المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

مسرحيون سعوديون: المسرح قوة ناعمة للتواصل مع الجمهور وتعزيز الهويــة الوطنيــة.. والنهوض به ضرورة

بواسطة | يناير 1, 2020 | الملف

المسرح السعودي لحظة من اللحظات الأساسية في تاريخ المسرح العربي، وما مر ويمر به من تحديات هي نفسها التحديات التي واجهت غالبية المسارح في الوطن العربي. تحديات استطاع المسرحيون السعوديون، بمثابرة وشغف وقتالية عنيدة، التغلب عليها كأفراد، في حين بقيت تحديات أخرى، يجهدون في العمل على تلاشيها؛ لأنه لا بد من تدخل جهات ومؤسسات بكاملها. «الفيصل» سألت عددًا من المسرحيين والمهتمين بالمسرح في السعودية، عن هذه التحديات، وعن المسرح وتطوره؛ ماذا يأملون في وزارة الثقافة؟ كيف يرون أنفسهم في سياق رؤية 2030 الواعدة؟

سامي الجمعان: تحديات ثابتة وأخرى متغيرة

من ناحية الرصد التاريخي بالتأكيد يمكننا الحديث عن مسيرة مرحلية في المسرح السعودي، لكنها عبارة عن حِقَب متداخلة، ينسل بعضها من بعض، ويتراكم بعضه فوق بعض، بمعنى أنه لا توجد مرحلة تحول انكساري ومفاجئ ومدهش إن ساغت لي التسمية. مراحل المسرح السعودي اعتيادية من حيث البدايات المرتبكة ككل البدايات المعتادة في تشكل مسرح بسيط للغاية، انطلق من المدارس ومن حلقات الكشافة، وتبلور في مرحلة لاحقة في حواضن الأندية الرياضية، وبدأ يأخذ طابعه الرسميّ في مرحلة ظهور جمعيات الثقافة والفنون مع بواكير عروض جماهيرية، تتلمس طريقها وتستكشف مواهبها، فظلت هذه الحالة التي يميزها اقتراب المسرح السعودي من الناس وتمثّله للقضية الاجتماعية، وتعبيره عن بيئته، وهذه مرحلة مهمة للغاية؛ لأنها شهدت أثر المسرح الاجتماعي. 

بعدها جاءت مرحلة جديدة أُسمِّيها مرحلة الانطلاق خارجيًّا، والغياب داخليًّا، وبدأت هذه المرحلة بصبغتها الإيجابية والسلبية في آنٍ، حين بدأ المسرح السعودي يشارك خارجيًّا في المهرجانات المسرحية الخارجية بعروض لها سمة التغريب والتجريب واللامعقول وغيره من المدارس التي تطرح المسرح بوصفه فنًّا يتوجب التغلغل في مفرداته، حتى إن كان ذلك على حساب القضية الاجتماعية وغياب صوت المجتمع.

هذه العروض التي استشرت وهيمنت على الفِرَق المسرحية السعودية بشكل لافت لم يكن لها من الأهداف أكثر من الحرص على الوجود الخارجي والتنافس على جوائز تلك المهرجانات، لكن أثرها الخطير كان واضحًا حين انسحب الجمهور بصفته الشعبية من قاعات المسرح وحضر جمهور النخبة والنخبة المسرحية فقط، بمعنى أن المثقفين السعوديين بوصفهم نخبة لم يكونوا على دراية بما يفعله المسرح.

هذه المرحلة الخطيرة من الانزواء واجهت اجتهادات لكسر خطورتها بالفعاليات التي كانت تقوم بها أمانة الرياض والأمانات الأخرى بتكريس حضور المسرح الجماهيري وتدعيم حضوره، وهذا كان هدفه موجهًا نحو استثمار المسرح في الإجازات لشغل أوقات فراغ الشباب.

ثم ما نلحظه حاليًّا من هيئة الترفيه وهو موجَّهٌ الآن أيضًا للاستثمار الاقتصادي.

هناك تحديات ثابتة وهناك تحديات متغيرة بتغير الحال، الثابتة كان أهمها انعدام البنى التحتية التي يحتاج إليها المسرح السعودي، ولي رجاء أن يفهم الجميع أن حديثنا عن المسرح السعودي لا يختزل في الرياض بل في مدن ومناطق ومحافظات مترامية الأطراف يفتقد معظمها وجود مسارح وقاعات مؤهَّلة للعمل المسرحي، فإذا كانت الرياض العاصمة تحتوي على بعض القاعات، فإن أكثر من ٧٠% من مدن المملكة لا يتوافر فيها ذلك، والمسرح من المجالات التي يحتاج إلى بيئة مناسبة تتوافر فيها تلك المتطلبات وأولها القاعات المؤهلة. 

ومن التحديات الثابتة قلة الدعم المادي للمسرح علمًا أن المسرح كما هو معلوم فن جماعي ويتطلب ميزانيات قوية بل باهظة، ومن ثم فإنه في حال فَقْد ذلك الدعم لن يستطيع أن يتحرك من مكانه.

من التحديات المتغيرة ما واجهه المسرح مع تشدد حركة الصحوة وممارساتها في حقبة ما للوقوف ضد أي محاولة، فنعلم كم ضُرِبَ الممثلون على الخشبة بالعصيّ! وكم أُوقِفَت العروض لوجود مؤثرات موسيقية! وكم طُرِدَ الجمهور من الصالة! وهي مرحلة خطيرة تحتاج إلى قراءة متعمقة؛ لأنها كانت ستُودِي بالحركة المسرحية بِرُمَّتها. 

من التحديات أيضا عدم وجود معاهد قادرة على تأهيل المسرحي السعودي وتطوير أدواته، وهذا تحدٍّ متغيرٌ؛ إذ إننا سمعنا بنوايا لترفير مثل هذه الأكاديميات في القريب.

من التحديات ضعف جمعيات الثقافة والفنون في حضورها المجتمعي وهي الجهة المنوط بها رعاية المسرح، وهذا الضعف انعكس على أثر المسرح مجتمعيًّا، وكما له أوجه عدة؛ منه ضعف سلطة المؤسسة، وضعف ميزانياتها، وضعف إمكانياتها بشكل عام.

أستاذ المسرح والسرديات المشارك بكلية الآداب،
جامعة الملك فيصل، ورئيس رابطة الإنتاج المسرحي العربي المشترك ATPA

حليمة مظفر: نحتاج إلى المسرح التجاري للتسلية
ولكن من دون إهمال المسرح الإبداعي الذي يعكس وعينا الإنساني

الحقيقة التي لا تغيب عن حكاية المسرح السعودي هو تأخره كثيرًا كفعل مسرحي عن بقية الدول العربية الأخرى، التي عرفت المسرح منذ أكثر من قرن ونصف القرن؛ مثل: مصر ولبنان، وكان أول بذرة لهذا الفن في الثقافة السعودية خرجت من المسرح المدرسي حيث اهتم العديد من المدارس بمختلف المناطق به وشجع عليه المدرسون الوافدون ممن حاولوا نقل التجربة من دولهم العربية إلى التعليم السعودي، ويمكن القول: إن معرفة المجتمع السعودي بالتجربة المسرحية ترافقت مع النهضة الشاملة التي شهدتها البلاد منذ إعلان أول خطة للتنمية عام 1390- 1395هـ، وقد أشار ناصر الخطيب في بحث أجراه بعنوان: «مدخل إلى دراسة المسرح في المملكة العربية السعودية» إلى أن قيام الفعل المسرحي السعودي بأركانه المكتملة من ناحية توافر النص، والمسرح، والممثلين، والإخراج كان عام 1393هـ/ 1973م، بمسرحية «طبيب بالمشعاب» التي أخرجها وألَّفها إبراهيم الحمدان، لتكون خطوة البداية الحقيقية للمسرح السعودي، عرضًا ونصًّا رغم أنّ نص المسرحية مقتبس من مسرحية الكاتب الفرنسي موليير «طبيب رغم أنفه» وقد عمل على سعودته.

وعلى إثر هذه المسرحية أُنشِئت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وهي من تحمل العبء الأكبر في ممارسة العمل المسرحي عبر الفِرَق التابعة لها، والمشاركة بها في المهرجانات المسرحية العربية والعالمية، وقبل هذه المسرحية نُفِّذَتْ تجارب مسرحية لا يمكن إسقاطها من التاريخ المسرحي السعودي، ولم يُسلَّط عليها الاهتمام الإعلامي؛ مثل: مسرحية «ثمن الحرية» التي رعاها رسميًّا الأمير سلمان بن عبدالعزيز حين كان يتولى إمارة منطقة الرياض قبل توليه الحكم، وهي من إخراج العراقي محسن العزاوي، ومثَّل فيها عبدالعزيز الحماد عام 1389هـ/ 1969م، وكان هناك عدد آخر من المسرحيات التي أخرجتها جمعية الفنون الشعبية والتي تأسست عام1380هـ/1970م في منطقة الأحساء بالمنطقة الشرقية، ومنها مسرحية: «غلط في غلط»، ومسرحية «ماطور النور» وغيرها، لكن هذه التجارب لم يهتم بها الإعلام كما حصل مع مسرحية «طبيب بالمشعاب» التي تسبب نقلُها تلفزيونيًّا في نجاحها إعلاميًّا، فحظيت بالتغطية، وعُدَّت البداية للمسرح السعودي.

ومن بعدها تتابعت التجارب المسرحية، وإن كانت باهتمام متفاوت عبر قنوات يمكن إيجازها في المسرح المدرسي، وهو أقدم نشاط مسرحي في السعودية، ثم المسرح الجامعي الذي يعود نشاطه إلى عام 1975م، والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تمثل دورها في الإشراف والتمويل للتجارب المسرحية عبر اهتمامها بالنشاط الثقافي، وأيضًا فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون المنتشرة في المملكة، وهي أهم القنوات التي دعمت النشاط المسرحي، وإنتاج المسرحيات السعودية، والمشاركة بها في المهرجانات العربية والدولية؛ أما القناة الأخيرة فتتمثل في مسرح الجنادرية الذي كان يقام سنويًّا ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة حيث اهتم بالمسرح اهتمامًا خاصًّا من خلال استقطاب الفِرَق المسرحية السعودية، وهو ما أثر في الحراك المسرحي وشجعه.

المسرح ورؤية 2030

هناك كثير من التحديات التي تواجه المسرح السعودي، ولكننا متفائلون جدًّا بطموحات وزارة الثقافة وتحقيق رؤية 2030 السعودية التي يقودها الأميرُ المُلْهِمُ لنا وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، أما التحديات فأهمُّها إعادة تشكيل الوعي المجتمعي للاهتمام بالمسرح كي يتحول فيه من فعل مسرحي ينهض فقط في المناسبات إلى فعل مسرحي مجتمعي منظم يُمارَس على مدار العام من وجهة نظري. ومؤكد أن خطوة التعاون التي أعلن عنها الأمير بدر بن عبدالله آل سعود وزير الثقافة مع وزارة التعليم في إدخال الموسيقا والمسرح إلى المناهج الدراسية ستكون عاملًا مهمًّا لرفع مستوى الوعي بثقافة المسرح وتقديره. ومن أهم التحديات عدم توافر الدراسة الأكاديمية للمسرحيين في جامعاتنا، وعدم جعل المسرح مادة ضمن الأدب في مدارسنا كاهتمامها بالشعر والقصة الأدبية، وعدم توافر كليات أكاديمية متخصصة، حتى نستطيع تخريج ممثل محترف، وكاتب محترف، ومخرج محترف، ومهندس إضاءة محترف، ومهندس ديكور إلى آخر الفريق الذي ينهض بعناصر مسرح يُخرِجُه من الهواية والاجتهاد إلى الاحترافية والاختصاص.

فالمسرح يعتمد فعلًا على الموهبة والشغف ولكنه لا ينهض بهما من دون العلم والتعلم والدربة، وهناك تحدٍّ آخر يواجه المسرحيين وهو من أبرز وأهم التحديات، ويتمثل في تمويل التجارب المسرحية وإنتاجها وتبنِّيها على مستوى محليٍّ ودوليٍّ من المؤسسات. ونحن اليوم نُعَوِّل على وزارة الثقافة لدعم الإنتاج المسرحي المحلي والنهوض به؛ فالمسرح من أهم وسائل القوة الناعمة للتواصل مع الجمهور، وتعزيز الهوية الوطنية، ونشر الثقافة، وأهم سفير للارتقاء الفكري الإنساني، ولكنه يحتاج إلى التمويل والميزانية التي تستهدف الاستثمار في وعي وثقافة الجمهور قبل أموالهم!

ولكي نصل إلى ذلك فهو يحتاج إلى إيمان حقيقي وليس عدّه مسرحًا تجاريًّا يستهدف الربح المادي؛ نعم نحن نحتاج فعلًا إلى المسرح التجاري للتسلية والضحك ولكن من دون أن نهمل المسرح الذي يستثمر في ثقافتنا ووعينا الإنساني، مع العلم أنه حين يُمَوَّل المسرح السعودي بميزانية تتناسب مع هذا الهدف السامي فسيؤدي حتمًا إلى ربح مادي؛ لأن المسرح اليوم هو إبهار في تناول الفكرة كما هو إبداع في هندسة سينوغرافية تجتذب المتلقي، وتؤدي رسالتها الترفيهية إلى جانب رسالتها الثقافية، ومثل ذلك يحتاج إلى مسارح متخصصة للعروض المسرحية، ومجهزة بأحدث وسائل المسرح والتكنلوجيا، وهذا أيضًا بمنزلة تحدٍّ أتمنى تجاوزه.

حاليًّا، أصبح المسرح ضمن الاهتمامات والإستراتيجيات الوطنية الثقافية؛ وهو ما ساهم في حل مشكلات كثيرة كان المسرح السعودي يواجهها؛ أهمها تغييب المرأة عن المسرح كممثلة، وتجاوزنا هذه الإشكالية بعد صعودها على المسرح، والمشاركة في التمثيل، وكان ذلك أولًا في مسرحية «حياة الإمبراطور» التي عُرِضت في جامعة الأميرة نورة بالرياض، حيث شاركت شابة في تمثيل المسرحية التي تبنَّتها هيئة الترفيه، وكان ذلك عام 2018م. ولأن المسرح بات مشروع دولة وليس مشروع مؤسسات أو أفراد مُحبِّين ومجتهدين؛ فمن المهم جدًّا للمسؤولين فهم ذلك من دون بحث عن أمجاد ومصالح شخصية؛ ويخرج من الفكر القديم الذي اعتمد عليه المسرح في كونه اجتهاد أفراد إلى أن يصير اجتهاد مؤسسات وطنية كبرى تعي مسؤوليتها الكاملة تجاه دعم وتمويل وتبني فِرَق المسرح السعودي؛ وبخاصة أننا لا نبدأ من الصفر، فهناك فِرَقٌ ومسرحيون اشتغلوا على أنفسهم سابقًا، وهؤلاء يحتاجون إلى الدعم لمواصلة الطريق وتطوير تجربتهم إلى جانب تعزيز عملية الابتعاث وتخريج محترفين؛ والأهم من ذلك هو التحدي الذي يعتمد على الوعي في التفريق بين المسرح التجاري الذي أرى أنه من مسؤولية هيئة الترفيه ويستهدف الربح المادي، وبين المسرح الإبداعي الثقافي المناط بوزارة الثقافة الذي يستثمر في ثقافة المجتمع ووعيه وفكره، ويسعى لأنْ يكون سفيرًا للقوة الناعمة وللارتقاء الحضاري.

وحين ندرك أن المسرح لم يعد وحيدًا اليوم، ودوره أعمق مما كان في السابق، سيكون أهم من يساعد على التحولات الجارية حاليًّا في المجتمع السعودي وبخاصة أن الإمكانيات المادية والثقافية والفكرية والإبداعية البشرية متوافرة في مجتمعنا، وكل ما نحتاج إليه فعلًا هو الإيمان الحقيقي به كقوة ناعمة محليًّا وخارجيًّا.

أديبة وناقدة مسرح.

فهد ردة: غياب الإستراتيجية

التحديات التي تواجه المسرح السعودي كثيرة، لكن من أبرزها غياب الإستراتيجية والمشروع الذي من دونه سيكون كل عمل وكل نشاط تقوم به مجرد هامش لا عمق فيه. لدينا الآن عناوين كبيرة أطلقتها وزارة الثقافة في مشروعها المقبل، لكنها ظلت عناوين لا مشروع واضح بها، هنالك معاهد ومسرح وطني ودعم، هكذا الأمر مجرد عنوان وفي الداخل لا شيء واضح، لا مشروع، لا خطة، لا خطوة، وما زالت حالة الانتظار قائمة في ظل بطء سُلَحْفِيٍّ فيما يخص المشاريع الثقافية وفي الوقت نفسه حركة سريعة وخطوات كبيرة في قطاعات أخرى مثل: الترفيه والسياحة والاقتصاد. وعندما تنظر هنا وهناك تستطيع أن تلمس الفارق، فما زال الأمل قائمًا وما زلنا ننتظر، لكن بوصلة الانتظار غير مستقرة. المسرح السعودي الذي كان ينتج في العام الواحد عشرين عملًا مسرحيًّا على أقل تقدير هو الآن لا ينتج إلا عملين أو ثلاثة، الوضع بائس جدًّا في شكله العام لكننا في الانتظار.

فيما يخص المسرح التجاري، فهو مسرح ترفيهي له جمهوره، وفي تصوري أنه متى كان للمسرح الجاد الدعم المناسب فليس هنالك تأثير، فكلٌّ يعمل وفق مشاريعه، لكن عندما يجد المسرح التجاري كل الدعم، ولا يجد المسرح الجاد نقطة دعم واحدة، بالتأكيد سيكون ذلك مؤثرًا جدًّا. تسليع الفن والثقافة قد يكون مفيدًا في أشياء لكنه ضار جدًّا في أشياء أخرى، وعلى وزارة الثقافة أن تعي أن دورها تنويري وخاص بقطاعات تنويريه، وأن مشاريع الدعم والمعاهد والتدريب وإنشاء قاعات العروض والمراكز الثقافية هو من صميم عملها. قضينا عمرًا نطالب فيه ببناء المراكز الثقافية في كل مدينة وقرية في بلادنا؛ لأنها تستحق ذلك، ومن المعيب في بلد متطور جدًّا مثل بلدنا أن تدخل مدن ليس بها مركز ثقافي واحد، فالأمر بحاجة لمراجعة بالفعل، إن كانت الوزارة جادة في رغبتها في دعم المسرح.
منذ عشرين عامًا صُنِّف المسرح السعودي والمسرح البحريني كأكثر المسارح تطورًا في العالم العربي حتى في ظل الاستقرار الذي كانت تشهده تلك البلدان، لكن حركة النمو والتطور توقفت أو أصبحت بطيئة وتعتمد على المشاريع الشخصية في ظل قلة الدعم والاهتمام، وظلت الكويت محافظة على الحراك نفسه تقريبًا بسبب وجود معهد للفنون المسرحية ودعم جيد للفرق المسرحية. برزت الإمارات مؤخرًا بسبب وجود الإستراتيجية في الشارقة، فصار بها أكاديمية للمسرح ومهرجانات، وجلبت خبرات الوطن العربي للمسرح المدرسي، واهتمت بطباعه الكتب والندوات، وحولت المهرجانات المسرحية المحلية إلى دولية، وأصبحت منارة مسرحية، فرئاسة الهيئة الدولية للمسرح لديها وهي تملك مشروعًا كبيرًا اسمه الهيئة العربية للمسرح الذي يدعم المسرح ومشاريعه، ليس في الإمارات بل في الدول العربية، وهذا يوضح ما كنت أعنيه بوجود الإستراتيجية ودورها.

مسرحنا غنيٌّ جدًّا بالكوادر التي يستعان بها عربيًّا؛ من مؤلفين ومخرجين وممثلين وفنيين، لكن لا يوجد المشروع الحاضن له والداعم والحافز، لدينا حالة من فردانية المشروع هي من أبرز هذه الطاقات، ولو وجدت الدعم الكامل لتصدَّر المسرح السعودي المشهد ولَقدَّم الكثير.

كثيرًا ما قام المسرح بذلك عبر ثلاثين عامًا مضت لكن الضوء كان بعيدًا منه؛ الإعلام، حركة النقد، الدراسات والبحوث؛ لذلك لم يرصد هذا الأمر كثيرًا رغم وجوده منذ زمن، فالمسرح لديه القدرة على التنبؤ والاستقراء ورصد التحولات ومناقشتها وإثارة الاستنارة والتنوير حولها، كل ذلك للأسف لم يرصد ولم يوثق. الآن يوجد العديد من الدارسات ورسائل الماجستير والبحوث المحكمة التي ترصد هذا الواقع وحركته وحراكه، وعندما ينطلق مشروع الدعم للمسرح سيكون له دوره المهم جدًّا؛ لأن فن المسرح في تكوينه قائم على السؤال والبحث والنحت والقراءة والاستقراء والتنبؤ بالقادم.

كاتب مسرحي.

عبدالعزيز السماعيل: قريبًا الإعلان عن خطتنا الإستراتيجية الشاملة للمسرح

أبرز التحديات التي تواجه المسرح السعودي: غياب إستراتيجية واضحة المعالم للمسرح السعودي، والافتقار للبنية التحتية، وضعف الدعم المالي، وعدم إدراك قيمة المسرح ليس كمجالٍ ترفيهيٍّ فحسب، بل كرافدٍ ثقافيٍّ مهم ومنصة تشريحية للكثير من قضايا المجتمع ومشكلاته وتقديم الحلول الممكنة. إلا أننا الآن في المملكة منذ أن تأسست وزارة الثقافة وأعلنت خطتها الإستراتيجية في بداية هذا العام، نشعر بأن المسرح السعودي سوف ينال نصيبه المفقود من التنمية الشاملة سواء في البنية التحتية أو التخصص العلمي، أو من طريق دعم المؤسسات والجمعيات المسرحية ومساندة نشاطها عبر خطط طموحة لدى الوزارة بإذن الله.

ربما كان من أبرز التحديات التي واجهها المسرح السعودي -إضافة إلى ما ذكرناه سابقًا- هو الافتقار إلى البنية التحتية المتمثلة في المقرات الملائمة والمعاهد والأكاديميات المتخصصة. حيث تمثل هذه البنية التحتية الأساس الذي يقوم عليه المسرح، ومن المستحيل قيام المسرح بشكلٍ صحيح في ظل غيابها. ولو وجدت هذه البنية في الوقت السابق لنافس المسرحيون السعوديون غيرهم في الدول المجاورة. ولكن كان التحدي الأبرز أمام المسرح غياب العنصر النسائي عنه. وقد قابل المسرحيون السعوديون هذا التحدي بروح العزيمة والإصرار على المسرح فأسهموا وشاركوا وأبدعوا في الداخل والخارج نصًّا وإخراجًا وتمثيلًا. هذا التحدي -في اعتقادي- يجب ان يكون وسام فخر لكل المسرحيين الذي عملوا في المجال منذ تأسس المسرح لدينا في بداية السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم، حيث لم يواجه المسرح العربي مثل هذا التحدي من قبل.

كانت التجربة الإدارية التي عشتها في الإدارة العامة للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض لمدة خمس سنوات تقريبًا ومن قبلها في إدارة الجمعية بالدمام من التجارب المهمة في حياتي. وأستطيع وصفها بالحلوة المرة أو الناجحة نسبيًّا؛ لأن الإدارة الثقافية بشكل عام تحتاج -إضافة إلى الخبرة- إلى وعي إداري خاص، ليس فقط بالشأن الثقافي والفني بل الأهم من ذلك هو الشأن العام وأحواله المختلفة. ولكون الثقافة والفنون تحديدًا في المملكة كانت تمرُّ بمرحلة تاريخية صعبة طوال الأربعين سنة الماضية تقريبًا، بسبب مواجهة التشدد الديني الرافض تمامًا للفنون الذي كان يشكل ضغطًا هائلًا ليس على الفنانين فقط بل على المجتمع عمومًا وهو ما شكل موقفًا مجتمعيًّا سلبيًّا تجاه الفنون. كل ذلك –لا شك– كان يشكل همًّا وعبئًا ثقيلًا على العمل الإداري الثقافي في كل المؤسسات الثقافية القائمة، وهو ما عاق كثيرًا من الجهود التي كان يمكن لها أن تزدهر الآن بشكل لافت. ورغم ذلك فقد تعلمت من التجربة السابقة الصبر وصلابة الموقف المدافع عن الثقافة والفن، والاهتمام ببناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل مع الوسط الفني والثقافي عمومًا مهما يكن شكل الاختلاف. وما زلت –بطبيعة الحال- أتعلم حتى الآن.

لا أريد أن أستبق الأحداث في هذا السياق، حيث نعمل في وزارة الثقافية حاليًّا على الإعداد لإعلان خطتنا الإستراتيجية الشاملة، وأهدافنا في المسرح الوطني للجميع في القريب العاجل بإذن الله.

كاتب وممثل مسرحي.

حمزة كاشغري: جرح البداية: قصة من المسرح السعودي

«خلال عام 1960م كان أحد أعلام السعوديين الشيخ أحمد السباعي يعيش في مكة المكرمة ممتهنًا الأدب والصحافة، وراق للرجل إيجاد أدب مسرحي في البلاد، فقدم طلبًا لجهة الاختصاص في ذاك الحين فقوبل طلبه بالقبول والاستحسان، فشرع الرجل همة وعزمًا، واشترى أرضًا للمسرح، وكوّن البناء وكمّله بالعتاد، ممنيًا نفسه بعروض صيفية، وتكميلًا لاحتياج هذا المرفق الأدبي، أوجد مدرسة لتعليم التمثيل، وفعلًا اكتظت بالطلبة ووظف المدرسين والمدربين ثم استقدم مخرجًا لإتمام العمل، واستمر الحال نشطًا، وشاع بين العامة مولد المسرح الإسلامي الأول، وأنه سيبدأ العرض بدار قريش للتمثيل الإسلامي، وهو اسم المسرح. وقبل أسبوع من مولد أول عمل صدر أمرٌ حازم بإغلاق دار العرض، ومنع موظفيها من مزاولة ذلك العمل المسرحي. صُعق الشيخ وهبّ مستنجدًا للإبقاء على أمله وتحقيق حلمه، وبهذا الخصوص يقول الشيخ نفسه: «ورحت من جانبي أراجع الجهات العليا، حتى وصلت إلى جلالة الملك سعود، وقلت له: إن دار قريش للتمثيل الإسلامي سوف تكون مدرسة لتعليم القيم الإسلامية. واقتنع جلالته ولكن الآخرين لم يقتنعوا»)

انتهى الاقتباس، وقد حاولت أن أختصره وأعيد صياغته ولكن النص كان مشحونًا بعاطفة منعتني من اجتزاء أي جزء منه، ويبدو أن الخريجي الذين أهدى كتابه إلى (الرعيل الأول: زملائي عشاق المسرح السعودي) كان صادقًا في انتمائه إلى هذا الفن وأهله إلى حدّ أن تسرب ألم الشيخ السباعي إليه، وللكلام بقية مفادها أن المشروع وُضع قيد الدراسة حتى دبّ اليأس في نفس الشيخ، وأصبح مكان المسرح مستودعًا للعب الأطفال، ليس الغرض من استعادة هذه القصة فقط رد الاعتبار للسباعي من (الآخرين) فقد أنصف الزمن مشروعه بل المشروع الطبيعي للتطور الفني والثقافي، ولكن بإيقاع أبطأ من المُعتاد، وهذا هو السؤال الذي تحاول المقالة طرحه؛ لماذا بقي المسرح يتحرك ببطءٍ أكثر مما ينبغي؟

محاولة السباعي كانت مبكرة لكنها لم تكن وحيدة، فقد سبقه التأليف المسرحي بثلاثة عقود حين كتب الأديب عبدالله حسين سراج عددًا من المسرحيات، حينها سُئل عن سبب كتابته لهذه المسرحيات رغم علمه بصعوبة تجسيدها على خشبة المسرح في ذلك الوقت، فكان جوابه: كتبتها كي تُقرأ ولتكون نموذجًا للكُتاب والمؤلفين من الأجيال الجديدة، تعاقب بعده عدد من الكُتاب مثل أحمد عبدالغفور عطار، وعبدالله عبدالجبار في كتابة النص المسرحي، وصولًا إلى عبدالله مليباري الذي كتب نصين بعنوان: (فتح مكة، ومسيلمة الكذاب)، وكانت هي النصوص التي كان مخططًا لها أن تتحول إلى عروض في مسرح الشيخ أحمد السباعي، أو بالأصح دار قريش للتمثيل الإسلامي (وكانت من إخراج الأستاذ مشيخ وهي من سبع عشرة ورقة تقريبًا ولكن حسها الفني والأدبي كان عاليًا لدرجة أن المؤلف استنطق الأصنام فيها، وكان هنالك مسرحية تليها أسمها «مسيلمة الكذاب» ولكن إغلاق الدار كان إغلاقًا لكل الجهود والأحلام).

هل كان خوف (الآخرين) من نصوص السباعي تحديدًا؟ أم من خروج المسرح عن أنظارهم وأيديهم؟ ربما فقصة (الآخرين) مع محاربة الوسائل الجديدة ثم ابتلاعها واستغلالها قصة معروفة ومكررة، تكررت مع البث التلفزيوني وأطباق القنوات الفضائية ومع أجهزة الجوال والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

لم يكن الخوف من المسرح في ذاته مبررًا حينها، فقد دخل المسرح –ولو بشكل تعليمي تربوي– إلى مدارس المملكة مبكرًا، كان الأستاذ صالح بن صالح يقيم المسرحيات في مدرسته في عنيزة، (وقد زار الملك عبدالعزيز -رحمه الله– عنيزة في عام 1354هـ أو 1355هـ، وحضر حفل المدرسة، وأعجب به غاية الإعجاب، وكانت التمثيليات متقنة، ولافتة للنظر، وكان الأستاذ صالح موفقًا في اختيار موضوعاتها والطلاب الممثلين لها، والحوار الذي احتوت عليه، وكانت في هدفها لائقة بهذه المناسبة. وقد مثَّل الطلاب أمام الملك تمثيلية كسرى والوفد العربي الذي وفد عليه، وهي قصة مشهورة ومعروفة في كتب الأدب… ومن التمثيليات التي يذكرها الأخ تمثيلية الأعمى وهي شعر… وتمثيلية الشاهي والدارسين، قام بتمثيل دور الدارسين عبدالرحمن أبا الخيل ودور الشاهي صالح الضراب).

وقد تعمدت أن أطيل الاقتباس قليلًا ليأتي على ذكر نماذج من التمثيليات –وهو الاسم الشائع للمسرحيات في ذلك الوقت– فهي ليست مسرحيات مبتذلة أو بسيطة، فالأولى من التراث الأدبي المعروف والثقيل على المستوى الفني والأدبي، والثانية هي مسرحية شعرية تقوم على تقمص ومحاكاة، تبدأ ببيت شعري يقول: يا أمُّ ما شكل السماء.. وما الضياء وما القمر؟

وهذه القصيدة اشتهرت لاحقًا وذاعت بين الناس؛ لقيمتها الإنسانية أولًا والأدبية كذلك، أما الثالثة فقد استُنطِقَ فيها الشاهي، وهو ما يُمكننا من القول بأن المسرح السعودي عرف الرمزية منذ بداياته الأولى، سرعان ما تبنت وزارة التعليم –وزارة المعارف آنذاك– في بدايتها النشاط المسرحي، ولم تكد تخلو مدرسة من فرقة مسرحية تقدم عروضها في احتفال نهاية العام، أو عند زيارة وزير أو أمير منطقة، وامتد ذلك للجامعات والمعاهد حتى الأندية الرياضية التي كانت أندية رياضية ثقافية اجتماعية آنذاك، ثم امتد النشاط المسرحي لجمعيات الثقافة والفنون التي أصبح المسرح عمودًا ثابتًا منذ تأسيسها حتى الآن، وأقيمت مهرجانات للمسرح في فروعه المختلفة، فهل اندمل جرح البداية إذًا؟ لماذا لم يحقق هذا النشاط المسرحي الذي بلغ ذروته في الثمانينيات والتسعينيات حدّ أنه يمكننا القول بأنه لا يكاد يوجد سعودي لم يشارك في مسرحية واحدة أو يتعرض لعدة مسرحيات -في حياته الدراسية على الأقل- انعكاسًا واضحًا في حياة الناس اليومية؟ لماذا لا يحضر في ذاكرتهم كما يفعل التلفزيون؟

لا تبدو الإجابة سهلة، وقد لا تكون إيجابية كذلك، إلا إن كان عام 2020م عام التعافي الذي بدأت إرهاصاته منذ عامين تقريًبا، فمن سوء حظ المسرح أو من غرابة حظه أنه موصومٌ بما يجعله أكثر بطئًا في التقدم من باقي الفنون، فلو نظرنا إلى دخول المرأة –كمثال– إلى باقي الفنون، فسنجدها دخلت إلى التمثيل التلفزيوني في وقت مبكر نسبيًّا، الكتابة سبقت ذلك طبعًا، حتى الكتابة المسرحية تحديدًا فقد كتبت هند باغفار مسرحية في عام 1975م، وأخريات بعدها، وكذلك دخول المرأة مجال الغناء وباقي الفنون، ولكن أول ظهور لخشبة المسرح –باستثناء العروض المسرحية النسائية التي تُقام داخل الجامعات النسائية الخاصة وفي حضور نسائي فقط- للرجل والمرأة معًا كان في عام 2018م، في مسرحية مقتبسة من قصة (حياة الإمبراطور) لوالت ديزني، بتنظيم هيئة الترفيه، وتأمل هذا الفارق الزمني الهائل بين 1960م و2018م يُغني عن أي تعليق.

آن الأوان لأن يتحرر المسرح من جرح البدايات والحمولة الملتصقة به، لقد وُلد المسرح السعودي في أزمة، وهذه الأزمة في ظني أنتجت طريقين شكَّلا واقع المسرح المعاصر اليوم؛ الأول هو الاتجاه نحو الخارج، فقد يبدو المشهد مضحكًا –أو محزنًا، ولكن شر البليّة ما يضحك على كل حال– حين ترى بعض الفرق المسرحية السعودية تحصد الجوائز تلو الجوائز في المهرجانات الخليجية العربية، ثم تشاهد عدد المقاعد الفارغة في عروضها المحلية، أو بالأحرى العدد المحدود للمقاعد الشاغرة، وهو ما يوحي أن «الانكسار المسرحي» المحلي إذا جاز الوصف دفع عددًا من المسرحيين إلى مساحات من التجريب والابتعاد من الإيغال في البعد المحلي في المسرحية، لا يبدو هذا الابتعاد أسلم فحسب، ولكنه أكثر راحة، وهذا ما أدى إلى خلق حالة يصفها منتقدوها «بالنخبوية».

أما الطريق الثاني فهو نقيض ذلك تمامًا، إنه الغوص في المحلية حدّ التهريج أحيانًا، ولا تحضر مفردة «التهريج» بالمعنى السلبي، ولكن بالمعنى المسرحي الذي يقصد نوعًا محددًا من الكوميديا المباشرة والخفيفة، المسرح التجاري يعيش أيامًا من الانتعاش، وهذا صحِّي على الأغلب من وجوه عديدة، بل صحّي تمامًا، لكنه يكشف حالة العَرَج لدى النوع الآخر من المسرح، تعزز حضور المسرحيات التجارية في «مواسم السعودية»، ولكني وقفت على تجربتين تستحقان الالتفات؛ الأولى في موسم جدة، حيث قدّمت أمل الحربي نصًّا مسرحيًّا يراوح بين التجريد والتجريب، مُثِّلَ في منطقة البلد في مساحة مفتوحة، والثانية كانت في موسم الرياض، وموسم جدة كذلك، حيث قُدِّمتْ مسرحية الملك لير، وهي من كلاسيكيات شكسبير، كنت حاضرًا في التجربتين، معظم الفريق في المسرحية الأولى كانوا من الهواة، أمل الحربي روائية وهذه هي تجربتها الروائية الأولى، باستثناء محمود شرقاوي، فإن فريق التمثيل كان من الهواة كذلك، أما المسرحية الثانية فكانت لفريق من المحترفين وعلى رأسهم يحيى الفخراني، ولكن في التجربتين كان المكان ممتلئًا عن آخره، والجمهور مشدود منذ اللحظة الأولى حتى النهاية، وكلتاهما انتهت على وقع تصفيقات الإعجاب والتحية الكبيرة.

إذا استوعب الفريق الأول أن المسافة التي تفصله عن الجمهور المحلي مسافة متخيّلة غير حقيقية، وإذا استوعب المستثمرون في القطاع الثاني أن مخاوفهم من تحقيق إيرادات جيّدة وإقبال جماهيري في «المسرحيات الجادة» –إذا صحّ الوصف– مخاوف غير واقعية، سيتعافى حينها المسرح السعودي من عرجه ويخرج أخيرًا من أزمته.

باحث في الشأن الثقافي.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *