حداثة أم حداثات

حداثة أم حداثات

اعتنى الباحث المغربي الدكتور محمد سبيلا بفكرة الحداثة، وبقي مهمومًا بها ومنشغلًا، مدافًعا عنها ومنافحًا، منخرطًا فيها ومنتميًا، مقدمًا حولها قراءات ومطالعات فكرية ونقدية جاءت متتالية في تأليفات ومقالات متراكمة. من هذه التأليفات بحسب تعاقبها الزمني، كتاب: «مدارات الحداثة» صدر سنة 1987م، وكتاب: «المغرب في مواجهة الحداثة» صدر سنة 1999م، وكتاب: «الحداثة وما بعد الحداثة» صدر سنة 2000م، وكتاب: «النزعات الأصولية والحداثة» صدر سنة 2000م، وكتاب: «مخاضات الحداثة» صدر سنة 2007م، إلى جانب مقالات يصعب تتبعها وحصرها، فالحداثة هي الموضوع الأثير للدكتور سبيلا، وأصبحت -حسب قوله- الناظم الذي يؤطر ويستجمع روح اهتماماته الفكرية كافة.

من بين أقوال الدكتور سبيلا عن الحداثة، أثار انتباهي قول أبان عنه في عنوان مقالة له وسمها: «من الحداثات إلى الحداثة»، قدمها ورقة لندوة دولية نظمتها أكاديمية المملكة المغربية سنة 2017م، ونشرتها مجلة «يتفكرون» سنة 2018م، وأعاد نشرها في مجلة «المشروع» المغربية سنة 2019م، داعيًا فيها إلى التوقف عند مقولة الحداثات المتعددة فحصًا وتبصرًا، مناقشًا مدى صدقيتها ومشروعيتها الفكرية والتاريخية، متسائلًا: هل سيرورة التاريخ هي من الحداثة إلى الحداثات أم من الحداثات إلى الحداثة؟ مرجحًا في خاتمة القول ومنتصرًا إلى الرأي الثاني، ومعلنًا تمسكه بالحداثة، ومشككًا في مقولة الحداثات المتعددة أو تعددية الحداثات.

وتوضيحًا لرأيه يرى الدكتور سبيلا أن مقولة الحداثة حداثات هي من ناحية البيان نوع من التلطيف، ومن ناحية الفكر شكل من أشكال مقاومة الحداثة، نوع من التلطيف في نظره تمامًا مثلما سبق وتم تلطيف لغة البلدان المتخلفة، متنقلين معها من نقص في التطور، ثم إلى بلدان في طريق النمو، ثم إلى بلدان نامية، وهكذا.

وشكل من المقاومة في نظر سبيلا، متجه خاصة لنواة الحداثة الفكرية العليا بسبب عسرها وعنائها، وتعذر جرعتها المرة، والمحصلة من هذه المقاومة تمطيط مفهوم الحداثة، وقطع حبل الوصل بنواته ونموذجه، وتحويله إلى مفهوم واسع ورخو.

دكتور محمد سبيلا

وبعد مناقشات ومجادلات مع هذه المقولة، متوقفًا عند مصادرها النظرية، متمثلة في: النزعة الثقافوية، والبنيوية، وأفكار ما بعد الحداثة، انتهى سبيلا في خاتمة المطاف إلى خلاصة نهائية قررها قائلًا: «الحداثة سيرورة تاريخية كلية للعصور الحديثة، سيرورة مركبة وعنيدة، تولد لذاتها كيفيات ووسائط الانتشار عالميًّا، بدرجات وسرعات وتدرجات مختلفة عبر عدة مستويات أو عتبات؛ أولها الحداثة التقنية وهي أيضًا مستويات ودرجات، والحداثة التنظيمية ابتداءً من الاقتصاد إلى السياسة مرورًا بالبنية الاجتماعية، وأخيرًا الحداثة الفكرية أو الثقافية التي هي الشرط اللازم المضمر الذي يمكن أن يتحول إلى معيار حاسم في تقييم كل المستويات والعتبات الأخرى للحداثة».

لعل هذه هي أبرز أطروحة للدكتور سبيلا في موضوع الحداثة، أو أنها أبرز أطروحاته إثارة للجدل والنقاش، والمفارقة الشكلية فيها أنها جاءت في مناسبة عنوانها كان يعاكس هذه الأطروحة ويتفارق معها، متوسمًا بعنوان: «من الحداثة إلى الحداثات»، الذي اختارته أكاديمية المملكة المغربية ليكون موضوعًا لندوتها الدولية، وأرادت منه السير باتجاه تأكيد التحول والانتقال من وضعية الحداثة الأحادية إلى وضعية الحداثات المتعددة، وإذا بالدكتور سبيلا من قلب هذه المناسبة يقلب صورة الموقف، ويعاكس السير، مخطئًا له، ومنتصرًا لوضعية البقاء في الحداثة، والعودة إليها بديلًا من الحداثات المتعددة.

بهذا القول نكون في المجال الفكري العربي المعاصر، أمام أطروحتين متقابلتين ومتفارقتين في الرؤية والمنهج؛ الأطروحة الأولى تتبنى الدعوة من الحداثة إلى الحداثات، والأطروحة الثانية تتبنى الدعوة من الحداثات إلى الحداثة، فبعد أن كنا نظن أننا أمام أطروحة واحدة يمكن أن نلتقي عليها ونتوافق، وهي أطروحة الحداثات المتعددة، فإذا بنا أمام أطروحة ثانية مفارقة ومغايرة، يسجل لها أنها جاءت وكسرت رتابة الفكر، وحفزت الذهن، وجددت النقاش من جديد حول أصل الحداثة وأصولها.

من الواضح أن كل واحدة من هاتين الأطروحتين، لها بنيتها وأفقها ونقدياتها وحقلها الدلالي، تشتركان معًا في طلب الحداثة وبلوغها، وتختلفان في طرق الوصول، بين من ترى أن الحداثة لها طريق واحد هو طريقها المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا ضلال، وبين من ترى أن الحداثة لها طرق متعددة هي طرقها المستقيمة التي تتسع لأكثر من طريق ولا تَتَضَيَّقُ بطريق واحد، فلا ينبغي أن نُضيِّق على أنفسنا الدرب، فطرق الحداثة سالكة في اتجاهات متعددة.

من جانب آخر، إن التحول من الحداثة إلى الحداثات المتعددة، كان لا بد أن يحدث على مستوى الفضاء الفكري العالمي، بوصفه تطورًا فكريًّا طبيعيًّا إن لم يكن حتميًّا متفقًا مع منطق التاريخ وروحه، ومتناغمًا مع منطق تقاسم العالم بين الحضارات الكبرى، فالغرب ليس هو بداية الحضارة في التاريخ الإنساني ولا نهايتها، ولا يصح اختزال التجربة الإنسانية الطويلة والعظيمة عند عتبة الغرب، فلا هو أول من تقدم ولا هو آخر من تقدم؛ لذا فإن الحداثة لا يمكن أن تظل واحدة، وكأنه لا يوجد في العالم وفي التاريخ الإنساني إلا الغرب!

هناك حالة واحدة لا غير يمكن لنا فيها أن نقبل بالحداثة الأحادية، هي متى ما رفع الغرب يده عن الحداثة، وقبل بفك الارتباط وعدم التماثل بينه وبين الحداثة، فلا الغرب هو الحداثة ولا الحداثة هي الغرب، وإنما هي روح حضارية متوثبة ومتوهجة تمثلتها جميع الحضارات والمدنيات، مرت على الغرب كما مرت على الحضارات والمدنيات السابقة عليه، وستمر من بعده على الحضارات والمدنيات التالية عليه، وهكذا! ومن ثم فلا مكان للحداثة ولا زمان، فهل يقبل الغرب بهذا التصور ويركن إليه! أم يرفضه ويعترض عليه! تأكيدًا لمركزيته، وتعزيزًا لتفوقه، وبسطًا لهيمنته؟!

تتمة لهذا السياق، فإن العالم كان بحاجة إلى التفكير في الحداثات المتعددة التي تتسع إلى مختلف التجارب الإنسانية العظيمة من جهة، وتسعى إلى تقويض فكرة المركزية الغربية المتبجحة التي ضاق بها العالم ذرعًا من جهة ثانية، وإلى دفع الغرب وتحريكه نحو إصلاح الحداثة وتهذيبها من جهة ثالثة، ومن أجل الالتفات إلى الحداثات الصاعدة المنبعثة خارج المجال الغربي في اليابان والصين والهند وغيرها من جهة رابعة.

لا شك في معقولية هذه الاتجاهات الأربعة منفصلة ومتصلة، وكل اتجاه منها كافٍ لتأكيد التفكير في الحداثات المتعددة، فكيف مع تَعاضُدها! ليس هذا فحسب، بل إن التفكير في الحداثات المتعددة يصبُّ في مصلحة الحداثة نفسها، حتى بالمعنى الأحادي للحداثة، التي باتت بحاجة إلى تلمُّس أفق أو آفاق جديدة، قد تجدها في الحداثات المتعددة أو الحداثات المتغايرة.

وبات من المؤكد أن حداثة الغرب لم تَعُدْ في نظر العالم وبالذات عند المجتمعات الآسيوية الصاعدة والناهضة، بذلك الوهج المتألق الذي كانت عليه من قبل، ولا بذلك الإشعاع الساحر، ولم تعد تمثل لا النموذج الأمثل ولا النموذج المحتذى أو الفريد، وأصبح من الممكن مناظرة هذا النموذج الحداثي الغربي ومطارحته ونقده بنوع من الثقة والثقة العالية أيضًا. فقد وصلت ثقة الآسيويين في نموذجهم الثقافي والقيمي، إلى أن يقدموه بوصفه بديلًا متفوِّقًا على النموذج الغربي، بل يدعون الغرب إلى تبني نموذجهم حتى يتمكن من تجديد نفسه.

وخلاصة ما ننتهي إليه أن من يفكر في الحداثة من داخل الحداثة الغربية وسطوتها، يصل إلى ما وصل إليه الدكتور سبيلا في التمسك بأحادية الحداثة، ومن يفكر في الحداثة من خارج الحداثة الغربية وسطوتها، يصل إلى القول المغاير الذي يرى أن الحداثة هي حداثات، وهذا هو التحول الحتمي في منطق التجربة الإنسانية العظيمة.

الفلسفة والنقد الأخلاقي للمجتمع

الفلسفة والنقد الأخلاقي للمجتمع

اشتغل الباحث اللبناني الدكتور عادل ضاهر على نقد الفلسفة الغربية التي درسها ودرّسها تعلمًا وتعليمًا، مقدمًا عملًا فلسفيًّا كبيرًا، تكوّن من أربعة أجزاء تناول فيه بالتحليل والنقد أهم الاتجاهات الفلسفية في الغرب التي تصدت إلى المشكلات الكبرى في أربعة ميادين هي: فلسفة الأخلاق، وفلسفة الدين، والفلسفة السياسية والاجتماعية، وفلسفة العلوم الاجتماعية، متطلعًا من هذا العمل إلى الوصول إلى بناء نظرة فلسفية شاملة ومتماسكة نرتكز عليها في التحليل الفلسفي لتلك القضايا الفلسفية الكبرى.

د. عادل ضاهر

في هذه المعالجة انطلق الدكتور ضاهر من مسألة اعتبرها أنها تشكل المحور الأساسي، تحددت في طريقة الفهم لطبيعة الفلسفة ودورها، متجهًا لتبني وجهة نظر ترى أن الفلسفة في جانب مهم وجوهري هي نقد أخلاقي للمجتمع، متمسكًا بهذا الرأي ومدافعًا عنه، ساعيًا لتأكيده والالتزام به، باذلًا جهدًا لتبيان الأسس المسوغة له متجلّيًا في كتابه: «الأخلاق والعقل» الصادر سنة 1990م، وهو الكتاب الأول في مشروعه الموسوم نقد الفلسفة الغربية.

هذا الرأي بمنطق التحليل تكون من ثلاثة عناصر هي: النقد والأخلاق والمجتمع، أراد ضاهر من «النقد» تأكيد الطابع النقدي للفلسفة، مجادلًا في هذا الشأن ومفارقًا عددًا من وجهات النظر السائدة في المجال الفكري والفلسفي الغربي المعاصر، منها تلك التي ترى أن الفلسفة هي مجرد أداة للتحليل، الرأي الذي أخذ به مفكرون أمثال البريطاني برتراند راسل والنمساوي فتجنستين وأصحاب مذهب الوضعية المنطقية عمومًا.

ومنها تلك التي ترى أن الفلسفة هي مجرد أداة للوصف الظاهراتي، أخذ بهذا الرأي مفكرون أمثال هوسرل وهايدغر الألمانيين، وسارتر وميرلوبونتي الفرنسيين، وأصحاب المذهب الظاهراتي عمومًا، ومنها تلك التي ترى أن الفلسفة هي نشاط فكري تجريدي محايد يتحرى البحث عن الحقيقة المجردة، في مقابل هذه الآراء والاتجاهات التي تنحو بالفلسفة مذاهب شتى حاول ضاهر تغليب المعنى النقدي للفلسفة.

ومن «الأخلاق» أراد ضاهر تأكيد الطابع المعياري للفلسفة الذي يتخطى ما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، ساعيًا لتحويل اتجاه الفلسفة من كونها فلسفة نظر إلى فلسفة فعل، ومن فلسفة تُعْنَى بفهم الواقع والكلام عن العالم إلى فلسفة تُعْنَى بتغيير الواقع وإصلاح العالم، مرتكزًا على أن العقل ليس من وظيفته أن يقرر الوسائل وحدها، بل من وظيفته كذلك أن يقرر الغايات، وما بين الوسائل والغايات تتأكد العلاقة بين العقل والأخلاق.

وأراد ضاهر من «المجتمع» تأكيد علاقة الفلسفة بالمجتمع، وتغليب الوظيفة الاجتماعية للفلسفة، متوثقًا برؤية رائد مدرسة فرانكفورت النقدية الألماني هوركهايمر الذي يرى «أن الوظيفة الاجتماعية للفلسفة تكمن في نقدها لما هو سائد». وترسيخًا لهذا المعنى انتقد ضاهر انصراف الفلسفة إلى البحث الأنطولوجي والإبستمولوجي والميتا-لغوي والميتا-علمي ومنطقي، والاستغراق في هذه الأبعاد النظرية، والاغتراب عن المجتمع وشؤونه وقضاياه، وتغليب المعرفة على المجتمع، والتمسك بالوظيفة المعرفية وإهمال الوظيفة الاجتماعية.

المعنى المغيب للفلسفة

هذا المعنى للفلسفة على وجاهته وقيمته يكاد يكون مهجورًا في المجال الفكري العربي، وأظن أنه بحاجة إلى لفت الانتباه إليه، وتسليط الضوء عليه، واستعادة النظر فيه والتأمل، ليكون هذا المعنى حاضرًا إلى جانب المعاني الأخرى للفلسفة وليس مغيبًا أو مهجورًا.

ولا أعلم إن كان هناك أحد يبادل ضاهر الحماس نفسه دفاعًا عن هذا المعنى وتمسكًا به، ولعل في انطباع بعض أن هذا المعنى لا يمتُّ إلى الفلسفة بِصِلَة، بل يخرجها من مجالها المحكم، ويهبط بها من تعاليها المتسامي، ويمس كبرياءها، ويخدش في هيبتها ورهبتها، ويعرضها لأن تكون مادة للهرج والمرج بحسب لغة القدماء، معتبرين أن الفلسفة هي أكبر من ذلك وأسمى، وأنها من اختصاص أهل الصفوة من الناس، ولا يقوى عليها صبرًا وجهدًا إلا الحكماء.

وتتمة لرأي هؤلاء فإن الفلسفة في نظرهم إما أن تكون فلسفة أو لا تكون، لا تكون فلسفة إلا إذا كانت موضوعًا خاصًّا وليست موضوعًا عامًّا، وإذا كانت نشاطًا فكريًّا نظريًّا وتجريديًّا، وليست نشاطًا فكريًّا عمليًّا وتطبيقيًّا، وإذا كانت بحثًا يتوخى المعرفة المحضة والبحث عن الحقيقة العليا ويتجنب ما دون ذلك، ناظرين إلى أن الفلسفة هي العلم الوحيد الذي لا يقبل التهاون، ولا يرضى بالتنازل،
ولا يقنع بالتواضع.

وأما في منطق ضاهر فإن هذا المعنى إلى الفلسفة، الذي يدركه ويعيه ولم يكن متغافلًا عنه أو بعيدًا من فطنته، قد يكون فيه تجميد للفلسفة، وتعطيل لوظيفتها النقدية والاجتماعية، وقد يعده تباهيًا بالفلسفة لا جدوى منه، وتعاليًا لا أساس له، وترفعًا في غير مكانه، وأنه أقرب إلى هيبة متخيلة، ورهبة متوهمة، وقد يرى في أصحاب هذا الرأي أنهم أساؤوا إلى الفلسفة من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، وأنهم أسهموا بحصار الفلسفة من حيث يدركون ومن حيث لا يدركون، وأنهم ضيقوا عليها الخناق من حيث يظنون ومن حيث لا يظنون.

ليس بعيدًا أن يتقاطع المفكر المغربي الدكتور طه عبدالرحمن ويلتقي مع المعنى الراجح للفلسفة عند ضاهر، وتحديدًا من جهة التركيز على النقد الأخلاقي؛ لكون أن هذا الجانب يحظى بعناية الدكتور طه واهتمامه الشديد، باعتباره يتبنى فلسفة تتخذ من الأخلاق مرتكزًا، ويعد صاحب فلسفة أخلاقية ظل ينتصر لها، ويتمسك بها، ويدافع عنها، وقد اتخذ من النقد الأخلاقي منطلقًا ومنهجًا في نقد الحداثة وتقويم اعوجاجها الموصوف عنده بالاعوجاج الخلقي للحداثة، شارحًا هذا الموقف وكاشفًا عنه في كتابه: «سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية» الصادر سنة 2000م. إلى جانب هذا التقاطع، هناك جانب تفارق بين المفكرين، متحددًا في المرجعية من جهة، وفي المنهج من جهة أخرى، فالدكتور طه عبدالرحمن يرتكز على مرجعية دينية إسلامية، بينما يرتكز الدكتور ضاهر على مرجعية علمانية غربية، ومن جهة المنهج فإن الأول يربط الأخلاق بالدين ولا يقبل فك العلاقة بينهما، أما الثاني فيربط الأخلاق بالعقل ويشدد على هذه العلاقة.

الفلسفة والأيديولوجيا

من جانب آخر في النقاش الفكري والنقدي مع ضاهر، يتعلق هذا الجانب بربط ضاهر موقفه الفلسفي بالأيديولوجيا، مقدمًا دفاعًا عن الأيديولوجيا وعن علاقة الفلسفة بالأيديولوجيا، معتبرًا أن الأيديولوجيا هي التي تحفز الفلسفة على النهوض بوظيفتها الاجتماعية والتغييرية، ومن دونها تنزع الفلسفة نحو التجريد النظري والتعالي العلمي، وله في هذا الشأن مقالة مبكرة نشرها سنة 1983م في مجلة مواقف اللبنانية بعنوان: «الفلسفة والأيديولوجيا»، وجدد التأكيد على هذا الموقف والدفاع الشديد عنه في مقالته الموسومة بعنوان: «دور الفلسفة في المجتمع العربي» المنشورة سنة 1985م في كتاب جماعي بعنوان: «الفلسفة في الوطن العربي المعاصر».

أمام هذه القضية حصل انقسام حاد في المجال الفكري العربي المعاصر، بين من يدعو إلى التحرر من الأيديولوجيا والتخلص منها ومن سطوتها وطغيانها، وتضليلها الزائف، وتبشيرها الخادع، ووعودها الوهمية كما يرى أصحاب هذا الرأي، وبين من يدعو إلى التمسك بها لدفع المعرفة والفلسفة نحو النهوض بوظيفتهما النقدية والاجتماعية، وحَفْزهما باتجاه التفاعل مع قضايا الإنسان والمجتمع والعالم، ولأجل الاقتراب من الواقع وهمومه والتشارك في إصلاحه وتغييره.

المنحى الأول يتبناه شريحة من الكتاب والمفكرين يبرز منهم الدكتور محمد أركون الذي اعتبر في ندوة: «التراث وتحديات العصر» المنعقدة في بيروت سنة 1985م، أن طغيان أيديولوجيا الكفاح على تقدير حقوق العلم واحترامها، أصبح في الفكر العربي الإسلامي المعاصر من أشد العراقيل المعرفية، وأخطر النتائج على مصيرنا. وتناغمًا مع هذا المنحى وتأكيدًا له يرى الباحث البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه: «مساءلة الهزيمة» الصادر سنة 2001م، أن الفكر العربي المعاصر ما لم يتخلص من طغيان الأيديولوجيا لصالح الإبستمولوجيا أو البحث المعرفي العلمي والنقدي، فإنه لن يتمكن من الخروج بوعي الأمة من نفق الهزيمة.

كان بإمكان الدكتور ضاهر الدفاع عن موقفه الفلسفي بعيدًا من الأيديولوجيا، من دون أن نصادر حقه في الرأي؛ لأن الفلسفة أكثر رحابة من الأيديولوجيا، وأبعد أفقًا منها، ومتى ما اختلطت بالأيديولوجيا فقدت رحابتها وسعة صدرها وبعد أفقها، وعندها قد تتحول إلى شيء آخر غير الفلسفة، تكون أقرب إلى الأيديولوجيا من الفلسفة؛ لذا فإننا نتفق مع ضاهر في أن تتجه الفلسفة نحو النقد الأخلاقي للمجتمع، ونفترق معه في ربط هذا المعنى بالأيديولوجيا.

نكسة الإلحاد الجديد

نكسة الإلحاد الجديد

مع مطلع القرن الحادي والعشرين عادت ظاهرة الإلحاد إلى واجهة المشهد العالمي مرة أخرى، معلنةً عن موجة جديدة لعلها الأقوى أو الأنشط في تاريخها الحديث، متغايرة بعض الشيء شكلًا ومضمونًا عن الموجات السابقة، متحفزة بطريقة كما لو أنها تريد اقتناص هذه الفرصة التي رأت فيها أنها من أفضل الفرص التاريخية المتاحة لها أو التي مرت عليها في تاريخ صراعها الوجودي مع الدين.

تحفزت هذه الموجة مستفيدة من الحروب المشتعلة، ومن النزاعات المتفاقمة، ومن اشتداد نزعات التطرف والتعصب وتصاعد الإرهاب المعولم والعابر بين القارات، وذلك بالنظر لما تتركه هذه الوضعيات من تأثيرات نفسية واجتماعية واقتصادية ضاغطة تتهيأ معها إمكانية إثارة الشكوك تجاه المعتقدات الدينية، وقلب صورة الإيمان الديني في أذهان الناس، وتحميل الدين مسؤولية ما يحدث.

وتأكيدًا لهذا الرأي يرى المؤرخون المعاصرون إمكانية انبثاق ظاهرة الإلحاد واشتدادها في المجتمعات التي مرت بحروب قاسية أو عاصرت أحداثًا مؤلمة خلَّفت معها كوارث ونكبات، على شاكلة ما جرى في المجتمعات الأوربية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد ظهرت موجة من الإلحاد لاحظها المؤرخون هناك وتنبهوا لها، رابطين العلاقة بينها وما حل بأوربا من حربين مدمرتين، متوثقين من هذه العلاقة التي تربط بين الحروب المدمرة وظاهرة الإلحاد من جهة القابلية والاستعداد.

واتصالًا بهذا السياق جاءت هذه الموجة الجديدة من الإلحاد حيث اتخذت من حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لحظة تاريخية، بوصفه حدثًا خلق كارثة مرعبة، وأثار قلق العالم، وفجر حروبًا كالتي حدثت في العراق وأفغانستان، فقد وجد أصحاب هذه الموجة أنهم أمام لحظة تاريخية لا تفوت لتوجيه السهام إلى الدين، ووضعه مرة أخرى في قفص الاتهام، وإثارة الشكوك حوله.

تسمية مفارقة

واللافت في هذه الموجة أنها تقصَّدَت تغيير صورتها، كأنها أرادت مع القرن الجديد أن تؤرخ لنفسها بتسمية مفارقة مطلقة تسمية الإلحاد الجديد، متحزبة بهذه التسمية ومستبشرة، متأملة منها ومتوثبة في أن تحقق تقدمًا، أو تحرز اختراقًا، أو تكسب جولة في مواجهة الدين والإيمان الديني، محملة الدين وزر ما حدث في العالم من نكسات ونكبات وكوارث على الأصعدة كافة، مستعيدة خطابها القديم في اعتبار أن الدين يقف عقبة صلبة في طريق تقدم البشرية وازدهار المدنية وارتقاء الحضارة.

ارتبط ما عرف بالإلحاد الجديد بفضاء الثقافة الأنغلوسكسونية، متخذًا من الولايات المتحدة الأميركية مركزًا له متصلًا ببريطانيا، مشتهرًا بأربعة أشخاص عرفوا بالفرسان الأربعة هم: عالم الأعصاب الأميركي سام هاريس صاحب كتاب «نهاية الإيمان.. الدين والإرهاب ومستقبل المنطق» الصادر سنة 2004م، وعالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكنز صاحب كتاب «وهم الإله» الصادر سنة 2006م، والناقد البريطاني الأميركي كريستوفر هيتشنز (1949- 2011م) صاحب كتاب «الإله ليس عظيمًا.. الدعوى ضد الدين» الصادر في بريطانيا سنة 2007م، وفي طبعته الأميركية تغيَّرَ العنوان الفرعي وصدر بعنوان: «الإله ليس عظيمًا.. لماذا يسمِّم الدين كل شيء؟»، ونشر في طبعة لاحقة في بريطانيا من دون عنوان فرعي، رابعًا العالم الأميركي دانيال دينيت صاحب كتاب: «فكرة داروين الخطيرة.. التطور ومعاني الحياة» الصادر سنة 1995م.

على مستوى الخطاب حدثت تحولات في بنية الإلحاد الجديد؛ منها التصويب على الإسلام في معترك المواجهة الوجودية، فبعد أن كان الإلحاد في الغرب ولزمن طويل يصوب معركته الفكرية النقدية على الأديان الإبراهيمية بصورة عامة، وعلى الديانة المسيحية بصورة خاصة، اتجه هذه المرة نحو الإسلام مصوبًا عليه سهام المجابهة.

هذا التحول حدث نتيجة واقعة الحادي عشر من سبتمبر التي هزت العالم، وتبنتها جماعة حسبت نفسها على الإسلام، واستغلالًا لهذه الفرصة جاء كتاب سام هاريس «نهاية الإيمان.. الدين والإرهاب ومستقبل المنطق»، محملًا الإسلام مسؤولية ما حدث، فاتحًا عليه المعركة، رابطًا بين الدين والإرهاب، مفتعلًا التناقض بين الإيمان والمنطق.

ومن التحولات الأخرى التي حدثت في بنية خطاب الإلحاد الجديد تغير نظرته إلى العلم، فقد أظهر أصحاب هذا الاتجاه اعتقادًا بالعلم هو أشبه بالاعتقاد الديني وأقرب إلى الأيديولوجيا والالتزام الأيديولوجي موصوفًا عند النقاد بالتعصب العلموي، معتبرين أن العلم بات يتقدم بطريقة متفوقة تفارق جميع المراحل والأزمنة السابقة، وسيعلن فوزه الحتمي على الإيمان، ودفع الدين نحو التراجع والتقهقر.

يضاف إلى هذه التحولات ما أظهره الإلحاد الجديد من حماسة واندفاع، مستعيدًا حيويته، ومستجمعًا قواه، مبرزًا نشاطًا مكثفًا على أكثر من صعيد؛ منها: الكتابة والنشر، الندوات والمحاضرات، الحوارات والمناظرات، وهكذا على صعيد الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي، اعتقادًا من أصحابه أنهم أمام لحظة سانحة تتيح لهم إمكانية تحويل الإلحاد إلى هوية نشطة يمكن التبشير بها وتوسعة رقعتها وتعزيز مكانتها في العالم، انطلاقًا من حس الهوية من جهة، ومن حس التبشير من جهة أخرى.

لكن المفارقة وخلافًا لتلك التوقعات، فقد تعرض الإلحاد الجديد لنكسة قوية في بيئته ومحيطه بعد الإعلان عن هويته وإطلاق حركته، مجابهًا بنقد شديد، وتشكيك صارخ، إلى جانب الإنقلاب عليه من أشخاص كانوا قد اقتربوا منه وانخرطوا فيه، ثم انشقوا عنه، وكانوا مندفعين في نقده جذريًّا.

الإلحاد بصفته نمطًا أصوليًّا

من صور هذا النقد وتمثلاته، ما طرحه الكاتب الأميركي كريس هيدجز في كتابه المتجلي بعنوانه: «أنا لا أومن بالإلحاد.. الصعود الخطر للأصولية العلمانية» الصادر سنة 2008م، وتغير العنوان في طبعته سنة 2009م واشتهر بعنوان: «عندما يصبح الإلحاد دينًا.. الأصوليون الجدد لأميركا»، متضمنًا نقدًا شديدًا، وتحذيرًا قويًّا تجاه ظاهرة الإلحاد لكونها تمثل في نظر الكاتب نمطًا خطيرًا من أنماط الأصوليات.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته، ما أشارت إليه الكاتبة الأميركية سيكيفو هتشينسون في كتابها: «الشيء الأبيض.. الإلحاد الجديد ومضايقاته» الصادر سنة 2011م، متخذةً من المنظور العرقي مدخلًا لتوجيه النقد لظاهرة الإلحاد الجديد، قاصدة لفت الانتباه إلى هذا الجانب غير المرئي عند الكثيرين، مسلطة الضوء عليه، واصمة هذه الظاهرة بالعنصرية لتحيزها إلى العرق الأبيض.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته أيضًا، ما قدمه عالم الاجتماع الكندي ستيفن ليدرو في كتابه: «تطور الإلحاد.. السياسة في الحركات الحديثة» الصادر عن جامعة أُكسفورد سنة 2019م، متخذًا من السياسة والمنظور السياسي مدخلًا لتكوين الفهم حول الإلحاد الجديد، معتبرًا أنه في حقيقته يمثل حالة سياسية ترتكز على نقد جذري للدِّين ومواجهته بصورة قاسية في العلن.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته كذلك، ما عرضه الكاتب الأسترالي سي جي ويرلمان في كتابه: «تهديد الإلحاد الجديد.. الصعود الخطر للعلمانيين المتشددين» الصادر سنة 2019م، تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه جاء من شخص كان منتسبًا لهذه الظاهرة متحمسًا لها ومنخرطًا بفاعلية في أنشطتها، لكنه أدرك بعد الاقتراب منها أنها تحوَّلت بسبب تشددها إلى أصولية خطرة، مظهرًا الخوف منها، فقرَّر الابتعاد منها، والانقلاب عليها، متجهًا لنقدها من الداخل.

هذه عينة من صور النقد الغربي وتمثلاته على مستوى التأليفات المتتابعة، وهناك الكثير من المقالات التي يصعب حصرها، وليس بعيدًا أن نسمع قريبًا عن كتابات تعلن نهاية ظاهرة الإلحاد الجديد أو تتحدث عما بعد الإلحاد الجديد، مؤكدةً نكسة الإلحاد الجديد!

الفكر والكسل الفكري

الفكر والكسل الفكري

في سنة 1935م نشر الفيلسوف والرياضي الإنجليزي برتراند رسل (1872- 1970م) مقالة لافتة بعنوان: «في مدح الكسل»، مؤرخًا بها موقفًا فكريًّا مدافعًا عن الكسل الذي لا يخلو عنده من فضيلة، قالبًا صورته النمطية المرذولة، وكاشفًا عن الجانب الحسن اللامرئي عند عموم الناس، ومتخذًا منه مفهومًا نقديًّا لنظام العمل الصارم في المجتمعات الحديثة. وبجدية تامة حسب قوله، يرى رسل أن العالم الحديث يصيبه الكثير من الأذى نتيجة الاعتقاد بفضيلة العمل، في حين أن السبيل إلى السعادة والرفاهية ينحصر في نظره في الإقلال المنظم للعمل، مقترحًا تخفيض ساعات العمل اليومية إلى حدود أربع ساعات، ومعتبرًا أن الفراغ ضرورة للحضارة، ويمكن عن طريق وسائل العلم الحديث توزيع الفراغ توزيعًا عادلًا من دون إضرار بالحضارة.

وقد بدا لي أن «رسل» كان بصدد مدح الفراغ والمطالبة به وليس مدح الكسل؛ لأنه لم يكن ضد العمل وإنما ضد المبالغة في العمل، وتحويل يوم الإنسان لأن يصبح كله عملًا، كما لو أنه مجرد آلة تمضي الوقت كله في العمل، وما إن يفرغ من العمل بعد يوم طويل حتى يجد نفسه لا يستطيع القيام بأي شيء آخر من شدة التعب، وبعد استنزاف طاقته.

أما الكسل فلا علاقة له بتخفيف طاقة العمل أو تخفيض ساعاته، وإنما هو آفة تصيب الإنسان وتؤثر سلبًا في العمل وإنتاجيته، والدعوة إلى تقليل ساعات العمل لا يناسبها مدح الكسل، بل يناسبها مدح ما هو مضاد للكسل. ومن وجه آخر، لا أدري لماذا غاب عن رسل الاقتراب أو الالتفات إلى عمل سابق عليه هو في صميم موضوعه، ونعني به كتاب «الحق في الكسل» للكاتب والناقد والطبيب الفرنسي بول لافارج (1842- 1911م)، الصادر سنة 1880م، الذي قد يكون أول عمل يحمل هذا العنوان في تاريخ الأدب الإنساني الحديث. لا أعلم إن كان «رسل» ملتفتًا لهذا الكتاب وتغافل عنه قاصدًا، أم إنه لم يكن على دراية به، لكن غيابه أحدث نقصًا مؤثرًا من جهة انقطاع التراكم المعرفي، علما أن لافارج عرف بهذا الكتاب، كما عرف بوصفه زوجًا لابنة كارل ماركس فيلسوف الماركسية.

على خلاف هذا النسق من الأدب المادح للكسل، وبعيدًا من الجانب الرتيب في تناول هذا الموضوع، سنَلِجُ له من جهة علاقته بالفكر، فهناك كسل يتصل بالفكر والمجال الفكري، يجوز أن يصطلح عليه بالكسل الفكري، أي أن الفكر لم يسلم من هذا العارض، ولن يكون محصنًا منه، وسيظل حاضرًا في دائرته، مذكرًا بهذا النمط من الكسل، ومعرفًا به.

الفكر من خارجه

وعند النظر في هذا النمط من الكسل الفكري، يمكن الحديث عن جانبين: جانب عام يتصل بالفكر من خارجه، وجانب خاص يتصل بالفكر من داخله. الجانب العام يصدق على شريحة كبيرة من الناس الذين يعرفون بالنشاط في أعمالهم ووظائفهم وما يزاولونه من مناشط أخرى في حياتهم العامة، لكنهم لا يعرفون بهذا النشاط في علاقتهم بالفكر، ويصفون حالتهم في هذا الجانب بالكسل. فهناك أناس يتحملون النشاط اليدوي لساعات طويلة، ويصبرون على تعبه ومشقته، لكنهم لا يتحملون وقتًا قصيرًا في مطالعة كتاب، ولا يستطيعون إلزام أنفسهم بوقت يخصص للقراءة، فإنهم سرعان ما يشعرون بالملل الذي يصل حد الضيق، وهكذا الحال في بقية المناشط الأخرى التي لها علاقة بالفكر، فهؤلاء الناس لا يظهر عليهم الكسل إلا من جهة علاقتهم بالفكر، وهذا ما يعرفه هؤلاء عن أنفسهم، ومنهم من يجاهر بلا حرج بالحديث عنه أحيانًا.

أما الجانب الخاص الذي يتصل بالفكر من داخله، فيصدق على أولئك الذين يعرفون بأهل الفكر المشتغلين به كسبًا وعطاءً، فهؤلاء معرضون للإصابة بالكسل في علاقتهم بالفكر، وهناك العديد من الوقائع والحالات الدالة على مثل هذه الإصابات التي يعرفها المشتغلون بهذا الحقل إما عن أنفسهم وإما عن غيرهم، سواء من الحاضرين أو من السابقين، الموصوفة عندهم بالكسل الفكري أو غير الموصوفة، لكنها الدالة عليه فعلًا وحقيقةً.

وما نعنيه بالكسل الفكري لا يصدق على الحالات الطارئة أو العارضة أو القصيرة الأجل، كالحالات التي تحصل في نطاق اليوم الواحد، أو التي تمتد لأيام عدة أو لمدة وجيزة ثم ترتفع، فهذه الحالات حصلت وتحصل للجميع تقريبًا، وما من أحد على ما أظن إلا وشعر بمثل هذه الحالات، وهناك من تحدث عنها بلسان لقد أصابني الكسل في هذا اليوم أو في هذه الأيام أو خلال هذه المدة الوجيزة، ويجري الحديث عنها بوصفها تمثل كسلًا طارئًا أو عارضًا أو قصيرًا.

وإنما يصدق الكسل الفكري حين يستمر مدة لا تعد قصيرة، ويحصل التكيف معه، والتطبع به، بشكل يترك تأثيرًا واضحًا، ويكون الحال مفارقًا بين ما قبل الكسل وما بعده، ويظهر متجليًا في تراجع وتيرة النشاط وانخفاض فاعليته وإنتاجيته، التراجع الذي يحصل بصورة تدريجية وبطيئة، قد لا تكون محسوسة، إلى أن تصل لحدّ وتستمر بهذا الحال، وتنكشف موصوفة بالكسل الفكري.

صور وتجليات

والكسل الفكري له صور وتجليات عدة، من هذه الصور حالة الاعتياد على المطالعات الفكرية السهلة التي لا تستوجب جهدًا ذهنيًّا، ولا تستلزم صبرًا فكريًّا، ولا يترتب عليها تعب علمي، فهناك أناس ينتمون إلى الوسط الفكري لا طاقة لهم على تحمل مطالعة المؤلفات الجادة والصعبة، ويتهربون منها تهربًا من بذل مزيد من الجهد، بدلًا من الصبر عليها وتحمل المشقة الذهنية طلبًا للفهم، واجتهادًا في تحصيل المعرفة.

ومن هذه الصور أيضًا، ما يحصل أحيانًا من أشخاص ينغمسون في المطالعة، ويبذلون جهدًا واضحًا، ويستغرقون وقتًا طويلًا، ويعرفون بالنشاط في هذا الجانب، لكن ما إن يقتربون من الكتابة والتأليف حتى تتغير حالهم، ويأفل نشاطهم، وتتراخى عزيمتهم، وكأن لا طاقة لهم على تحمل وضعية الكتابة التي بحاجة إلى صبر وتحمل يفوق ما يحصل مع وضعية المطالعة.

وهذا الكسل يمكن وصفه بالكسل الجزئي؛ لأنه يتعلق بجانب ويرتفع في جانب آخر، يتعلق بجانب الكتابة، ويرتفع في جانب المطالعة، وطالما تعجبت من أشخاص يطالعون كثيرًا ولا يكتبون إلا نادرًا، كما تعجبت من أشخاص ينتمون إلى السلك الفكري والعلمي ولا سيرة لهم في الكتابة، ولا إرث لهم في التأليف والنشر، أليس من الكسل أن يكون الشخص عالمًا أو أديبًا لكن من دون أثر علمي أو أدبي مدوَّن يُعرَف به.

ومن هذه الصور كذلك، ما يتعلق بالابتكار الفكري، فلا ينبغي للمشتغلين بالفكر والثقافة والأدب أن يمضوا عمرًا طويلًا في هذا الاشتغال مطالعةً وبحثًا وتنقيبًا وتحقيقًا، من دون التوصل إلى ابتكارات على مستوى المفاهيم والأفكار والمصطلحات والنظريات والمناهج، ابتكارات تُسجَّل لهم، وتكشف عن تميزهم، وتبرهن على اجتهادهم، فالابتكار بحاجة إلى اجتهاد، وأما الكسل فلا ينتج ابتكارًا، كما أن الكسل لا يبني عالمًا كبيرًا، ولا مفكرًا بارزًا، ولا أديبًا بارعًا، ولا كاتبًا موهوبًا، ولا فيلسوفًا عظيمًا.

مستقبل الثقافة في السعودية

مستقبل الثقافة في السعودية

يعد كتاب الدكتور طه حسين (1306- 1393هـ/ 1889- 1973م) «مستقبل الثقافة في مصر» الصادر سنة 1938م، أول كتاب في الأدب العربي الحديث يتحدث بشكل مستفيض عن مستقبل الثقافة، ويقرن ما بين الثقافة والمستقبل، ويضع الثقافة في صلب الحديث عن المستقبل، ويلفت الانتباه إلى أثر الثقافة في مستقبليات الدول والمجتمعات، وأن لا مستقبل ولا مستقبليات من دون الثقافة، مؤكدًا منظورًا حيويًّا يمكن تسميته المنظور الثقافي المستقبلي. كان المفترض من هذا الكتاب أن يأخذ في وقته صفة البيان الثقافي، ويكون دافعًا لتكوين وعي جديد في البلاد العربية نحو الالتفات لمسألة العلاقة بين الثقافة والمستقبل، وعيًا يجعل الحديث عن مستقبل الثقافة يجوب هذه البلاد وينتعش فيها، متجلّيًا في الحديث تارة عن مستقبل الثقافة في العراق، وتارة في الحديث عن مستقبل الثقافة في المغرب، وتارة في الحديث عن مستقبل الثقافة في السودان، وهكذا في باقي الدول والمجتمعات العربية الأخرى، لكن هذا لم يحدث!

لم يحدث هذا الأمر أو هذا التطور الثقافي المفترض، نتيجة ما حصل لكتاب طه حسين من التباسات واعتراضات حادة أدت إلى تعثر مهمته أو فشلها في موطنه، فحجبت إشعاعه عن أن يمتد ويصل إلى الدول والمجتمعات العربية الأخرى. الفشل الذي شعر به طه حسين متأسفًا، حين رأى بنفسه طريقة الاستجابة الملتبسة لرؤيته أو خطته في النهوض الثقافي لبلده، فقرر إيقاف طباعة الكتاب مرة أخرى، راغبًا في مراجعته وإعادة النظر فيه، فعد من مؤلفاته التي لم تطبع مرة ثانية في حياته، وبقي الكتاب على حاله من دون مراجعة ولا تغيير. ومن بعد هذا الكتاب لم تظهر تجربة مماثلة في مكان آخر، تتخطى محاولة الدكتور طه حسين أو تتواصل معها، وتجدد الحديث بسياقات ونظرات مختلفة حول مستقبل الثقافة في المجال العربي العام أو المجال الوطني الخاص.

وكنا بحاجة ماسة لمثل هذه المحاولات على الصعيدين العربي والوطني، وبخاصة بعدما انبثقت عندنا التجربة الأولى، وكان من الممكن أن يتبلور معها مسار يكون منتظمًا من جهة، وممتدًّا من جهة أخرى، مسار يتصل بالحديث عن مستقبل الثقافة في الأوطان العربية كافة، وهذا ما لم يحدث لأننا لم نعطِ محاولة طه حسين صفةَ انبثاق التجربة الأولى، ولم نتعامل معها كونها مثلت مسارًا كان علينا الانخراط فيه والانتظام. وإذا اعتبرنا أن هذه المحاولة قد تعثرت أو فشلت في عصرها وفي موطنها، فهذا لا يعني على الإطلاق الانقطاع عنها ومحوها ونسيانها، وعدم الاستلهام منها، حتى مع الاختلاف معها من جهة النظرات والتحليلات والمرجعيات جزئيًّا أو كليًّا، وذلك لكونها المحاولة التي لم تنسخها محاولة أخرى لا في موطنها مصر، ولا في باقي البلاد العربية الأخرى. لهذا ستظل هذه المحاولة حاضرة في دائرة الاهتمام والإلهام، لا أقل في أفقها العام الذي يتصل بتأكيد العلاقة بين الثقافة والمستقبل.

وفي نطاق هذا الاستلهام نتساءل في مجالنا الوطني: ماذا عن مستقبل الثقافة في السعودية؟ ومتى نكتب عملًا يستشرف لنا هذا الأفق؟ عملًا نريد منه أن يحمل صفة الكتاب المرجعي، أو صفة الكتاب الرائد، أو صفة الكتاب الملهم، أو غير ذلك من الصفات العالية والمميزة، بحيث يرسم لنا خطة، ويكتشف لنا أفقًا، ويفتح نقاشًا يكون واسعًا وممتدًّا حول مستقبل الثقافة في السعودية، وما يتفرغ منه في الحديث عن مستقبلنا الثقافي ومنظورنا الثقافي المستقبلي. يتأكد هذا الأمر من ناحية الزمن، مع وجود أول وزارة في تاريخ السعودية تعنى بالثقافة متفردة بهذا الشأن، ومع وجود هيئة عامة للثقافة، وفي ظل مشروع الرؤية السعودية التي تتخذ من المستقبل الطموح وجهة لها. إسهامًا في بلورة الرؤى والتصورات، وتفاعلًا مع النقاشات السائدة حول هذا الشأن الثقافي، أتقدم بهذه الملاحظات الآتية:

أولًا- في البحث عن صورتنا الثقافية

عندما نريد أن نبحث عن صورتنا السياسية نحن كدولة ومجتمع، الصورة التي تميزنا بقدر ما عن باقي الدول والأمم الأخرى، أو تعرفنا عند هذه الدول والأمم، أو التي تعطينا قدرًا من الفرادة أو الاختلاف عن غيرنا، فإن من السهولة التعرف على هذه الصورة في المجال السياسي، حيث تكشف عنها مجموع السياسات القائمة والمتراكمة منذ ما يزيد على سبعة عقود، كما تكشف عنها كذلك، مجموع المواقف السياسية المتحركة والمتفاعلة مع الأحداث الجارية، وطبيعة العلاقات السياسية مع الدول والمؤسسات. وعندما نتحدث عن صورتنا الاقتصادية، فإن من السهولة كذلك، اكتشاف هذه الصورة، والتعرف عليها، وعلى ملامحها ومعالمها ومكوناتها؛ لكونها صورة ظاهرة ومتجلية لنا، وإلى العالم الذي نتفاعل معه ويتفاعل معنا.

ويكشف عن هذه الصورة مجموع النشاطات والخطط والعلاقات والإستراتيجيات ذات الطابع الاقتصادي، فالجميع يعلم أننا دولة نفطية مؤثرة في اقتصاديات العالم، ولدينا مخزون نفطي كبير، الوضع الذي فرض على الجميع في أن يتعرفوا على صورتنا الاقتصادية. وهكذا عندما نتحدث عن صورتنا الدينية، فإن هذه الصورة تكشف عن نفسها من خلال مجموع النشاطات والمؤسسات والعلاقات ذات الطابع الديني، وبحكم التفاعل والتواصل النشط والواسع مع العالم الإسلامي، ومع جميع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، الذين يأتون سنويًّا إلى الحج من كل فج عميق.

لكن عندما نتحدث عن صورتنا الثقافية، ونحاول أن نتعرف على هذه الصورة في أبعادها وملامحها، حدها ورسمها، فإن الوضع في هذه الحالة سوف يختلف. لا أعلم حقيقة طبيعة رؤية الآخرين لهذه الصورة وكيف يفهمونها؟ وأين يتفقون فيها؟ وأين يختلفون؟ وما درجة الوضوح عندهم في تشخيص هذه الصورة وتحديدها؟ وما درجة الغموض عندهم أيضا؟ لكن الذي أراه من دون أن أكون قاطعًا، ولست راغبًا في القطع أو الجزم، أن هذه الصورة ليست بذلك الوضوح، وأظن أنها ليس واضحة عند الكثيرين كذلك، أو لا أقل أحتمل أن هناك من يشاطرني ويوافقني على مثل هذا الرأي. أقول هذا الكلام والثقافة هي أقرب المجالات إلى نفسي، وهي الحقل الذي أوليه كل اهتمامي، مع ذلك عندما أحاول البحث عن صورتنا الثقافية أجد صعوبة في تحديد وتشخيص هذه الصورة.

يجب أن نعلم ابتداء أن الثقافة هي المجال الذي لا ينبغي التستر عليه، أو كتمان الحق فيه، فالثقافة من طبيعتها الشفافية، وهكذا ينبغي أن ننظر إليها، فما الذي جعل هذه الصورة الثقافية ليست بذلك الوضوح، أو الاكتمال؟ هل لأن الثقافة كانت إلى عهد قريب لا يجمعها جامع، ولا يربطها رابط، باعتبار أنها كانت موزعة ومتفرقة بين الأجهزة والمؤسسات والوزارات، قبل أن تجتمع عند جهة محددة هي وزارة الثقافة؟ أم لأن مجموع النشاطات ذات الطابع الثقافي لم يكن بالقدر الكافي الذي يكون بإمكانه بلورة صورة ثقافية ناضجة ومحددة الملامح؟ أم أن هذه النشاطات أقل بكثير مقارنة بمجموع النشاطات المرتبطة بالمجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والدينية؟ أم لأنه لم تكن لنا سياسة وإستراتيجية واضحة ومحددة في مجال الثقافة، على صورة الإستراتيجية التي أقرها مؤتمر المثقفين السعوديين الأول؟ أم لأن الصورة الدينية غطت على الصورة الثقافية، أو أننا اكتفينا بالصورة الدينية، أو أننا لم نرد مزاحمة الثقافة للصورة الدينية؟ سواء اتفقنا أو اختلفنا على هذه التصورات والتحليلات، مع ذلك يبقى أننا بحاجة لأن نسهم في بلورة وصياغة صورتنا الثقافية، الصورة التي يرى الجميع نفسه فيها، وبكل ألوان الطيف لتكتسب جمالية ألوان الطيف، وأن تكون معبرة عن جميع مكونات النسيج المجتمعي السعودي، وعندئذ ستكون هذه هي صورتنا الثقافية، وهذا هو مصدر الثراء والتخلق في كل صورة ثقافية! ويبقى السؤال مفتوحًا في البحث عن صورتنا الثقافية، فما هذه الصورة؟

من معرض الرياض الدولي للكتاب

ثانيًا- ما سؤالنا الثقافي؟

لعل أهم سؤال يمكن أن نطرحه على أنفسنا في مجالنا الثقافي هو: ما سؤالنا الثقافي؟ لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى عصف ذهني، ومزيد من إعمال الفكر، وتكثيف التأمل والنظر، فهو السؤال الذي يبلور وجهة الثقافة، ويصيغ روحها العامة، ويحدد لنا ماذا نريد منها، وكيف ترتبط الثقافة بحاجاتنا الملحّة الراهنة والمستقبلية، وهي الحاجات التي يفترض أن تنتهي في حركتها إلى ما يخدم ويعزز التقدم العام والتطور الشامل. كما أن هذا السؤال، هو بمثابة اكتشاف بوصلة الثقافة، وهل يمكن للثقافة أن تكون بلا بوصلة ترسم لها الطريق، وتبلور لها المسارات والاتجاهات. والثقافة بلا سؤال ثقافي، هي ثقافة بلا وعي وبلا بصيرة بذاتها ووجودها، بحركتها وفاعليتها، بحاضرها ومستقبلها. وفي مثل هذه الحالة تصبح الثقافة مشتتة، ومعرضة للتفتت والانقسام، وقد تتنازعها الرغبات والأهواء من كل جانب. وهذا يعني أن البحث عن سؤالنا الثقافي، هو بحث عن جوهر الثقافة وعمقها، وهو من جهة أخرى بحث عن الجانب الوظيفي في الثقافة، بمعنى أنه السؤال الذي يحدد للثقافة وظيفتها، ولكن ليس أي وظيفة، وإنما الوظيفة الواعية والكبيرة التي تتصل بالمتطلبات الفعلية في نطاق علاقة الثقافة بالمجتمع.

والسؤال اللافت والمحير هو: كيف يغيب عنا مثل هذا السؤال؟ أو لا يتجدد طرحه باستمرار؟ مع أنه السؤال الذي يفترض ألّا يغيب عنا؛ لأن الإجابة عليه أو الاقتراب من هذه الإجابة، ليس فقط لا تتوقف على مجرد إبداع هذا السؤال واكتشافه، وإنما على طرحه المتكرر، وكثرة النظر فيه؛ لأنه ليس من نمط الأسئلة البسيطة أو السهلة أو العادية، بل هو سؤال الأسئلة في الثقافة، وسؤالها الحيوي، ويفترض أن يمثل محور النقاشات فيها. متى ما غاب هذا السؤال، غابت معه تجليات الثقافة، وتجليات الفعل والحضور، وكيف للثقافة أن تتطور من دون سؤال ثقافي يحدد لها عنصر الفعل والحركة، ويحدد لها أيضًا، عنصر الدور والوظيفة، ويربطها بقضية تتصل بها وتتفاعل معها. يضاف إلى ذلك أن السؤال الثقافي، هو الذي يشكل طبيعة العلاقة بين الثقافة والمجتمع، فكل مجتمع يفرض سؤاله الثقافي بحسب طبيعة مكوناته، وكيف ينظر هو إلى ذاته، وكيف يفكر في مستقبله، وحاجته للتطور والتقدم. من هنا يختلف السؤال الثقافي من مجتمع إلى آخر، فالسؤال الثقافي في مصر مثلًا، يختلف بطبيعة الحال عن السؤال الثقافي في لبنان، وكذا عن السؤال الثقافي في السودان، وهكذا الحال عن السؤال الثقافي في مجتمعنا. كما أن هذا السؤال الثقافي، يتغير ويتجدد في داخل المجتمع الواحد بحسب المراحل والأطوار التاريخية والفكرية التي يمر بها كل مجتمع. لكن هذا التغير والتجدد في السؤال الثقافي لا يكون سريعًا أو فوريًّا، ولا يكون عفويًّا أو طارئًا، وإنما يحصل بقصد ووعي، ويحدث نتيجة محصلة تراكم الوعي، وتطور التجربة والخبرة الفكرية والتاريخية. فما سؤالنا الثقافي في حاضرنا الراهن؟

ثالثًا- ماذا عن واقع البحث الأدبي والفكري؟

يصلح هذا السؤال أن يكون مدخلًا لتكوين نظرة نقدية وتقويمية لعموم البحث الأدبي والفكري عندنا، ومعرفة طبيعة حركته ومسلكياته، والكشف فيما إذا كان هذا الحقل، مواكبًا لمثيله في العالم العربي؟ أم متأخرًا عنه؟ أم متقدمًا عليه؟ وما هي العلل والأسباب في جميع هذه الحالات؟ وإذا أردنا أن نقرر رؤية محددة، يمكن القول: إن هناك تقدمًا في البحث الأدبي والفكري على مستوى الأشخاص، وتأخرًا على مستوى المؤسسات، فليست عندنا جامعة بنشاط جامعة محمد الخامس في المغرب الفاعلة بقوة في إنماء وتطوير ونهضة الحياة الأدبية والفكرية والفلسفية هناك، وليس عندنا مؤسسة بنشاط المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وليس عندنا برنامج كبرنامج «القراءة للجميع» و«مكتبة الأسرة» في مصر، أو مشروع كالمشروع القومي للترجمة في مصر. هذه بعض اللمحات التي أردت منها أن تفتح نقاشات لا أن تقدم إجابات حول مستقبل الثقافة في مجالنا السعودي.