المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

علي الوردي والولادة المجهضة للمثقف الديني في العراق

بواسطة | مارس 1, 2020 | الملف

وعّاظ السلاطين: في سنةِ 1954م أصدرَ عالمُ الاجتماعِ العراقي علي الوردي كتابَه «وعّاظ السلاطين»، فكان صوتًا غريبًا في مجتمعٍ يسوده تدينٌ تقليدي، وتتحكم في سلوكِه ومواقفِه قيمٌ عشائريةٌ راسخة، ويهيمن على توجيهِه وإدارةِ شؤون حياتِه شيوخُ عشائر أغلبُهم أميون، ورجالُ دينٍ أكثرُهم لا يمتلكون تكوينًا تراثيًّا رصينًا يحيل إلى عصرِ ازدهار الميراث العقلاني والإنساني في الإسلام، بل يكرّرون مواعظَ تحكي عصرَ انغلاقِ العقل في الإسلام وسباتِه، ويسوقونها كحقائقَ دينيةٍ أبدية.

لحظةَ صدور «وعّاظ السلاطين» كان النظامُ السياسي في العراق هشًّا، يتمثل في حكومةٍ قلقةٍ سريعةِ التغيير(١)، تنهشها أحزابٌ سياسيةٌ فتيّةٌ مراهقة، وكانت النخبةُ الناشئة منقسمةَ الولاءِ بين يسارٍ أممي مهووسٍ بطوبى الشيوعية، ووعودِها الخلاصية الخلابة بـ«وطن حر وشعب سعيد»، ويسارٍ قومي مسكونٍ بطوبى الوحدةِ العربية، ومخدوعٍ برومانسيةِ أدبياتِ البعث المبسطة، ومفتونٍ بشعاراتِ جمال عبدالناصر المثالية، وأبواقهِ الإعلامية الصاخبة(٢)، والبارعةِ في إذكاء الغرائز العدوانية، وإيقادِ المشاعر المنفعلة، وإسكاتِ صوتِ العقل الهادئ، والمتمرّسةِ في تجييشِ الجماهير وتهييجِها، وزجِّها في معارك موهومةٍ لا نهايةَ لها.

لم يكن «وعّاظُ السلاطين» كتابًا يشبه غيرَه من الكتب، بل كان بمنزلةِ «مانِيفِسْتُو» وُلِد في غيرِ موعده، وأعلن عن حضورِه في غير أجله؛ إذ صدرَ في بيئةٍ لا توفر الحدَّ الأدنى من الشروط الضرورية لغرسِه واستنباتِ مفاهيمه. أثار «وعّاظُ السلاطين» أسئلةً ممنوعة، واخترق فضاءً ظلَّ يكرّر مواعظَ مملةً سنوات طويلة، وتجاوز خطوطًا حمراء في الثقافة الدينية التقليدية، وتندّر بقيمٍ وأعراف عشائرية مكرّسة، وفضحَ قناعاتٍ جاهزة، وأعادَ النظرَ ببداهات راسخة، ولم يتواطأ مع أحلام وشعارات النخب اليسارية بمختلف أطيافها وأسمائها. لم يلجأ مؤلفُه علي الوردي للتمويه، واللعبِ على الكلمات، وقولِ نصف الحقيقة، أو التخفي خلفَ مجازات الكلمات، وكنايات العبارات. كان يخاطب الناسَ بلغتهم المحكية، ولم يوظّف ألفاظًا غيرَ متداولة في علاقاتهم ومعاملاتهم، أو يلجأ لمفرداتٍ غير مستعملة في محادثاتهم اليومية، مثلما يفعل بعضُ الأدباء الذين ينسجون نصوصَهم من كلمات غريبة وربما ميتة يلتقطونها من معاجم اللغة، فتفتقد الكلماتُ قدرتَها على إيقاظ المعنى لدى المتلقي؛ لأنها تفتقرُ للتدفق العفوي.

سلطة الفصاحة والنحو

لم يكن علي الوردي مسكونًا بـ«الفصاحة»، كما اشتهرتْ على لسان اللغويين منذ عصر التدوين، ولم يكترث بالنحو وقواعده في كتابته، بل كان يسخرُ من تشديد أهل اللغة على ذلك؛ لأنه يذهب، تبعًا لعلم اللغة الحديث، إلى أن اللغةَ كائنٌ حقيقتُه التغيّر والتحوّل. كائنٌ تنطبق عليه القوانينُ التي يخضع لها كلُّ كائن حي. اللغةُ الحيّة ذاتُ ديناميكية داخلية، تولد فيها كلماتٌ جديدة، وتندثر أخرى، تبعًا لديناميكية تطور المجتمع الناطق بها، لذلك تواصل كلماتُها باستمرار الولادةَ والنموَّ والشيخوخةَ والمرضَ والموت، وتبعًا لذلك تتجدد أساليبُها البيانية، وطرائقُ التحدث بها.

استبدّت مقولةُ «الفصاحة» و«الإعراب» بالعربية، وتحولت «الفصاحةُ» و«الإعراب» بمرور الزمن إلى سلطةٍ صارمة، عاقت الديناميكيةَ الذاتية لتحديث اللغة لنفسها، ومنعت اللغويين من تيسير قواعد النطق بها، بالشكل الذي يتمكن معه من يتحدثها من مراعاتها بسهولة، ويتبادر إليه إعرابها بعفوية، بلا تَعَلُّم وإتْقَان(٣). كَبَّلت الفصاحةُ والإعرابُ العربيةَ وعطّلتها عن تجديد أساليبها البيانية قرونًا طويلة، إلى أن فرضَ العصرُ الحديث على المتحدثين والكتّاب التناغمَ مع إيقاعِ التطور الحضاري، والانفتاح على التراكمِ المعرفي الواسع في مختلف العلوم البشرية، والإفادة من المكاسبِ المهمة في علوم اللغة واللسانيات، وما تتطلبه كلُّ لغةٍ تريد لنفسها مواكبةَ الحياة، وتلبيةَ احتياجات الناطق بها للحضورِ في زمانه وعصره، أن تغتني بمناهج هذه العلوم وأدواتها.

كما تمرّدت اللهجاتُ العربية على «الفصاحة» و«الإعراب»، وابتعدت بالتدريج من العربية الفصيحة، ولم تأسرها قواعدُ الإعراب، بعد أن اتخذت لنفسها مساراتٍ تستجيب لاختلاف المجتمعات، وتنوّع ثقافاتها، وظروف معاشها المتعددة.

من المؤسف تضييعُ مجامع اللغة العربية لجهودها في محاولاتٍ لا جدوى منها، عندما انشغلت عشرات السنين بالعمل على بعث ألفاظ متخشبة عتيقة، بذريعة فصاحتها باستعمال البدوي لها قبل عصر التدوين، على الرغم من أن تلك الألفاظ «الفصيحة» عكست رؤيةَ البدوي الضيقة للعالَم، وكانت مرآةً لمفاهيمه المحدودة، وأمّيته الثقافية. وإن العمل على إحيائها وتوظيفها مجدّدًا كان مصيرُه الفشل؛ لأنه ينتهي إلى إرغامِ تفكير الناطق بالعربية على الارتهان لرؤية البدوي للعالَم، وتبنّي قيمه، والاحتفاءِ بمفاهيمه المحنّطة، وهي رؤيةٌ وقيم ومفاهيم يراد لها أن تأسرَ مصيرَ العربي اليوم، وتتنكّر لها اللهجاتُ العربيةُ المتداولة في الحياة اليومية على تعدّدها وتباعدها المتواصل بين مشرق الناطقين بها ومغربهم.

لم يعبأ الوردي بكلِّ ذلك الاهتمام المبالغ فيه بالفصاحة والنحو، بل كان يهمّه إيصالُ أفكاره بأية وسيلة، مهما كانت طريقةُ إبلاغ أفكاره، لذلك ظلّ يحذِّر النقادَ المتحذلقين من تسقّط الأخطاء النحوية في كتاباته، وينفر ممن يلاحقون الإعراب في أعماله، ويتهكّمون على ما يحسبونه عثراتٍ إعرابيةً في كتاباته(٤). بلا تردّد أو خجل يعترف علي الوردي بكثرةِ الأخطاء النحوية في كتاباته، ويعلن بأنه لا يعتذر عن ذلك؛ إذ يقول في سياق بيان موقفه من النحو: «أودُّ أن أنتهزَ هذه المناسبة لأُشير إلى أمر ربما لاحظه القارئ في جميع كتبي، هو كثرة الأخطاء النحوية فيها. وهذا أمرٌ أعترفُ به ولا أعتذر عنه. لا أكتمُ القارئ أني أعتبر النحو بلاءً ابتليت به الأمةُ العربية. وأنا على يقين أن الأمةَ العربية في مسيرتها الحضارية نحو المستقبل سوف يأتي عليها يومٌ تجد نفسها مضطرة إلى إلغاء النحو كلّه من مناهج مدارسها، أو إلغاء الجزء الأكبر منه على الأقل… مشكلة النحو العربي أنه ذو قواعد كثيرة ومعقدة، دون أن تكون له أية فائدة عملية، ولم نحصل من النحو إلا على أفراد من الناس دأبهم البحث عن الأخطاء النحوية في خطب الناس وكتاباتهم لينتقدوا أصحابها بها، ويشنوا عليهم الهجمات الشعواء»(٥).

الحكواتي

الوردي كاتبٌ يتقن مهارةً إنشائية ينفرد بها، فهو يكتب فهمًا سوسيولوجيًّا وتفسيرًا أنثربولوجيًّا وتحليلًا سيكولوجيًّا لمختلف الظواهر في المجتمع العراقي بأسلوب شعبي مباشر، يفهمه كلُّ الناس، لما يسوقه من أمثال وقصص وفلكلور، بلغةٍ لا تخلو من تهكّم وسخرية لاذعة أحيانًا(٦)، وكأنه حكواتي يتحدث في مقهى قديم يدمن روادُه الإصغاءَ لقصص الحكواتيين. لم أقرأ لعالمِ اجتماع يكتب باللغة المتداولة في تخاطب الناس ومحادثاتهم اليومية في مختلف القضايا كعلي الوردي، فهو لا يكفّ في كتاباته عن الإثارة والتحرّش في تابوات مؤسسات الدين والعشيرة والسلطة. وتظهر مهارةُ الوردي في انتخاب عناوين كتبه، كأنها لافتاتٌ تحريضية، مثل: «وعّاظ السلاطين»، و«أسطورة الأدب الرفيع»، و«مهزلة العقل البشري».

لو وُلِد كتابُ «وعّاظ السلاطين» في مجتمع آخر لكان صيحة مدوية تفرض حضورَها في الإعلام والثقافة والتربية والتعليم، وتفتح نافذةَ ضوء لإعادةِ النظر في المفاهيم والقيم والتقاليد السائدة المكبِّلة للفهم، وإيقاظِ العقول لتبدأ بتفكيكها وهدمها؛ كي يباشر المجتمعُ الالتحاق بالعصر في سياق متطلبات الواقع ومنطق العلوم والمعارف الحديثة. حاول علي الوردي أن يقدّم نفسَه نموذجًا لمثقف لم يعرفه المجتمعُ العراقي من قبل، وهو «المثقّف النقدي»(٧)، الذي خرج من سجون المجتمع والأيديولوجيات السياسية. مثقّفٌ يتساءل ويفحص ويشكّك في التابوات المعروفة، ويدرس تجلياتِ الدين المتنوعة وتعبيراتِه المتضادة في المجتمع العراقي، من منظورِ علوم الإنسان والمجتمع الحديثة(٨)، بوصفه حاصلًا على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تكساس في الولايات المتحدة(٩). وهو ابنُ مدينة الكاظمية المقدّسة، وسليلُ عائلة علوية معروفة، وهذه العوائل تحظى بتقدير ومكانة دينية خاصة في المجتمعات الشيعية.

لم يدخل علي الوردي في معركة مع الله، ولم يتنكّر لحاجة الإنسان للدين، لكنه دخل في معركةٍ مع الصور التي يرسمها «وعّاظ السلاطين» لله، وتنكّر لمفاهيم دينية شعبية متحجّرة، ورفض فلكلورًا مبتذلًا يتلبس بأقنعة الدين، وفضح تمثلاتٍ مجتمعية للدين تهدر مضمونَه الروحاني والأخلاقي والجمالي، وكشف أنماطَ تدينٍ تصاب فيها الشخصيةُ بازدواجية، وتنتهي في بعض الحالات إلى شيزوفرينا مرضية.

مركزية الشعر

لبث علي الوردي غريبًا، يرفضه اليسارُ الأممي والقومي؛ لأنه يكشف زيفَ شعارته التعبوية، ولا يقبل ثقافتَه الأحادية، ويفضح طمسَه للذات الفردية في الحزب والجماعة التنظيمية. ولا يتردّد في الحديث عن التهافت بين «قوقعته»(١٠) وانكفائِه على كتلته الحزبية، ودعوتِه الحالمة بالأممية أو الوحدة العربية. ورفض عليَ الوردي المجتمعُ؛ لأنه أصرّ على نبذ القيم العشائرية المكبِّلة للمجتمع. ورفضته المؤسسةُ الدينية؛ لأنه لم يشأ التصالحَ مع المفاهيم الدينية التقليدية المناهضة لقيم المدينة والدولة الحديثة(١١).

وتجلّت غربةُ علي الوردي الأقسى بحضوره في ثقافةٍ عراقية يتمركز كلُّ شيء فيها حول الشعر، فهي متيمةٌ بالشعر إلى الحدِّ الذي قلّما تحتفي فيه بمعرفةٍ أو فكرٍ أو ثقافةٍ لم يمسسها الشعر، ولا يندرج في اهتماماتها أيُّ صاحب منجز فكري إن لم يكن أديبًا وشاعرًا، وغالبًا لا تصنفه على الثقافة، وربما تبخل عليه حتى بعنوان «مثقف»، ولا يدخل في اهتمامها وندواتها ومنتدياتها ومهرجاناتها من لم يكن شاعرًا، أو عاشقًا أو صديقًا أو متذوقًا للشعر والأدب. لم يكن علي الوردي شاعرًا، ولم يُعرف عنه ارتيادُ منتديات الشعراء، ولم يكتب مديحًا لشعر أو شاعر، وتعاطي الشواهد الشعرية شحيحٌ جدًّا في كتاباته. وكان على الضدِّ من توثين الشعر والأدب الموروث في كتابه: «أسطورة الأدب الرفيع»(١٢). لا يكفّ الوردي عن نقدِ الشعر القديم والدعوةِ لتجاوزه، بوصفه مرآةَ العصر الذي أنتجه بكلِّ ما يحفل فيه. وبلغت به الجرأةُ أن يزدري «طريقة الاستجداء لكسب العيش»، التي يتكسّب بها أكثرُ الشعراء، ويعلن «أنهم شحاذون، ويدّعون أنهم ينطقون بالحق الذي لا مراء فيه، والويل لمن يجرؤ على مصارحتهم بالحقيقة المرة أو تكذيبهم فيما يقولون»(١٣).

بلغ تمركزُ الثقافة العراقية على الشعر، والاستنادُ إليه في تصنيف كلِّ ما يتصل بالإبداع والتأليف والكتابة، أنه حدث قبل عامين أن خصّصت إحدى الصحف الثقافية ببغداد ملفًّا استوعب كل الصفحات لعددين، بعنوان: «لماذا نكتب»، استكتبت فيه الصحيفةُ عشراتِ الشعراء والأدباء من العراقيين وغيرهم، ولم تستكتب فيه أيَّ صاحبِ منجز فكري لامع، أو كاتبٍ معروف. فسألت صديقي المحرّر: لماذا لم تطلبوا من غير الشعراء والأدباء الإسهام في محور صحيفتكم حول الكتابة، فأجاب: نحن نريد بالكتابة في السؤال «الكتابة الإبداعية» خاصة. فقلت له: بناء على ما تقول، ينبغي أن نسقط منجزًا رائدًا لعالم اجتماع مثل علي الوردي ومن في قامته، لأننا نبخل عليه بتوصيف كاتب مبدع! وأخيرًا لم يقتنع المحرّر بما قلته، مثلما لم أقتنع بما قاله.

كلُّ شيء في العالَم يتطور

  علي الوردي يعلن انحيازَه للتطور، لذلك يتكرّر في كلِّ كتاباته التشديدُ على أن كلَّ شيء في العالم يتغير ويتطور، والإنسانُ كائن تفرض عليه بيئتُه ومحيطُه وأحواله المعيشية نوعَ ثقافته وقيمَه وشكلَ تدينه، بناء على أن كلَّ عصر يمتلك معاييرَه الخاصة للمعرفة والقيم والجمال والزمن وغيرها؛ لأن «العصورَ المختلفة محكومةٌ بمعاييرها الخاصة» كما يرى هيغل(١٤).

حدث تحولٌ في رؤيةِ الوردي للعالَم ومنظورِه للقيم وفهمِه للحياة ووعيه للواقع، عندما انخرط في الدراسات العليا في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك ما قاده للقول بنسبيةِ الأخلاق، واختلاِفها باختلاف الثقافات والمجتمعات والعصور، كما يصرّح بقوله: «الأخلاق نسبية كما لا يخفى. فما يعدو في نظرهم بريئًا قد يعتبر عندنا فسقًا وفجورًا. وربما تنقلب الأحوالُ عندنا في المستقبل، فيصبح مقياسنا في شؤون الأخلاق مخالفًا لمقياسنا الحاضر. ولستُ أنكر أني قد انذهلت حينما رأيتُ في جامعات الغرب ذلك الاختلاط العجيب بين الجنسين لأول مرة، واعتبرته من قبيل الإباحية والفسق، حيث كنت آنذاك لا أزال تحت تأثير التفكير الوعظي الذي نشأتُ فيه في بيئتي الشرقية المتزمتة»(١٥). أبدى علي الوردي دهشتَه من الاختلاط لأحد أساتذته، فأجابه الأستاذ بقوله: «إننا إذا منعنا طلابنا وطالباتنا عن الاختلاط المكشوف لجؤوا إلى الاختلاط المستور بعيدًا عنا، في جو ملؤه الريبة والإغراء. إننا إذ نعترف بما في الطبيعة البشرية من قوى، ونهيئ لها ما ينفس عنها في جو من البراءة والطمأنينة، نكون بذلك قد وقينا الإنسان من مزالق الشطط ومغريات الخفاء»(١٦).

  على الرغم من أن النقدَ الاجتماعي احتلَّ مساحةً واسعة في كتابات علي الوردي، لكنه لم يتجاهل نقدَ الظواهر الدينية وتحليلَ آثار الدين الاجتماعية والنفسية والثقافية والاقتصادية والسياسية، ومختلف تعبيراته في العلاقات داخل العائلة والمحلة والعشيرة والمجتمع، وفرضت سطوةُ طقوس الدين وشعائره في المجتمع العراقي حضورَها في كتاباته. علي الوردي سوسيولوجيٌّ يقظٌ، دقيقُ الملاحظة، لا يُهمل الهامشيَّ والعابر والحقير والمُنْحَطّ والخَسِيس والأحْمَق والضئِيل، ويحرص على التقاط دلالاتِ الظاهرة مهما كانت صغيرة، ويكشف عمّا لا تبوح به مضمراتُها، وما لا تقوله كلماتُها. إنه ابنُ مدينة الكاظمية الدينية ببغداد، والمدنُ الدينية بطبيعتها منجمٌ بالغُ الثراء للمعاني والدلالات والرموز، وهي مادةٌ شديدةُ الأهمية للباحث في علوم الإنسان والمجتمع، ذلك أن هذه المدن تحتفي على مدار السنة بطقوسِ الزيارة وشعائرها، ومجالسِ العزاء، واحتفالاتِ المواليد، وتستقبل كلَّ يوم زائرين من مختلف المجتمعات والثقافات في العالَم، وتبحث الأشياءُ في هذه المدن عن بصمةٍ دينية، لذلك ترتسم تلك البصمة في هويةِ المدينة وأنماطِ العمارة والأزياء والأسواق، ومختلف الظواهر المادية والمعنوية والرمزية.

ظلت مدينةُ الكاظمية مُلهِمةً لعلي الوردي في كلِّ أعماله، وانعكست في كتاباته أمثالٌ وحكاياتٌ وقصصٌ وطرائفُ ونوادرُ مستقاةٌ من عيشه كلّ حياته فيها، واهتمامه بمناسباتها الدينية والاجتماعية، وارتيادِه لمقاهيها وأسواقها ومنتدياتها، وزياراتِه لمرقد الكاظمين.

ولادة مجهضة لمثقف ديني

وُلِدت النواةُ الجنينية لمثقف ديني بولادة «وعّاظ السلاطين» لعلي الوردي، وغذّاها بأعماله الأخرى، غير أن هذه النواةَ وُلِدت ولادةً مجهضة، ولم يكتمل تشكّلُ «المثقف الديني» في العراق حتى اليوم، ولم تتطور نواتُه التي أبصرت النورَ في أعمال علي الوردي، بفعل افتقار المجتمع العراقي للشروط الضرورية لتكوّن هذا النموذج من المثقف ونضجه، لذلك تكرّر إجهاضُ كلِّ محاولة لولادته وتكوّنه. وأعني بهذه الشروط البيئةَ الحاضنةَ بمختلف مكوناتها، وأولها وأهمها «مجتمع معرفة ديني»، وأعني بهذا المجتمع الوعي العلمي للمنخرطين بدراسة الدين، وهو ضربٌ من الوعي ينطوي على دعوة إلى عدم الارتياب من العلوم والمعارف الحديثة، وتحريم التساؤل الشجاع، ومنع التفكير الحرّ، وتعطيل العقل الخلّاق الذي يقتحم المناطق الممنوعة في التفكير، والذي يتخطى مدياتِ السقف المتعارَف للرأي. «مجتمع المعرفة الديني» هو من يتخذ العقلَ مرجعية؛ لذلك لا يتردّد في النقد العلمي لمختلف المسلّمات والمفاهيم المتجذّرة والقناعات الراسخة. ولا يخيفه اللايقينُ والشك، ويعلي من قيمة العلم والتعليم، ولا يؤجل التفكيرَ بأيّة قضية راهنة، ولا تثنيه أيةُ ذريعةٍ عن فتحِ أرشيفات التاريخ المطمورة وتحليلِها علميًّا، والإعلانِ عن محتوياتها وغربلتها مهما كانت.

«المثقفُ الديني» كما أفهمه هو الباحثُ المستوعِبُ للتراث، والخبيرُ براهن الفلسفة وعلوم الإنسان والمجتمع، والمهتمُّ بدراسةِ الدين وأشكالِ تعبيراته المختلفةِ في المجتمع، والقادرُ على تقديمِ فهمٍ نقدي للتراث، وتحليلٍ علمي لتمثّلات الدين في الحياة الشخصية والاجتماعية، وهو فهمٌ لا يتحدّث فيه الماضي للحاضر، ولا تترسّخ فيه سطوةُ الآباء على الأبناء. وعي «المثقف الديني» يفضح المسكوت عنه في التراث ويكتشف أنساقَه المضمرة، ويفكّك أشكالَ السلطات السياسية والروحية المختلفة، وينقد إسلامَ الآباء. المثقّفُ الديني مفكرٌ حرٌّ وليس مبشرًا أو داعيةً أو مناضلًا أو فدائيًّا. المثقّفُ الديني ليس صاحبَ دعوة تبشيرية، وليس مسكونًا بأدلجة الدين(١٧).

المثقّفُ الديني لا مرجعيةَ له خارج دين القيم الروحية والأخلاقية والجمالية، لا ترتهن عقلَه مقولاتُ المتكلمين ولا تأسره فتاوى الفقهاء؛ لأنه يعرف جيدًا أن تلك المقولات والفتاوى اجتهاداتٌ وتأويلاتٌ للنصّ المقدس تنتمي للزمان والمكان والمتكلم والفقيه الذي أنتجها، وليست نصوصًا ترتقي إلى مكانة النصّ المقدس.

أقرأ كتاباتٍ تتحدث عن الدين لكتّابٍ من خريجي كليات الشريعة والدراسات الإسلامية وأمثالهم ينسخون ما قاله المتكلمون والفقهاء بحذافيره، لكنهم يفتقرون لتكوينهم العلمي، ولا يمتلكون القدرة على التأملِ وإبداءِ النظر والاجتهاد الذي كان يمتلكه المتكلمون والفقهاء المؤسسون والمجتهدون. تقدّم كتاباتُهم فهمًا سطحيًّا مبسطًا للظواهر الدينية المركبة، وتعجز عن التوغل في طبقاتِ التراث ومدياتِه الواسعة، ولا تعرف شيئًا عن المناهجِ الحديثة في الفلسفة وعلوم الإنسان والمجتمع، وعلومِ الأديان ومقارنتها، ولو كان أحدُهم يعرف شيئًا لا يعمل على الإفادة منه، وأحيانًا يوظفه لينتهي إلى نتائج على الضدّ مما تقوله مقدماتُه، مثلما فعل الغزالي في «تهافت الفلاسفة». وهذا الضرب من الكتابات تفشل في استئناف التراث العقلاني والإنساني للدين، كما تفشل في أن تعكس الموقفَ المعرفي لمثقفٍ ديني، وتخفق في تمثّل الوظيفة المعرفية لمثقف مسؤول.

حذّر علي الوردي ممن يريد أن يغّير الناسَ بالكلام، من دون أن يعرف الطبيعةَ البشرية، ويدرس الظواهرَ الاجتماعية دراسةً علمية، تتعرّف إلى أسبابها ومكوناتها وآثارها، ويبحث في كيفية الخلاص منها؛ لأن البشرَ لا يتغيرون بالكلام، وأن ما هو أصيلٌ في الطبيعة البشرية لا يمكن استئصاله، وذلك ما دعا الوردي لأن يشكو من هؤلاء بقوله: «ابتلينا في هذا البلد بطائفة من المفكرين الأفلاطونيين، الذين لا يجيدون إلا إعلان الويل والثبور على الإنسان لانحرافه عما يتخيلون من مثل عليا، دون أن يقفوا لحظة ليتبينوا المقدار الذي يلائم الطبيعة البشرية من تلك المثل… إن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده، فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة، ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جبل عليه ذلك الشيء من صفات أصيلة… لقد جرى مفكرونا اليوم على أسلوب أسلافهم القدماء، لا فرق في ذلك بين من تثقف منهم بثقافة حديثة أو قديمة، كلهم تقريبًا يحاولون أن يغيّروا طبيعة الإنسان بالكلام. وكثيرًا ما نراهم بمواعظهم يطالبون الناس أن يغيروا من نفوسهم أشياء لا يمكن تغييرها، فهم بذلك يطلبون المستحيل. وقد أدى هذا بالناس إلى أن يعتادوا سماع المواعظ، من غير أن يعيروا لها أذنًا صاغية»(١٨).

تتمحور مهمةُ المثقّفِ الديني حول تفسير ما يتفشّى في مجتمعاتنا اليوم من قراءةٍ مغلقة للنصوص الدينية ونقده، كما يعمل على تقويض القراءة الفاشية المتوحشة لهذه النصوص. المثقفُ الديني غيورٌ على الحياة العقلية للناس، ولا يملّ من إيقاظ القيم الروحية والأخلاقية والجمالية في الدين. تنشد رسالتُه: إيقاظَ العقل، وإحياءَ الروح، وإثراءَ الأخلاق، وتربيةَ الذوق الفني؛ لذلك يعمل على حماية العقل من أن تستهلكه الخرافات، وما تفضي إليه تلك الخرافاتُ من أوهام وتشوّهات في رؤية العالم.

يهتم المثقفُ الديني ببناء تديّن عقلاني يكتشف ما هو دنيوي وما هو ديني، ويرسم الحدود والمجال الخاص بكلٍّ منهما، ويحدد المجالاتِ التي يتحقّق فيها الدنيوي، والمجالاتِ التي يتحقّق فيها الديني. كما يهتم المثقفُ الديني بالسعي لبناء تديّن أخلاقي، في مقابل ما يتفشى من تدين شكلي زائف. همومُ المثقف الديني ترمي إلى بناءِ الإيمان وتمتينِه، لا تبديده وتهديمه. وحمايةِ الأجيال الجديدة من التمزّق والعبثية والضياع، وفقدان معنى الحياة. يهمّه تكريسُ الحياة الروحية، وتنميةُ الحياة الأخلاقية، بوصفها تجربةً للحياة يعيشها، وتجربةً للحقيقة يتذوّقها(١٩).


هوامش:

(١) تبدلت 13 وزارة على حكومة العراق للمدة من 1950 – 1958م.

(٢) واظب الصحفي محمد حسنين هيكل على الكتابة في زاوية بعنوان «بصراحة» بجريدة «الأهرام» في القاهرة طيلة حكم جمال عبدالناصر، وكان عبدالناصر الحاضر الأبدي في مقالاته. لا يملّ هيكل من النفخ في صورة زعيمه وتضخيمها في متخيل العرب، بإضافة كثير من المواهب والمآثر والمناقب المفتعلة لعبدالناصر، بنحوٍ صار هيكل من أبرع صنّاع الأوهام في المتخيل القومي العربي. راجع الدراسة المهمة للدكتور فؤاد زكريا، كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي، الكويت، شركة كاظمة للنشر، ط 1، 1983م.

(٣) سرق من عمري تَعَلّم النحو والإعراب عدة سنوات، تَعَلَّمته على يد شيوخ متمرسين في تدريسه، ثم دَرَّسته. لكني أخفقت في إتْقَانه، والتخلص نهائيًّا من الأخطاء النحوية في الحديث والكتابة.

(٤) خصّص عضو مجمع اللغة العربية د.إبراهيم أنيس فصلًا بعنوان: «قصة الإعراب» في كتابه: «من أسرار اللغة»، كشف فيه كيفية نشأة الإعراب، وكيف صار نظامًا صارمًا للسان العربي، واتخذ قيمة عليا استأثر بها النحاة فصنعت لهم مكانة استثنائية، ترسخت من خلالها سلطتهم المعرفية على العربية. يروي أنيس هذه القصة بقوله: «ما أروعها قصة! لقد استمدت خيوطها من ظواهر لغوية متناثرة بين قبائل الجزيرة العربية، ثم حيكت. تم نسجها حياكة محكمة في أواخر القرن الأول الهجري، أو أوائل الثاني على يد قوم من صنّاع الكلام، نشأوا وعاشوا معظم حياتهم في البيئة العراقية. ثم لم يكد ينتهي القرن الثاني الهجري حتى أصبح الإعرابُ حصنًا منيعًا، امتنع حتى على الكتّاب والخطباء والشعراء من فصحاء العربية، وشق اقتحامه إلا على قوم سُمُّوا فيما بعد بالنحاة… ومع أن الإعراب ليس في حقيقته إلا ناحية متواضعة من نواحي اللغة، فقد ملك على الناس شعورهم، وعدوه مظهر ثقافتهم ومهارتهم الكلامية، يتنافسون في إتْقَانه، ويخضعون أقوال الأدباء لميزانه، فليس الفصيح في نظرهم إلا من راعى قواعده، وأخذ نفسه باتباع أصوله ونظامه… وصارت قواعده في آخر الأمر معقدة شديدة التعقيد، وقد تفنى الأعمار دون الإحاطة بها، أو السيطرة عليها سيطرة تامة. وصرنا الآن ننفر منها لما اشتملت عليه من تعسف وتكلف، بغّضَ إلى الكثيرين دراسة اللغة العربية في العصر الحديث». أنيس، إبراهيم، من أسرار العربية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط 4، 1972م، ص 198 – 199.

(٥) الوردي، علي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، بيروت، دار الراشد، ط 2، 2005م، ج4: ص 5 – 6.

(٦) يختتم علي الوردي مقدمته لكتابه «أسطورة الأدب الرفيع» متهكمًا بقوله: «وصف أحد الأدباء كتبي السابقة كجبة الدرويش ليس فيها سوى الرقع. وأظن أنه سيصف كتابي هذا بمثل ذلك. ولست أرى في ذلك بأسًا، فخير لي أن أكون رقّاعًا أخدم الناس بالملابس المهلهلة، من أن أكون خياطًا ممتازًا أصنع الملابس المزركشة، التي لا تلائم الأجساد ولا ينتفع بها أحد». الوردي، علي، أسطورة الأدب الرفيع، دار كوفان، ط 2، ص 13.

(٧) «أُميّز بين نمطين من المثقّف: نمط يعبر عنه بالمثقّف الثوري، أو المثقّف العضوي كما يقول لنا غرامشي. هذا هو المثقّف المهموم بتغيير العالم، وهو مفهوم لمثقّف يتناغم والأيديولوجيات النضالية خاصّة اليسارية، التي اختزلت مفهوم المثقّف، فأصبح مبشرًا وداعية وواعظًا ومناضلًا، في إطار منظور أيديولوجيا محدّدة للعالم تعكس موقفًا طبقيًّا يعبر عن هموم الطبقة العاملة. المثقّف في مفهومي ليس شرطيًّا أو قاضيًا أو مفتش عقائد. لا أتبنى مفهوم المثقّف، الداعية، المبشر، الواعظ، المناضل. ما يهمني هو النمط الآخر، أي المثقّف النقدي، الذي ينشغل بتفسير العالم، ويتغلّب على سجون المجتمع والأيديولوجيات السياسية، ويتحرّر من رؤية العالم بمنظور أُحادي، ويجرؤ على النقد والاحتجاج والإدانة». الرفاعي، عبدالجبار، الدين والنّزعة الإنسانيّة، بيروت، دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين، ط3 معدلة ومزيدة ومنقّحة، 2018م، ص 58 – 59.

(٨) سبق علي الوردي وعاصره مثقفون عراقيون كانوا يتساءلون ويفحصون ويشكّكون في التابوات المعروفة، مثل: جميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، وجعفر الخليلي، لكن علي الوردي تميز عن الكل بدراسته ونقده وتحليله للتابوات، وللظواهر الدينية في المجتمع من منظور علوم الإنسان والمجتمع الحديثة، فقد استطاع بذكاء الإفادة من تخصّصه في علم الاجتماع.

(٩) قال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة للوردي عند تخرجه سنة 1950م: «أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع». ويكيبيديا.

(١٠) القوقعة مفردة يستعملها الوردي في كتاباته، وكانت متداولة في اللهجة العراقية البغدادية وقتئذ. ومعناها: «دِرْع خارجيٌّ صلب يكسو بعض الكائنات الحيّة مثل الرخويَّات والسّلاحف». كما تورد معناها المعاجم العربية.

(١١) «صدر للرد عليه أكثر من خمسة كتب ومئات المقالات في الصحف والمجلات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وامتد الهجوم عليه إلى المساجد والمجالس والأندية الثقافية وحتى المقاهي والبيوت، بسبب ما طرحه من آراء وأفكار نقدية صريحة وجريئة لم يألفها القراء، حول وعّاظ السلاطين والخطباء والكتاب والشعراء». الحيدري، إبراهيم، «وعّاظ السلاطين- نقد الدين أم نقد وعاظه؟»، صحيفة إيلاف الإلكترونية، الصادرة بتاريخ 1 أغسطس 2006م.

(١٢) بأسلوب تهكمي يكتب علي الوردي تصديرًا لكتابه بقوله: «أهدي كتابي هذا إلى أولئك الأدباء الذين يخاطبون بأدبهم أهل العصور الذهبية الماضية، عسى أن يحفزهم الكتاب على أن يهتموا قليلًا بأهل هذا العصر الذي يعيشون فيه، ويخاطبونهم بما يفهمون، فلقد ذهب عهد الذهب، واستعاض عنه الناس بالحديد!». الوردي، علي، أسطورة الأدب الرفيع، ص 5.

(١٣) الوردي، علي، أسطورة الأدب الرفيع، ص 9 – 11.

(١٤) جيلسبي، مايكل ألين، الجذور اللاهوتية للحداثة، ترجمة: فيصل بن أحمد الفرهود، بيروت، جداول، 2019م، ص 19.

(١٥) الوردي، علي، وعّاظ السلاطين، لندن، دار كوفان، ط 2، 1995م، ص 9. الهامش رقم (1).

(١٦) المصدر السابق، ص 9.

(١٧) الرفاعي، عبدالجبار، الدين والاغتراب الميتافيزيقي، بيروت، دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين، ط 2، 2019م، ص 85 – 86.

(١٨) الوردي، علي، وعّاظ السلاطين، ص 5 – 6.

(١٩) الرفاعي، عبدالجبار، الدين والاغتراب الميتافيزيقي، ص 87.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *