ارتياح السید برحیل الشیخ لن یستمر طویلًا

ارتياح السید برحیل الشیخ لن یستمر طویلًا

لقد كان الشاعر الإيراني الكبير «خاقاني شرواني» صاحب قصيدة «مدائن» الحماسية الوطنية «520-595هـ» من أقرب أصدقاء جمال الدين عبدالرزاق الشاعر والكاتب المعروف في عصره، وعلى رغم وجود نوع من التنافس بين الرجلين وهما شاعران محظوظان بلطف وعناية شروان شاه ملك أذربيجان، غير أن كمال الدين عبدالرزاق أنشد قصيدة حزينة حين وفاة خاقاني التي بعد مرور أکثر من ثمانیة قرون علی ولادتها، لا تزال حیة في عواطف الإیرانیین بل جمیع الناطقین باللغة الفارسية، ونقرأ بمطلع القصيدة: «كنت أقول دائمًا: إن خاقاني سوف يردد هيهات هيهات، برحيلي/ وما كنت أتصور بأنني سوف أرثيه».

حینما وقف آیة الله علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية أمام نعش صديق عمره هاشمي رفسنجاني، كنا نتوقع بأن يذكره رحيل من وضع تاج ولایة الفقیه علی رأسه، بقصیدة جمال الدین إسماعیل في رثاء خاقاني، ولكنه استفاد من فرصته الأخيرة للنيل من مكانة رفسنجاني. وربما ساد شعور بالانتصار قلب خامنئي ورأسه بسماعه خبر وفاة هاشمي رفسنجاني، ولولا ذلك ما كان العمید قاسمي من قادة الحرس القريبين منه قادرًا على أن يذكر هاشمي رفسنجاني بأقبح العبارات وأكثرها قذارة بعد رحيله، لقد جعل قاسمي هاشمي رفسنجاني رأس الفتنة ومخطط المؤامرة الكبرى ضد النظام «انتفاضة الخضراء في عام 2009م». خطاب المرشد بعد أسبوعين من رحيل رفسنجاني الذي أشار خلاله إلى فتنة أكبر، وتحول «شخص من مناصري الثورة، بل من قادتها إلی منافق في خدمة الأعداء والقوى المناهضة للثورة»، كان بلا أدنى شك، تأكيدًا على حقد المرشد لرفسنجاني، وعدم تمكنه من ضبط أعصابه إزاء تقدير الشعب لرفسنجاني ومواقفه في العقد الأخير من حياته، وذلك خلال مراسيم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير داخل حرم الخميني.

المرشد یقلل من شأن الشیخ

لقد نعی خامنئي هاشمي رفسنجاني في بيانه بلقب «حجة الإسلام» وليس «آية الله» ما أدى إلى سحب لقب آية الله عن هاشمي رفسنجاني من قبل رجاله وقادة حرسه على رغم أنهم ذكروا اللقب في عبارات المواساة والعزاء بعد رحيل الرجل مباشرة، كما أن المرشد حذف عبارة «اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرًا وأنت أعلم به منا» من صلاته على جثمان رفسنجاني على رغم ترديده هذه العبارة في الصلاة علی جثمان مهدوي کني رئيس مجلس الخبراء الراحل وبقية رجال النظام عند وفاتهم. ومن ثم شهدنا من أعلام النظام تضخيمًا غير عادي في تغطية حادث حريق مبنى بلاسكو بطهران لأكثر من أسبوعين، وتخصیص صفحات عدة في الصحف والمواقع الإلكترونية للنقاش حول أسباب الحادث ومن المسؤول، من دون الإشارة إلى أن مالك المبنى حبيب إلقانيان أعدم في بداية الثورة ومالكه الحالي «مؤسسة المستضعفين» تجاهلت طوال السنين الماضية تحذيرات بلدية طهران ورجال الأعمال والعاملين بالمبنى ووكيل العقارات من خلو المبنى من أبسط أجهزة إطفاء الحريق و…. بقصة مبنی بلاسکو المدمر، استطاع النظام وضع حد للسؤال المطروح منذ الساعات الأولى لإعلان نبأ وفاة رفسنجاني، «هل اغتيل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مات في ظروف طبيعية؟».

إلى ذلك فإن أجهزة دعاية خامنئي حاولت أيضًا استغلال الصداقة التي كانت تربط هاشمي رفسنجاني والقيادات السعودية لتخفيف شأنه «لمدة أسبوعين لعبت أجهزة دعاية الولي الفقيه التابعة للحرس على أوتار الكذب والنفاق بادعائها أن السعودية لم تشارك في عزاء آل رفسنجاني ولو ببرقية موجزة، وبعد نشر خبر رسالة العاهل السعودي وولي عهده وولي ولي عهده إلى أسرة رفسنجاني من إحدى القنوات التلفزيونية الفارسية الفضائية من خارج البلاد، نشرت وكالتا تسنيم ورجا نيوز الخبر بشكل غير دقيق ومحرف، مضمونه أن رسائل التعزية وصلت إلى أسرة رفسنجاني بعد أسبوعين من وفاته، ما دفع الفضائية الفارسية السابق ذكرها لبث إيضاحات  نقلًا عن شقيق رفسنجاني محمد هاشمي، مضمونها أن برقيات المواساة من الأسرة الملكية وصلتنا بعد ثلاثة أيام وليس أسبوعين كما زعمت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.

مشاعر المرشد بالأمس واليوم وغدًا 

هاشمي رفسنجاني

هاشمي رفسنجاني

عودة إلى موضوع خامنئي ومشاعره، فإنه بدأ يشعر حسب مصادرنا بعزلة بالغة، عن الشعب أولًا، ومن ثم عن قطاعات كبيرة من رجال الحكم والحوزة والإصلاحيين والمحافظين القدامى الذين أزعجتهم سلوكيات خامنئي وزمرته حيال الرجل الذي أوصله إلى كرسي القيادة، بل أجلسه فوقه بخطاب مفصل، والذي تضمن نقل روایات مفبركة عن الخميني حول خامنئي في جلسة اختيار المرشد الجدید بمجلس الخبراء بعد یوم من وفاة الخميني. وبعد غياب رفسنجاني ببضعة أيام، بعث الأستاذ سيد حسين ميردامادي خال خامنئي برسالة إليه عاتب خلالها ابن شقيقته بسبب «تحوله إلى طاغوت مليء بالحقد حيال» قائد شريف وبارز مثل المرحوم هاشمي رفسنجاني، حسبما جاء في رسالته. وطالب میردامادي نجل شقيقته «أن يغير سلوكه وخطابه وممارساته في المدة الوجيزة المتاحة له قبل أن يدعوه الله إلى حيث لن تساعده مخابراته ولا حرسه وأجهزة قمعه؛ بل سيواجه الحي القيوم القادر المتعال، البصير والعليم بأسرار سيد علي آغا مهما كان لقبه.

لقد أظهر غياب رفسنجاني عورة ولاية الفقيه، ومن كانوا يعدون سيد علي آغا نائبًا للمهدي المنتظر بقلب مليء بالحب والمعرفة الإلهية، اكتشفوا وجهه الحقيقي خلال بضعة أيام. والرجل الذي يدعي أنه كان صديقًا لهاشمي رفسنجاني 59 عامًا، يقلل من شأنه وتخفض مرتبته الدينية يوم رحيله من آية الله إلى حجة الإسلام. بل في الصلاة على جثمانه، يقرر إلغاء الدعاء الواجب في الآداب الدينية عند إقامة صلاة الميت: «اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرًا وأنت أعلم به منا». وهل يمكن أن يكون هذا الرجل صديقًا لهاشمي رفسنجاني؟

بضعة أسابيع مضت على تشييع جثمان هاشمي رفسنجاني، وفيما تزيد كل يوم مكانته عند المواطنين، يخسر المرشد ما بقي من رصيده ساعة بساعة. ويبدو أن المواطن الإيراني لم يعد يتذكر، سنوات سطوة رفسنجاني وتلك الأيام التي كان الشيخ الرئيس الحاكم الحقيقي للبلاد، أيام الاغتيالات السياسية التي شملت عددًا من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية داخل إيران وفي الخارج، نسي الناس ذلك وأبدوا تقديرهم وإشادتهم برفسنجاني معمار الإصلاحات والانفتاح. وبالنسبة للمرشد، الذي لا يخفي كرهه ونفوره للرئيس محمد خاتمي بسبب الشعبية المثيرة التي كان ولا يزال يحظى بها وسمعته الطيبة ومكانته العالمية، فإنه بدلًا من أن يسمع توصيات رفسنجاني وخاتمي برفع علم الإصلاح بيده ويصبح قائدًا ورمزًا للإصلاحات والانفتاح والتقدم، حاول بكل قواه وبشتى الطرق والوسائل، إفشال مشروع خاتمي الإصلاحي، وتشويه وجهه أمام الرأي العام، غير أن خاتمي ازداد شعبية کلما تعرض لهجوم من المرشد وزمرته. واليوم تتكرر تجربة خاتمي، هذه المرة لزعيم ميت، ورفسنجاني في قبره، سيمثل خطرًا أکثر على ولاية الفقيه ومستقبلها، من اليوم الذي كان حيًّا يرزق، وخلال سنوات رئاسته بمجمع تشخيص مصلحة النظام كان همّ رفسنجاني الوحيد ضمان استمرارية النظام وصيانة مقام المرشد، بخطوات جريئة للمصالحة الوطنية، وإزالة العوائق في مسيرة التعايش السلمي مع الجيران أولًا، ومن ثم مع المجتمع الدولي.

مصادري في إيران متفقة جميعًا حول خسارة خامنئي الكبرى برحيل رفسنجاني، ولأكثر من بضعة أسابيع يبحث المرشد عن بدائل لرفسنجاني، لقد عين مستشاره الأعلى الدكتور علي أكبر ولايتي عضوًا في الهيئة التأسيسية للجامعة الحرة!! «وفقط في مملكة ولاية الفقيه يمكن تعيين عضو في الهيئة التأسيسية لجامعة ما، دون أن يكون لهذا الشخص أي علاقة سابقة بالجامعة المذكورة». ووسط شائعات حول تكليف آية الله موحدي كرماني عضو مجلس الخبراء بإدارة شؤون المجمع، شن أنصار أحمدي نجاد حملة دعائیة لمصلحته كأفضل مرشح لتولي رئاسة المجمع، أما روحاني فينظر إلى هذا المنصب على أنه منصب يستحق هو فقط أن يتولاه. بحيث سبق أن تولى كل من خامنئي ورفسنجاني رئاسة المجمع وهما رئيسا الجمهورية.

ورفسنجاني كان أيضًا المندوب الأول لأهالي العاصمة بمجلس الخبراء ويرغب روحاني أن يملأ كرسيه بالمجلس، هادي خامنئي «شقيق المرشد المؤيد للإصلاحات وصديق خاتمي وروحاني الحميم» أو حسن الخميني حفيد آية الله الخميني، أما خامنئي فينوي منح الشيخ محمد یزدي الذي خسر في الانتخابات الأخيرة لمجلس الخبراء، مكان رفسنجاني في مايو المقبل، تمهيدًا لانتخابه رئيسًا للمجلس. وجنتي الرئيس الحالي للمجلس شخص منبوذ حتى بين أتباع المرشد بمجلس الخبراء وليس مؤهلًا لإدارة المجلس يوم غياب خامنئي وانتخاب مرشحه سيد إبراهيم رئيسي مرشدًا ثالثًا للنظام، وأخذ الاعتراف من النواب لمجتبى خامنئي نائبًا لرئيسي ليتولى المنصب بعد رحيل رئيسي. «والمعروف أن سيد إبراهيم رئيسي أصدر أحكام الإعدام بحق 4500 شاب وشابة من أعضاء مجاهدي خلق والتنظيمات اليسارية والوطنية والليبرالية في عام 1988م، وقد وصفه المرجع الراحل آية الله حسين علي منتظري بلقب الجزار المعمم. يقول الدكتور محمود طهراني ابن شقيقة خامنئي «السيدة بدري» ونجل «الشيخ علي طهراني» رجل الدين المعارض للخميني: إن خاله المرشد، يعاني هذه الأيام آلامًا جسدية ونفسية شديدة، ويساوره خوف وقلق حول مستقبل النظام ومستقبل أسرته بعد وفاته ونقله من مجمع أذربیجان حيث يقيم، إلى المقبرة الفخمة التي يجري بناؤها له حاليًّا، بجوار حرم الإمام الرضا بمشهد، ليرقد في بيته الأبدي.

٭٭٭

ذهب رفسنجاني إلى حيث لا عودة، تاركًا صديق عمره بمفرده يواجه تحديات، كان باستطاعة شيخه الرئيس التصدي لها بحكمته. وما من شك في أن خامنئي سيردد قريبًا مطلع قصيدة عبدالرزاق إسماعيل في رثاء خاقاني.