب‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فلن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬شيء»‭.‬ وذهب‭ ‬القعيد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬أهمية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬«لا‭ ‬هنا‭ ‬ولا‭ ‬هناك»‭ ‬حسب‭ ‬تعبيره،‭ ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬يقابل‭ ‬«بصمت‭ ‬تامّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬للمثقفين،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬دور،‭ ‬وإن‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬بفضل‭ ‬الأموال،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعطي‭ ‬رسالة‭ ‬ضمنية؛‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬قاتلة‭ ‬للاتحادات‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬أرضها»‭.‬

Book5اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬السعوديين

قال‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الأندية‭ ‬الأدبية‭ ‬السعودية‭ ‬السابق‭ ‬الشاعر‭ ‬والأكاديمي‭ ‬أحمد‭ ‬قران‭ ‬الزهراني‭:‬ «لا‭ ‬أعلم‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬دخول‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬والهيئات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭.‬

يعد‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬الهيئات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للسعودية‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬فيه،‭ ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وستضمن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬إبداعية‭ ‬عربية‭ ‬متنوعة‭ ‬تؤيد‭ ‬توجهاتها‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬المثقف‭ ‬السعودي‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬سريع‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭.‬

لقد‭ ‬حققت‭ ‬الثقافة‭ ‬السعودية‭ ‬قفزات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬فاعلة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬ولها‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافية‭ ‬إبداعيًّا‭ ‬وفكريًّا‭ ‬وفنيًّا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينبغي‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬أن‭ ‬تنشئ‭ ‬اتحادًا‭ ‬للكتاب‭ ‬السعوديين،‭ ‬ثم‭ ‬تلتحق‭ ‬باتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬بوصفها‭ ‬عضوًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬ومؤثرًا»‭.‬

.


‬غياب‭ ‬الأجندة‭ ‬الواضحة

Book8Book6على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬سلماوي؛‭ ‬أكدت‭ ‬مؤلفة‭ ‬رواية‭ ‬«البشموري»‭ ‬الكاتبة‭ ‬سلوى‭ ‬بكر،‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬الآن‭ ‬اليس‭ ‬له‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬ولا‭ ‬أهمية؛‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الثقافيّ،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهو‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬والحجة‭ ‬الدائمة‭ ‬كانت‭ ‬غياب‭ ‬الأموال‭ ‬والدعم،‭ ‬وربما‭ ‬حين‭ ‬ينتقل‭ ‬الاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬الدعم‭ ‬الحقيقيّ،‭ ‬فالإمارات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬البؤر‭ ‬المؤثّرة‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فهناك‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬الاتحاد‭ ‬إليها‭.‬

لكن (‬بكر)‬ عادتْ‭ ‬لِتُشكِّك‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬الاتحاد،‭ ‬قائلة‭:‬ «إن‭ ‬المثقفين‭ ‬أنفسهم‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬أجندة‭ ‬واضحة‭ ‬ليدرجوها‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المأزق،‭ ‬فثمة‭ ‬مياه‭ ‬قذرة‭ ‬كثيرة‭ ‬تجرى‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يوقفها»،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عَدَّتْه‭ ‬امتهانًا‭ ‬يوميًّا،‭ ‬«لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬لكن‭ ‬اللغة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأصيل،‭ ‬ودفاع،‭ ‬وترويج‭ ‬لأهميتها‭ ‬وجمالها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الوافد‭ ‬الغربيّ». ‬

وقالت‭:‬ «إن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ونحن‭ ‬ننتظر‭ ‬منه‭ ‬إحداث‭ ‬دور‭ ‬فاعل،‭ ‬وهذا‭ ‬سيكون‭ ‬صعبًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكوين‭ ‬الحالي‭ ‬للاتحاد؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬رموز‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المنوط‭ ‬بهم‭ ‬إنتاج‭ ‬أفكار‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬حلّ‭ ‬مشكلات‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬المأزومة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المأزق‭ ‬الثقافيّ»‭.

Book9أسماء‭ ‬الزرعوني

الخليج‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الثقافية

أوضحت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الإماراتية‭ ‬أسماء‭ ‬الزرعوني،‭ ‬أن‭ ‬انتقال‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬خليجية،‭ ‬«أمر‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه؛‭ ‬هذا‭ ‬يَعْني‭ ‬أننا‭ ‬بوصفنا‭ ‬خليجيين‭ ‬نمتلك‭ ‬ثقافة‭ ‬جيدة‭ ‬وإدارة‭ ‬ثقافية‭ ‬فعلًا؛‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬إدارة‭ ‬اتحاد‭ ‬تحت‭ ‬مظلته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬شرف»،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬أمانة‭ ‬للاتحاد‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬خليجية،‭ ‬«يثلج‭ ‬صدر‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬خليجيّ،‭ ‬ويمنحه‭ ‬الدافع‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة؛‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬جهدًا‭ ‬أكبر‭ ‬لترسيخ‭ ‬قلمه‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭.‬ وإن‭ ‬اختيار‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬بمباركة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة؛‭ ‬إذ‭ ‬إننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ندير‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وسنحاول‭ ‬أن‭ ‬نقنع‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الأعضاء‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬قطر،‭ ‬هذه‭ ‬مهمة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬دعوة‭ ‬بلدان‭ ‬ليست‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬إذا‭ ‬جاهدنا‭ ‬ونسّقنا‭ ‬ورسمنا‭ ‬أهدافنا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬وخدمة‭ ‬الوطن،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شيئًا‭ ‬عائقًا،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح»‭.‬

وقالت‭ ‬الزرعوني‭:‬ «لا‭ ‬بد‭ ‬لكلّ‭ ‬مثقف‭ ‬خليجيّ‭ ‬أن‭ ‬يسعد‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬حلمه‭ ‬يتحقّق،‭ ‬باعتلاء‭ ‬دُولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬مناصب‭ ‬ثقافية،‭ ‬فمن‭ ‬حق‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه». ‬