زعماء البيت الأبيض .. لا أحد يستطيع العيش بلا كتاب – محمد حجيري

زعماء البيت الأبيض .. لا أحد يستطيع العيش بلا كتاب – محمد حجيري

تعدّ الكتب والقصائد من الأدوات الأكثر استخدامًا من قِبَل معظم الرؤساء الأميركيين، لإعطاء صورة فكرية وسياسية للشعب الأميركي، وكثيرًا ما كان اختيار بعض الرؤساء لكتب بعينها سببًا في ترويجها وانتشارها. ما يقرؤه الرؤساء لا يعطيهم استراحة من الملل الذي يشعرون به عند قراءة التقارير والبيانات وتوقيع القرارات فحسب حتى إطلاق المواقف. والكتاب والقصيدة ميديا يستطيع المرء من خلالهما معرفة توجهات الرئيس كيف يفكر وما هي وجهة نظره. وثمة الكثير من المقالات والكتب عن الرؤساء الأميركيين والقراءة، من بينها كتاب لهارولد إيفانز، يبين أن الميل إلى القراءة معيار نجاح أي رئيس، مستندًا إلى وقائع تثبت أن أنجح الرؤساء في الولايات المتحدة هم أولئك الذين يولون القراءة اهتمامًا كبيرًا، لكن هذا الاستنتاج ليس بالضرورة حقيقيًّا أو دقيقًا، فالقضية ليست في أن الرؤساء يقرؤون، بل أي كتب يقرؤون أو ماذا يقرؤون؟ والسؤال هل كل شيء يقرؤونه يعلنون عنه، هل يقرأ زعيم البيت الأبيض كتبًا شيوعية أو إسلامية، أم أن إدارته توجهه في القراءة…

ثيودور-روزفلت

ثيودور روزفلت

بالطبع هذه الأمور تبقى في دهاليز الاستخبارات الأميركية، المهم القول: إنه لم يمر عهد رئاسي في أميركا من دون أن تشتهر مجموعة من الكتب، وقصة البيت الأبيض مع الكتاب عمرها عقود، فإبراهام لينكولن تمكّن من الوصول إلى مجموعة محدودة من الكتب، ومنها: «حياة بارسون ويمز في واشنطن»، و«خرافات إيسوب»، و«روبنسون كروزو»، و«تقدُّم الحاجّ»، و«تاريخ الولايات المتحدة». أيضًا كان لينكولن يعشق الشعر، ومغرمًا بصفة خاصة بالشاعر الأسكتلندي روبرت بيرنز، ويحفظ الكثير من قصائده عن ظهر قلب. توماس جيفرسون كان يمتلك مكتبة شخصية تضم 6487 كتابًا، التي أصبحت الأساس لمكتبة الكونغرس. ودوّن جيفرسون ذات مرة: «لا أستطيع العيش من دون الكتب». وامتلك جون آدامز مكتبة تضم 3000 كتاب، واعترف ذات مرة لزوجته أبيجيل: «لقد كنت أحمقَ وأنفقت ثمن عقار في شراء الكتب». في عام 1816م، كتب آدامز يقول: إنه «لو كان لي أن أختار عبقريتي وظروفي، لاخترت أن أجعل من نفسي شاعرًا». لكنه اعترف أن شعره كان «ملعونًا بالبقاء في ربقة المستوى المتوسط». تيودور روزفلت، كان يتصفح الكثير من الكتب في يوم واحد، وكتب أكثر من اثني عشر عملًا في موضوعات تتنوع ما بين حرب 1812م والغرب الأميركي. ويقال: إنه لا أحد يجاري روزفلت في القراءة، فهو يقرأ كتابًا واحدًا في اليوم في حالة انشغاله القصوى، أما في أوقات الفراغ التي يتحرر فيها من العمل فإنه يستطيع الانتهاء من قراءة كتابين إلى ثلاثة كتب، وقد وصفه بعض بأنه «أكول للكتب» ويسعد كثيرًا إذا ما زاد اطلاعه.

أما ليندون جونسون فتأثر بكتاب الاقتصادي البريطاني باربارا واردز «الأمم الثرية والأمم الفقيرة»، وقال: إنه قرأه أكثر من مرة، وحوّل الهجوم إلى حرب على الفقر. وظهر على الطبعات المستقبلية من كتاب هارينغتون عبارة «الكتاب الذي أشعل حربًا على الفقر» على الغلاف. ريتشارد نيكسون قارئ نهم للسير الذاتية، وفي كلمة وداع طاقمه في 9 أغسطس 1974م، قال: «لست متعلمًا، لكنني أقرأ كتبًا».. هاري ترومان كان قارئًا نهمًّا ومهتمًّا تحديدًا بالتاريخ والتراجم، وقال في إحدى المرات: إن «الشيء الوحيد الجديد في هذا العالم هو التاريخ الذي لا يعرفه المرء». وكان المفكر المقيم في البيت الأبيض آرثر شليزنغر يرشح كتبًا لكينيدي كما ألّف كتاب «ألف يوم». ووسط الحديث عن الكتب والبيت الأبيض، يطرح السؤال عن علاقة الرؤساء الأميركيين بالكتاب الأدبي، الرواية والشعر تحديدًا، وخصوصًا باراك أوباما وبيل كلينتون.

 أوباما.. والتوازن النسبي

باراك اوباما

باراك اوباما

إذا بدأنا في الحديث عن تجربة الرئيس باراك أوباما مع القراءة والكتاب، فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن تاريخ رؤساء الولايات المتحدة لا يذكر رئيسًا، منذ عهد إبراهام لينكولن الذي تولى قيادة أميركا بين عامي 1861 و1865م، لعبت القراءة والكتابة دورًا كبيرًا في بلورة شخصيته وقناعاته ورؤيته للعالم مثل الرئيس أوباما الذي قال: «سمحت لي بالمحافظة على توازن نسبي خلال السنوات الثماني المنصرمة؛ لأن الرئاسة مكان تصيبك فيه الأحداث إصابة مباشرة باستمرار من دون أي هوادة». من يراقب مسيرة أوباما، يلاحظ مدى اهتمامه بالكتب الأدبية وتوظيفها، ففي مكالمة هاتفية له مع الرئيسة الأرجنتينية السابقة كريستينا كيرشنر، أعرب عن اهتمامه بالتعرف إلى العاصمة بوينس أيريس؛ لأنه في أثناء فترة الدراسة الجامعية كان قد قرأ بشغف أعمالًا لكل من الأديبين الأرجنتينيين خوليو كورتاثار وبورخيس. وحين خطب أوباما عن القضية العرقية في الحياة الأميركية استشهد بعبارة للروائي الأميركي وليام فوكنر تقول: «إن الماضي لم يمت ويدفن، وهو في الحقيقة ليس ماضيًا»، وأن يستشهد أوباما بفوكنر صاحب رواية «الصخب والعنف»، فهذا إيماء إلى أهمية هذا الأخير، حظيت رواياته باهتمام بالغ في أميركا وخارجها نظرًا إلى تأثيرها الكبير في إبراز حقيقة التناقضات في المجتمع الأميركي وخصوصًا في الجنوب.

يقول أحد أصدقاء أوباما: إنه كان يقرأ كتبًا لأدباء سود من بينهم جيمس بولدوين ورالف إليسون اللذين يركزان على مشاعر الزنوج في المجتمع الأميركي، كتب الأول «اذهب وقل ذلك على الجبل»، وأصدر الثاني «الرجل الخفي». كذلك قرأ أوباما قصائد الشاعر الزنجي لانغستون هيوز، أحد كبار الشعراء المعاصرين وأحد رموز ما عرف في القرن العشرين بـ«نهضة هارلم»… وعام 2012م أشار كثير من متابعي حملة الانتخابات الأميركية التي خاضها باراك أوباما إلى اعتماده على الشعر في سباق الرئاسة مع خصمه الجمهوري ميت رومني، وكتب الناقد روبرت مكورم في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية: «أوباما الذي اشتهر في حملته الانتخابية الأولى بعبارة «نعم نستطيع»، توسل بلغة الشعر في حملته الثانية ليلهم أنصاره ويجذب الناخبين لمنحه ثقتهم من جديد، بعدما وجد أن لغة النثر لن تسعفه كثيرًا أمام خصمه ميت رومني. وعرضت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تقريرًا يرصد كتب أوباما المفضلة التي دوَّن قائمتها على «فيسبوك» وتضمنت كتبًا لرالف والدو إيمرسون وموبي ديك وتوني موريسون، وهذه الأخيرة كرمها أوباما، واحتفل بالشعر في البيت الأبيض ولم يتردد في القول: «إن القصيدة الرائعة هي تلك التي تتغلغل في أحاسيسنا، وتتماهى مع وجداننا، وتتحدانا وتلقننا شيئًا عن أنفسنا وعن العالم الذي نعيش فيه. ولطالما أدى الشعراء دورًا بالغ الأهمية في سرد ملحمتنا الأميركية». والتقى كبير نقاد صحيفة «نيويورك تايمز» ميكيكو كاكوتاني، أوباما لسؤاله عن «حياته كقارئ» وخلال المقابلة أشاد أوباما بعدد من الكتب والكتاب. وذكرت نيويورك تايمز أن أوباما تحدث عن الكتب التي منحها ابنته ماليا، ومن بينها «المفكرة الذهبية» لدوريس ليسينغ و«مئة عام من العزلة» لماركيز، و«امرأة محاربة» لماكسين هونغ كينغستون.

 كلينتون «على نبض الصباح»

كلنتون

بيل كلينتون

في عهد الرئيس بيل كلينتون، أيضًا كان للكتاب الأدبي والقصيدة الشعرية حضورهما في كواليس البيت الأبيض، فخلال تنصيبه عام 1993م اختار كلينتون الشاعرة الأميركية من أصل إفريقي مايا أنجيلو لتلقي واحدة من قصائدها الأكثر شهرة «على نبض الصباح»، وقدمت مايا قصيدتها بأداء مسرحي، وهلل لها الإعلام مثلما هللوا قبل نحو نصف قرن للشاعر روبرت فروست الذي أسس هذا التقليد حين قرأ قصيدته «الهبة المباشرة» في حفل افتتاح عهد الرئيس جون. ف. كينيدي في عام 1961م. في حفل عام 1993م أطلق بيل كلينتون على مايا أنجيلو لقب «الرئيسة الإفريقية للأمة» (يحبها إلى جانب رالف أليسون وتايلور برانتش). تبدأ قصيدة في نبض الصباح بتحية للطبيعة الأم التي احتضنت كل الأعراق بلا تمييز: صخرة، نهر، شجرة، كانت موطنًا لكل السلالات منذ تفارقت وحددت وجود الكائنات المنقرضة.

كلينتون قارئ جيد، وكتابه المفضل هو «التأملات» للكاتب ماركوس أوريلس، وكان يحب الروايات البوليسية التي وصفها بأنها «سبيل المتعة البسيط والرخيص» بالنسبة له. وأبعد من ذلك، ففي احتفال أقيم تكريمًا لماركيز في مسقط رأسه في كولومبيا كانت لكلينتون مداخلة عن ماركيز قال فيها: «هو أهم روائي نُشر له في اللغات كلّها منذ موت فوكنر، وعندما قرأت له رواية «مئة عام من العزلة» عام 1972م وأنا طالب في كلية الحقوق لم أستطع ترك الكتاب من يدي حتى في أثناء المحاضرات. لاحظت أن هذا الرجل يبحر في أشياء تبدو كخيالات أحلام اليقظة لكنها واقعية وبالغة الحكمة». مع التذكير أن كلينتون في أول حملة انتخابية له في بداية التسعينيات أعلن أن كتابه المفضل هو «مئة عام من العزلة» لماركيز الذي علَّق قائلًا: إن كلينتون «يحاول كسب أصوات الأميركيين اللاتينيين». وعندما التقى كلينتون ماركيز والروائي المكسيكي كارلوس فوينتس في جلسة عشاء، أنصت بهدوء إلى ملاحظات سياسية قاسية تقدَّم بها الكاتبان حول حصار كوبا خصوصًا. وفي اللقاء نفسه سُئل كلينتون عن أحب الأفلام إلى قلبه، فكان جوابه: «في عز الظهيرة»، وأدهش الرئيس الحضور بأحاديثه حول الأدب والثقافة ملقيًا جملًا من رواية «دون كيخوتة» لثرفانتس، وحين حان موعد تسمية أحبّ الروايات إلى القلب اختار ماركيز «كونت مونت كريستو» فيما وقع خيار الرئيس على «حكم قصير» لجورج أورويل. وحين اختار فوينتس «أبسالوم أبسالوم» لفوكنر نهض كلينتون ملقيًا مونولوغًا طويلًا من روايته «الصخب والعنف». فحب كلينتون لروايات ماركيز وفوكنر يبدو لافتًا؛ ذلك أن معظم الرؤساء يبحثون عن الكتب الإستراتيجية وليس عن الروايات الثقافية بامتياز. وأثرت الكتب التي يقرؤها كلينتون في المنحى الذي اتبعه في مطلع التسعينيات مع أزمة البلقان، وهو الصراع العنيف الدامي من أجل السيطرة على المنطقة البوسنية التي كانت من قبل جزءًا من يوغوسلافيا. وفي ذلك الوقت، قرأ كلينتون كتاب روبرت كابلان «أشباح البلقان» وفوجئ بوصف كابلان لمشاعر الكراهية الإثنية الموجودة داخل المنطقة منذ فترة طويلة، قد جعل ذلك كلينتون غير متحمس للتدخل في البوسنة. وقال وزير الدفاع ليس أسبين لمستشار الأمن القومي أنطوني ليك: إن كلينتون لم يكن متحمسًا لمقترحاتهم. وبعد أعوام كتبت الصحافية لورا روزن أن «بعضًا لا يسمع اسم روبرت كابلان من دون تحميله مسؤولية التأخر في التدخل الأميركي». 

جورج بوش (الابن) «الغريب»

جورج بوش (الابن)

جورج بوش (الابن)

بوش

جورج بوش

إذا كانت نظرة الصحافيين عابرة في متابعة قراءات كلينتون وأوباما القارئين بنهم، فهي ليست كذلك مع الرئيس جورج بوش (الابن) الذي لا يُعرَف عنه شغفه بالمفكرين ولا سيما الفرنسيين منهم. اطلعنا أنه أراد الاستفادة من وقته في مزرعته قبل مدة كي يقرأ، فاختار رواية «الغريب» للكاتب الفرنسي ألبير كامو. وكان بوش اقتبس عبارة من كامو في خطاب ألقاه في بروكسل في فبراير 2005م، داعيًا فيه أوربا إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة من أجل «تقدّم الحريّة في العالم، ومن أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط». مضيفًا: «نحن ندرك أن العقبات كثيرة، وندرك أن الدرب طويل». كلمات بوش هذه تشبه إلى حد كبير قول كامو: «إنّ الحريّة هي جريٌ طويل»، يومها برَّرت بعض الصحف الأميركية شغف بوش بـ«غريب» كامو المباغت بعثور بوش على ذاته الدفينة في شخصيّة بطل الرواية «قاتل العرب». وكتبت الصحافية في «نيويورك تايمز» مورين داود، أن «القاتل في رواية كامو يتخذ كثيرًا من القرارات الخاطئة، ويقتل رجلًا عربيًّا وسط صحراء من الرمال. إنه يتحرّك في عالمٍ مظلم، وعنيف لا صلة له بمعتقداته ورغباته. وإذا كان ثمّة ما يؤكّد فهم كامو لعبثية الحياة، فهو أنّ الرئيس يقرؤه». بذلك يكون بوش المحافظ والمتطرف دينيًّا انضمّ وبشكل غير متوقع، إلى المعجبين بالكاتب الثائر الموصوف بالإلحاد الذي كان دائمًا قريبًا من الحركة الفوضوية.

من جانبه، علق ريتشارد كوهين، في مقال له في «واشنطن بوست»، بقوله: «الصورة الكاريكاتيرية لبوش كشخص غير مثقف انتهت اليوم، أو ربما بالأمس، لكن تبقى حقيقة الرجل المثقف قائمة». وأثارت حقيقة أن بوش قرأ رواية «الغريب» لكامو صيحات سخرية من وسائل الإعلام. على سبيل المثال: كتب جون ديكرسون من مجلة «سليت» أن قراءة جورج بوش لروائي وجودي فرنسي أشبه بقراءة أوباما لكتالوغ متجر «كابيلا». واستضاف تلفزيون «بي بي سي» الصحافية الفرنسية بينديكيت باتون، والناقد البريطاني المتخصص في الأدب الفرنسي آلان دي بونو، لتخمين سبب اختيار بوش لهذا الكتاب. وقالت باتون: إن كثيرًا من الرجال يمسكون بكتاب عالي الثقافة ليس لقراءته -إذ يتعذر عليهم فهمه- إنما لإبهار الآخرين.. إلا أن الناقد ديبونو خالف باتون الرأي قائلًا: إن أحداث الكتاب وشخصية «الغريب» تروق للرئيس بوش وتماثل شخصيته، وربما اقترحه عليه أحد مساعديه؛ إذ إن بطل الرواية يقتل شخصًا بريئًا من دون سبب ولا يشعر بالندم، ويخالف نصيحة الآخرين، وهي مواصفات لدى بوش في ممارسته السياسة العالمية، إذ يظهر «غريبًا» عن أي من الأعراف الإنسانية العادية.

طيف‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬والسلام‮»‬‭ ‬

جيمي كاتر

جيمي كاتر

ثمة روايات تتحول في أروقة السياسيين إلى أشبه بالكتب الإستراتيجية أو أيقونات السياسة، فقد كتب جيمي كارتر في كتاب مذكراته: «الحفاظ على الإيمان: مذكرات رئيس»، أن ثلاث نساء أثَّرن في حياته: والدته ليليان، وزوجته روزلين، ومعلمته جوليا كولمان، التي كانت تدرّس له في مدرسة بلين الثانوية (حيث ولد كارتر وتربَّى). وأوضح كارتر أن كولمان شجعته على قراءة كتب التاريخ والأدب. جيمي كارتر من أشد المعجبين بشعر ديلان توماس. ويقول: «شجعتني على قراءة كتاب «الحرب والسلام» للروائي الروسي ليو تولستوي. ظننت، في البداية، أن الكتاب عن الحرب والسلام في الدنيا الجديدة، وأن أبطاله رعاة بقر وهنود حمر». واستعان كارتر برواية «الحرب والسلام» في حكمه، واقتنع بفضله أنّ الأحداث الكبرى لا يتحكم فيها الزعماء، إنما الجماهير وعامة الناس الذين يحددون مصير العالم وفقًا لآمالهم وأحلامهم. واللافت أن طيف رواية تولستوي حاضر بقوة في أروقة البيض الأبيض، كان ريتشارد نيكسون، الذي أشار في مذكراته إلى أنه قرأ كتب تولستوي بصورة مكثفة خلال فترة شبابه، ووصف نفسه بأنه من أتباع تولستوي، يبحث دومًا عن الكتب التي لها علاقة بالقضايا الكبرى في حياته اليومية. وسئل جورج بوش (الأب) في حوار له عام 1995م عن أكثر الكتب إلهامًا له فكان لكتاب «الحرب والسلام» حظ وفير من مديحه، وقال: «لقد اعتدت على قراءته في المدرسة». والنافل أن الرواية نشرت لأول مرة بين سنتي 1865 و1869م على شكل سلسلة في مجلة المراسل الروسي، تدور أحداثها في بدايات القرن الـ19، إبان الاجتياح الفرنسي لروسيا بقيادة نابليون بونابرت، والتغيرات التي لحقت بالطبقة الأرستقراطية. وتسرد الرواية حكاية خمس عائلات وتقص حيواتهم الشخصية مع التاريخ بين 1805 و1813م، وبشكل رئيس غزو نابليون لروسيا سنة 1812م، ثم دخوله موسكو وانسحابه بعد الخيبة والفشل في مواجهة الشتاء الروسي القارس، ورفض القيصر الروسي ألكسندر الأول الاستسلام.

ولا يتوقف الأمر هنا، فثمة قصص كثيرة عن علاقة الرؤساء الأميركيين بالشعر، كان الرئيس جيمس غارفيلد من أشد المعجبين بالشاعر الألماني غوته، وقد استطاع في أثناء فترة رئاسته تكوين مكتبة كاملة ضمت أرشيفًا لقصاصات من الكتب التى صدرت في عهده. وفي صغره كان غيرالد فورد يتعرض لنوبات من الغضب. وبعد نوبة غضب سيئة بصورة استثنائية، ألزمته أمه دوروثي فورد بحفظ قصيدة «لو» للشاعر روديارد كبلنغ، وقالت له: «إن هذه القصيدة سوف تساعدك على أن تتحكم في غضبك». هذه القصيدة تبدأ بقول الشاعر: «لو أنك قادر أن تبقي على رأسك/بينما كل من حولك يفقدون رؤوسهم ويلومونك أنت…». منذ أن تخرج هاري ترومان من المدرسة الثانوية سنة 1901م ظل يحمل في محفظته عبارة من قصيدة للورد تينيسن هي قصيدة «قاعة لوكسلي» ظلت الورقة التي نقلت عليها تلك العبارة تبلى، وظللت أعيد نقلها على ورقات أخرى. لا أعرف كم مرة حدث هذا، عشرين مرة أم ثلاثين، ربما» وأضاف ترومان في حديثه الشهير للصحفي مارتن فيلر قائلًا: «إن إيماني بالشعراء أكبر بكثير من إيماني بالصحفيين».

ماذا يقرأ ترمب؟

هذا غيض من فيض عن مشهدية الرؤساء والقراءة الأدبية ورمزيتها في البيت الأبيض… والسؤال: ماذا يقرأ الرئيس الجديد دونالد ترمب؟ ماذا لو قرأ الرئيس الأميركي رواية «المسخ» لكافكا، أو«رأس المال» لماركس، أو«المراقبة والعقاب» لفوكو، أو أي روائي عربي، كيف ستكون التفسيرات وردود الأفعال؟!