خمس سنوات على رحيل فيسوافا شيمبورسكا.. الشعر يتيم!

خمس سنوات على رحيل فيسوافا شيمبورسكا.. الشعر يتيم!

ولدت الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا عام 1932م، وماتت في الأول من فبراير 2012م بسرطان الرئة؛ هي التي ظلت لآخر يوم من عمرها تدخن السجائر بشراهة طفلة تأكل الحلوى. قالت عائلتها: إنها أسلمت الروح بهدوء تام في أثناء نومها. أوصت بحرق جثتها، وإقامة جنازة من دون بهرجة ولا طقوس دينية، وشددت على المعزّين بتوفير ثمن الأزهار لمساعدة المحتاجين، ودفنت في نفس قبر أبيها (وينسنتي 1870- 1936م) وأمها (أنّا 1890- 1960م).

تكتب «شيمبورسكا» قصائدها على حافة الرهافة والصرامة، والرعب والسخرية. التقطيع الحاد لسيولة السرد، والبساطة العميقة، والشيفرات الفلسفية الماكرة، هي أهم آليات عمل هذه البولندية الباذخة المدوّخة، التي لم تكن تكتب، بقدر ما تعطي دروسًا إبداعية للشعراء (الشاعرات خاصة)، في معنى الصبر والحفر.

هي مثال آخر بعد قسطنطين كفافيس، يثبت أن الشعراء يمكن أن يزدادوا براعة مع الزمن. كانت كلما تشيخ، تنضج وتتوهج، إذ لا تقل قصائدها التي كتبتها في الثمانينيات من عمرها، عن أعمالها السابقة التي صدرت في عزّ تألقها روحيًّا وصحيًّا.

في كلمتها في حفل استلام جائزة نوبل، ربما نجد أحد مفاتيح عالمها المليء بالأسرار. تقول: «لا أعرف.. كلمتان لهما جناحان. لو أن نيوتن لم يقل لنفسه لا أعرف، كان في أحسن الأحوال سيلتقط التفاحة ويأكلها».

لكن إذا كان الشعراء لا يعرفون، فمن الذي يعرف؟

تجيب «شيمبورسكا» في نص الكلمة ذاتها: «وحدهم الجلادون والدكتاتوريون والمأفونون ومتملقو الجماهير يعرفون، لكنهم يعرفون مرة واحدة إلى الأبد». الدهشة ضد الخبرة إذًا، هي ما أتاح لها أن تمسك براءة الطفولة بيد، وحكمة الشيخوخة في يد، وألّا تخذلها ربّة الشعر حتى آخر نفَس في حياتها.

يطلقون عليها في بولندا «موزارت الشعر»، وتحظى بقراءة واسعة في كل العالم، نخبوية وشعبية على السواء. لم تكن معروفة على نطاق واسع قبل حصولها على نوبل عام 1996م، ولاقى فوزها استهجانًا ودهشة لدى مبدعين وأكاديميين. لها أكثر من عشرين مجموعة شعرية ما بين إصدارات ومختارات؛ منها: « لهذا نحيا- 1952م»، و«الملح– 1962م»، و«مئة سلوى– 1967م»، و«الرقم الكبير- 1976م»، و«النهاية والبداية- 1993م».

في مناسبة ذكرى رحيلها الخامسة، ترجمت حوارًا مع سكرتيرها الخاص ومدير مؤسستها مايكل ريسينيك. وكذلك قمت باختيار إحدى قصائدها وترجمتها لتنشر رفقة الحوار.

مايكل ريسينيك مترجم، وكاتب، ومحاضر في جامعة جاجيلونيان، ويعمل حاليًّا رئيس مؤسسة الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا. كان السكرتير الشخصي للشاعرة مدة 15 عامًا بعد أن حصلت على جائزة نوبل في عام 1996م. هذا الحوار الذي أجراه غريغور زاورا مع «ريسينيك» في ذكرى رحيلها الثانية عام 2014م، يلقى الضوء على جوانب مجهولة من حياة الشاعرة في سنواتها الأخيرة.

● ما هي الظروف التي أدت إلى التعاون بينك وبين فيسوافا شيمبورسكا؟

– كل شيء بدأ بعد حصول السيدة شيمبورسكا على جائزة نوبل في أكتوبر 1996م. أرادت توفير مزيد من الوقت لنفسها عبر سكرتير أدبي؛ لأنها كانت مشغولة بكمية ضخمة من الالتزامات المختلفة. لقد كان عليها الرد على المراسلات، وذلك من الصعب جدًّا بالنسبة لها. بحثت عن مساعد، وسألت صديقاتها عن سكرتير، وأنا ظهرت في الأفق. رشحتني الأستاذة تيريزا والاس، صديقة السيدة فيسوافا، وكنت قد تخرجت في ذلك الوقت من الجامعة.

● كيف استطاع ذلك الشاب بناء علاقة وثيقة وطويلة الأمد مع الشاعرة؟

مايكل-ريسينيك-وشيمبورسكا

مايكل ريسينيك وشيمبورسكا

– لا أعرف، ولست متأكدًا مما إذا كان للسن أي معنى. كانت في حاجة لشخص للرد على مراسلاتها باللغة الإنجليزية، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني والفاكسات (كانت لا تزال تقنية شعبية في ذلك الوقت)، ويعرف قليلًا عن كيفية استخدام جهاز كمبيوتر، وتوفرت فيّ جميع الشروط اللازمة. أنا كنت مستشارًا لها، لكن أصبحنا أيضًا صديقين، وقد أعربت عن ثقتها بي. كان من المخطط أن أعمل لديها مدة ثلاثة أشهر فقط بعد حصولها على جائزة نوبل، وبقيت مدة خمسة عشر عامًا.

● هل كان هناك حدود عند نقطة معينة بينك وبين السيدة شيمبورسكا، أم أن العلاقة كانت طبيعية؟

– بالطبع. كان هناك دائمًا بعض المسافة في علاقاتها مع الآخرين. كانت متحفظة على مناداتها بكلمة «صديق»، وتقصرها فــــقـــــــــط عـــــلـــــى أصــدقــــــائـــــــهـــــــــــا الـقــدامـــــــــــــــــى والأشخاص من جيلها. ومع ذلك،

كانت مرحة جدًّا مع الناس وتطلب منهم مباشرة أن ينادوها باسمها الأول، بمن في ذلك زوجتي وأطفالي لكن ليس أنا. لقد حافظنا دائمًا على علاقة العمل. لم يكن مهمًّا جدًّا بالنسبة لي، حتى أنا وجدت أنه لطيف.

● متى قررت السيدة شيمبورسكا الإعلان عن فكرة المؤسسة؟

– ظهرت الفكرة قبل بداية عملي معها، وذلك خلال محادثة مع تيريزا والاس في عام 1996م.

● لماذا دخلت الفكرة حيز التنفيذ بعد وفاتها؟

– لأنها لا تحب صنع ضجة حول نفسها، التي ستكون ضرورية في حالة تشغيل المؤسسة. كان إنشاء مؤسسة، أو حتى كلمة «مؤسسة» أمرًا غريبًا لها. وقالت: إنها تفضل أن يحدث كل شيء من دون مشاركتها.

● هل ترى أي نتائج ملموسة بعد مرور عام على إنشاء المؤسسة؟

– أعتقد أنه ما زال من الصعب الحديث عن أي نتائج مادية. نحن في المقام الأول، نحاول بناء «العلامة التجارية» للمؤسسة وتعريفها على نطاق واسع. بطبيعة الحال، هو أسهل الخطوات؛ لأن اسم السيدة شيمبورسكا معروف. ومع ذلك، فإنه لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن أي نتائج ملموسة. نحن نقوم بتنفيذ وصيتها ببطء. أنهينا بالفعل صيغة منح الجائزة. سنكون قادرين على الحديث عن الآثار بعد ذلك. لكن هذا هو جزء واحد فقط من النشاط.

● يبدو أن السيدة شيمبورسكا تثق بك كثيرًا بحيث أنها أعطت لك مطلق الحرية فيما يتعلق بنشاط المؤسسة؟

– باستثناء الجائزة، حُدِّدت النقاط بشكل دقيق. قالت صراحة: إنها لم يكن لديها أي فكرة ملموسة عن كيفية فعل ذلك. تركت لنا اتخاذ القرار، وبالتالي كان علينا أن نضع أكبر جهد في الجائزة. هناك أيضًا الصندوق الذي أنشأناه لمساعدة المؤلفين الذين يواجهون ظروفًا مالية صعبة. كانت السيدة فيسوافا ترغب في مساعدة هؤلاء الناس، وأرادت المؤسسة مواصلة هذا العمل. كما كان علينا إضفاء الطابع الرسمي على ذلك لكي لا تكون أنشطتنا وهمية، وذلك الأمر يتطلب أيضًا كثيرًا من العمل.

● قد يكون السؤال عامًّا، لكن كيف تمكّن شعر السيدة شيمبورسكا من الوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم؟

– هذا هو اللغز. من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. وأعتقد أن هناك العديد من العناصر التي ساهمت في ذلك. باستثناء الجوانب الفنية، فإن أسلوبها بسيط في الظاهر لكنه يخفي العديد من الزخارف الفلسفية. الطريقة التي تعبر بها تجعل أشعارها في متناول الجميع وليس فقط القراء في بولندا. إنه لأمر مدهش أنها لا تزال تلقى ذلك الإقبال في الخارج، على سبيل المثال في إيطاليا وهولندا وأميركا.

● بوصفك مترجمًا، ما هي برأيك أهم العناصر الصعبة أو المثيرة للاهتمام في شعر السيدة شيمبورسكا؟

– مما لا شك فيه، أنه من الممكن ترجمة أشعارها؛ لأنها ليست عميقة الجذور في الثقافة البولندية والتقاليد. كان ذلك واضحًا في مختلف ترجمات أعمالها التي تتطلب قليلًا من الحواشي. إنها تقدم حالات غنائية عالمية تتيح استقبالًا واسعًا. وأذكر العديد من القصائد؛ منها على سبيل المثال «عيد ميلاد» المتجذرة عميقًا في اللغة ذاتها، وتتطلب ترجمتها خلق قصيدة جديدة. وهذا هو ما فعله المترجم في الترجمة الإنجليزية. أما مترجم أعمالها إلى اللغة الفرنسية فقال: إن ترجمتها مستحيلة.

● هل سبق لك أن حاولت ترجمة شعرها إلى لغة أخرى؟

– لا، لكن في بعض الأحيان أعطي النصائح بشأن ترجمة قصائد السيدة فيسوافا إلى الإنجليزية.

● أنت أيضًا كاتب، هل يمكن القول: إن السيدة شيمبورسكا كانت نموذجًا بالنسبة لك في الأعمال الأدبية الخاصة بك؟

فيسوافا-شيمبورسكا-٢– بالتأكيد، أصابتني منها عدوى الحساسية والانتباه إلى اللغة. قالت: إنها تلعب مع اللغة وتتعامل معها على أنها شيء مهم. لم تطلب مني قصائدي للتعليق عليها. رغم ذلك، أتذكر تلك المحادثات التي دارت بيننا كثيرًا بشكل عارض عن اللغة. لم تقدم تعليقات على أعمال الآخرين، لكن عندما أحضرت لها بعض قصائدي الساخرة، قدمت لي ملاحظات ثاقبة بشأن الجوانب التقنية، وهو أمر نادر جدًّا اليوم. كان هذا النهج التزامًا في جيلها، كان هناك مفهوم وظيفة أدبية.

● ماذا كان موقف السيدة شيمبورسكا تجاه الشهرة؟

– أوه! كانت خائفة. كرهت حالها عندما كان عليها أن تتلقى أي نوع من المديح أو الحب. كان ذلك بعيدًا تمامًا من شخصيتها وما أنقذها، أعتقد، كان حس النكتة، والعزلة، والسخرية والمفارقة.

● هل كانت سعيدة بوصولها للعالمية، أم كانت تفضل بيئة أكثر حميمية؟

– قالت: إنها تفضل العلاقة الحميمية؛ لأنها تحب قضاء الوقت مع صديقاتها، أو الخلوة عمومًا. لقد عاشت حياة اجتماعية مشابهة لصالونات القرن 19. كانت تحضر حفلات الاستقبال، لكن شخصيتها العالمية لا تعني أنها كانت تقيم في أغلى الفنادق أو السفر إلى جميع أنحاء العالم. لا شيء من هذا القبيل. كان أكثر الأشخاص الذين يتعرفون إليها في الشارع، على سبيل المثال، في إيطاليا، قالوا لها: إنهم يعرفونها ويحبونها. كان أهم شيء أن شعرها له جمهور واسع جدًّا.

● هل تشعر أنها تكون طبيعية عندما تواجه القراء؟

– لا فعلًا، هي بالأحرى تتجنب مثل هذه الحالات. من ناحية أخرى، تلقت العديد من الرسائل مما يسمى الناس العاديين (ليسوا على دراية جيدة بالشعر). ذات مرة قالت: إنها تلقت رسالة من رجل قدم نفسه على أنه رجل إطفاء متقاعد من ولاية تكساس. كتب لها أنه كان يجد القليل من القواسم المشتركة مع الشعر في حياته، إلا أنه تمكن من قراءة شعرها، واكتشف أنها كتبت ما كان يشعر به، ولم يتمكن من التعبير عنه ووضعه في كلمات. كانت الرسالة مؤثرة بالنسبة لها؛ لأن القدرة على التعبير عن مشاعر الآخرين أعظم حلم للشاعر. هذا هو ما جعلها تصل إلى الجمهور في أماكن بعيدة مثل ولاية تكساس.

● فيما يتعلق بعلاقة السيدة شيمبورسكا مع السلطات الشيوعية، هل ينتبه أحد في الخارج لذلك، أم أنها تثار داخل بولندا فقط؟

– في الواقع، هذه مسألة بولندية. كان هناك مقال في إيطاليا حول هذا الموضوع، لكنه كان منحازًا بشكل رهيب. وقد سخّر القصة على الفور كما لو كان يحفر في سر أخفته السيدة شيمبورسكا، مع أنها كانت تحتفظ فقط بمسافة فيما يتعلق بهذه الحقيقة، ولا تنكرها في كثير من الأحيان. في بولندا، مثل هذه الأشياء تظهر لأن الناس غالبًا يريدون إثارة ضجة حول شيء لتعزيز أسمائهم. في مثل هذه الحالات، أتلقى مكالمات هاتفية من أصدقائي في الخارج الذين يبدون دهشتهم قائلين: إن مثل هذه الأشياء تحدث فقط في بولندا.

فيسوافا شيمبورسكا

شاهد قبر

هنا ترقد مؤلفةُ دَقّة قديمة

لحفنة أشعار

تكرّمت الأرض ومنحتها راحةً أبدية

مع أنها جثّة

لا تنتمي لأي جماعة أدبية

على أية حال لا يوجد أفضل من هذا القبر

سوى بضعة أبيات شعرية

ونبتة أرقطيون

وبومة

أيها العابر

أخرِج مخًّا إلكترونيًّا من حقيبتك

وفكّر لحظة في مصير شيمبورسكا.

……………………………………….

هوامش:

– هذه القصيدة ليست منقوشة على شاهد قبر «شيمبورسكا» كما ذكر بعض مترجمي أشعارها إلى العربية.

– آثرتُ استخدام تعبير «دقّة قديمة» بدلًا من الترجمة الحرفية «طراز قديم» أو «أنتيكا»؛ لأنها تتناسب مع حس السخرية الذي يميز أسلوب «شيمبورسكا» الشعري. – «الأرقطيون» نبات من فصيلة الشوكيّات، وله نتائج ناجعة في علاج أمراض الشيخوخة.

قصيدتان

قصيدتان

العجوز الأعمى٭

الذي أفنى عمره بالمكتبة الوطنية

في  «ريو دي جانيرو»

يقلب أوراقه الصفراء

بحثًا عن فساتين ورد الأكمام

وعن إخوتها

الذين أغلقت شواربهم بوابات المحيط

وعندما صادفه القصر

الذي زينته عشرات الأقفال

أصر على تحطيم غرفته السرية

فوجد منحوتات هائلة لطيور خرافية

تسقط على رأس ملوك توليدو

وخيولاً مطهمة يسرجها الفرسان

مقاليع ومضارب ومجانيق

أساور ذهبية نقشت على متونها

أسماء ملوك غابرين

وكتبًا سوداء لا تحصى

ثم تعثر في كتب العرافين الأوائل

الذين بشروا من يفتح غرفة السر

بالموت على يد الغزاة

ولم تمض أيام

حتى داس طارق بن زياد

سهول أيبيريا

هنا

سقط العجوز مغشيًّا عليه

وبين يديه الكتاب

فاستيقظت ورد الأكمام مذعورة

مسحت على جبين الرجل

بعد أن حُمَّ لثلاث ليال

وبعد أن أفاق قالت له:

يا والد المتاهة

احذر الحلم

وأعد الأقفال

عندئذ أنزل الأعمى ريشته

تنهد طويلًا

حاول إعادة الأقفال إلى موضعها

لكن أشياء كثيرة في أيبيريا

كان قد طالها الصدأ.

٭ المقصود هنا خورخي لويس بورخيس .

انفجارٌ‭ ‬في‭ ‬الرأس

orhanلم يذكر «أورهان ولي»٭

أنه كان حزينًا

عندما قطَعَتْ ثُركيا لِسَانه

فصارَ يكتبُ بالحروف اللاتينية

ولا ينطقُ العربيةَ

إلا في الحَمَّام .

فقط، يذكرُ أنه نسيَ الأمرَ

وكتبَ  قصائدَ لا بأسَ بها

عن الحاناتِ والسفر

والنجومِ التي تودعُ الراحلين

كانت إسطنبولُ

تَخْرِقُ قَاربَها

وتسيرُ مترنحةً

على مقاهي جنوةَ وبرلين وباريس

بعدَ أن سَلَّم  «آلُ عثمانَ»

عِمَامةَ الإمبراطوريةَ

لجنود «أتاتورك»

كان «أورهان» يَغْرُبُ مع الغاربين

يتحدثُ بأسًى

عن الاستسلامِ اللذيذ

للأفرانِ التي تطبخُ مقالاتِ الثورة

وعن الحريةِ

التي نالتها تركيا

فأمكنها – دونَ جهدٍ –

أن تمتلئَ بـ(…)

وأنْ تغنّي:

«ملا الكاسات..»

و «آمااان .. يا لا لا للي ..»

ولكن بالإيقاعاتِ اللاتينية

كذلك أَمْكَنَها

أنْ تُكَرِّمَ وُلاتَها في الأقاليم

فَتُعَيّنَ رئيس الطباخينَ

حاكمًا عليهم .

«أورهان ولي»

الذي غنَّى لتركيا

واعتبرَ نفسه ضالعًا في حبها

صعدَ على أكتافِه

الأوباشُ وتجارُ العبيد

فماتَ دون السادسة والثلاثين

بانفجارٍ في الرأس

«مسكين أورهان أفندي».

٭ شاعر تركي ولد عام 1914م ورحل عام 1950م .

الشعر ضرورة!

الشعر ضرورة!

قبل بضع سنوات وأنا مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر، جلست مع زملائي أعضاء اللجنة، نضع برنامج العمل في الدورة الثانية لملتقى الشعر العربي الذي ينظمه المجلس كل عامين بالتناوب مع ملتقى الرواية، فاقترحت تخصيص ندوة من ندوات الملتقى للحديث عن الشعر كحاجة من حاجات الإنسان الضرورية. وفي هذه الأيام الأخيرة اجتمعت لجنة الشعر التي أصبح الناقد المصري المعروف محمد عبدالمطلب مقررًا لها؛ لتضع برنامج الدورة القادمة للملتقى، فرأت أن يكون موضوعه الرئيس هو ضرورة الشعر الآن. وقد أحسنت اللجنة بهذا الاختيار الذي يدلّ على إدراك عميق لرسالة الشعر ولحاجتنا إليه، وللظروف الصعبة التي تقف حائلًا بين الشعر وجمهوره في هذه الأيام.

والحقيقة أني لست أول من قال: إن الشعر ضرورة، إنما سبقني إلى هذا شعراء ونقاد لم أحصِ عددهم، لكني أتوقع أن يكونوا كثيرين؛ لأن ضرورة الشعر تبدو لي مسألة بديهية، نصل إليها بأنفسنا دون أن نحتاج لمن يدلنا أو يقنعنا، وهذا ما جرّبته بنفسي، فأنا حين قلت: إن الشعر ضرورة، لم أقلها نقلًا عن أحد، إنما كنت أعبِّر عن حاجتي للشعر التي أعتقد أنها ليست حاجة خاصة أو فردية، إنما هي حاجة إنسانية عامة. والدليل على هذا ما قاله كثيرون عن ضرورة الشعر للحياة.

بول هازار المفكر الفرنسي وعضو الأكاديمية الفرنسية يتحدث في كتابه «أزمة الضمير الأوربي» عن الحرب التي أعلنت على الشعر وعلى كل ما له صلة بالعاطفة والخيال بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، وهي المرحلة الانتقالية الفاصلة بين عصر النهضة الذي أحيا التراث اليوناني اللاتيني وعصر الاستنارة الذي انحاز للعقل، وعدّ الشعر صورة من صور الكذب والتعمية والتضليل، تصرف الإنسان عن طلب الحقيقة، وتخدعه بتهاويل الخيال. وقد انساق الأوربيون في تلك المرحلة؛ لتبني هذا الموقف من الشعر، بل لقد انساق إليه الشعراء أنفسهم فنظموا قصائد يهجون فيها فنَّهم ويتبرّؤون منه كما فعل دولامانت، وهو شاعر فرنسي في قصيدة يقول فيها:

يا قافيةً! أيتها القيود الغريبة الظالمة. أتكون أفكاري دائمًا عبيدًا لك؟ حتام تتحكمين فيها مغتصبة حقوق العقل؟ فور ما تأمرين بالتزام العدد والوزن يجب التضحية بالصحة والدقة والوضوح.

مطلب أبدي

لكن بول هازار يعدّ هذا الموقف من الشعر تعبيرًا عن الأزمة التي مرّ بها الضمير الأوربي في تلك المرحلة وتجاوزها؛ لأن الشعر مطلب أبدي كما يقول في الصفحات التي خصصها له في كتابه وسماها «زمن بلا شعر». وهو عنوان يحمل معنى المفارقة؛ لأن الزمن لا يكون زمنًا إنسانيًّا بغير شعر. وقد رأينا كيف ازدهر الشعر في القرنين اللاحقين -التاسع عشر والعشرين- واستعاد مكانته، وتعددت مدارسه واتجاهاته، وأصبح الموضوع المفضل للنقاد والباحثين، يتحدثون عن أشكاله ومضامينه، وعن ماضيه وحاضره، وعما يؤدّيه في الحياة ويعبّر عنه.

الشاعر الفرنسي جان كوكتو يعبر عن حيرته بين شعوره العميق وإيمانه الكامل بأن الشعر ضرورة، وما يراه في هذه المدينة الحديثة من جفاف ووحشة وانصراف عن الشعر وعن الفن بشكل عام. يقول «الشعر ضرورة. وآه لو أعرف لماذا؟»

وسوف أحاول الإجابة عن سؤال كوكتو مبتدئًا من الشطر الأول في عبارته: الشعر ضرورة. والدليل على ذلك وجوده واستمراره في كل اللغات وكل الحضارات وكل العصور. بل الشعر هو الأصل. هو أصل اللغة، ومن ثَمَّ أصل الحضارة؛ لأن اللغة حين بدأت لم تكن نحوًا وصرفًا، ولم تكن فنونًا وعلومًا مختلفة تتميز فيها لغة التعبير من لغة الاتصال، ولغة العلم من لغة الأدب، إنما كانت لغة واحدة تعبر عن كل ما يحسّه الإنسان ويشعر به ويخطر له في اليقظة والحلم وفي الواقع والخيال. وهذا هو الشعر الذي نستطيع أن نسميه لغة كلية؛ لأنه تعبير عن وعي كلي.

وفي هذا يقول الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر: «فالشعر لا يتلقى اللغة قط كأنها معطاة له من قبلُ، بل الشعر هو الذي يبدأ بجعل اللغة ممكنة. الشعر هو اللغة البدائية الأولى للشعوب والأقوام. إذن يجب خلافًا لما قد يتوهم أن نفهم ماهية اللغة من خلال ماهية الشعر». فإذا كان الشعر هو أصل اللغة كما رأينا فهو أصل الحضارة؛ لأن الحضارة بدأت من اللغة التي مكّنت الناس من التواصل والاجتماع ومن التفكير والتعبير. وربما كانت الحضارة العربية خير شاهد على الدور الذي أدَّته اللغة وأدَّاه الشعر في قيامها.

فالشعر هو ديوان العرب. والديوان هنا هو الثقافة والتراث والتاريخ. وبناءً على إدراكنا لهذه الحقائق نعرف أن الشعر ضرورة، ونفهم حاجتنا له؛ لأنه وسيلتنا لأن نعرف أنفسنا ونمثل حاجاتنا ونعبّر عنها بالاسم والصورة والصوت والحركة. فالشعر وعي كلي يسمِّي الأشياء ويصوِّرها ويمثِّلها ويغنِّيها. ومن هنا نستطيع أن نتصدى لتلك التيارات التي تظهر بين حين وحين؛ لتعلن الحرب على الشعر وتعدّه نقيضًا للعقل وخصمًا له. لماذا؟ لأن هذه التيارات تجعل العقل مجرد آلة حاسبة، وتحصر نشاطه في الإحصاء والتحليل والاستنتاج. وكذلك تفعل مع الشعر فتجعله مجرد تخييل وتهويم وانفعال. وهذا تضييق وتعسف لا يتفق مع ما نحسه ونعيشه ونعرفه من تواصل الحواس والطاقات، وتداعي الأفكار والانفعالات والخواطر والذكريات.

نحن ننفعل بعقولنا؛ لأننا نكتشف بها المجهول ونتخيله ونتوقعه ونحلم به. ونحن في المقابل نفكر بأفئدتنا، ونحس بها، ونزن الأشياء، ونمتحنها. ولهذا رأينا القلب في تراثنا مرادفًا للعقل. وباستطاعتنا أن نفهم من هذا أن العقل ليس واحدًا في كل الثقافات، وأن وظيفته تختلف قليلًا أو كثيرًا من ثقافة لأخرى. ولهذا يتحدث الباحثون عن العقل الشرقي والعقل الغربي من دون أن ينكروا بالطبع ما هو مشترك بينهما. ونحن لا نعرف من ناحية أخرى أن الشعر ليس واحدًا في كل اللغات، وليس واحدًا حتى في اللغة الواحدة، فالشعر الغنائي شيء، والشعر الملحمي أو المسرحي شيء آخر. والرومانتيكي غير الكلاسيكي، والجديد غير القديم.

هل نسلم بأن الشعر مات؟

cocteau

جان كوكتو

ولأن الشعر للتيارات المعادية له مجرد انفعال وتخييل، فهو صور وإيحاءات تثير الانفعال من دون أن تفصح عن معنى محدد. ولهذا لم يعُدْ له مكان في هذا العصر الذي ازدهر فيه العلم، وأصبح كل شيء موضوعًا للبحث والمناقشة والمنطق، ونحن نرى أن الشعر لم يعُدْ يحتلّ في هذه الأيام المكان الذي كان يحتله من قبلُ. فهل نسلِّم بأن الشعر مات، وبأنه لم يعد ضرورة، ولم يعد مَطْلبًا؟ أم أن تراجع الشعر له أسباب ليس من بينها استغناء الناس عنه، وأنه لا يزال حيًّا قادرًا على مواصلة حياته، ولا يزال ضرورة ومَطْلبًا، وأن علينا أن نبحث عن العقبات التي تمنعه من الوصول للناس، وأن نذلِّل هذه العقبات؛ ليزدهر الشعر من جديد في الحاضر كما ازدهر في الماضي؟

وأنا أرى من خلال اتصالي بالحركة الشعرية المصرية، ومتابعتي للنشاط الشعري في عدد من البلاد أن الشعر لم يفقد خصوبته وقدرته على إنجاب أجيال جديدة من الشعراء الموهوبين. والعقبة التي تواجهها هذه الأجيال تتمثل في انعدام الوسائل التي تمكنها من الاتصال المنتظم بالجمهور، وتحرمها من هذا الحوار الخصب، وهذا التجاوب الذي لا بد أن يتحقق بين الشاعر والجمهور؛ كي يستعيد الشعر طاقته ويملأ مكانه.

ونحن حين نتحدث عن انعدام الوسائل نشير بالطبع إلى ما ترتب على هذه الثورة الإلكترونية التي خلقت أجهزة حلّت محلّ الكتاب، وكان لها أثر سلبي على الكتابة والقراءة، وعلى اللغة التي خسرت كثيرًا بموت الكتاب، ولم تعد لها تلك السلطة المعنوية التي كانت لها من قبل. ونحن نرى أن النقاد الجدد يتحدثون عن موت الأدب وموت المؤلف!

كيف نواجه هذه التطورات التي تعطل حركة الشعر، وتحول بينه وبين الناس؟

الشعر نفسه هو الذي سيجيب عن هذا السؤال؛ لأن الشعر ضرورة، ولأنه كما قال بول هازار: مطلب أبدي، ولأنه بعد كل أزمة يتعرض لها يعود حيًّا من جديد.

مديح الفراغ

مديح الفراغ


لا
أحتاج أشعارًا

ولا لوحات

لا كتب فلسفة

ولا تاريخ

أريد أن أبقى خفيفًا

خاويًا

أو

مديح-الفراغ-على الأصح-

جاهلًا

أكنس رُوحي


لا معرفة في المكتبات

هي

حيث لا يتوقّع أحد-

في غرفة تغذية البطون، لا العقول

أين تحديدًا؟

في المطابخ

أحضن بَصلة بحنان

بين كَفَّيَّ


أقربها من فمي وأكلمها:

يا صديقة الخدم

يا حرة نفسك

يا أجمل من وردة

ثوبُكِ البنيّ الفقير

ينقذك من العَرْض

-مقطوعة الرقبة-

في الفاترينات

من رميك وسط الجثث

في المقابر

من أن ترسمي ابتسامة

على شفاه المرضى

وتلفظي آخر أنفاسك

في جلوكوز المزهريات

من شهادة الزور

على قصص الحب

بين عشَّاق كاذبين

أنتِ لستِ مجرد ثمرة

يا أختي

أنت قدِّيسة عائلة الخضروات

مَن يذبحك

تمتلئ عيناه بالدموع

الناس لا يطيقون رائحتكِ

لأنها كريهة كالحقيقة

أطبخ وأتأمل

كل بَصلة حكمة

كل طبخة درس

تقشير البصل

-طبقة وراء طبقة-

يكشف جوهر الوجود: الفراغ

 

 

محمود درويش .. أشهر شاعر للأسف

محمود درويش .. أشهر شاعر للأسف

عبدالمنعم-رمضانعنوان هذه المقالة، هو محض تقليد مقصود للعبارة الفرنسية التي أتمنى أن تكون شائعة: «فيكتور هوجو أشهر شاعر فرنسي للأسف»، ولقد اكتشفت وأنا ألوك العنوان أنني أغني مع فيروز وسعيد عقل والأخوين رحباني، هكذا علانية: «غنيت مكة أهلها الصيدا»، علّني أهدأ، وأغني معهم هكذا هكذا بغير علانية: «مصر غابت شمسك الذهبُ»، علّني أحتاط، وأتأمل روايات رجاء عالم مثل رجل أعزل ممسوس باللغة، علّني أستمتع، وأفكر جدًّا، وأفكر حتى النخاع، في شعر محمود درويش، علّني أنسى، وفى كل أحوالي، خاصة حالتي الأخيرة، أحسب نفسي تلك النخلة الشاردة على الطريق، تلك النخلة التي ينصحني كل معارفي بألّا أكونها، فأخون هذه النصيحة، ولا أخون بقية النصائح، أعني ما نشز منها، وما أهمله العامة والخاصة، وما هجرته الألسنة، وتخلى عنه السابقون، رغم أنهم ناصحون غالبًا.

ينصحنا السابقون بقراءة من سبقوهم، ينصحنا أبو تمّام بامرئ القيس، وأبو العلاء بالمتنبي، وإبراهيم ناجي بخليل مطران، والمازني بابن الرومي؛ فيما ينصحنا قريبو العهد من السابقين بقراءة واحد من اللاحقين، وهي حالة الاستثناء الوحيدة، ينصحنا السياب والبياتي ونازك ونزار قباني وصلاح عبدالصبور وحجازي بقراءة محمود درويش، لعلنا سنعرف السر.

ما نعرفه الآن أن أجمل ما تركه لنا محمود درويش هو شعره، وهو شعر قد يصيب محبّيه إذا عكفوا عليه لاختيار أفضله، قد يصيبهم بالحيرة والارتباك، وأسوأ ما تركه لنا محمود درويش هو نقاده الذين جهلوه مرات، والذين تواطؤوا على الحفاوة به مرات أكثر، وجغرافية هذا التواطؤ تبدأ من مكان معلوم قريب من الشعر ولا تنتهي عند أماكن معلومة أخرى قريبة من السياسة، فمنذ كان النقد يعتمد على الذوق، يعتمد على الانطباع، إلى أن أصبح يعتمد على تلاميذ الأكاديميات الذين فضّلوا أن يحلّوا المناهج محل الذوق؛ بدلًا من أن يسلّحوها به، منذ ذاك إلى ذاك، ومحمود درويش محل حفاوة الاتجاهين، أصحاب الذوق، وأصحاب الأكاديميات، فرجاء النقاش وهو من الأوائل، احتفل بشعر محمود في دواوينه الأولى، وأنشأ عنه كتابًا، ثم انصرف عنه في المراحل التالية، ونقاد اليوم وهم من الأواخر احتفلوا بشعر محمود، شعره الجديد، سواء في الجدارية أو قبلها بقليل أو بعدها؛ إلى أن وصلوا الخاتمة، إلى أن وصلوا لاعب النرد، كلهم قرؤوه بعيون مفتوحة إلى آخرها، بعيون لا ترى. 

darwich7

رجاد-عالمالجماعة وشاعرها العظيم

حيّرني شعر محمود درويش، وفكرت كيف أتأوّل لما أحببته من قصائد، فكرت أن أميز وأمايز بين الشاعر الجميل والشاعر العظيم، وتصورت أن كل جماعة من البشر، في أي مكان، في وطن محدود، أو في شبه وطن، تبحث عن رموزها العظيمة، وعن شاعرها العظيم، وإذا لم تجده اخترعته، وإذا لم تجده انتخبت أحد أجمل شعرائها، وارتفعت به إلى مرتبة العظمة، وقالت للعالم: هاكم شاعري العظيم، هاكم قلبي، على مر التاريخ كان الشعر العظيم نادرًا، على مر التاريخ كان الشعر الجميل أقل من نادر وأكثر من قليل، فكرت فيما يلزمني من آلات وعدد وأدوات يمكنني أن أستخدمها للتعرّف على الاثنين وللتفريق بينهما، خاصة أن بعض الخلط يأتي من كون كل عظيم لا بد أن يكون جميلًا والعكس صحيح، وخاصة أن البعض يعتقد أن الشعر يتعلق بالجمال، وأن العظمة باب آخر لأشياء أخرى، قلت لنفسي: هل السؤال ما الشعر العظيم- أعز الله يوسف اليوسف – سؤال مشروع؟ الحداثيون يتعالون عليه، تعاليهم أرقّ من ورق النشاف، والسؤال أكثف من سماء سابعة، ونحن لا نحتمل في أغلب أوقاتنا أن يتوتر الشعر ذاته بين المباشر وغير المباشر، بين المجسد والمجرد، بين الفيزيقي والميتافيزيقي، بين الواقعي والأسطوري، بين الله والشيطان، بين السماء والأرض، بين العالي والخفيض، بين الحركة والسكون، بين الصخرة والنبع، في أغلب أوقاتنا نحن نخاف النيرفانا، نخاف توتر الشعر؛ أي نخاف الشعر ذاته، الذي كأنه النيرفانا، أو كأنه ليس النيرفانا، كأنه غيرها، هذا التوتر يضع الشعر في مكان أرقى من الحلم، حيث الشعر طريق خلاص، بل أقوى من آفات الحلم، من هشاشته وهلامه، حيث الشعر طريق خيال، بل أقوى طريق خيال للقبض بكلتا يديك على فضاء الروح، على تماسكها وارتقائها.

darwich8فالحلم بهذا المعنى لا يستطيع أن يفعل ما يفعله الشعر، لا يستطيع أن ينافسه، مع العلم بأن الشعر يظل قوة الحلم، يظل أرضه الخصبة، وسوائله الدافقة، فكرت في أنني لا أملك الأدوات والعدد والآلات للتفريق بينهما: الشعر العظيم والشعر الجميل، ولكنني أحس في أثناء قراءاتي المتتالية لشعر محمود درويش أنه غالبًا ما يميل إلى أحد طرفين من أطراف الواقعي والأسطوري، السماء والأرض… إلخ، يميل إلى الهدوء، وعدم التوتر، وأن هذا ما يحقق له الوضوح وقابلية التداول، الوضوح والشهرة، الوضوح والخوف من الحرية، فيما يمتلك –أعني شعر محمود– خاصية الجمال التي فطر عليها الشاعر وشعره.

أول آثار الصدمة

قررت أن أتخلى عن هذا الاختيار، وأن أبحث لحيرتي عن طريق أخرى لتأويل ما أحببته من قصائد، قرأت شعر درويش ثانية، حاولت أن أتخيله في معمله، كيف ينظر إلى ما كتب من قصائد، كيف يفكر في إدخال كلمات جديدة لم يسبق له أن اشتغل عليها، كيف تكون الكلمات مغسولة بمياه زمانها، كيف تفتح آفاقًا وتمهد طرقات، قرأت شعر درويش؛ كانت دواوينه الستة الأولى ظاهرة السذاجة، ظاهرة الابتداء، وإن امتلأت ببذور وجذور وطرائف، وأيضًا ببعض أخطاء في العروض واللغة، هذه الدواوين تضع الخط الواضح عند قراءة درويش، لا بد أن تنتبه لشروط الصوت، متى تقف، ومتى تستمر، شعر درويش الذي يستند إلى الموسيقا، يضيع إذا قرأه وأهمل صوته هؤلاء الباحثون عن المعنى، جرّبت أن أستمع إلى قراءات بعض نقاده المفتونين، فاكتشفت أنهم لا يراعون أهم خصائصه، شفاهة درويش يقينية مثل فلسطينيته، في الديوان السادس «أحبك أو لا أحبك» الصادر سنة 1972م أي بعد خروجه من حيفا، واصطدامه، وجهه وفمه وجسده ولسانه وماء عينيه، بالقصيدة الحديثة آنذاك والتي شاعت في بيروت، وامتدت منها إلى العواصم كافة، أعني قصيدة النثر، تظهر أول آثار الصدمة، لا يجب أن ننسى أن درويشًا بدأ وظل سريع التأثر بما يقرأ، سريع الاستجابة؛ لذا اشتمل الديوان على المزامير التي جاء أغلبها على هيئة قصيدة النثر، ولأنه بدأ وظل شديد الذكاء والفطنة، وأدرك أن هذه القصيدة ليست أرضه، وأنها حتى ليست منفاه، فامتنع عنها نهائيًّا، وعاد ليتشبث بغنائيته، نعرف أنه حارب على استحياء قصيدة النثر، نعرف أنه لم يكن يحب المواجهة، كان يتفاداها، في أواخر عمره، كتب «في حضرة الغياب»، و«أثر الفراشة»، كتبهما تحت تسميتين: نص، ويوميات، وقصد بهما أن يكونا نافذة على قصيدة نثره، ولا أقول قصيدة النثر، فالخمر في كتابيه هي الخمر في غيرهما، وماء الشعر فيهما هو ماء الشعر في غيرهما، إنهما شعر عروضي تخلّى عن الوزن وأبقى على بقية العناصر، حتى الموسيقا ظلت رغم غياب العروض، كان درويش بعد أن اصطدم بجدار غنائيته، يلجأ إلى أسلحة يفتح بها ثقوبًا في ذلك الجدار، علّه يمر منها إلى غناء جديد آخر، لكن الموت لم يمهله، ولا شك أن درويشًا كان أذكى من نقّاده، وأن نقاده ظلوا أكثر جبنًا من جمهوره، وأقل وعيًا منه شخصيًّا، ففي الوقت الذي وعى فيه أزمته، وفكر في الخروج منها، كانوا يتسارعون إلى مدح كل ما يفعله، اختتم درويش ديوانه «أحبك أو لا أحبك» بقصيدته الشعرية الكبيرة «سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا»، وأتبعها بديوانه السابع الذي سوف يسميه «المحاولة رقم 7»، كأنه ينتبه إلى أن كل ما سبقها كان مجرد محاولات لبلوغ النهر، كأنه ينتهي منها، كأنه يثق في هذه المحاولة، كأنه يبدأ بها ما سيأتي، لاحظ هذه التسمية التي فعلها شعراء آخرون، يشبهونه، ويشبههم، الأصح قد يشبهونه، وقد يشبههم: «أوراق الغرفة رقم 8» و«الطاولة 48»، ويمكننا أن نبحث عن أصل لهذا التقليد، تقليد التسمية؛ خاصة أن شعر محمود طوال تاريخه كان مرآة تكشف عما يقرؤه، مرآة محدبة أحيانًا، ومرآة مقعرة أحيانًا.

darwich11الانفصال عن القطيع

darwich9غنائية محمود منذ المحاولة رقم 7، ستصبح غنائية مليئة، غنائية شاعر، وليست غنائية سياسي، وإن انطوت عليها. منذ (المحاولة) يتأسس جمال الشعر الدرويشي، وينفصل عن القطيع الذي نشأ معه، يصبح جماله رصينًا، جمالًا لا يقلقك، يطربك، يشجيك، يقودك إلى الغناء، إلى الرقص الوقور، يهزك أحيانًا، قد يرجك، يوهمك بالتساؤل، جمالًا لا يحاول أن ينقلك من عالم إلى عالم، ولا ينشغل بذلك، لا يحب أن يتركك مهمومًا تحمل أسئلة جديدة، وتضع عنك أجوبة قديمة، ولأن الجماهير من ناحية، هي لحظات عابرة وآنات متفرقة، وليست زمنًا ممتدًا، ومن ناحية أخرى هي طالبة أجوبة، وعلى الأكثر طالبة أسئلة ممكنة وخيالات ممكنة، فإن الجماهير لا تتعلق تعلقًا كبيرًا بالشاعر العظيم في زمنه، أكثر مما تتعلق بالشاعر الجميل، فالأول يخترق الأزمنة ويلتف حوله القراء، بعد أن تستقر أسئلته، وتستقر بعض حيرتها؛ أي في أزمنة تالية.

قلنا: إن محمود درويش هو الأذكى من نقاده، الأذكى من خصومه، الأذكى من غرق السفينة، في هذه اللحظة خرج محمود درويش عاريًا إلا من خمره القديمة، وكتب «في حضرة الغياب» و«أثر الفراشة»، آملًا أن يكونا استراحة أو استراحتين يعود بهما بخبرات جديدة وحكايات جديدة، يمكن أن تفصل العمق عن الغرق. فكرت أن أختار طريقًا أخرى؛ لتأويل مختاراتي من شعر درويش، قلت لنفسي: محمود هو الشاعر المهموم بالبلاغة أيضًا، وللبلاغة فروع ثلاثة: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع، قلت لنفسي: المعاني برزخ لا يكفيك فيه أن تكون ذكيًّا، لا بد أن تكون مفطورًا، لا بد أن تكون إلهًا صغيرًا، أن تكون شاعرًا، والبيان باستعاراته وتشبيهاته وكناياته، ومجازه أيضًا برزخ، البديع فقط هو ما يكفيك فيه أن تكون ذكيًّا، البديع بجناسه وسجعه وطباقه وتورياته وألعابه هو الأدنى بين الفروع الثلاثة؛ لأنه سهل الامتلاك، سهل الفقد، هو امرأة جميلة معروضة على الطريق، البديع أدوات، والاثنان الآخران آلات، فكرت أن قمة شعر درويش تعادل قمة البديع، وأنهما فاتنان فتنة نعرفها، ولكنني خفت من تفكيري هكذا، فقررت الاستغناء عن هذه الطريق أيضًا؛ لأنني يمكن ألّا أجيدها، تذكرت أن محمود درويش عندما وقع على «منطق الطير» لفريد الدين العطار، اختار الهدهد، وذكّرني بكلبي.

هدهد العطار، اصطاده درويش من سماء بعيدة، وبدلًا من أن يطلقه في سماء الشعر وهي بعيدة أيضًا، حبسه في قفصه، أعني قفص الشعر، ولما وقعت على منطق الحيوان، اخترت الكلب وفتنتني حكايته، وقلت: لا بد أن أصارح بها درويشًا وأباهيه. يروي الحكاؤون أن كلبًا ضالًّا استبد به العطش، فاقترب من حافة النهر، لكنه شاهد في النهر كلبًا آخر، نحن نعرف أنه شاهد صورته، ونعرف أن الكلب الأصلي فزع وتراجع ونبح، ولما غلبه الظمأ عاد إلى حافة النهر، وحاول أن يهش صورته، ولم ينجح فألقى بنفسه في الماء، ما فعله الكلب فعله عظماء المتصوفة والشعراء والثوريين والحالمين، لكن هدهد محمود درويش الذي اقترب من النهر عندما عانى العطش، على صفحة الماء رأى صورته فلم يخف؛ الغريب أنه اطمأن إليها ولم يبتعد، ولم يلق بنفسه في الماء، ظل هكذا: الفاتن المفتون، ظل واقفًا على الحافة، يرى صورته ويدعو كل الآخرين أن يروهما معًا، هو والصورة، هو والظل، إنه الهدهد الجميل، نرسيس الجميل، منذ دخل محمود درويش أرض الشعر وهو منشغل بتعريفه، كانت تعريفاته متواترة ومتلاحقة بإصرار في دواوينه الأولى، وأصبحت كذلك في دواوينه الأخيرة، إنها، أي التعريفات، كائنات تطل برؤوسها أكثر في المحطات البائسة، لفتني أن تجربة محمود درويش التي تنتسب إلى تجارب الرواد تختلف عنها في بعض الوجوه، فكلهم برز منذ ديوانه الأول أو الثاني؛ كلهم فتح بابًا وطريقًا منذ أوله أو ثانيه، بينما ظل محمود يكتب أناشيده، التي استظهرها الكثيرون، وظل يتطور ببطء إلى أن وصل إلى «المحاولة رقم 7»، وعندها بدأ الشعر.

.

نزار-قبانيكان شبح نزار قباني يخيفه

أخشى أن أكون قد عدت إلى موضوع آثرت الانصراف عنه؛ لأنني لا أجيده، المهم أن سفينة محمود درويش المتخمة بالموسيقا، المتخمة بالعطور، والتي بدأت منذ (المحاولة)، ستصل ضفاف التسعينيات، مصحوبة بقدر من الصفاء، يجعل كل هذه الفترات، أجمل فترات درويش الشعرية، لولا أن الخوف والمنافسة والنرجسية، شهرت كلها أسلحتها السرية، رأيت محمود درويش وهو يضطرب إذا حاول أحدهم أن يضعه مع نزار قباني في جهة واحدة، كان محمود يريد الجهات كلها، وكان شبح نزار يخيفه، شبح شهرته واتفاق أهل الرأي على أنه شاعر الجماهير الخاملة؛ لذا سعى محمود إلى الجماهير النوعية، الجماهير المثقفة، سعى إلى أن يجعلها بطانته ضد خصومه، هو لم يثق قط بالشعراء، كل الشعراء، انشغل محمود واهتم بأن يحمل إلى سفينة غنائه الألحان العميقة، والآهات الكثيفة، أن يحمل إليها بعض الميتافيزيقا، بعض المجهول والغامض، الغريب أن كل هذه الأشياء لا تحب الذكاء، ويمكن أن يضطرب بسببها الغناء، محمود يعرف أن الميتافيزيقا تميل إلى الحدس، وأن الذكاء حركة في المعلوم والظاهر، يعرف أن الميتافيزيقا حركة في المجهول والباطن، حمولات محمود درويش إلى سفينته، أتت لتعزز ذكاءه وغنائيته، ولكنها تعاكست معهما، ومع ما يحتاجان من صفاء، وبعد أن تفشّت هذه الأحمال، ووصلت إلى غرفة محركات السفينة، وإلى مطبخها وغرف نومها وسطحها العاري؛ بدأت السفينة في الغرق، والغرق أيضًا اتجاه إلى الأعماق، وفيما كانت السفينة توشك على الغرق، كان نقّاده يهللون للأعماق التي يتجه إليها!

.

darwich5

يعرف كيف يسرق

لا أحب أن أستنتج لغيري ما يجوز أن أستنتجه لنفسي، كأن أقول: إن الفطرة تظهر على الشاعر وتظهره منذ اللحظة الأولى، أما الذكاء فيحتاج وقتًا وممارسة وخبرة، عمومًا هذا وجه أول للاختلاف بينه وبين روّاده، الوجه الآخر يختفي وراء تلك العبارة المنسوبة إلى إليوت أو إلى غيره: إن الشاعر الحقيقي يعرف كيف يسرق ولا يعرف كيف يقلّد، والله لم يكن محمود درويش سارقًا ولا مقلدًا، لكنه مع ذلك لم يستطع أو لم يرغب في أن يسيطر على ظلال أو أشباح ما يقرؤه، كلنا مسكونون، كلنا نحرص أن نخفي أشباحًا، ولكنك عندما تشرع في قراءة قصائده ترى أشباحه تولّي، تبدأ مع لاعب النرد: «من أنا لأقول لكم ما أقول لكم»، فترى شبح صلاح عبدالصبور يختفي، تقرأ مرثيته لجمال عبدالناصر «الرجل ذو الظل الأخضر» فيتوارى أمامك شبحان لصلاح عبدالصبور ونزار قباني، وربما أكثر، تقرأ «سنة أخرى فقط» فيفر أمامك شبح أحمد عبدالمعطي حجازي، تقرأ «الجدارية» فترى أدونيس ينصرف بعد أن يترك عبارته «هذا هو اسمي» أو «هذا هو اسمك».

ما زلت حائرًا في اختيار طريقة تأويل مختاراتي من شعر درويش، أنقذني المؤلف الألماني الغربي هانز أيسلر، وأعطاني طوق نجاة، فهو يقرر أنه يوجد ثلاثة مبدعين كبار في ميدان الموسيقا ملؤوا حقبة القرن العشرين: شونيبرج وسترافنسكي، وياناتشيك الذي لم يستطع كما يقول أيسلر مجاراة زميليه في ابتداع قوالب ولغات موسيقية جديدة إلا أنه تميز بأصالة وواقعية تجلتا خصوصًا فيما أدخله من تجديدات على طرائق التعبير؛ ولعل ذلك يكون الإجابة على السؤال: لماذا يصعب جدًّا إيجاد مكان مناسب لياناتشيك داخل إطار أي مخطط ثوري، بينما يحتل كل من شونيبرج وسترافنسكي موقعًا بارزًا في قصة تطور الموسيقا الغربية؟ فبقدر ما برع الأول في استخلاص نظام غير مسبوق، وإن كان لا يزال موضوع خلاف، أتيح للثاني أن يهبَ الإيقاع وضعًا جديدًا تمامًا، وحرية تفوق الوصف، فماذا إذن عن ياناتشيك! إنه ليس بالقطع تقدميًّا ولا حتى محافظًا، وما دام قد أعرض عن ركوب الموجة السائدة، دون أن ينكص، كما يتوقع، على عقبيه، مذعنًا لحالة من الركود، أو لنقل بتعبير آخر: إن هاجس الصدمة الناشئة عن الجديد، لم يكن بأكثر استيلاء عليه من الرغبة الموجعة أحيانًا، في البحث عن إمكانية الصدق المعبر والمثير، وغالبًا ما ترد إشارات، تخالطها دهشة لها ما يبررها، إلى أن جميع أعمال ياناتشيك تعزى إلى أواخر الحقبة الوسطى والمتقدمة من حياته، ومما يسترعى الانتباه كيف أن رجلًا في عقديه السادس والسابع أمكنه بالفعل أن يكتب موسيقا تحفل بكل هذا الرصيد من الفتوة والطاقة والانفعال، كما تعيننا الظاهرة ذاتها على فهم النزعة التقريرية المباشرة عند ياناتشيك، فقد كان إدراكه بأن لديه الكثير الذي لم يُقل بعد، مقرونًا بشعوره الحاد بأن الوقت ينقضي بسرعة وأن الباقي من العمر لم يعد يسمح له بإبداء أي قدر من التظاهر، أو العقلنة، أو التوجه الحداثي الذي كان سمة العصر بأجمعه.

من الضروري أن أفيدكم بأنني لا أعرف ياناتشيك، ولكنني أعرف محمود درويش؛ وإذا فعلتم مثلي ووضعتم اسم درويش محل اسم ياناتشيك، فلسوف ترون ما أراه، ولسوف تستعيدون مثلي العبارة التي ابتدأت بها: إن أجمل ما تركه محمود درويش هو شعره، وأسوأ ما تركه لنا هم نقاده العابرون وحدهم في كلام عابر!

درويشدرويش لا يسرق

إخواننا الأكاديميون يقولون: إنه تناص، ونقول معهم: نعم، طبيعة شعر درويش، والتي تدل على شاعر عمودي في الخفاء تقول: إنها النقائض أو المعارضات، ونقول: نعم، العقاد يأسى ويحزن ويقول: هناك شعراء لا يكتبون إلا وأمامهم مثال يحاكونه أو يهزؤون منه، ونقول: لا، درويش ليس منهم، عندما نخلو بأنفسنا نتساءل: هل أشباح درويش هي مثيراته؟ هي بعض حصته من الميراث؟ الأكيد أن درويشًا لا يسرق، أن درويشًا لا يقلد، الأكيد أنه أيضًا لا يخاف من كتابة عبارات كتبها الآخرون، فعالمه الخاص يحميه أيضًا وطريقته أيضًا تحميه، يمكن أن نصدق (علي حرب) عندما يقول عن درويش: أنا أعرف أنه يقرأ لآخرين، ويقتبس منهم أحيانًا بصورة تكاد أن تكون حرفية، كما في عباراته الواردة في (جدارية): «اكتب تكن. اقرأ تجد» وهي تحيل على مقالات طه عبدالرحمن «اكتب تكن. انظر تجد»، بالطبع يحوّل درويش ما يقتبسه إلى قول شعري يحمل ختمه وطابعه؛ انتهى كلام (علي حرب) يمكن أيضًا أن نصدق الشاعر العراقي محمد مظلوم عندما يقول: لذلك فإن السياب ومعه البياتي ونازك يبكون موت درويش أكثر من غيرهم حتى وهم يستعيدونه، لكأنه الابن الأكثر تمثلًا للجينات الفنية لأشعارهم، يكمل محمد مظلوم: ورث درويش الريادة حقًّا مستحقًّا، ورثها مجدًا وعبئًا، ورث شيئًا من جماهيريتها، وشيئًا من منفاها، وطاف بها ملكًا متوّجًا بين الصفوف، في إيقاع درويش يقول محمد مظلوم: لا تجد تدويرًا واضحًا في مجمل تجربة هذا المغني العربي، وهو لم يبتعد كثيرًا عن محيط الدائرة الإيقاعية وتلخيص المعنى الذي دأب عليه الرواد؛ انتهى كلام «مظلوم».