العريفي.. رمز ثقافي يلجأ إلى الرواية

العريفي.. رمز ثقافي يلجأ إلى الرواية

عرف المبدع خليفة العريفي في مشهدنا الثقافي، وبخاصة عند الأجيال بعد الثمانينيات بأنه مسرحي، كتابة وتمثيلًا وإخراجًا، ومحاورًا للمسرحيات، وقائدًا الورش ومدربًا فيها، لكنه في هذا كله فهو أحد مؤسسي عدد من المؤسسات ذات الشـأن الثقافي: أحد مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب بوصفه كاتب قصة، وأحد مؤسسي مسرح أوال بوصفه مسرحيًّا، وأحد مؤسسي الملتقى الأهلي – مركز عبدالرحمن كانو حاليًّا بوصفه مثقفًا، وغيرها من الأوساط الثقافية والفنية. وفي خضم الحياة ومشاغلها وارتباطه بالمسرح كثيرًا لم يبعده من قراءة الأعمال الروائية والقصصية، والكتب ذات العلاقة بالفكر والثقافة، فكلما دخلنا معه في حوار ما نجده يطرح فكر هذا الكاتب أو ذاك.

ومن خلال العديد من الحوارات حول ما يطمح إلى إصداره، كان من المؤمل أن نقرأ له المجموعة القصصية التي كان من المفترض أن ترى النور منذ أكثر من سنتين تقريبًا، هي المجموعة التي وعدنا الكاتب بها لتكون إضافة إلى تلك القصة التي كتبها ضمن إصدار الأسرة في سبعينيات القرن الماضي، لكن جاءت الرواية سابقة المجموعة القصصية، هكذا أصدر خليفة العريفي روايته الأولى «جمرة الروح» عن الإصدار المشترك مع وزارة الثقافة والتراث في طبعتها الأولى، في عام 2011م.

جمرة الروح

خليفة العريفي

خليفة العريفي

في رواية «جمرة الروح» يكتب خليفة العريفي رواية الأمس التي تحيلك إلى التاريخ، يكتب المدينة والقرية والفوارق بينهما في الوسط الثقافي والاجتماعي، ونظرة المجتمع لهما، يكتب المرأة وحريتها في اتخاذ قرارها، يكتب فراق الأحبة بقصد أو بدون قصد، بين المرأة والرجل في العلاقات الزوجية، أو ضمن العلاقات العاطفية قبل الزواج، أو من خلال تلك النزوات العابرة. إنه يكتب المجتمع بتفصيلات قليلة، لكن برمزية مستعارة، ويأخذك إلى عوالم هذا المجتمع وتقلباته وتطلعاته، وإلى ممارسة الحياة اليومية. هكذا تقرأ الرواية لتسأل نفسك أيهما فضل الكاتب أن يبرزه، الشخصية أم الحدث، أم أوضاع المجتمع، أم التاريخ الذي لم يقف عند طويلًا، إذ نرى أنه حاول أن يجمع هذه العناصر كلها في شخصيتين، هما: الشخصيتان البارزتان في الرواية، شخصية زينب جعفر، وشخصية الشاعر محمود السيد، وإن كانت شخصية محمود هي التي أخذت المساحة الزمانية والجغرافية في الرواية، أما بقية الشخصيات فقد تركها تؤدي أدوارها في السرد أو الوصف أو الحوار من أجل المساهمة في نمو الأحداث التي تسهم في الوقت نفسه في نمو هاتين الشخصيتين أو إحداهما.

ويبدو أن الكاتب يعرف مزالق العمل الثقافي وتموجاته، وكيف تتم عملية الاستغلال والاستحواذ على المبتدئين في الكتابة، وبخاصة أصحاب المواهب من بعض المثقفين، لذلك جعل الكاتب من الثقافة مدخلًا للنيل من النساء، والحصول على الملذات الجنسية والشبقية، وقد مثل هذا البعد في محمود السيد الكاتب في الجريدة، والشاعر المعروف ليس محليًّا بل عربيًّا، فمحمود السيد المتزوج والمحب لزوجته وعائلته، والرافض التخلي عنها مهما كان، رأى في نفسه دنجوان عصره، حيث يحاول دائمًا الوصول إلى المرأة من خلال الكلمة العذبة، والنص الإبداعي الجميل سواء كتبه هو، أم أقنع المرأة بقدرتها على الكتابة الشعرية؛ لأن «محمود تدوخه الأنوثة الطاغية، ويستسلم لغواية الفتنة بسهولة ص97»، وهذا ما حاول النص الروائي إبرازه في النساء الأربع اللائي ارتبطن بعلاقات مع محمود السيد… يحاول الكاتب في هذا النص السردي أن يقدم لنا بعض نماذج من الرجال والنساء في المجتمع، حيث ما من مجتمع في الحياة إلا وفيه من هذه النوعية التي يقبلها أو يرفضها المجتمع، وطرح هذه النماذج لم يكن لمجرد إبراز هذه النماذج فحسب، إنما لأن هناك تداعيات ومعطيات تسببت في وجود هذه النماذج النسوية والرجالية.

الشعر ركيزة أساسية

ما يلفت النظر أن الكاتب جعل الشعر ركيزة أساسية في العمل الذي نمت أحداثه، وبخاصة بين النساء ومحمود السيد، ولم يشر إلى أي امرأة تكتب القصة مثلًا، على الرغم من أن النص الروائي أشار إلى وجود نادٍ للشباب يعنى بهذا الأمر، بكتابة الشعر والقصة، كما أننا نتساءل لماذا التأكيد على عرض بعض نصوص المرأة الشاعرة في الرواية، فهل لأن الكاتب يريد لفت انتباه القارئ إلى إمكانياته الشعرية التي تمظهرت في نصوص محمود السيد ودلال وزينب؟ أو لأن تلك المرحلة كانت سطوة الشعر عالية ومسيطرة على المشهد الإبداعي في البحرين؟ أو قد يكون وراء ذلك أن سلطان الشعر كان ولا يزال مهيمنًا على المبدعين والمثقفين، وهم دائمو الحلم بالشعر والكتابة الشعرية.

هناك أمور كثيرة في الرواية يمكن للقارئ مناقشتها كالعلاقة بين القرية والمدينة وثقافة أفرادهما، النظرة إلى المرأة من جانب المجتمع والأعراف والرجل، بل من المثقف تحديدًا، ولماذا الوقوف عند هذه المحطات من العلاقة الجندرية في المجتمع البحريني، وغيرها من القضايا التي حاولت الرواية الوقوف عندها بشكل أو بآخر، وأما التقنية اللافتة في النص الروائي فهي تلك العلاقة المتداخلة بين الكاتب والراوي والشخصيات، تلك العلاقة التي تبرز بخط أسود يختلف عن خط كتابة الرواية، فمرة نجد الشخصية تتحدث مع نفسها في منولوج تسأل أو تناقش أو تطلب التأمل فيما ستقوم به من عمل، ومرة نجد التداخل في العبارة الواحدة بين الشخصية والراوي عبر الحوار المبطن بينهما تجاه حدث ما، ومرة ثالثة يدخل الكاتب موجهًا بصورة غير مباشرة نحو هدف ما أو حدث لا بد أن يقع.