المسلمون في الحياة اليومية الجدل حول الإسلام في أوربا

المسلمون في الحياة اليومية الجدل حول الإسلام في أوربا

وجهت عالمة الاجتماع الفرنسية من أصل تركي نيلوفر غول اهتمامها، في الكتاب الذي أصدرته حديثًا وعنوانه «المسلمون في الحياة اليومية: بحث ميداني أوربي عن الجدل حول الإسلام» ( صادر عن La Découverte) لرصد المعيش اليومي للمسلمين في مختلف البلدان الأوربية من زاوية الجدالات التي يثيرها الإسلام بين الحين والآخر. باستثناء الفصل الأول الذي تناولت فيه المؤلفة الأدبيات السوسيولوجية المرتبطة بالعداء للإسلام في أوربا، فإن بقية فصول الكتاب خصصت بالكامل لعرض نتائج بحث ميداني دارت أطواره في بلدان أوربية مختلفة، بهدف قياس حجم ردود الأفعال عن الجدالات القائمة حول الإسلام: الصلاة في الشارع العام، وصوامع المساجد، والرسوم الساخرة من شخصية الرسول، ومسألة الحجاب، والتمسك بتعاليم الشريعة الإسلامية.

تقوم المنهجية المتبعة في البحث على توجيه أسئلة للمسلمين ولغير المسلمين في أماكن كانت مسرحًا لمواجهات مرتبطة بحضور الإسلام في أوربا. بدلًا من إعادة إنتاج الخطاب السياسي والإعلامي الرائج، فضلت نيلوفر غول توجيه اهتمامها لإبراز صورة المسلمين في معيشهم اليومي كما يرسمونها هم أنفسهم عبر آرائهم ومواقفهم، وفتح المجال لسماع أصوات أناس ليس لهم اهتمام بالإسلام لكنهم يرون أنفسهم معنيين بالجدل القائم حوله، ويرغبون في التعبير عن رأيهم فيه، وكذلك تمكين أولئك الذين يشعرون بأن أصواتهم غير مسموعة من الإفصاح عما لديهم من آراء وأفكار.

فصول الكتاب التي خصص كل واحد منها لمعالجة أحد أنواع الجدل التي عرفتها الفضاءات العمومية الأوربية، سمحت بإبراز أهمية هذه المنهجية وملاءمتها لموضوعها بتوفيرها المجال للتركيز على التعرية الضرورية للواقع التي تأتي بها النظرة السوسيولوجية. بعد تناول معنى ظاهرة دينية مرتبطة بالإسلام، تعمد نيلوفر غول إلى وصف الحدث العمومي الذي قاد إلى جدل محلي أو وطني مهم، ثم تقوم بحصر التصورات الخاصة والعامة التي وردت عند المستجوبين. إذا اتخذنا صلاة الجماعة التي تتناولها الكاتبة في الفصل الثالث مثالًا على ذلك، يمكن القول بأن الصلاة في الإسلام تمارس في أي مكان، على انفراد أو جماعة، باستثناء صلاة الجمعة التي يشترط فيها أن تقام بشكل جماعي. هذه الصورة الجماعية للصلاة هي التي تركز عليها وسائل الإعلام الأوربية، وتستغلها أحزاب اليمين المتطرف كدليل على تعارض الإسلام مع القيم الغربية القائمة على الفردانية. إذا كانت صورة الصلاة الجماعية هذه، قد شكلت أكثر من مرة موضوع مشادات في ألمانيا وفي فرنسا خلال العشرية الأولى من الألفية، فقد أثارت جدلًا واسعًا كذلك في إيطاليا، سنة 2009م. عند انتهاء أطوار مظاهرة لدعم الفلسطينيين في غزة بمدينة بولونيا، قرر بعض المتظاهرين إقامة صلاة الجماعة في عين المكان، أي في الشارع العام، على مرمى حجر من كاتدرائية القديس بيترونيو. في الأيام اللاحقة عبر بعض السياسيين ومواطني المدينة عن غضبهم بسبب ما عدوه انتهاكًا لفضاء مسيحي خالص، وتعبيرًا عن إرادة سياسية لأسلمة القارة الأوربية.

دينامية الفضاء العمومي

ستة أشهر بعد حصول هذه الأحداث، قصدت نيلوفر غول مدينة بولونيا لمعاينة ما إذا كانت دينامية الفضاء العمومي تعكس الحقيقة الاجتماعية. شكلت هذه المبادرة المحاولة الأولى في فضاء عمومي تجريبي. شارك في النقاش أحد عشر شخصًا: ثلاث فتيات من الجالية المسلمة، ورجلان مسلمان اعتنقا الإسلام حديثًا، وثلاثة ناخبين من الحزب اليميني المتطرف، رابطة الشمال، ثم ثلاثة من سكان بولونيا. سمحت النقاشات باستخلاص دروس مختلفة توزعت على مختلف فصول الكتاب. عبر المسلمون الحاضرون عن مواقف مختلفة عن بعضها، وهي إشارة واضحة إلى أن الممارسة الدينية تختلف باختلاف المعيش الفردي، كما كانت وجهات نظرهم متباينة بخصوص إقامة صلاة الجماعة في الشارع العام. الشيء نفسه تكرر عندما تعلق الأمر بمواجهة الاعتداءات اللفظية لناخبي رابطة الشمال؛ إذ فضلوا التزام الهدوء وتلافي المواجهة. خلافًا للتصورات التي يروج لها الإعلام، فإن المسلمين في أوربا، لا يشكلون جماعة تشتغل وفق منهجية معينة، ولا هم ملتفون على رأي واحد، ولا تنطبق عليهم صورة الجماعة العدوانية والشرسة التي تروج لها بعض الأطراف.

لحظت المؤلفة خلال الجلسات أن بعض المشاركين يلتزمون الصمت في أثناء النقاش، وهو ما يفتح المجال واسعًا أمام أعضاء رابطة الشمال للترويج لخطابهم القائم على كراهية الإسلام والمسلمين، وهي الصورة التي تهيمن بصفة عامة على الميدان الإعلامي. أخيرًا، يتسم خطاب المنتمين لرابطة الشمال بنبرة تروم التهجم على المسلمين الحاضرين، كما أنهم يكثرون من التعليقات المجانبة للصواب، ويقطعون كلام المشاركين الآخرين، ويعاكسونهم بحيث يمنعونهم من التعبير عن آرائهم بشكل ملائم. ترى المؤلفة في هذا السلوك تجسيدًا لإستراتيجية الأحزاب اليمينية المتطرفة الجديدة المتمثلة في العمل على ملء الفضاء العمومي، ومنع الآخرين من ولوجه، ولو أدى ذلك إلى التهجم والاعتداء الجسدي والقدح في حق من يرون أنهم أجانب، ويسعون لكي يظلوا كذلك. بالتالي، إذا كان المسلمون يتعرضون لهجمات متكررة مع ارتفاع في حدتها، فلأنهم صاروا اليوم مرئيين أكثر بالنظر لعددهم، بالإضافة إلى جيل جديد حامل لجنسية بلد الإقامة، ولأنهم باتوا يحتلون فضاءات عمومية، ومواقع اجتماعية لها مكانتها، وطوروا قدراتهم على استعمال الوسائل المشروعة لإسماع صوتهم والتعبير عن مطالبهم. بعبارة أخرى، إذا كان المسلمون اليوم يتهمون بعدم قدرتهم على الاندماج، فذلك لأنهم بالضبط مندمجون تمامًا في مجتمعاتهم.

أخيرًا، الجانب الأكثر إثارة للجدل في الكتاب يتمثل في العينات المستجوبة، وفي طرائق انتقائها؛ فالكتاب يهدف إلى رصد التصورات الاجتماعية للمسلمين حول ديانتهم، والرابط الذي يربطهم بالحياة في المجتمعات الأوربية، وهي تصورات اختارت الجدالات العامة مدخلًا لتناولها. بالتالي، فإن المنهجية المتبعة قامت على مقابلات عقدت مع عدد محدود نسبيًّا من الأفراد. جرى الاتصال بهؤلاء غالبًا في أعقاب جدالات عامة، أو من خلال النسيج الجمعوي. عندما ننظر إلى خصائصهم الاجتماعية نجد أن أعمارهم تُراوِح بين 19 و45 سنة، ويمارسون المهن التالية: صناع تقليديون – تجار – أرباب مقاولات – أطر – مهن فكرية عالية – لكن لا يوجد بينهم عمال أو مستخدمون، علمًا بأن هذه الشرائح تشكل نسبة كبيرة من الساكنة النشيطة. المسلمون المستجوبون هم مسلمون لكن ليسوا عاديين بالشكل المعلن عنه، ولا يمثلون مختلف شرائح الساكنة الإسلامية الأوربية.