المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

فنان سوري قال إن المسرح مهان في معظم البلاد العربية .. فايز قزق: كل واجهة ثقافية صلبة أُبيدت ووضعت مكانها نُخب تلفزيونية!

بواسطة | سبتمبر 3, 2018 | مسرح

عشرات العروض المسرحية التي كان قد بدأها ممثلا بعد تخرّجه من دمشق عام 1981م؛ بمسرحية «رأس المملوك جابر- 1984م» مع جواد الأسدي؛ ليكملها بعشرات العروض التي قام بإخراجها للخشبة بعد حصوله على ماجستير في الإخراج المسرحي من جامعة «ليدز» في بريطانيا؛ كان أبرزها: «رجل برجل- 1990م»، و«موكب السمك- 1999م» لبريخت، إضافةً إلى مسرحية «حلم ليلة صيف- 1988م» لشكسبير، وعروض أخرى راهن هذا الفنان من خلالها على فصاحة فن الخشبة في مواجهة توحش الميديا؛ متنبئًا بكارثة بلاده الماضية – المستمرة، فكان أهمها: «النفق- 2005م؛ النو- 1989م؛ وعكة عابرة- 2004م، حكاية السيدة روزالين- 2010م».

مراس انتزع فايز قزق عبره جوائز عديدة في فن التمثيل، كان أبرزها جائزة أفضل ممثل مناصفة مع الراحل نضال سيجري عن دوره في مسرحية «حمّام بغدادي- 2008م» -تأليف وإخراج جواد الأسدي، لتبدأ بعدها جولته على مسارح العالم في كل من دمشق ولندن ونيويورك وواشنطن وباريس وأمستردام بعرض «ريتشارد الثالث- مأساة عربية» التي لعب فيها شخصية الطاغية الشكسبيرية الأشهر مع المخرج البريطاني- الكويتي سليمان البسام، والفرقة الملكية البريطانية.

«الفيصل» التقت الفنان السوري فايز قزق وكان معه الحوار الآتي:

مؤخرًا كنتَ بصدد إخراج عرض للمسرح القومي بعنوان «رجل برجل» لماذا توقفت عن تقديم هذا المشروع في آخر لحظة؟

لم أتوقف، لقد أوقفتني الرقابة، ورفضت النص، ناهيك عن الظروف الحالية التي من الصعوبة أن يكون هناك وقت لدخول الممثلين في عرض مسرحي جديد أو قديم، فحتى في الظروف العادية كانت دومًا الأمور ليست جيدة للبدء بنشاط مسرحي، بمعنى أن يكون هناك فرق مسرحية على مدى العام؛ وفي كل الأماكن؛ ليس في دمشق وحسب، بل في حلب وحمص واللاذقية ودير الزور والحسكة؛ وكل مكان كان يشهد حراكًا مسرحيًّا قبل الحرب كان من المفترض أن توطّن فيه فرقة مسرحية؛ خصوصًا بعد أن بدأ المعهد العالي للفنون المسرحية بإنتاج ذلك الممثل القادر على الوقوف على خشبة المسرح؛ قبل الوقوف أمام كاميرا تلفزيونية أو سينمائية؛ فالمسألة لها علاقة بسياسة وزارة الثقافة، كما هي الحال في وزارات الثقافة في معظم البلدان العربية؛ فهم لا يعون وليس في ذهنهم بناء مسرح بالمعنى الحقيقي؛ وإنما يحرصون كل الحرص أن يكون هناك ما يشبه نزيزًا مسرحيًّا، أو نزيزًا سينمائيًّا؛ إما لإرساله لمهرجان أو لترتيب حفلة لقادم أو زائر للبلد؛ إضافةً لما يمكن أن يناله الفساد من وقت وزارة الثقافة وترتيب الفواتير عبر مجاميع إدارية مترهلة تتحكم بالمفاصل هنا وهناك وبصالات العرض وميزانياتها، سواء على مستوى مسارح المراكز الثقافية في المدن والبلدات؛ أو حتى على مستوى الأبنية التابعة لوزارة الثقافة في هذا الحيز «القُطري» أو ذاك، أعني في هذه الدولة أو تلك من العالم العربي، فالمسرح كان مهانًا ومزدرًى في معظم البلاد؛ ليس المسرح حالة خاصة هنا؛ بل أيضًا السينما واللوحة التشكيلية والرواية. المسرح مزدرًى وكذلك الموسيقا المتوازنة والموزونة، كذلك الإنسان مزدرًى بما يكمن فيه من وجدان وحساسيات إنسانية قادر على أن تتفتح على آفاقٍ جديدة وبتفكيرٍ جديد، وبالتالي هذا الإنسان غير قادر على تكوين سياقٍ لغوي جديد؛ يستطيع من خلاله أن يُدْخلَ عناصر الطبيعة، وأن يعجنها في صيغة محرّك وزجاج وما إلى ذلك.

هل تعتقد أن الثقافة اليوم وبخاصة المسرح قادر على معالجة المأساة السورية؟

هذا التفكير بعيد كل البعد عن مؤسسات الثقافة، التي تعتقد أن الثقافة هي مجموعة من الأبنية العقارية، ووضع تسمية ولافتات على هذه الأماكن من الداخل أو الخارج؛ فالناظر من الخارج إلى هذه الأبنية يمكن أن يسقط في الخديعة؛ لدرجة أن يعتقد أن الثقافة تجري في المكان، لكن الواقع ليس هناك من ثقافة على الإطلاق؛ فالثقافة هي أماكن رُبطت إلى جيشٍ من الموظفين لا يعرفون شيئًا عنها؛ ولا يودون أن يعرفوا معنى كلمة «ثقافة» بالأساس، وماذا تعني، فلو عُدنا إلى كلمة «ثقافة» في اللغة العربية الفصحى، لوجدنا أنها مشتقة من الفلاحة؛ وبهذا المعنى الفلاح هو الفيلسوف الأول؛ هذا الفلاح عندما يضرب الأرض بمحراثه ينبتُ عن يمينه الأخضر وعن يساره الفلاسفة؛ لذلك الفلاح الشامي كان من أقدم فلاحي الأرض؛ فهو شخص لا يقول لابنه أو لابنته: «بلا فلسفة»! لأنه يدرك من حيث يدري أو لا يدري أنه فيلسوف يفلسف الأرض، ففلح الأرض أو ثلّم الأرض، أو كلّم الأرض أو جرّحها، هي نفس المفاهيم في أن أكلّمكَ أو أجرّح حميميتكَ أو باطنك، فتستجيب عبر أربعة أو خمسة أفعال: تسمع؛ تنصت؛ تستدرك؛ تفهم؛ وتستجيب، وهذه كلها تحدث في جزءٍ من الثانية، هذا النمط من التعريف يمكن أن نراه في اللغة الإنجليزية فكلمة «culture» مستدرجة من «agriculture» أي الزراعة؛ أو الفلاحة؛ وهذا النمط من الفهم أيضًا غير مطروح في وزارة الثقافة، لا في سوريا ولا في غيرها من وزارات البلدان العربية؛ ولذلك يهان كل من يمكن أن يكون منتجًا من الفلاح أو العامل، أو كل ما يمكن أن يكون قادمًا من الفنون ذات الطابع الاجتماعي؛ أي تلك التي تحقق التواصل الاجتماعي؛ وهو هنا غير ذلك الذي درجنا على تسميته عبر شبكة الإنترنت؛ فذاك خديعةٌ كبرى.

لكن لماذا برأيك كل هذا الخوف من المسرح؟

كل ما يؤلّف بين البشر ويجمعهم في المدن وزارات الثقافة كانت ضده في الوطن العربي؛ وهناك وزراء كانوا لا يأبهون لهذه الفنون خوفًا من أن يجتمع الناس، وبالتالي البدء بتكوين حوار، واليوم العالم العربي يبحث عن حوار، وهذا الحوار مفتقد، في الوقت الذي كان من الممكن أن يوجد فيه هذا الحوار من خلال فنون الأدب والفن الأصيلة؛ هذه الاجتماعات الحرة في المسرح والسينما هي ضرورةٌ قصوى لأي مدينةٍ قيد التكون؛ بل هذه الفنون هي عقل المدينة الذي يفكر ويتأمل ويفلسف ويشكّل منطقًا لأشكال المنطق التي بين أيدينا من هواتف محمولة وتلفزيونات ووسائل اتصال؛ كل هذا النمط من التفكير لجمع الناس «ألغي» ليس في سوريا وحسب، بل في كل أرجاء الوطن العربي؛ وفي كل بيتٍ وضع فيه السجان المحبوب، أي «التلفزيون» فالواقع أن هذا الجهاز هو أخطر من السجان الكلاسيكي بالمعنى الذي يقول: إن إنسانًا ما سجن إنسانًا آخر، ففي هذه الحالة هناك حوار قد ينشأ بين السجان وسجينه، أما السجان الحديث فهو سجان يطلب منكَ أن تخرس نهائيًّا، فقط استمع إلى أحد ما أثناء مشاهدته لمباراة كرة قدم أو لمسلسل أو برنامج؛ فإذا ما شوّش عليه ابنه أو ابنته أو زوجته ستسمعه يقول العبارة التالية: «اسكت أو انصرف خارجًا» فهو يريد أن يكون «ريسيفر» – مستقبل مئة بالمئة، هو لا يريد أن يكون على الإطلاق ذاك الإنسان الفاعل؛ والواقع أن هذا السجان الحديث، لا يسمح لكَ وهو ليس وارد أن يناقشكَ في أي موضوع على الإطلاق، مع أنه يطرح موضوعات مهمة جدًّا كتسميات، لكنه لا يطرح الحوار اللازم، وليس في وارد أن يكون هناك حور بينك وبينه، إذ عليك أن تكون مُنصتًا لتعاليمه ومقدّسًا لما يقوله هذا «التلفزيون- السجان»، عليك أن تمشي خلف إرشاداته بدقة؛ عليكَ أن تخرس، وأن تصمت وأن تتزجج عينًا وعقلًا وروحًا ودماغًا؛ أي أن تصبح من زجاج؛ وعندما يصبح الإنسان من زجاج سيكون سهل الكسر وسهل الاحتراق، وهذا ما يجري اليوم، خصوصًا مع دخولنا مرحلة الهجوم الثاني لجيلٍ من هذه الإلكترونيات التي اصطادتنا بشبكتها؛ فما اخترعه الإنسان الذكي على مستوى الكوكب من نظم معلوماتية رقمية فائقة التطور؛ حوّلت المبدع من كاتب بالقلم إلى طبّاع، والطبّاعون اليوم بالملايين في هذا العالم العربي، هؤلاء لا يدركون كيفية الكتابة، والفارق بين الكتابة والطباعة برأيي فارق ضخم؛ فالكتابة ملكةٌ عقلية تحتاج للإنسان أن يتعلمها منذ الصغر، أو أنه سيفقد القدرة على رسم الحرف ومعرفة هذا المخلوق اللغوي الذي يمكن أن يضحي بجزءٍ منه في الجملة ليتصل بما يليه من الحروف؛ وذلك لتشكيل المعنى ضمن مجتمع الكلمة الواحدة، أما الطبّاع فيمكن له أن يستمر في النقر على «لوحة المفاتيح والفأرة» مع متابعة مباراة لكرة القدم، لأن من يكتب هو الكمبيوتر، العادة الحركية لا الكاتب، وهذه العادة تشكل لي وحشًا يفترس كل حساسيةٍ إبداعية خلّاقة، لتجعل من الكائن إنسانًا «مقوّرًا»- مفرّغًا كما «تقوّر» أو تُفرّغ الباذنجانة تمهيدًا لطبخها! أجل الإنسان تم «تقويره» من خلال هذه العادات الكمبيوترية ليوضع في دهليز الضياع، لكن صاحب هذا الكمبيوتر الكوكبي الضخم يحافظ على لمعان هذا «المقوّر»، فيتراءى لنا أننا مُشعون من الخارج، لكن إشعاعنا كما إشعاع قميص «اللوكس- المصباح» القديم؛ فما أن ينفخ علينا طفلٌ صغير، حتى نتهاوى رمادًا لا حياة فينا.

نشر الكراهية بين الشعوب

ما زال البعض يقول: إن المثقف العربي يستمرئ دور الضحية إزاء علاقته بالسلطة العربية ولا سيما وزارات الثقافة؟

ببساطة لأن التلفزيون في سوريا خصوصًا والبلدان العربية عمومًا، جرى تجنيده كي يكون بديلًا عن كل ما من شأنه أن يكون ثقافيًّا؛ والتلفزيون كما يعرف الجميع إعلام وإعلان ليس إلا؛ ببساطة لأن التلفزيون حُشرت فيه الشعوب العربية كافةً؛ ولأن هذا الجهاز فُعّل لنشر الكراهية بين الشعوب في لحظةٍ من اللحظات؛ وذلك من أجل تمجيد الدراما الفلانية والتطبيل للدراما العلانية، والتقليل من شأن الدراما الفلانية؛ التلفزيون يحتوي على كل شيءٍ على الإطلاق لا يستطيعه فنان السينما؛ ولا يستطيعه فنان المسرح أو الروائي في الظروف العربية الراهنة؛ فالرواية لا يمكن أن تُكتب إلا باللغة العربية الفصحى، ولا يمكن كتابة رواية بلهجة «الموصل»، ولا بلهجة «السويداء» أو بلهجة «مرسى مطروح» أو «القيروان»، الرواية تُكتب باللغة العربية الفصحى؛ وما فعله التلفزيون أنه فعّل اللهجات المستدرجة من لغة فقدت قواعدها فأصبحت لغات لا قاعدة لها.

لكنك قمت بصياغة عروضك المسرحية مشتغلًا على اللهجات السورية، كما حدث في أعمال من قبيل: «النفق- 2006م» و«وعكة عابرة- 2008م»؟

في المسرح تنتقى الكلمة، وهذا ما كان في عروض مثل «النفق» و«وعكة عابرة» كلاهما باللهجات السورية المحكية، لكنّ هناك فارقًا ضخمًا بين الكلمة في «النفق» والكلمة في «وعكة عابرة» إذ إن هناك شخصيات كانت في الجامعات السورية وأصبحت في أماكن أخرى، أما في «وعكة عابرة» فهي شخصيات تنتمي للشارع في درجة متدنية من السلم الاجتماعي السوري، كونها تنتمي إلى القاع بمعظمها؛ وإن وُجِدَ بينها شخصية طبيب فهو من عقليتها ولن يخرج من إهابها، فالطبيب في هذا العرض كما شاهدته هو لا يستطيع الكلام ولا التعبير، أقصد هنا الشخصية طبعًا لا الممثل الذي قام بأداء دور الطبيب، فشخصية الطبيب هنا عاجزة عن أن تجاري الشخصيات الأخرى في العرض في طرق تعبيرها وعباراتها ذات البيئة القاعية. إذًا المسألة كانت خطرة عندما استُدرجنا إلى هذه اللهجات الشعبية عبر التلفزيون، فكلنا مستدرجون إلى هذه «القمامة اللغوية» أو النزع الأخير للغة العربية، أو «رميم» اللغة العربية ألا وهي اللهجات؛ هذه مرحلة للوصول إلى مرحلة تقعيد هذه اللهجات وبالتالي حدوث الانشقاق النهائي لهذه المحكيات عن اللغة العربية الأم، وجعلها لغات مستقلة في كل زاوية من زوايا ما يطمح إليه الغرب من تحطيمٍ لهذا المكان عبر لهجات شعوبها، هذه المعضلة اللغوية ستوصلنا- إن لم نستدرك هذه المسألة – إلى «لغاتٍ- لهجات» وسيكون لكلٍّ منها سيبويه خاص بها كي يقعّدها.

أين المسرح اليوم من كل هذا السديم التلفزيوني؟

المسرح يحتاج إلى موافقة الدولة، وعلى تقديم ما سوف يكون دون أدنى جدال ضد سياستها، فالمسرح ثورة مستمرة، تاريخًا ومعاصرًا هو ثورة مستمرة، المسرح اجتماع حر يتواطأ الناس للوجود فيه بذريعة العرض، فعندما أُقدِّم عملًا مسرحيًّا لا أريد من هذا العرض إلا أن يكون سببًا من أسباب الاجتماع؛ المسرح والسينما في المدن هي الاجتماعات الحرة، فليس هناك تقييد على من يدخل، وليس هناك تمييزٌ لمن يحق له الدخول أو لا يحق. إذًا فالمسرح اجتماعٌ وحوار حر، ولا يمكن لأي مسرح في سوريا أو غير سوريا أن يكون اجتماعًا مقيّدًا، أو مسيّسًا، لأنه عند ذاك سيصبح المسرح ألعوبة في يد رجال الدين والسلطة.

شهدت الكارثة السورية انقسامات حادة بين النخب، هل تعتقد بدور قادم للمثقف السوري في المرحلة المقبلة؟

وهل كان للمثقفين فعلًا مكان في الواجهات الثقافية؟ هل كان بمقدورهم أن يكونوا أصحاب قرار في الأماكن التي كان عليهم أن يكونوا مبدعين خلاقين لمصلحة شعوبهم فيها؟ أقول: لا.. أنت تتحدث عن شيء أبيد منذ زمنٍ بعيد؛ هناك مظاهر وظواهر «ثقافية» في سوريا كما في كل بلد عربي، هذا صحيح.. فتجد قصاصًا هنا، وروائيًّا هناك؛ مسرحيًّا هنا؛ وتشكيليًّا هناك؛ لا أكثر ولا أقل؛ أما أن تتحدث عن نهضة ثقافية لو قامت على مستوى واحد من البلدان العربية؛ فهذا من قبيل أحلام اليقظة. لو كان لدينا مثقفون لتفادينا كل هذا الخراب؛ لا على الإطلاق.. أنت تتحدث عن نخب ثقافية قد تكون في ذهنكَ كمن في ذهن من يقرأ كلماتي الآن؛ موجودة فقط في الواجهات التلفزيونية؛ لقد تمت إبادة كل ما يمكن أن يكون واجهة ثقافية صلبة في كل بلد عربي؛ ووضع مكانها نخب تلفزيونية قوية وشرسة في مسألة الدفاع عن مناصبها وأرباحها؛ وتستطيع أن تقول ما تشاء على كل التلفزيونات وفي كل المقابلات والمناسبات وغير المناسبات، فهي تُفتي اليوم في كل شيء لأنها المعروفة والمضاءة؛ ولأنها الأكثر شهرةً وسطوةً، فلو قلت مثلًا إسماعيل فهد إسماعيل فإن ثمانين بالمئة من هذه الواجهة التلفزيونية لن يعرفوا هذا الروائي العريق الذي كتب رائعته «في حضرة العنقاء والخلِّ الوفي» هم لا يعنيهم ذلك؛ بل لا يرغبون في إعادة قراءة عباس محمود العقاد، والمعركة الإبداعية التي دارت بينه وبين طه حسين؛ ولا يستدركون معنى أن يُطمر اسم شخص كالسنباطي تحت ركام «الفيديو كليب». هم ليست لديهم أي رغبة في أن يستمعوا إليك، لكونهم يمنحون أنفسهم المصداقية لقول أي شيء، فقط لأنهم مشهورون جدًّا على مستوى الوطن العربي؛ ويدركون أن لهذه الشهرة إمكانية النفاذ إلى عقل الإنسان وإبادة ما يمكن أن يكون مهمًّا وحقيقيًّا من كلمة وشكل ولون وفعل؛ وهذا ما تبغيه كل الأنظمة العربية؛ بل قل الأنظمة على مستوى الكوكب؛ لقد خلقت الولايات المتحدة الأميركية حوضًا هائلًا من الأُميين على مستوى الأرض؛ وكان لا بد لها أن تخلق واجهات تستطيع من خلالها أن تنفذ إلى عقول هؤلاء؛ فالأمية هي الحوض الذي تستثمر فيه الولايات المتحدة على مستوى العالم بأسره؛ وأقول الولايات المتحدة هنا كنظام سياسي وليس كبلد؛ إذًا كان على كل إعلام أمةٍ من الأمم أن ينضوي تحت راية الإعلام الأميركي؛ وأن تقوم الأمة بتشكيل واجهة تلفزيونية لتستطيع من خلاله النفاذ إلى سياسة وجمهور هذا البلد أو ذاك؛ وطبعًا ساعد على هذا الأمر وجود وزارات ومجالس ثقافية في سوريا وخارجها من البلدان العربية تواطأت على هذه الفكرة.

في دور ريتشارد الثالث- 2009 نيويورك

هؤلاء لا عقيدة لهم

أين المثقفون هناك أين الفنانون؟ وما موقفهم من هذا السلوك؟

كنتُ أقول لبعض مسؤولي الثقافة في المهرجانات التي كنتُ أشارك فيها: لماذا لا تدعون أعمالًا مسرحية للعرض لديكم، ادعوني أنا وفرقتي ولن نطلب منكم أجورًا، فقط أمّنوا لنا إقامتنا وطعامنا.. أحدهم قال لي عندها: «والله يا أستاذ سيكون لدينا عجقة» هم لا يريدون أن يشاركهم أحد في أمكنتهم، يريدون فقط أن يبقوا مع فناجين قهوتهم وسياراتهم الفارهة وحسناوات مكاتبهم! تسألني عن النخب الثقافية؟ ماذا تعني بالنخب الثقافية؟ أقول وأكرر: اليوم النخب الثقافية والفكرية والفنية والفلسفية والتاريخية والمعرفية والمعاصرة والقادمة والمستقبلية للمواطن العربي هم «التلفزيونيون» وهؤلاء لا عقيدة لهم سوى عدِّ المال، والمال دمٌ مجفف من شعوب الأرض؛ فلو جرّحت الدولار بشفرة ورفعته من زاويته لنزَّت منه دماء الهنود الحمر والفلسطينيين والعراقيين، والأفغان، واليوغسلاف، والفيتناميين، واليابانيين، والسوريين، والليبيين، واليمنيين، وكل الأماكن التي نهبتها الولايات الأميركية المتحدة.

ولكنك تسلمت فيما مضى منصب مدير مديرية المسارح والموسيقا لمدة تسعة أشهر في سوريا؟ ألم يكن بإمكانك فعل شيء؟

عندما دعيت من الكويت لهذا الشأن سألني كل من الفنان مانويل جيجي والفنان الراحل نعمان جود أين تذهب يا فايز؟ فقلت لهم ربما إلى المقصلة؛ قالا لي: لماذا وافقت؟ فقلتُ لهم: على الأقل ليكون لي فضيلة أن أقول نعم لهذا المكان وأحاول فيه؛ وإذا لم أستطع سأقدم استقالتي. في النهاية قدّمتُ استقالتي، فلم تُقبل، فأُقلت! المسألة خطرة جدًّا، هناك مكان عفن كما كل الأماكن والمؤسسات الثقافية؛ فالحفرة كبيرة للغاية، ولذلك ترى أن الانهدامات كبيرة جدًّا؛ فالحفر الموجودة في العالم العربي في جزءٍ منها مُصهينة بامتياز وتحت يافطات وأعلام ورايات، وكل الربيع العربي هو ناتج ما كان موجودًا من تهميش وإلغاء وظلم؛ هذه مقدمات كانت محسوسة لمن يريد أن يعرف أو يقرأ ويرى ويتبصّر. هذا كله كان ماثلًا أمامنا على صدور الشباب والشابات والكيفية التي تحولوا فيها إلى حيطان إعلانات متنقلة لكلمات وألوان وماركات وصور وعبارات يضعونها على قمصانهم ولا يعرفون معناها، وهي تباع لهم وهنا النكتة؛ لقد كان ذلك أيضًا من خلال ما يقدم من برامج تلفزيونية والطريقة التي تم فيها تهييج الملايين من الشباب العربي عبر كرة القدم وشراء لاعب من هنا وراقصة من هناك ومغنية كليب من هنا؛ هذا النوع من المقاولات على مستوى الفنون والآداب وتحويلها إلى القناة الإعلامية كان خطرًا للغاية، فلقد غابت شوارع الثقافة في معظم العواصم العربية، لتتحول إلى محال ومتاجر لبيع ماركات الألبسة والأطعمة ومجلات «الأوفست» ذات الأغلفة اللماعة والمزينة بنساء الموضة والكليب من شتى الأشكال والألوان. إذًا ما الفائدة من أن تكون مديرًا للمسارح أو مديرًا للسينما؟ وقتذاك سيكون أمامك خياران لا ثالث لهما: إما أن تكون فاسدًا وتقبض من المكان؛ أو أن ترحل..! شخصيًّا اخترت الرحيل والكثيرون ممن لم يقبلوا بهذا الأمر رحلوا، فلقد قبلتُ بإدارة المسارح السورية لكي أطوّر وأدفع بالأمور باتجاه أن يكون في سوريا مفهوم آخر للمسرح، كان بودي أن يكون كل مسرح من مسارح سورية وعددها 450 مسرحًا؛ أن يكون في كل منها فرقة موطّنة للمسرح، أي لها ميزانيتها وتستدرج الممثلين والممثلات من مدينتها والمدن الأخرى.

ورغم ذلك رصيدك يحفل بعشرات العروض التي مثلت فيها أو أخرجتها للمسرح القومي؟

المسرح القومي لا يعنيني في يوم من الأيام فكلمة القومي كلمة مطاطة، كان يعنيني المسرح الوطني على سبيل المثال، يعنيني مسرح الطفل بكل معنى الكلمة، أي أن يكون هناك علماء نفس وعلماء اجتماع ومعلمون من المدارس ومختصون من وزارة التربية ليدرسوا إمكانية إقامة هذا النوع من المسرح، وهو من أصعب أنواع المسارح، ولا يستطيع أي شخص أن يدّعي أن ما يُقدم اليوم للأطفال من سخف الشكل والمضمون على حدٍّ سواء أو الابتزاز من خلال مناسبات الأعياد وغيرها إلا عروض تهييجية لهؤلاء الأطفال؛ فهناك تأسيسات علمية صرفة لمسرح الصغار، كان يعنيني مسرح المرأة، هذا الإنسان المهضوم الحق، المقمط بالسواد طيلة الوقت، الملفوف بآلاف الأحزمة الداخلية والخارجية؛ المرأة المرمية على قارعة الطريق مهانةً ومُذلّة، كان يعنيني هذا الأمر؛ لقد بدأت ثورة أوربا عندما بدأت ثورة المرأة في النرويج والسويد والدنمارك، هناك بقناعتي بدأت ثورة أوربا الحديثة في القرن التاسع عشر، فعندما تحررت المرأة هناك؛ تحررت كامل أوربا، واليوم تقيد المرأة في أوربا وأقول لك ستكون أوربا قريبًا في مشكلة كبيرة جدًّا؛ لا من قِبل من يهاجر إليها من العرب أو الأفارقة، بل لأن المرأة بدأت تتقيد هناك بشكلٍ أو بآخر وتظلم بشكلٍ أو بآخر، وإن بطريقةٍ غير كلاسيكية.

المنشورات ذات الصلة

رئيس مهرجان الرياض المسرحي عبدالإله السناني: نسعى إلى تعزيز الوعي المسرحي.. وتقديم جيل جديد من المسرحيين السعوديين

رئيس مهرجان الرياض المسرحي عبدالإله السناني:

نسعى إلى تعزيز الوعي المسرحي.. وتقديم جيل جديد من المسرحيين السعوديين

أوضح الدكتور عبدالإله السناني، رئيس مهرجان الرياض المسرحي -الذي أقيم في المدة من 13 إلى 24 ديسمبر الماضي- أن قرار وزير...

«رسوم وطلل: جغرافيا القصيدة» صورة للتحول تجمع بين المعرفة والمتعة صالح زمانان يكتب نصًّا عابرًا للأزمنة .. و«أورنينا» تحوله إلى فرجة مبهرة

«رسوم وطلل: جغرافيا القصيدة» صورة للتحول تجمع بين المعرفة والمتعة

صالح زمانان يكتب نصًّا عابرًا للأزمنة .. و«أورنينا» تحوله إلى فرجة مبهرة

في أزمنة التحولات التي تعيشها المجتمعات، كل شيء جوهري يتحول بدوره، خصوصًا حين تأتي هذه التحولات بعد رغبات دفينة وأحلام...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *