سيرة ذاتية

محمود درويش في أطياف ناقصة (8)

محمود درويش في أطياف ناقصة (8)

كنا في صيف 1970م خمسة طلاب في تولوز، فلسطينيين غرباء، تُقرِّب بيننا فلسطينُ وتزيد الغربةُ قرابةَ الوطن قربًا. وكان في السياق فرح يَعِدُ الطلابَ الخمسة بأن فلسطين أمامهم، وبأن المفقود راجع إلى أهله. كنا نجتمع مرة في الأسبوع في المدينة الجامعية، نحمل كتبًا عن ماضي الوطن...

الوصول الأول إلى بيروت (7)

الوصول الأول إلى بيروت (7)

  تخيّلت بيروت، قبل رؤيتها، مدينة بيضاء مسقوفة بالنوارس، تمتد بين جبل صغير وبحر هادئ الموج، كثيرة المطابع تنشر ما يقرؤه غيرها، وتعد بالسعادة. واستمعت إلى حكايات عن «شارع الحمرا والحياة اللذيذة»، وعن صخرة يتسلقها العازفون عن الحياة تدعى: الروشة. وغالبًا ما كنت أعطف،...

دمشق.. عبث الأقدار وصداقات راحلة (6)

دمشق.. عبث الأقدار وصداقات راحلة (6)

مدينة من أطياف وذكريات وصداقات راحلة. رسمت على جدران حياتي خطوطًا تشبه صورًا على جدران كهف قديم. علمتني دمشق القراءة والكتابة والصداقة والحزن على الأصدقاء الراحلين، وصحبة الأمكنة والحوار مع أزمنة متغيّرة. تبدو صورها اليوم مزيجًا من التذكر والفقدان الذي لا يمتثل لأحد....

الوصول إلى جامعة دمشق (5)

الوصول إلى جامعة دمشق (5)

كنت في مرحلتي الثانوية أطيل النظر إلى جامعة دمشق، مستعجلًا الوصول إلى مكان يَعِد بألوان متعددة، أتأمل طلبة يتبادلون، ذكورًا وإناثًا، حرية الكلام، يحملون الكتب ويتضاحكون بلا رقيب. كانت الجامعة تبدو في عمر يضيق بحاضره، كتابًا جميلًا، صفحاته من نور وسطوره من حكمة، يفصل...

النزول إلى دمشق (4)

النزول إلى دمشق (4)

أربع سنوات في قرية سورية، أعقبها رحيـــل إلى دمشق. بقينا في النكبة، وبقيت النكبة فينا. كان الفصل خريفًا، والطريق بين القرية والقنيطرة لا جديد فيه. ووراءنا مودّعون قلائل، والحصان الكسير الذي كان يحتضر غاب عن النظر. نظر إلينا، ونحن نغادر القنيطرة، عجوز وقال: «عليك...

ماذا لو زرت قبور الأقربين؟ (3)

ماذا لو زرت قبور الأقربين؟ (3)

فيصل دراج في مكان ضيق، قلق الإقامة، ألجأني إليه بلد مجاور أراد أهله السعادة فسقطوا في الكارثة، نازعتني روحي إلى زيارة قبور الأقربين. كنت أراقب جماعات تتأبط حزمًا من جرائد النخيل، وتقصد المقبرة، في اليوم الأخير من رمضان. سخرت رغبتي مني، فأنا في بلد أفتقر فيه إلى...

الغربة وتناسل الحكايات (2)

الغربة وتناسل الحكايات (2)

وكل غريب للغريب نسيب. قال أبو حيّان التوحيدي، الذي كان غريبًا بين الغرباء. عرف الصبي اللاجئ أنه مختلف، حين طلب المعلّم من التلاميذ الغرباء أن يرفعوا أصابعهم، وأدرك حقيقة الغرباء، وهو ينصت إلى حكاياتهم المسائية في غرف مستأجرة، ويعيش أقدارهم المتحوّلة إلى حكايات. سأذكر...

الصعود إلى المنفى الأول (1)

الصعود إلى المنفى الأول (1)

كان زمنًا صعبًا، يعلم اللاجئ بجدارة ما لا ينسى. أذكر شاحنة رمادية متقطعة الصوت، وطريقًا نحو الشمال، وحقائب متراكمة، ومطرًا ربيعيًّا، وغموضًا باردًا يخالطه الحزن، وحصانًا يحتضر تحت المطر، وأتذكّر نفسي صبيًّا يسافر مع عائلته إلى مكان قريب. وأذكر أيضًا عجوزًا ضريرًا...