المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

انتبهي! لا تركبي في عربة العمال سعوديات يسردن حكايات مع المترو ويكتبن هواجسهن عنه

بواسطة | مارس 1, 2017 | الملف

انتبهي!-لا-تركبي-في-عربة-العمال-٢لا يحضر مترو الرياض في النقاشات العامة، سوى بصفته فضاء يمكن للمرأة أن تقتحمه، المرأة بكل ما تعنيه من أسئلة وقضايا دائمًا ما تثير الجدل. لا يعني مترو الرياض، في أحد وجوهه، سوى ثنائية المرأة والسائق، المرأة والعمل؛ إذ ينتظر أن يلج المجتمع السعودي إلى فضاء يشتبك بأمور عديدة، اجتماعية واقتصادية وثقافية، منها ما يخص العلاقة مع الآخر، سواء كان هذا الآخر المرأة، أم الأجنبي، أم الآخر «الجواني» الذي يعيش في داخلنا.

من ناحية، لكل منا تصوراته التي يحملها في ذاكرته عن المترو تبعًا لما تصوره لنا الأفلام ‏الغربية وتجارب السفر بشكل خاص، فحينما يخوض أحدنا تجربته الأولى مع المترو يشعر كأن ‏خارطة العالم وجغرافيته تداخلتا في رأسه، وكأنه يعيد تنظيمها من خلال المترو. فكيف لجامد أن يخلق كل هذه الفوضى في الذهن.

كثير من الأسئلة تحوم حول المترو، منها: كيف سيتحول هذا الشكل من شيئيته وجموده الآن، إلى مؤثر في الحياة الاجتماعية والثقافية في الرياض؟ هل نأمل في أن تتقلص تأثيرات الطابع الأسمنتي في نفوسنا وأذواقنا وعلاقاتنا وتواصلنا مع من نعرف ومن لا نعرف؟ كيف سيؤثر المترو في تقييم الوقت لدى مستخدميه؟ ما العادات التي ستتولد مع المترو؟ ما الذي سيختفي منا؟ كيف ستكون علاقاتنا وأصواتنا وطريقة كلامنا ونظراتنا ونحن ندخل المحطات ونقطع التذاكر ونختار مقاعدنا؟ هل سيصبح هناك اندماج اجتماعي أكبر؟ أو على الأقل إدراك مجتمعي للطبقات المختلفة داخله؟

هنا أكاديميات وكاتبات وأديبات يسردن لـ«الفيصل» حكاياتهن مع المترو في خارج السعودية، ويقترحن جملة من النصائح استعدادًا للاندماج في لحظة ستغير ما قبلها.

حنان بنت جابر الحارثي: ثقافة المترو

قبل الإجابة عما نتوقع ونأمل في أن يتحقق في مشروع قطار الرياض، أودّ الإفصاح عن تجربة شخصية حول استخدام المترو وثقافته الحضارية في اليابان، الشعب الذي يتلاقى مع العادات العربية الإسلامية في كثير من العادات والتقاليد، أكثر من أي شعب آخر.  ففي اليابان يعد القطار رمز حضارة، ومنهج ثقافة، وقاعدة اقتصادية ذات أهمية بالغة في الحياة اليومية للمواطن والمقيم في اليابان؛ حيث تعد وسيلة المواصلات الأولى في اليابان. والدليل على أهمية المترو أن هناك نحو تسعة ملايين نسمة تستخدم المترو يوميًّا في طوكيو وحدها، وهذا لا يضم رحلات القطارات السريعة التي تربط المدن الأخرى في اليابان. وبشكل عام، فالمترو هو وسيلة المواصلات للجميع إلى المدارس، والجامعات، والأسواق، والأماكن العامة، والدوائر الحكومية، ويقتصر استخدام البدائل على فئة قليلة جدًّا، أو من يضطر إلى ذلك من سكان القرى التي لا تربطها شبكات المترو. ولا أنسى هنا أن أذكر أن هناك عربات مخصصة للنساء ومجهزة بأحدث كاميرات المتابعة، بالإضافة إلى أجهزة مراقبة للمعوَّقين لمعرفة محطة الوصول للمعوَّق حتى يجد شخصًا في انتظاره لمساعدته.

وانطلاقًا من الثقافة الإسلامية التي هي أساس لمجتمعنا؛ فأتوقع أن يبرز مترو الرياض أولًا وقبل كل شيء حسن الاستخدام، وتوظيف هذه الخدمة الراقية التوظيف الأمثل لقضاء حاجاتنا اليومية، وذلك على غرار ما يقوم به شعب ثالث أكبر اقتصاد في العالم (اليابانيون). وتجدر الإشارة إلى ضرورة تكثيف الإعلام لنشر ثقافة استخدام المترو والاستفادة منه كوسيلة سهلة، واقتصادية، وآمنة، وحضارية، مع التركيز على صور من واقع مترو اليابان.

وفِي ضوء انتقاء محطات التوقف، يمكن القول: بأن مترو الرياض سيكون له أثر إيجابي  إذا ما تم الإعداد لاستخدامه في ضوء ما ذكر سلفًا.  وهنا سيكون أمام المواطن السعودي والمقيم المجال للإفصاح عن ثقافة مميزة ومتناغمة مع رؤية ٢٠٣٠م، وقد تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة المنشودة، وتساعد على تطبيعها على أرض الواقع. وأؤكد أن الإعداد لبناء الثقافة المنشودة، وتفعيل الاستفادة سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية من خلال قنوات الإعلام المختلفة هي ما سيحدد معالم نجاح مترو الرياض ومدى الإقبال عليه، أخذًا في الحسبان التوعية عن وسائل السلامة والأمن، وكذلك الخصوصية التي تعد من أهم ركائز المترو.

أكاديمية سعودية

منى المالكي: الحمل والذئب المفترس

مترو الرياض حدث مهم في حياتنا لأنه تجربة جديدة في التنقل، وكل تجربة جديدة تحمل في داخلها الدهشة والانبهار وإن كان أغلبنا قد مارس في سفرياته المتعددة تجربة ركوب المترو، ولكن ما نحن أمامه الآن هو «مترو الرياض» ولذلك يستوجب الحدث تفاعلًا اجتماعيًّا مختلفًا؛ لأن البيئة ستحاول صبغه بصبغة اجتماعية، ولكن مع التحولات المجتمعية والثقافية التي نعيشها أتصور أن مترو الرياض سيكون محركًا وفاعلًا في إحداث تغيير ثقافي في مفهوم التنقل والحركة والتواصل بين البشر، فالكل أمام بعض، وستختفي إلى حد كبير تلك العزلة التي تخلقها مقاعد السيارة!
وبما أن حركة المرأة مقيدة ولا تستطيع قيادة السيارة، فسيكون المترو أكثر أمنًا وأوفر اقتصاديًّا، كما أتوقع أن المرأة هي من ستدفع تذكرة المترو وبالتالي ستعطيه زخمًا اقتصاديًّا كما يحدث الآن مع شركتي «كريم» و«أوبر».

وجود الرجل والمرأة في ذات المكان لمدة زمنية مختلفة كل يوم سيكسر حاجز الوهم بفكرة الحمل والذئب المفترس، تلك الثنائية المريعة التي روج لها خطاب وعظي بارد لا يرى في الحياة غير جسد المرأة وفتنته! والواقع اليوم سواءٌ في مجالات العمل المشتركة بين الرجال والنساء أو في الدراسة في الخارج أثبت أن هذا الرأي الجائر في علاقة المرأة بالرجل خطأ يجب تصحيحه، وأزعم أن مترو الرياض بجانب الابتعاث، وفتح مجالات جديدة لعمل المرأة، والخطاب الإعلامي والديني المتوازن الواعي سيحقق تحولًا وتغيرًا اجتماعيًّا، يؤنسن العلاقة بين المرأة والرجل مرة أخرى بعد اختطافها زمن الغفوة.

كاتبة سعودية

انتبهي!-لا-تركبي-في-عربة-العمال-٣

أمل بنت الخيَّاط التميمي: مشهد الموت يلاحقني في كل مترو

سبقتني أختي إلى دبي بأسبوع وأوصتني بركوب المترو لنزهة أولادي، وقالت: احجزي البطاقة (الذهبية: VIP) حتى تستمتعي بالجلوس، لا تركبي في عربة العمال انتبهي. وصفت أختي رحلتها الماتعة إلى «دبي مول» وكيف نقلها المترو إلى مدينة الألعاب كيدزانيا بدون عناء الزحام، ووصفت جمال المنظر المشاهد من خلف الزجاج. شعور سابق لتحقيق متعة التنزه والمشاهدة في رحلة المترو، ولكن، أوّل ما أفسد علي المتعة، طول المسافة من الفندق إلى المحطة وأنا بكعب عالٍ، وقفنا ننتظر الحافلة في محطة الحافلات، حتى تنقلنا إلى محطة المترو؛ ولأننا لم نتعود على الانتظار، استأجرنا سيارة أجرة حتى تنقلنا إلى المحطة، قطعنا التذاكر، وخضنا التجربة بفرح، نقدم الخطوات نحو المركبة، دخلنا المركبة وإذا هي مركبة عادية ولم نرَ الرفاهية التي وُصفت لنا، همست في أذن زوجي هذه درجة VIP؟ قال ارجعي يبدو أن تذاكرنا في مركبة أخرى، خرجت ابنتي مناير، وأنا في المنتصف وحال بيني وبينها الباب، وأقفل بسرعة كالبرق، وبإحكام موصد وكأنه حاجز الموت الذي يخطف ولا يعود بما خطف.

خطف ابنتي وأنا تراجعت للخلف فلم أعلم ما مصيرها، كنت لا أرى سوى مشهد يديها ممتدة نحوي، وفم يصرخ ماما ماما، لا أعلم ما مصير ابنتي هل قطع يديها؟ هل فرمها؟ هل داس عليها؟ كل مشاهد الموت رأيتها، خطف الموت ابنتي، وخطفني المترو إلى عالم مجهول، وهنا بدأت دهشة المغامرة الخطيرة التي ارتكبناها، نصعد مركبة لا نعلم طريقة التعامل معها، وتسبب هذا الجهل لي بعقدة من هذه المركبة الخطيرة. ما كنت أعلم أنه بدون سائق، ويقفل الباب في ثوانٍ، ويقص الحديد، لم أتعود التعامل مع الجمادات الباردة، تعودت أتكلم وأجد من يرد علي، ولكنني أتعامل مع آلة بدون عقل يدرك صراخ أم تبكي تقفز تدق على الحديد والزجاج بكل قواها، ولا يستجيب لعواطفها، البشر الذين كانوا فيه جمادات مثله، أصبحت أصرخ بأكثر من لغة كي يفهمني من حولي، ابنتي دهسها فرمها قتلها خطفها، قف قف، قف، stop لا أحد يتجاوب مع قفزي وبكائي وركلاتي على الحديد.

فجأة ثلاثة شبان عرب يتحدثون بلهجة مغربية، أمسكوا بيدي محاولين تهدئتي، تجاوبت مع الإحساس البشري، وهم تفاعلوا مع صراخ الأم الفاقدة لكبدها، همس أحدهم قائلًا: لا تخافي بإذن الله إنها بخير سيقف في المحطة الأخرى ونُبلغ عنها، ثم نعود لها. سمعت الأمان في همس الشاب المغربي، وجمادات المترو لم يستجيبوا لصراخي، أيقنت أن من يركب المترو جماد لا يتجاوب مع البشر، نزلت المحطة بصحبة الشباب الثلاثة، دهشت من نفسي، لم أتوقع أنني بهذه اللياقة أركض الممرات، أجري على السلالم أقفز الحواجز، ربما كنت أسرع من المترو نفسه.

وجدت نفسي مع الشباب أمام بشر من موظفي المحطة يتجاوبون معي، سجلنا بلاغًا عن فقدان طفلة في محطة فندق البستان، كنت أتوقع أنهم سيخبرونني بأنه دهسها، وفجأة تأتي البشارة بأنها بخير. حمدت الله وبكيت من الفرح. عدت مع الشباب حيث ابنتي هناك، لا أعلم حينها اضطربت عندي المشاعر هل أبكي؟ هل أحضنها؟ هل أشكر الشباب؟ وجدت نفسي أسجد لله شاكرة، وأنثر على ابنتي الماء حتى تغادرها الفجعة، وبعدها التفت إلى الشباب، وجدتهم يبكون من هول الموقف، تأملت أعينهم، تفاعلوا معي، والمترو يحطم نفسيتنا بقسوته ويدوس مشاعرنا ويسير إلى دهس مشاعر أخرى، بلا مشاعر بلا أدنى مسؤولية أنه يؤلمنا.

سألت الشباب عن سبب ركوبهم هذه الآلة القاتلة، أجابوني بصوت واحد، قادمين نبحث عن وظيفة ولولا الحاجة ما ركبناه، ومن حسن الحظ كانت حقيبتي مزودة بالنقود، أصبحت أوزع عليهم النقود وهم يتمنعون، فقال أحدهم: ساقنا الله إليكِ، وساقكِ الله إلينا، سنأخذ المال لأننا لا نملكه، ولعلنا نوفق بوظيفة من دعواتك. شكرت الشباب، واستنشقت الهواء بعمق، غابوا عن نظري، وبعدما ارتحت، استرجعت المشاهد التي خضتها معهم وأنا أركض لإنقاذ ابنتي، وجدتها لقطات كأنني في فلم مثير يعرض في هوليوود.

كم من قصة مماثلة ستكون مع افتتاح مترو الرياض، ونحن شعب يجهل ثقافة المترو، شعب يجهل التعامل مع قصف الآلة، لن يركب هذه الآلة إلا المحتاج جدًّا إليها، وستتعبه أكثر من تعبه، هل يستوعب بلد عربي مثل هذه المشاهد المثيرة؟ لاحظت في الغرب حتى الحيوانات لها أماكن مخصصة في الباصات، فهل نحن مستعدون لهذه الثقافة بدون مشكلات؟ كم من القصص ستبقى في الذاكرة وكم ستموت؟ عن نفسي لن أكرر هذه التجربة ولن أقبلها على أولادي ومن أحب، بقي مشهد الموت يلاحقني في كل مترو أراه في أي مكان أذهب إليه، شبح الموت أراه في مترو السويد، ولم أركب هذه المركبة الجامدة، وكنت أتكبد مبالغ باهظة وأنا أركب سيارة الأجرة بديلًا منه، وحينما أرى المترو أريد أن أسترجع فقط مشهد نشامة وشهامة الشبان المغاربة العرب.

أكاديمية سعودية

الهنوف الدغيشم: سنعيد ضبط ساعاتنا

الهنوف الدغيشم

الهنوف الدغيشم

هل ستتغير ملامح الرياض؟ هل ستصبح هذه المدينة أقرب للإنسان وحكاياته؟ وهل سيخبو صوت منبهات السيارات؟ ويعلو صوت حكايات العابرين في جوانب المترو وهو يعبر هذه المدينة الضخمة؟ كيف سيتحول هذا الشكل الأسمنتي من شيئيته وجموديته الآن، إلى مؤثر في الحياة الاجتماعية والثقافية في الرياض قريبًا؟

هل نأمل أن تتقلص تأثيرات الطابع الأسمنتي على نفوسنا وأذواقنا وعلاقاتنا وتواصلنا مع من نعرف ومن لا نعرف؟ هل ستغيب عن أعيننا وذواتنا هذه الأشكال الأسمنتية وكسراتها وزواياها الحادة وأرصفتها وحواجزها؟ وهل سيختفي شعورنا بشيئيتها وجمودها؟ كيف ستكون علاقاتنا وأصواتنا وطريقة كلامنا ونظراتنا ونحن ندخل المحطات ونقطع التذاكر ونختار مقاعدنا ونسأل عن أي محطةٍ نقصد؟

هذه الأسئلة تنمو في رأسي في كل مرة أشاهد المترو وهو يتشكل بشكله الأسمنتي مخترقًا مدينة الرياض، محاولًا تجميع أطرافها.

أتخيل الرياض وهي تتغير وتتشكل مرات ومرات، ربما ببطء ومقاومة في البداية، لكن الروح الشابة لأهلها ستتقبل هذه التغيرات الثقافية والاجتماعية التي سيحملها المترو معه. في البداية، ستنبت كثير من الحكايات، ستتغير بوصلة الحديث في اجتماعات العائلة والأصدقاء نحو المترو، سنسمع حكايات لطيفة، وسنسمع أيضًا حكايات غير منطقية، وستستخدم هذه الحكايات للترويج أو للتنفير منه. مع الوقت.. ستخبو هذه الحكايات، سيصبح المترو من روتين الرياض، روتينها الطبيعي الذي لا يحمل كل هذه الاندهاشات، اندهاشات البداية. سنتآلف معه، سيصبح جزءًا مألوفًا وغير مدرك من حياتنا. أتخيل أن ثمة إقبالًا من طبقات مختلفة في المجتمع لتجربة المترو، أحد أسبابها الرغبة في تجربة الجديد، أو دفع ثمن الفوضى المرورية التي صاحبت إنشاءه، وتفادي الازدحام الذي أصبح طابعًا لمدينة الرياض، أو ربما عطشًا لمصادفة حكاية مع العابرين. كما أعتقد أن المرأة ستستخدمه أكثر في محاولة لمقاومة كل معوقات المواصلات لديها. نحن الذين اعتدنا دائمًا أن تكون مواعيدنا مفتوحة، أن نقول مثلًا «الموعد بعد صلاة العشاء»، وكم هو طويل وذائب هذا الوقت! فهل سيعلمنا المترو أن التأخير نصف دقيقة يعني تفويت الرحلة وانتظار ما بعدها؟ سيعلمنا المترو أن نعيد ضبط ساعاتنا وإدراكنا للوقت. سيعلمنا أكثر من ذلك، سيعلمنا كيف ننتظم في الدخول والخروج من المترو، سنتعلم كيف نقف عند باب المترو لنمنح الآخرين فرصة الخروج أولًا. مع التجربة، سيكون هناك رتم في حركتنا، وسيتحول المكان إلى نغم بين حركة الإنسان وحركة المترو، سيحمل هذا الرتم تأثيرًا في سلوك إنسان الرياض، سيصبح أكثر صبرًا، أكثر قدرة لضبط وقته، وأكثر مرونة في التعامل مع الآخر، فسيتحول المترو من شيئيته الجمودية إلى مؤثر في النمط الاجتماعي بأكمله.

ستحتوي المحطات بقالات ومحلات تبيع معروضات ومطاعم صغيرة، سينتظر الركاب في المقاهي، سيتحدثون من أين جاؤوا وإلى أين سيذهبون، سيسألون وسيتعارفون، سيحكون عن حياتهم وأطفالهم، سيبتسمون. لن يعودوا معزولين كما في سياراتهم الخاصة. سيؤثر المترو في علاقات الإنسان، ورؤيته للآخر، سيقترب الغريب عن الرياض من أهلها، هكذا أظن، وسيحمل في ذاكرته صورة متنوعة وقريبة من تفصيلات الحياة. الأسئلة لا تتوقف عن التبرعم في رأسي، فهل يمكن للعلاقة بين الرجل والمرأة مع الوقت أن تكون أقل تحفزًا؟ نسق الحياة في الرياض جعل هذه العلاقة في حالة توجس، وفي حالة تضاد دائمة. أتخيل أنه في البداية سيزداد توجس المرأة تجاه الرجل، ومع زيادة استخدام المترو، ستجد المرأة نفسها مضطرة بداية لأن تسأل عن اتجاه ما، عن مكان ما. وحينما ترى أن الأمر أكثر بساطة مما تظن، وأنه سيأخذ منحى إنسانيًّا عابرًا، سيذوب هذا التوجس، ستبدو العلاقة أكثر وضوحًا، أقل توجسًا. سيكسر المترو ما بناه الأسمنت، سيذيب جمودية العلاقات، فكبار السن سيظهرون في رتم الحياة، سيكونون جزءًا من الصورة، سنراهم أقرب للأجيال اليافعة، سيتحركون داخل المدينة دون اعتماد على أحد ما، سيجدون كثيرًا من الشباب والشابات المستعدين دائمًا لمساعدتهم، وسيشعرون أنهم أقرب للحياة. سيعتاد الأطفال أو الناشئون على هذا النوع من الحركة، وحينما يرونه منظمًا وآمنًا، سيسهل فيما بعد تنقلهم وحدهم، هذا ما أتمناه على الأقل.

ما الذي سيختفي منا؟ هل سيصبح هناك اندماج اجتماعي أكبر؟ أو على الأقل إدراك مجتمعي للطبقات المختلفة داخله؟ كل هذا محاولة تخيل وقراءة لتأثير المترو، ربما سيخلق مفاجآت لم يكن لنا توقعها ورصدها.

كاتبة سعودية

نوير العتيبي: أنسب كتاب اجتماعي

الرياض مدينة يضج فيها كل شيء إلا صوتها، مدينة مزدحمة بآلاف الحكايات المطمورة والمنسية والحياة المتكلفة التي سرقت طبيعتها كأنها، وفي لحظة تمدد خطوط سكك جديدة على صدر هذه المدينة ستقول: القطار سيخرج مفاهيم اجتماعية عديدة، وستلبسون لونًا حياتيًّا لم تعتادوه! فتلك المدينة التي تقسم كل شيء على اثنين اختارت أن تغير المعادلة وتلغي القسمة. وتتهيأ لخوض تجربة تضاف لسابق خطواتها في التغيير غير أن وسيلة النقل الجديدة ستترك أثرًا في الجانب الاجتماعي والإنساني.. إن الحركة الدائمة للإنسان وللبحث عن ضروريات الحياة جعلته يستخدم وسائل النقل التي تسهل له عملية الانتقال وبالطبع تشكل هذه الوسائل بجانب أهميتها عبئًا بيئيًّا ومشكلات حضرية، أبرزها الاختناقات المرورية والتلوث بكافة أشكاله؛ لهذا جاءت فكرة القطار في مدينتنا أبرز الحلول التي نتطلع لبدء تشغيلها. ولخوض تجربة مماثلة للدول السابقة في ذلك. فالتوسع العمراني هو الأصل، ووجود وسائل النقل كي تمكن أفراد المجتمع الواحد من التواصل فيما بينهم بعدما تعذر عليهم التواصل بالأقدام.

سيسهم القطار إلى حد كبير في إحداث التغيير الاجتماعي بين أفراد المجتمع عمومًا؛ إذ إن المترو سيقصده كل الفئات، وسيتاح بكلفة أقل مما هو متاح، ومن هنا ستكون عملية الاتصال الاجتماعي متاحة بشكل أكبر، إذ إن الممرات الطويلة والمقاعد المرصوصة ومحطات الانتظار ستضج بحياة مختلفة وتبادل معرفي، يلتقي فيها الفرد مختلف الفئات، ولن تكون التجربة مجردة ولو على سبيل التأمل لحركة الحياة. سيصبح المترو رافدًا ثقافيًّا ليتعرف المجتمع على كل فئاته دون الحواجز المتكلفة، ولعله يعيد الطبيعة الإنسانية كما هي صورها في كافة بلدان الجوار قبل البلدان المتقدمة. ومن المؤكد أن تلك الوسيلة ستنعكس على السلوك الاجتماعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أنه ستستجد قوانين اجتماعية تحكم هذا الفعل الاجتماعي (فعل التنقل)، وستنبت في محطاتنا الحكايات المخيفة قبل البدء وعند التجارب الأولى لتشغيله، وستشحذ العواطف الدينية كعادتنا عند أي تغير، وبعدها ستنسى تلك الحكايات حين يكون العقل في مقدمة كل قول ليدحض الحكايا التي تعوق التقدم وتمنع الحياة. فشبكات الخطوط الجديدة ربما تعيد شيئًا مما فقدته المدينة، وربما تمنحها آلية جديدة تتعاطى مع الحياة بشكل يذيب جمودها. يقول أدونيس: «إن المترو أنسب مكان تقرأ فيه كتاب علم النفس»، وأنا أقول: إنه سيكون أمتع كتاب اجتماعي ممكن أن تقرأه.. هو مترو الرياض.

شاعرة سعودية

أسماء الزهراني: ملايين الأحلام

تستيقظ لصلاة الفجر ولا تنام بعدها؛ لأنها إن أخذت غفوة استرخاء مهما كانت قصيرة فستفوت حضور عملها في موعده بين ‏السابعة والثامنة، الموعد الذي تفوته مهما كانت دقيقة خروجها من المنزل، لأن العبرة في جدة والرياض، المدينتين اللتين ‏تكبران كل ساعة، ليست بالتبكير بل باستحالة اللحاق بامتداد قطار السيارات الذي يضاف له عربات كل يوم ومزيد من التفافات ‏الطرق للتحايل على الزحام!

وحيث لا يمكن لساكني هاتين المدينتين إنجاز أكثر من مهمة في اليوم، باحتساب الوقت الذي سيمضونه في الطرقات، فكم أريق ‏على تلك الطرقات من أفكار ومشروعات كانت ستصنع فارقًا هائلًا. في هذا اليوم بالتحديد كان الطريق سلسًا بشكل لم تعهده، فهي لم تضطر للدخول في مسيرة سيارات واقفة، بل صعدت من إحدى ‏محطات قطار الأنفاق، الذي لا يقطع مسيره تحويلات ولا حفريات ولا إشارات. وجدت نفسها مبكرة أكثر مما ينبغي في موقع ‏الجلسات العلمية، حتى إنها شعرت ببعض القشعريرة! كانت السكينة تعم المكان فقررت أن تغير موعد خروجها في اليوم التالي! اليوم الذي لم تشعر فيه بحاجة لتعليق عينيها بالسائقين المتهورين، وتركيزها مع السائق لتنبيهه لمفاجآت الطريق كعين ثالثة! ‏فقررت أن تقرأ شيئًا حتى الوصول لموعدها. في ذلك المقعد الهادئ قضت أيام الرحلة الأربعة تتأمل الملايين التي يحملها القطار يوميًّا ذهابًا وإيابًا، وتحلم بمقعد يشبهه في ‏الرياض وجدة، وتحسب كم من الخطط والطموحات ستنجو، وكم من المشروعات ستتحقق بدون أن تجهضها هذه الطرقات التي ‏تحمل كل يوم ملايين المواطنين مع ملايين الأحلام!!‏

عضو مجلس الشورى السعودي

أثير عبدالله النشمي: ليس حميمًا، كما توقعت!

كان هذا أول ما تبادر إلى ذهني في أولِ مرة صعدتُ فيها على متن المترو، كُنت دائمًا ما أتخيل المترو بشكل مُختلف، أنا القادمة من بلاد لا تتعاطى مع المواصلات العامة بعمومها، ما بالكم بمترو ينطلق بسرعة ثمانين كيلو مترًا في الساعة!

دائمًا ما كُنت أتخيل رائحة المترو أو القطارات، كُنت أتصور دائمًا أن لها رائحة تُشبه بشكل ما رائحة الكُتب، هكذا صورت لي الأفلام الأمر، أُناس يتشابهون بشكل ما، يتقاطعون بطريقة ما، يستقلون كبائن القطار ومقاعد المترو، يقضون الوقت في قراءة أدبيات كلاسيكية، يلتقي بعضهم مُصادفة من يُشبهه، يكتشفون أنهم توأم روح، يقعون في الغرام، يتزوجون وتُخلد الحكاية!

لكنه لم يكُن مثلما تخيلت على الإطلاق، لم يكُن يُشبه قطار فلم before sunrise ولم يكُن من عليه يُشبهون من كانوا عليه! كان أسرع مما كان من المفترض عليه أن يكون، ممتلئ بأناس مُختلفي الملامح والهيئات، أناس لا يتشابهون فيما يرتدون ولا في الطريقة التي كانوا يجلسون أو يقفون فيها، لم تجمعهم لغة، وأكاد أجزم بأن أعينهم لم تلتقِ أبدًا طوال تلك الرحلة، الشيء الوحيد الذي اتفق ركاب المترو عليه هو انشغال معظمهم بالأجهزة الإلكترونية التي كانت في أيدي الأغلبية، باختلاف أنواع تلك الأجهزة. كُنت وحدي من يُحملِق في ملامح الجميع، كُنت أتأمل ذلك الاعتياد على الوجود في مكان كهذا، كاعتيادي على أن أستكين خلف مقعد سائقي في الرياض، لم يكُن هُناك مُتوتر سواي، أنا التي كدت أتراجع عن اللحاق بالمترو خوفًا من أن يُغلق بابه عليّ فيطحن جسدي قبل رأسي!

شعرتُ بالخجل من خوفي، وشعرتُ بالخجل حينما تخيلت أن الباب فعلًا قد أغلق علي، وشعرتُ بالخجل كثيرًا حينما تأملت تأخري في المرور بمثل هذه التجربة. كُنت سعيدة جدًّا في اليوم الذي استقل أطفالي فيه المترو لأول مرة، تأملتُ طويلًا تلك الدهشة، وجدتُ أنها كانت تشبه دهشتي بشكل لا يُصدق عند استقلالي المترو لأول مرة، كُنا على القدر نفسه من الدهشة، على رغم فارق العمر الكبير عند استقلال كل منا المترو لأول مرة! كُنت ممتنة لتلك السرعة التي خطفت أنفاس أطفالي ونفسي أيضًا، لا لمُجرد أنها أدهشتنا وأضافت لنا تجربة مُختلفة لم يكُن ليتسنى لنا المرور بها في الوطن حينذاك، ولا لأنها وفرت علي كثيرًا من المال الذي كُنت سأنفقه مقابل سيارات الأجرة أو السيارات الخاصة التي كُنت سأستقلها في حالة عدمِ وجود المترو، بل لأنها جعلت تنقلاتنا أكثر سهولة وأوفر وقتًا مما كانت عليه، سيعي تمامًا معنى هذا الأمر وقيمته من هو مسؤول عن أطفال صغار في عُمر الملل والحركة. ممتنة أنا بأن أطفالي قد عاشوا هذه التجربة مُبكرًا، ممتنة أكثر لأنهم سيمرون بها كثيرًا بإذن الله في وطنهم، حتى يفقدوا دهشتهم حيال الأمر، وحتى يعتادوه مثلما كان يبدو على من كانوا يستقلون ذلك المترو في رحلاتنا الأولى عليه.

حينما نزل أطفالي من المترو لأول مرة قال لي ولدي الأكبر بخجل: «ماما، خفت يسكر علي الباب ويكسر رأسي». ابتسمت، تذكرت نفسي في أول رحلة على مترو الدهشة!

روائية سعودية

حنان‭ ‬الأحمدي‭:‬ التحرر‭ ‬من‭ ‬الاتكال‭ ‬على‭ ‬الآخر

حنان الأحمدي

حنان الأحمدي

تجربتي الشخصية مع خدمات النقل العام في أميركا وأوربا التي تتميز بالجودة والدقة والانضباط ترتبط في ذهني بمعانٍ ‏عديدة، أولها التحرر من الاعتماد على الآخرين في التنقل، والتحرر من ضغوط قيادة السيارة في ساعات الذروة، والإحساس ‏بالتمكين في مباشرة أموري وأعمالي بنفسي، وهو شعور مختلف كان يعني لي الكثير كشابة حديثة التخرج من الجامعة، لم تألف ‏حتى هذه الدرجة البسيطة من الاستقلالية.

المجتمع السعودي اليوم يشهد حراكًا كبيرًا من الشباب والشابات الساعين للاعتماد على النفس لتحقيق أحلامهم من خلال ‏تأسيس مشروعات خاصة، أو القيام بأعمال غير تقليدية، وبخاصة في ظل تغير الظروف الاقتصادية وشح فرص العمل؛ لذلك ‏سيمكنهم توافر مواصلات عامة من السعي نحو تحقيق أحلامهم وطرق أبواب الرزق. وأتوقع أن يألف المجتمع وجود النساء في ‏وسائل النقل العام بعد أن توسعت مجالات عمل المرأة لتشمل الأسواق والمجمعات التجارية والعيادات والبنوك ومؤسسات القطاع ‏الخاص، فلم يعد وجود المرأة في الفضاء العام أمرًا غير مألوف. ومع ذلك قد تظل بعض رواسب الثقافة التقليدية تمارس شيئًا ‏من الفضول، وربما الوصاية على النساء، وهو ما يجعل المراحل الأولى لانطلاق مترو الرياض تمثل تحديًا كبيرًا للراغبات من النساء ‏في استخدامه. وعلى صعيد الأسرة، فإن أبرز تغيير نتطلع لتحقيقه للأسرة السعودية من خلال توافر وسائل النقل العام هو التحرر من ثقافة ‏الاعتماد على السائق الخاص التي فُرضت على كثير من الأسر؛ بسبب استحالة قيام رب الأسرة بالجمع بين عمله ومهمة ‏توصيل جميع أفراد أسرته لمدارسهم وأعمالهم.

ومع ذلك لا أتوقع أن نصل قريبًا إلى مرحلة نفضل فيها استخدام وسائل النقل العام على المواصلات الخاصة، كما كنت أفعل ‏خلال دراستي العليا في الولايات المتحدة الأميركية. إذ رغم امتلاكي لرخصة قيادة السيارة كنت أفضل استخدام وسائل ‏النقل العام في التنقل من الجامعة وإليها بسبب سهولة استخدامها ونظافتها ودقة مواعيدها، وتوافرها في كل زاوية وشارع، وربما ‏لأنها توفر لي فسحة خاصة من الوقت للتأمل أو الاسترخاء والقراءة أو الاستماع للموسيقا. لم يكن استخدام النقل العام محصورًا ‏على فئة أو طبقة من الناس، لأن قلة مواقف السيارات في وسط المدينة، وازدحام الطرق يجعل الذهاب للعمل بسيارة خاصة ‏مصدرًا للضغوط. ولا تنظر الثقافة السائدة في أميركا وفي بعض الدول الأوربية بدونية لمستخدمي النقل العام؛ لأنهم يمثلون غالبًا ‏معظم شرائح المجتمع. لذلك فإن وجود خدمات نقل عام راقية وذات جودة عالية سيغير النظرة إليها وإلى مستخدميها بشكل ‏جذري.

ويتمتع قائدو المركبات العامة هناك بصفات الحزم والمهنية العالية، ويتمكنون من ضبط الأمن والسلوك العام بكفاءة. ‏وفي ظني لن تنجح وسائل النقل العام في اجتذاب الأسر السعودية أو الأفراد إلا بتوافر هذا الانضباط السلوكي الذي تفرضه ثقافة ‏المواصلات العامة سواء في المحطات أو داخل المركبات. وبلا شك نحن نستطيع تحقيق الانضباط السلوكي نفسه في مترو ‏الرياض من خلال توفير طاقم من العاملين على درجة من المهنية والحزم لترسيخ ثقافة المواصلات العامة وفرض أنظمة ‏صارمة لاستخدامها. من جانب آخر فإنني أتطلع بشكل خاص لتوافر خدمات النقل العام المتميزة لتساعد على تمكين العديد من ‏فئات المجتمع غير القادرة على الاعتماد على نفسها في توفير مواصلات خاصة، للمسنين والمعوقين والفئات محدودة الدخل. ‏وفي ظني مع تزايد نسبة المسنين في المجتمع وما نشهده من استقلال الأبناء في بيوت خاصة، يجعل المسنين أكثر قدرة على ‏الاستفادة من المواصلات العامة في التنقل لأغراض مختلفة، لقضاء الحاجات، أو مراجعة المستشفيات، أو لارتياد الأماكن العامة ‏بدون الحاجة للانتظار لحين يتفرغ أحد الأبناء لمساعدتهم. ومن المهم أن تراعي مواصفات واشتراطات الحافلات والقطارات ‏الاحتياجات الخاصة لبعض فئات المجتمع، وأن توفر مساحات للكراسي المتحركة وأحزمة الأمان، وسلالم متحركة لتسهيل دخول ‏هذه الكراسي، وأن يُعطى أصحابها الأولوية في الجلوس في المقاعد الأمامية.

ومن المشاهد التي لا أنساها من خلال تجربتي ‏الطويلة في استخدام هذه المواصلات في الخارج، مشهد شاب مصاب بشلل كامل ولا يستطيع تحريك إلا بعض أصابع يديه، ‏يركب الحافلة يوميًّا للذهاب للنزهة أو لقضاء بعض احتياجاته معتمدًا على نفسه بشكل تام باستخدام كرسي كهربائي بمواصفات ‏عالية. كان هذا الشاب يحرص على تبادل الحديث مع قائد المركبة أو مع الركاب كاسرًا بذلك كثيرًا من الحواجز النفسية ‏والافتراضات الضمنية التي تعزز عزلة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمنع اندماجهم في المجتمع. وهذا قد يكون من المنجزات ‏الاجتماعية البارزة لوسائل النقل العام فيما لو تمكنت من إيجاد مساحة آمنة لذوي الاحتياجات الخاصة لممارسة حياتهم بشكل ‏طبيعي. الخلاصة هي أن بالإمكان أن تؤثر وسائل النقل العام في ثقافة المجتمع، وأن تؤدي لمزيد من التمكين ‏والاستقلالية لمختلف فئاته، وأن تسهم في إحداث تغيير ثقافي ملموس، ولكن ذلك يتطلب ثقة المستفيدين بمنظومة النقل العام، ‏وتوافر درجة عالية من الدقة والجودة والاعتمادية في خدماتها.‏

عضو مجلس الشورى السعودي

ليلى‭ ‬الأحيدب‭:‬‭ ‬نافذة‭ ‬أولى‭ ‬للنساء

الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عملت بذكاء وبإستراتيجيات واضحة في هذا المشروع، ‏فقد أشركت المجتمع في مترو الرياض مذ كان حبرًا على ورق، طلبت من المواطنين ‏عبر مسابقة أطلقتها بعنوان «وش نسميها» أن يشاركوا في تسمية آلات الحفر السبع ‏التي ستحفر الأنفاق وستؤسس لمترو الرياض، وضعت مواصفات معينة لهذه الأسماء، ‏وهذه المسابقة اشترك فيها المواطنون من جميع أرجاء المملكة، وتم اختيار أسماء ‏آلات الحفر وفقًا لاقتراحات المواطنين؛ ففي نهاية الأمر المواطنون هم من سمى الآلات ‏بأسماء تعبر عنهم، وترتبط بذاكرتهم الجمعية؛ مثل: ذربة وسنعة وظفرة ومنيفة وجزلة ‏وصاملة وثاقبة، جميل أن تؤنسن الهيئة الآلات وتربطها بوجدان المواطن وذاكرته، ‏ولم تكتفِ الهيئة بذلك؛ بل عمدت إلى إشراك المواطنين في كل مرحلة تنجزها من هذا ‏المشروع، فتوجه الدعوات لأصحاب الحي القريب ليحضروا شق نفق أو الانتهاء منه ‏بإحدى هذه الآلات التي أسموها بأنفسهم.

إشراك الناس في التسمية وفي مراحل إنجاز مترو الرياض جعل مترو الرياض جزءًا ‏مهمًّا من حياة الناس، فهو مشروع شاركوا فيه منذ البدء، وحضروا كل مرحلة تم ‏إنجازها بطريقة جعلتهم يعرفون خطوات بنائه خطوة خطوة،، فقد تحول لمشروعهم ‏هم لا الهيئة، إضافة إلى الرسائل الدعائية الموجودة في الشوارع وفي وسائل التواصل ‏الاجتماعي، وهي رسائل ليست تقليدية، بل موجهة بذكاء بطريقة جديدة ومبتكرة.‏

هذا الاشتغال الذكي من هيئة تطوير الرياض على جعل مترو الرياض جزءًا من حياة ‏سكان الرياض سيسهم لا شك في نجاح تشغيل المترو وإقبال الناس عليه. ‏

مترو الرياض ملائم جدًّا لرؤية 2030م من النواحي كافة. وأعتقد جازمة أن مترو ‏الرياض سيكون مشروعًا ناجحًا، وسيحظى بإقبال كبير من سكان العاصمة، وسيلمس ‏الناس فائدته الاقتصادية، وبخاصة في ظل ارتفاع أسعار الوقود، فقد ملّ الناس من ازدحام ‏الطرق وحوادث السيارات والتحويلات، وسيكون مترو الرياض نافذة أولى تغني النساء ‏عن استخدام السائقين الذين استنفدوا ميزانيتهم. أنا مستبشرة بهذا المشروع، وأشكر هيئة تطوير مدينة الرياض على مهنيتها في العمل، فهي ‏هيئة تعمل بحب وإخلاص وتجمِّل دائمًا وجه الرياض. ‏

روائية سعودية

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *