المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

إمكانات النوع واشتراطات النمط

بواسطة | مايو 1, 2019 | مقالات

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬المعنيون‭ ‬بنظرية‭ ‬الأدب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬والأنواع‭ ‬تعمل‭ -‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬وما‭ ‬يتراكم‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬نصية‭ ‬تحت‭ ‬لافتتها‭- ‬على‭ ‬تكريس‭ ‬نمط‭ ‬محدد‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬وهويتها‭. ‬قد‭ ‬يتغير‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬أو‭ ‬يتطور‭ ‬أو‭ ‬يتراجع‭ ‬أحيانًا،‭ ‬لكنه‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬ما‭ ‬يتشكل‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬تميزه،‭ ‬وتحفظه‭ ‬مستقلًا‭ ‬بجانب‭ ‬سواه‭. ‬يتهيأ‭ ‬القارئ‭ ‬ليكون‭ ‬مستودَعًا‭ ‬لتبدلات‭ ‬النص‭ ‬ومكمنَ‭ ‬تغيّرات‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه،‭ ‬فيتسلم‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إليه‭ ‬ليستشف‭ ‬منه‭ ‬تلك‭ ‬المزايا‭ ‬ويقوم‭ ‬بتثبيتها،‭ ‬فيكون‭ ‬لها‭ ‬هيئات‭ ‬محددة‭ ‬يقيس‭ ‬إليها‭ ‬ويحيل‭ ‬عليها (‬كلَّ‭ (‬ما‭ ‬سيتسلمه‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه‭ ‬للنصوص‭ ‬التالية‭ ‬المنضوية‭ ‬تحت‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ . ‬وهنا‭ ‬يتخذ‭ ‬مهمة‭ ‬الحارس‭ ‬الذي‭ ‬يذبّ‭ ‬عن‭ ‬شعرية‭ ‬النوع‭ ‬وأنظمته‭ ‬ومزاياه؛‭ ‬فلا‭ ‬يتقبل‭ ‬أي‭ ‬انزياح‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬انحراف‭. ‬والخطورة‭ ‬التي‭ ‬ينبه‭ ‬إليها‭ ‬تودوروف‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬عن‭ ‬الشعرية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الأنماط‭ ‬الأدبية‭ ‬المعروفة‭ ‬جيدًا‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬سوف‭ ‬يعتمدها‭ ‬أي‭ ‬الجمهور‭ ‬مفاتيح‭ ‬لتأويل‭ ‬الأعمال،‭ ‬فيصبح‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي‭ ‬أفق‭ ‬الانتظار‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقارئ،‭ ‬والأخطر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يجهد‭ ‬الكاتب‭ ‬كي‭ ‬يستبطن‭ ‬هذا‭ ‬الانتظار‭ ‬ويلبيه‭ ‬مفرغًا‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬كتابي‭ ‬له‭ ‬أبعاده‭ ‬ومميزاته‭.‬

تلك‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬القراءة‭ ‬للقارئ‭ ‬يعضدها‭ ‬استخلاص‭ ‬المزايا‭ ‬وإحاطتها‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬المقدس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمس‭. ‬وهذا‭ ‬عين‭ ‬ما‭ ‬واجه‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مرحلتي‭ ‬التجديد‭ ‬والتحديث‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬القراءة‭ ‬التاريخية‭ ‬لمحاولات‭ ‬التجديد‭ ‬الأسلوبية‭ ‬والموضوعية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬ازدهار‭ ‬الشعر‭ ‬وحيويته‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العباسي‭. ‬فقد‭ ‬واجه‭ ‬الشعراء‭ ‬المجددون‭ ‬ومدرسة‭ ‬البديع‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬رفضًا‭ ‬وانتقادات‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬وشراح‭ ‬الدواوين‭ ‬ورواة‭ ‬الشعر‭ ‬وقرائه‭. ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أبو‭ ‬تمام‭ ‬مثلًا‭ ‬ولا‭ ‬المتنبي‭ ‬لاحقًا‭. ‬وكان‭ ‬النمط‭ ‬المكرَّس‭ ‬هو‭ ‬المحك‭ ‬الذي‭ ‬قيست‭ ‬به‭ ‬أشعارهم،‭ ‬وجرى‭ ‬تسخيفها‭ ‬أو‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬توجهها‭ ‬الأسلوبي‭ ‬والموضوعي‭ ‬وبناء‭ ‬الجملة‭ ‬الشعرية‭ ‬وآليات‭ ‬الصورة‭ ‬والخيال‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬الذات‭ ‬والموضوع؛‭ ‬ليظل‭ ‬النمط‭ ‬متسيدًا،‭ ‬وليكون‭ ‬النص‭ ‬تكرارًا‭ ‬لما‭ ‬يراد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬من‭ ‬وصف‭ ‬للشعر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخالفه‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬إطاره‭. ‬وهكذا‭ ‬ظل‭ ‬الشعر‭ ‬كجنس‭ ‬أدبي‭ ‬يعمل‭ ‬كتلويًّا‭ ‬بتراكم‭ ‬نصوصه‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬مزاياه،‭ ‬فيما‭ ‬تحاول‭ ‬القصائد‭ ‬بكونها‭ ‬أفراد‭ ‬النصوص‭ ‬أن‭ ‬تزيح‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المزايا‭ ‬جمودها‭ ‬وابتذالها‭ ‬بالتكرار‭.‬

وكمثال‭ ‬على‭ ‬نمطية‭ ‬التنظير‭ ‬للنص‭ ‬الأدبي‭ ‬اتفاق‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬القدامى‭ ‬على‭ ‬وجود (‬القصد) ‬شرطًا‭ ‬لاعتبار‭ ‬العمل‭ ‬شعرًا‭. ‬فهم‭ ‬يقرون‭ ‬بوجود‭ ‬أعمال‭ ‬حازت‭ ‬صفة‭ ‬الشعر‭ ‬وحققت‭ ‬في‭ ‬القارئ‭ ‬والمستمع (‬الأثر) ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يُحدثه‭ ‬الشعر‭ ‬المنظوم‭ ‬قصدًا‭. ‬لكنهم‭ ‬يُخرجونه‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬الشعر،‭ ‬فيما‭ ‬تحدث‭ ‬الغربيون‭ ‬مبكرًا‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الأثر‭. ‬فشعرية‭ ‬أرسطو‭ ‬تقوم‭ ‬على (‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الأثر‭ ‬الشعري‭ ‬جميلًا). ‬ولذا‭ ‬اعترض‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يقرن‭ ‬الأثر‭ ‬الشعري‭ ‬بالوزن‭. ‬فعدَّ‭ ‬من‭ ‬ينظم‭ ‬شعرًا‭ ‬في‭ ‬الطبيعيات‭ ‬طبيعيًّا‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬شاعرًا‭ ‬فيما‭ ‬عَدَّ‭ ‬ناظم‭ ‬الرابسودية‭ ‬شاعرًا‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬أوزان‭ ‬شتى‭ ‬وعناصر‭ ‬شعرية‭ ‬مختلفة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لاحظه‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬وهو‭ ‬ينقل‭ ‬كتاب‭ ‬أرسطو‭ ‬‮«‬فن‭ ‬الشعر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬فذكر‭ ‬أن‭ ‬الأقاويل‭ ‬المخيَّلة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أوزان‭ ‬مختلطة‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬عندنا‭.‬

هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬لشعرية‭ ‬النص‭ ‬جعلت‭ ‬الغربيين‭ ‬أكثر‭ ‬تسامحًا‭ ‬وقبولًا‭ ‬لتوليد‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬العربي،‭ ‬فظلت‭ ‬حدود‭ ‬الأنواع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭. ‬واستقر‭ ‬تعريف‭ ‬الشعر‭ ‬مقترنًا‭ ‬بالوزن‭ ‬والقافية‭ ‬والنظم‭ ‬المقصود‭ ‬لأداء‭ ‬المعاني‭. ‬يجري‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬النقدي‭ -‬وهو‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬مجمله‭- ‬بكونه‭ ‬نمطًا‭ ‬لكتابة‭ ‬مخصوصة،‭ ‬ولم‭ ‬يجرِ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬صفةً‭ ‬للكلام‭ ‬أو‭ ‬القول‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬النمط‭ ‬المخصوص‭ ‬إلا‭ ‬إمكانيةً‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬تحقق‭ ‬القوانين‭ ‬الإنشائية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إمكانات‭ ‬وكيفيات‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬حمادي‭ ‬صمود‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬وصفة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬التراث‭. ‬ولم‭ ‬تفلح‭ ‬المقترحات‭ ‬الوصفية‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬النمط‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬رأي‭ ‬نقدي‭ ‬مغاير،‭ ‬كتقييد‭ ‬السجلماسي‭ ‬الشعر‭ ‬بالتخييل‭ ‬والاستفزاز،‭ ‬وحديث‭ ‬حازم‭ ‬القرطاجني‭ ‬عن‭ ‬الاستغراب‭ ‬والتعجب،‭ ‬ونظريات‭ ‬عبدالقاهر‭ ‬الجرجاني‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬والغموض‭ ‬ومعنى‭ ‬المعنى‭.. ‬وسواها‭.‬

لقد‭ ‬امتلك‭ ‬الغربيون‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الأنواع‭ ‬المولّدة،‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬يختلفوا‭ ‬كثيرًا‭ ‬حول‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬نقدنا‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭. ‬ولم‭ ‬تسعفنا‭ ‬ملاحظات‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬وحازم‭ ‬مثلًا‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬التنميط‭ ‬العام‭ ‬للشعر،‭ ‬كما‭ ‬أُغفِلتْ‭ ‬شعريات‭ ‬مقترحة‭ ‬خارج‭ ‬النمط،‭ ‬كالمواقف‭ ‬والمخاطبات،‭ ‬للنفري‭ ‬وطوق‭ ‬الحمامة‭ ‬لابن‭ ‬حزم‭ ‬وأدبيات‭ ‬الصوفية‭ ‬والرسائل‭ ‬والتوقيعات‭. ‬

يُلحِق‭ ‬التنميط‭ ‬النوعي‭ ‬أضرارًا‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬الأدب‭. ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬مثلًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخفي‭ ‬قصيدة‭ ‬رديئة‭ ‬البناء‭ ‬ضعفها‭ ‬وهشاشتها‭ ‬بالتزام‭ ‬اشتراطات‭ ‬النمط‭ ‬النوعي‭ ‬الشائع‭ ‬كمهيمنة‭ ‬لتمييز‭ ‬الشعر‭. ‬وللأسف‭ ‬فقد‭ ‬ساهمت‭ ‬بعض‭ ‬أطروحات‭ ‬التجديد‭ ‬والحداثة‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬ذلك‭ ‬التساهل‭ ‬الفني‭ ‬بإلغائها‭ ‬المطلق‭ ‬لأحكام‭ ‬القيمة،‭ ‬ونفورها‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تقويم‭ ‬للنصوص،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أعطت‭ ‬شهادة‭ ‬ولادة‭ ‬أو‭ ‬هوية‭ ‬نوعية‭ ‬لنصوص‭ ‬متواضعة‭ ‬وضعيفة‭ ‬البناء‭ ‬بانتمائها‭ ‬لتيار‭ ‬حداثي‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نسجله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعتنا‭ ‬لنماذج‭ ‬مما‭ ‬يحسب‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬شائع‭ ‬مؤداه‭ ‬أن‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الإيقاع‭ ‬التقليدي‭ ‬المتحصل‭ ‬من‭ ‬الموسيقا‭ ‬الخارجية‭ (‬الوزن‭ ‬والقافية‭)‬،‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬نثرية‭ ‬الشعر‭ ‬تكفيان‭ ‬لإعطاء‭ ‬وصف‭ ‬أو‭ ‬عينة‭ ‬دم‭ ‬وصنف‭ ‬نوعي‭ ‬لذلك‭ ‬النص‭ ‬المتهافت‭ ‬تزكي‭ ‬انتسابه‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭.‬

وكرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬التيارات‭ ‬التقليدية‭ ‬والمناهج‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬النص (‬وثيقة) ‬تنعكس‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬آليٍّ‭ ‬عناصر‭ ‬الواقع‭ ‬والحياة‭ ‬الشخصية،‭ ‬ركّزت‭ ‬مدرسة‭ ‬النقد‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬أولًا،‭ ‬ودعت‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬بمستوى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬قيمتها‭ ‬الفنية‭. ‬وغدا‭ ‬النص (‬تحفة) ‬يُنظر‭ ‬لها‭ ‬كقيمة‭ ‬منعزلة‭ ‬عن‭ ‬سياقها،‭ ‬فأصبحت‭ ‬النصوص‭ ‬كلها‭ ‬صالحة‭ ‬للعمل‭ ‬النقدي‭ ‬واحتمالية‭ ‬القراءة‭ ‬الجمالية‭. ‬ ثم‭ ‬ساهمت‭ ‬البنيوية‭ ‬المدرسية‭ ‬في‭ ‬موجاتها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬ذلك؛‭ ‬لأنها‭ ‬تعد‭ ‬النص (‬نسيجًا) ‬يشبه‭ ‬نسيج‭ ‬العنكبوت‭ ‬تنفك‭ ‬الذات‭ ‬وسطه‭ ‬وتضيع‭ ‬في‭ ‬شبكته‭ ‬كما‭ ‬يقرر‭ ‬رولان‭ ‬بارت‭ ‬في‭ ‬‮«‬لذة‭ ‬النص‮»‬‭. ‬ وغدا‭ ‬النص‭ ‬محفلًا‭ ‬لغويًّا‭ ‬وبنيةً‭ ‬مغلقة‭ . ‬وسيأتي‭ ‬التأويليون‭ ‬ليجعلوه (‬بيّنة) ‬أو‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬تنتجها‭ ‬القراءة‭ ‬الافتراضية،‭ ‬أو‭ ‬تقويل‭ ‬النصوص‭ ‬وتحميلها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تتسع‭ ‬له‭ ‬عناصرها‭. ‬ولعل‭ ‬جاك‭ ‬ديريدا‭ ‬قد‭ ‬اختصر‭ ‬نقد‭ ‬تلك‭ ‬الموجات‭ ‬النصية‭ ‬حين‭ ‬حذّر‭ ‬من‭ ‬الانحباس‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التنبه‭ ‬لما‭ ‬ينتجه‭ ‬مبناه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬فنية‭ ‬وإغفال‭ ‬لسياقاته‭.‬

إن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأسلوبية‭ ‬أو‭ ‬البنائية‭ ‬سيتيح‭ ‬تدريجيًّا‭ ‬تقارب‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبية‭ ‬واقتراضها‭ ‬مزايا‭ ‬ما‭ ‬يجاورها‭ ‬في‭ ‬الجنس‭. ‬وهذا‭ ‬توسيع‭ ‬فني‭ ‬لصفة‭ ‬النص،‭ ‬وتمدد‭ ‬نوعي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجمالي‭- ‬أعني‭ ‬التقبل‭ ‬والقراءة‭. ‬وسيكشف‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أثر‭ ‬الفنون‭ ‬المجاورة‭ ‬ووجودها‭ ‬في‭ ‬عملية (‬تناص‭ ‬نوعي) ‬أنواعًا‭ ‬من‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬التصنيفات‭ ‬الوصفية‭ ‬التقليدية؛‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تَنسب‭ ‬للنوع‭ ‬تقاليدَ‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬اختراقها‭. ‬وربما‭ ‬يمهد‭ ‬ذلك‭ ‬لظهور (‬النص) ‬كجنس‭ ‬ثالث‭ ‬مستقل‭ ‬بجوار‭ ‬الشعر‭ ‬والنثر‭. ‬وسيظهر‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬المتخلص‭ ‬من‭ ‬مهيمنة‭ ‬الإيقاع‭ ‬والمعنى،‭ ‬وفي‭ ‬القصة‭ ‬المتخففة‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬الخطّي‭ ‬الرتيب،‭ ‬لصالح‭ ‬استضافة‭ ‬أنواع‭ ‬مقاربة‭ ‬فيستوعب‭ ‬فضاء‭ ‬القص‭ ‬ما‭ ‬يُجلب‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬مسرحي‭ ‬أو‭ ‬مشهدية‭ ‬سينمائية،‭ ‬حتى‭ ‬الإيقاع‭ ‬المقترَض‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬والمنجَز‭ ‬بطريق‭ ‬التكرار‭ ‬مثلًا،‭ ‬والتصمم‭ ‬المسبَق‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المقاطع‭ ‬السردية‭ ‬وتوزيعها‭ ‬بالهيئة‭ ‬البصرية‭ ‬المخصوصة،‭ ‬والعناية‭ ‬بتقنيات‭ ‬استهلالها‭ ‬وخواتمها‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الدراسات‭ ‬المرافقة‭ ‬للحداثة‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬للنص‭ ‬أوصافًا‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬كلّيته‭ ‬ووحدته‭ ‬وتركيب‭ ‬عناصره،‭ ‬وتجانس‭ ‬بنيته‭ ‬واتساقها‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬توزيعي،‭ ‬فإن‭ ‬النص‭ ‬بالتشكل‭ ‬الجديد‭ ‬له،‭ ‬والمستقل‭ ‬عن‭ ‬التوصيفات‭ ‬السابقة‭ ‬سيتميز‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬خلخلة‭ ‬التصنيفات‭ ‬القديمة،‭ ‬وتمدده‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬التركيب‭ ‬والانتظام،‭ ‬ولا‭ ‬نهائيته‭ ‬وتعدديته‭ ‬أي‭ ‬تحقيقه‭ ‬للمعنى‭ ‬المتعدد،‭ ‬ورمزيته‭ ‬المطلقة،‭ ‬ومتعته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنفصم‭. ‬وتلك‭ ‬صفات‭ ‬مستخلصة‭ ‬من‭ ‬مقترحات‭ ‬رولان‭ ‬بارت‭ ‬في (‬درس‭ ‬السيميولوجيا) ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تلزم‭ ‬نصًّا‭ ‬عربيًّا‭ ‬بالضرورة‭ ‬لكنها‭ ‬تقترح‭ ‬له‭ ‬طرقًا‭ ‬ربما‭ ‬يسلكها‭ ‬كحلول‭ ‬لأزمته‭ ‬وسط‭ ‬الفوضى‭ ‬المصطلحية‭ ‬والمفاهيمية‭.. ‬وصعود‭ ‬سلطة‭ ‬القراءة‭ ‬المتعجلة‭ ‬والمبتسرة‭ ‬ولكن‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬قارئ‭ ‬غير‭ ‬مختص‭ ‬لكن‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬الناقد‭ ‬المتخصص،‭ ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬بفضل‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬ووسائطه‭ ‬والتدوين‭ ‬الإلكتروني‭ ‬المتيسر‭ ‬للجميع‭.‬

في‭ ‬النص‭ ‬لا‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نحشر‭ ‬أعمالًا‭ ‬هربت‭ ‬من‭ ‬شِباك‭ ‬نوعها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬لها‭ ‬خارجه‭.. ‬فالنصوص‭ ‬ليست‭ ‬أسماكًا‭ ‬ميتة‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬مياهها،‭ ‬وسياقاتها‭ ‬التي‭ ‬انتزعت‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مثل‭ ‬كائن‭ ‬حي‭ ‬له‭ ‬أرضه‭ ‬وماؤه‭ ‬وفضاؤه‭…‬

كخلاصة‭: ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬استخدمت‭ ‬مصطلح‭ ‬النص‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬مناسبتين‭: ‬بمعناه‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬المتن‭ ‬الأدبي،‭ ‬وبمعناه‭ ‬المجترَح‭ ‬حديثًا‭- ‬بمعنى‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬على‭ ‬الاندراج‭ ‬في‭ ‬النثر‭ ‬أو‭ ‬الشعر،‭ ‬وتكون‭ ‬له‭ ‬سمات‭ ‬مجتمعة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬نوعية‭ ‬متعددة‭ ‬ويستعصي‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬التجنيس‭ ‬النمطي‭. ‬كما‭ ‬استخدمت‭ ‬مصطلح‭ ‬التجديد‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المقترحات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬مخفف‭ ‬وبمطالب‭ ‬تعديلية‭ ‬لا‭ ‬تغييرية‭. ‬فيما‭ ‬استخدمت‭ ‬مصطلح‭ ‬التحديث‭ ‬للإشارة‭ ‬للمقترحات‭ ‬الجذرية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬مقترحات‭ ‬تمس‭ ‬البنية‭ ‬والهيئة‭ ‬والشكل‭ ‬العام‭ ‬وتعد‭ ‬خروجًا‭ ‬جذريًّا‭ ‬على‭ ‬النمط‭.‬

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *