المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

السياسة والمونديال: موسوليني يتوعد: الفوز أو الموت

بواسطة | مايو 1, 2018 | الملف

الأمر قديم قدم الزمن، فإذا أَنصتَّ لما وراء صليل سيوف المتبارزين الذي يحمل شيئًا من الأنين أو صيحات احتفال نابعة من حناجر -ربما أرهقها الجوع- احتفالًا بفوز أحد المقاتلين داخل الحلبة، ستكتشف همسًا لعضو بمجلس الشيوخ، أو سياسي ذي نفوذ. إذا أمعنتَ النظر في مهارة مصارع الثيران على نحو يخطف أنفاس الجمهور، أو هدف أصابه فارس ببراعة شديدة قد ترى وجه حاكم ما في الكواليس. كرة القدم، بوصفها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، ليست استثناءً من ذلك، ففي المسارح الكبرى عندما تجتمع أقوى فرق العالم لتتبارى لتحفر أسماء لاعبيها في سجلات التاريخ، لا تقتصر المزاحمة والمنافسة على الرياضيين فحسب، إنما قد يتدخل فيها السياسيون لتحقيق مآرب في أنفسهم أو حتى زيادة شعبيتهم بين محكوميهم، وليس هناك حدث أعظم شأنًا من كأس العالم لبلوغ أمانيهم. كان الأمر جليًّا لدرجة تصل إلى حد الفظاظة في النسخ الأولى من بطولة كأس العالم، حينما كان الحدث الذي ينظمه الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لا يزال يحبو متلمسًا طريقه في خضمّ صراعات سياسية.

هرقل يؤدي التحية الفاشية

هو ابن الإله زيوس، بحسب الميثولوجيا الإغريقية. نُسبت له مغامرات وبطولات لا تُعد ولا تُحصى، لكن أبواق دعاية نظام بينيتو موسوليني مؤسس الحركة الفاشية في إيطاليا جعلته بكل بساطة يؤدي التحية التي اشتهر بها الأخير نظامه في ملصقات دعائية للنسخة الثانية من كأس العالم، بحسب ما أفاد به موقع الاتحاد الأوربي للعبة. هل كان وضع كرة تحت إحدى قدمي هرقل سيخفف من فحوى الرسالة الفاشية التي تنضح بها هذه الملصقات، أو على الأقل يجعلها ذات صلة بالحدث الذي شارك فيه ستة عشر منتخبًا؟ الإجابة هي لا، بل كان تصرفًا يُنبئ بالكثير عن تلك النسخة التي مارس فيها نظام موسوليني ضغوطًا لتنسحب السويد من سباق استضافتها.

رغمًا عن أن الهدف الأساسي من استضافة كأس العالم كان تحقيق أكبر قدر من البروباغندا للنظام الفاشي القومي الذي أسسه موسوليني، فإن الأخير لم يمانع على الإطلاق من «الاستعانة» -إن جاز التعبير- بعناصر أجنبية لتحقيق مراده في حين غضَّ الاتحاد الدولي الطرف عن هذه المساعدة الإضافية. ما حدث تحديدًا أنه قد انضم لقائمة المنتخب الإيطالي خمسة لاعبين «أجانب» بواقع أربعة من الأرجنتين وآخر من البرازيل. كان أولهم لويس مونتي، الذي فرَّ هاربًا من النيران التي كالتها له الجماهير الأرجنتينية في سان لورنثو التي نعتته بالفاشل بعد خسارة منتخبهم أمام أوروغواي في نهائي النسخة الأولى من المونديال. وبحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة «إنفوابي» الأرجنتينية، فإن مونتي لم يجد بُدًّا أمام التهديدات التي واجهها من الجماهير الأرجنتينية العاشقة لكرة القدم، من البحث عن ملاذٍ في فريق يوفنتوس الإيطالي، قبل أن يتجنس وينضم إلى المنتخب الأوربي. على خطاه سار البرازيلي جواراسي، والأرجنتينيون إتيلي ديماريا، الذي انضم لإنتر، وإنريكي غوايتا (روما) ورايموندو أورسي (يوفنتوس). الطريف في الأمر أن الأرجنتين يبدو أنها تعلمت الدرس وأرسلت فريقًا من دون نجوم في النسخة التالية، في حين كان فرار اللاعبين من نار الجماهير الأرجنتينية إلى جحيم موسوليني الكروي. ويبدو أن موسوليني القومي لم يجد حرجًا في إسناد مهمة الدفاع عن «شرف» الفاشية في المعترك الكروي للاعبين أجانب طالما أنهم انضموا -كغيرهم من عناصر المنتخب الإيطالي- إلى الحزب الحاكم ليؤدوا التحية الفاشية لـ«الزعيم» الذي كان يأخذ الأمر بمنتهى الجدية على أرض الملعب.

مسألة حياة أو موت

المنتخب الإيطالي في كأس العالم ١٩٣٨م

حرص الدكتاتور الإيطالي على الإشراف بنفسه على كل التفاصيل لإظهار النظام الفاشي في أبهى صورة له عبر واجهة كأس العالم الوسيلة المثالية. تعلقت المسألة الأولى بكل تأكيد مشاركة المنتخب الإيطالي نفسه، الذي اضطر هو الآخر لخوض تصفيات التأهل، لكنه لم يكن كغيره من الفرق حيث لجأ سياسيًّا إلى طرق ملتوية. صحيح أن فريق «الأتسوري» فاز ذهابًا على اليونان بأربعة أهداف، لكن هذه المواجهة شهدت مشاركة ثلاثة من اللاعبين اللاتينيين الذين رغم تجنسهم بالإيطالية لم يكن يحق لهم المشاركة في هذه المباراة لعدم مرور المدة القانونية المنصوص عليها في قواعد «فيفا» ليس هذا فحسب، بل إن المنتخب الإيطالي لم يضطر لخوض مباراة الإياب التي كانت مقررة في اليونان بذريعة أن البلد المضيف لم يرغب في هزيمة جديدة ثقيلة على أرضه ووسط جماهيره، لكن الحقيقة أن هرقل كان يضغط بالكرة على قدمه أثناء تأدية التحية الفاشية تمامًا مثل الملصقات الدعائية. اتضحت المسألة بعد عامين، فالنظام الإيطالي استغل حاجة الاتحاد اليوناني لكرة القدم للأموال ليقدم له «هدية» عبارة عن منزل من طابقين نظير إلغاء لقاء الإياب، ليفتح باب تأهل الأتسوري للمونديال، بحسب ما جاء في كتاب «أغرب الحكايات في تاريخ المونديال» للكاتب الأرجنتيني لوثيانو بيرنيكي. لم يقتصر الهدف من استضافة البطولة على استعراض القوة وجذب أنظار العالم إلى قدرة النظام الفاشي على تنظيم أحداث كبرى أو حتى حجز مكان في النهائيات، إنما إثبات أنه نموذج يُحتذى به في كل المعتركات والطريق الأمثل لتحقيق النجاحات. هذا بالطبع ما كان يقوله عقل موسوليني. وكأي قائد «مُلهِم» يُدرك أن تحقيق مهمة بصعوبة الفوز بكأس العالم يحتاج لحافز قوي، فلم يغفل موسوليني عن أهمية هذا العنصر، لكن كانت له طريقته الخاصة؛ إذ إنه راهَن على واحدة من أقوى الغرائز في الطبيعة البشرية، إن لم تكن الأقوى وهي غريزة البقاء. ففي لقاء عقده مع عناصر المنتخب قبل أيام من انطلاق المسابقة، وجَّه لهم خطابًا لرفع المعنويات -لكن بطريقته الخاصة- جاء فيه «إما الفوز أو الصمت إلى الأبد»، هكذا حذرهم وهو يمرِّر سبابته بعرض عنقه، بحسب ما ذكره كتاب «قصص كثيرة. مونديالات أكثر» للكاتب والمؤرخ الكروي الإسباني ألفريدو ريلانيو.

القوة الغاشمة

بعدما حجز المنتخب الإيطالي مكانه في نهائيات كأس العالم، حقق صاحب الضيافة فوزًا عريضًا على نظيره الأميركي 7-1 في الدور الإقصائي الأول، لكنه اضطر للاستعانة بـ«القوة الغاشمة» لتخطي عقبة نظيره الإسباني في ثاني الأدوار الإقصائية، ربع النهائي. والحديث عن «القوة الغاشمة» هنا لا يشير فقط إلى تدخل النظام الفاشي للتأثير في القرارات التحكيمية بما يصب في صالح المنتخب الإيطالي سواء في أثناء المباراة الأولى التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق أو الثانية التي انتهت قطعًا لصالح صاحب الأرض، إنما للقوة المفرطة التي لجأ إليها لاعبو الأتسوري تحت مسمع ومرأى من الحكم. البداية كانت في اللقاء الأول، عندما عاد المنتخب الإيطالي في النتيجة بهدف جاء من الركلة الركنية السابعة على التوالي وبعد مخالفة واضحة تعرض لها حارس مرمى المنتخب الإسباني، أسفرت في نهاية المطاف عن كسر اثنين من ضلوعه، وسط اعتراضات واسعة من جانب زملائه لكن حكم اللقاء لم يعرها انتباهًا. وفي ظل تعادل الفريقين بعد الوقتين الأصلي والإضافي، لم يجد الحكم السويسري رينيه ميرسيه بدًّا من إعادة المباراة في اليوم التالي، من دون أن تختلف الخطوط العامة لسيناريو المباراة؛ إذ استمر الأداء «القوي» للغاية من المنتخب الإيطالي والقرارات التحكيمية المثيرة للجدل، لكن الاختلاف الجوهري تمثل في فوز المنتخب الإيطالي بهدف دون رد جاء في الدقيقة الحادية عشرة. ورغم أن الأداء التحكيمي المثير للجدل دفع السلطات المعنية في سويسرا لإيقاف ميرسيه عن التحكيم مدى الحياة لدى عودته إلى بلاده، بحسب ما ذكرته جريدة «إنفوابي» الأرجنتينية، فإنه على الأرجح شعر بالارتياح لأنه خرج من إيطاليا على قيد الحياة. على المنوال نفسه مضت مباراة إيطاليا في الدور قبل النهائي، حيث فازت على النمسا بهدف دون رد سجله اللاتيني غوايتا بعد مخالفة تعرض لها حارس المرمى تحت أنظار الحكم السويدي إيفان إكليند الذي لم يحتسب ركلة جزاء مستحقة للفريق الضيف. لم تتمكن «المحاباة» التحكيمية من منع الهدف الأول من دخول مرمى المنتخب الإيطالي في الشوط الأول من المباراة النهائية أمام تشيكوسلوفاكيا، لكن الحكم إكليند أضاع فرصة مضاعفة النتيجة بعدم احتساب ركلة جزاء صحيحة قبل تسجيل الهدف الأول. عادت الأقدام «الأرجنتينية» لتلعب دور البطولة في صفوف المنتخب الإيطالي تحت أنظار موسولينيإ إذ أدرك أورسي هدف التعادل لصاحب الضيافة قبل عشرين دقيقة على نهاية المباراة، ليدفع باللقاء إلى وقت إضافي صنع فيه غوايتا هدف الفوز الذي أحرزه أنجيلو سكيافيو.

مصيبة نمساوية

رئيس الأرجنتين فيديلا مع باساريلا عام ١٩٧٨م

على عكس ما حدث في النسخة السابقة من كأس العالم، سعت جميع القوى لإقامة جدار عازل يحيط بالبطولة التي أقيمت في فرنسا عام 1938م عن التوترات السياسية التي بلغت أشدها قبل عام من اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت جزءًا أصيلًا من الواقع لدرجة لا يمكن الفصل بينهما، مهما بلغت سماكة هذا الجدار. كانت ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر قد قررت غزو النمسا وضمها إلى أراضيها في الثاني عشر من مارس 1938م، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر على انطلاق المونديال، في حدث جلل لا يمكن فصله عن فعاليات كأس العالم؛ إذ كانت الأخيرة قد ضمنت مكانًا في نهائيات كأس العالم، رغم المحاولات المضنية من جانب اللجنة المنظمة لتجميل الواقع. فقد اكتفى المنظمون بالإشارة، في بيان مقتضب، إلى أن المنتخب النمساوي «لم يمثُل» للعب البطولة من دون إبداء الأسباب، بحسب ما ذكره كتاب «أغرب الحكايات في تاريخ المونديال» للكاتب الأرجنتيني لوثيانو بيرنيكي، وهو ما فتح الباب أمام المنتخب السويدي للتقدم إلى الدور التالي. هكذا مرة أخرى فرضت «الأذرع الخفية» نفسها على عالم الكرة ومنعتها الحديثَ من قريب أو بعيد عما هو مُعلن ومعروف. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن ألمانيا ضمت إلى صفوفها سبعة من عناصر المنتخب النمساوي هم جوزيف ستروه وودولف وفيلهيلم هاهنيمان وليوبولد نويمر ويوهان بيسير وفيليبالد شماوس وستيفان سكومال، من دون أن ينبس أحد ببنت شفة. لم تكن النمسا هي المنتخب الوحيد الذي غاب عن هذه النسخة من كأس العالم بقوة السلاح، إنما ضمت القائمة أيضًا إسبانيا، التي كانت الحرب الأهلية المندلعة قبل عامين من انطلاق المونديال بين الجمهوريين والقوميين، تمزق أوصالها.

منبر سياسي

يبدو أن المنتخب الإيطالي كان عليه مجددًا أن يحمل إلى العالم رسالة مفادها أن نظام موسوليني الفاشي لا يقل خطورة أو جدية عن نظيره الألماني، وليس هناك معترك أفضل من كأس العالم التي تقام في فرنسا تحت أنظار الجميع وفي ظل تصاعد التوتر على الصعيد السياسي. ورغم أن الأحوال لم تكن «مواتية» للمنتخب الإيطالي كما كانت الحال عليه عندما أقيمت البطولة على أرضه ووسط جماهيره، فإن نظام موسوليني وفَّر ما استطاع من دعم لبعثة منتخب بلاده، بما في ذلك طائرة خاصة تقلهم بين مقارّ البطولة. وفي أجواء عدائية سواء من جانب الإيطاليين في المنفى أو الجماهير المناهضة للنظام الفاشي، تقدم الأتسوري في البطولة إلى أن وصل إلى الدور ربع النهائي، حيث كان على موعد مع ملاقاة صاحب الضيافة المنتخب الفرنسي، في لقاء حمل رسالة سياسية واضحة للعيان لا لبس في تفسيرها. اعتاد المنتخبان اللعب بالقميص الأزرق وتمسك كل منهما بزيه الأساسي ولم يجد الحكم البلجيكي لوي بيرت بدًّا من إجراء قرعة لتحديد أي منتخب سيكون عليه اللعب بالقميص الثاني، ولم يخدم الحظ المنتخب الإيطالي، الذي كان عليه المفاضلة بين الزي الأبيض الذي اعتاد اللجوء إليه في مثل هذه الحالات أو اللون الأسود. وفرصة كهذه لم تكن لتقدر بثمن بالنسبة لموسوليني؛ إذ ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية أن البعثة الإيطالية استشارته هاتفيًّا، ولم يتردد في إعطاء أوامره بارتداء زي أسود بالكامل، وهو اللون المميز لميليشيات فاشية كانت تبث الرعب في النفوس. وكأن القمصان أعطت لاعبي المنتخب الإيطالي دفعة معنوية كبيرة ليقدموا أفضل ما في جَعبتهم، بحسب ما ذكرته الصحف الإيطالية في ذلك الحين، ليفوز على صاحب الأرض والضيافة بثلاثة أهداف مقابل واحد.

رسالة واضحة

بعد الفوز بهدفين لواحد في الدور نصف النهائي على المنتخب البرازيلي، الذي أخطأ بالإبقاء على اثنين من لاعبيه الأساسيين على مقاعد البدلاء ادخارًا لجهودهم للمباراة النهائية ظنًّا منه أن المنافسة على اللقب بات مسألة وقت، كان المنتخب الإيطالي على موعد مع مواجهة نظيره المجري للدفاع عن الكأس التي فاز بها قبل أربع سنوات. ومجددًا أدرك موسوليني أن المنتخب الإيطالي ربما يعوزه شيء من رفع الروح المعنوية قبل خوض لقاء بهذه الأهمية، وهذه المرة خارج الحدود وفي ظل أجواء عدائية، ليبعث برسالة موجزة لا لبس فيها إلى بعثة بلاده: الفوز أو الموت، بحسب ما ذكرته مصادر موسوعية وصحافية عدة منها جريدة «لاغازيتا ديلو سبورت» الإيطالية. ويبدو أن هذه الرسالة وجدت صدى في نفوس اللاعبين الإيطاليين؛ إذ إنهم فازوا على المجر بأربعة أهداف مقابل اثنين، لتنطلق احتفالات كبيرة بين عناصر المنتخب الفائز، ليس فقط بأنه أصبح أول فريق ينجح في الدفاع عن لقب المونديال، لكن لأنهم ضمنوا البقاء على قيد الحياة. وفي حالات استثنائية كتلك، لا يقتصر الشعور بالارتياح على المنتخب الفائز؛ إذ إن عددًا من لاعبي الفريق المجري كانوا على وشك الانضمام للاحتفالات الإيطالية بالانتصار، حتى إن حارس مرمى المنتخب المجري أنتال زابو بدا سعيدًا بالأهداف الأربعة التي هزت شباكه في المباراة النهائية. فقد صرح بعد المباراة قائلًا: «لم أشعر في حياتي بمثل هذا القدر من السعادة بعد الخسارة. بالأهداف الأربعة التي سجلوها في شباكي، أنقذت حياة أحد عشر إنسانًا»، بحسب ما جاء في كتاب «أغرب حكايات المونديال».

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

بعد عام واحد من فوز إيطاليا بالمونديال للمرة الثانية على التوالي اندلعت الحرب العالمية الثانية، ليقرر الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» إيقاف المسابقة إلى أن وضعت الحرب أوزارها في 1945م بفوز الحلفاء، لكن كأس العالم لم تستأنف حتى عام 1950م، في النسخة الأولى التي استضافتها البرازيل. ورغم أن الاختيار كان قد وقع على ألمانيا لتنظيم النسخة الرابعة من كأس العالم، التي كانت مقررة في 1942م، فإن اندلاع الحرب العالمية لم يدفع «الفيفا» لتأجيل المسابقة فحسب بل لتغيير مقرها نظرًا لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالدول الأوربية، التي لم تتمكن من الترشح لاستضافة البطولة. نالت البرازيل شرف تنظيم المونديال بالتزكية من دون إلزامها ببناء ملاعب جديدة نظرًا لأنها كانت الخيار الوحيد لاستئناف المسابقة، واضطر الفيفا لتحمل نفقات سفر حامل اللقب إلى بلاد السامبا نظرًا لأن الحرب كانت قد استنزفت قدراتها. لم تتوقف تداعيات الحرب العالمية الثانية عند هذا الحد، فقد قرر الاتحاد الدولي منع ألمانيا واليابان من المشاركة في البطولة بدعوى أنهما المسؤولتان عن إشعال فتيل الصراع الذي استمر لست سنوات وأودى بحياة الملايين.

مباراة الأفواه المكممة

في الحالات العادية، لا تبدو مواجهة بين منتخبي تشيلي والاتحاد السوفييتي على مقعد في كأس العالم 1974م بألمانيا بالحدث الجلل على الصعيد الرياضي، لكن تواتر الأحداث في البلد اللاتيني جعل منها محط أنظار كثيرين. فقد تعيَّن على المنتخب التشيلي خوض مباراة الذهاب التي أقيمت خارج ملعبه بعد أسبوعين فقط من الانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال أوغُستو بينوشيه في الحادي عشر من سبتمبر 1973م عندما قصف قصر لامونيدا وأطاح بحكومة سالفادور أليندي. لم تكن الحياة اليومية ميسرة في ظل حظر التجوال الذي فرضه بينوشيه على البلاد، ناهيك عن السفر إلى الاتحاد السوفييتي لخوض مباراة كرة قدم، ربما كانت آخر ما يشغل السلطات بل اللاعبين في ذلك التوقيت. ورغم ذلك، تمكن مسؤولو الاتحاد التشيلي من إقناع السلطات بالسماح لبعثة المنتخب بالسفر لخوض المباراة، لكن شريطة عدم التطرق إلى الوضع السياسي في البلاد، بحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». لم يجد اللاعبون بُدًّا من الانصياع للتعليمات، ليس من قبيل مهادنة السلطات الانقلابية إنما حرصًا على سلامتهم وسلامة ذويهم الذين تركوهم في تشيلي. ما زاد من تعقيد الأمر لمنتخب تشيلي هو تدهور العلاقات بين البلدين، لكن كما يُقال دائمًا: لا بد للعرض أن يستمر. رغم كل المعوقات، التي شملت عشرات التوقفات (ترانزيت)، وصلت بعثة المنتخب التشيلي إلى الاتحاد السوفييتي، حيث كان في انتظارها استقبال فاتر، لكن هذا لم يشغل بال اللاعبين بكل تأكيد بعد كل ما عانوه. أقيمت المباراة في موعدها في السادس والعشرين من سبتمبر 1973م في إستاد لينين بالعاصمة موسكو، حيث أظهر المنتخب التشيلي صلابة دفاعية هائلة أخفق المنتخب السوفييتي في تخطيها لينتهي اللقاء بالتعادل السلبي.

قبل يوم واحد من لقاء الإياب الذي كان مقررًا في الحادي والعشرين من نوفمبر من العام ذاته في الإستاد الوطني بالعاصمة التشيلية سانتياغو، الذي كان قد تحول إلى مركز سري للتعذيب، أعلن الاتحاد السوفييتي أنه لن يخوض المباراة نتيجة لاعتراضه على الوضع السياسي القائم هناك، فقد كان الاتحاد السوفييتي متعاطفًا مع أليندي ويعارض بكل وضوح بينوشيه، المتحالف مع الولايات المتحدة، غريمة موسكو الأولى. وأمام هذه الأحوال قرر «فيفا» منح المنتخبَ التشيلي بطاقةَ التأهل للمونديال رغم أنه لم يتخطَّ دور المجموعات في تلك النسخة.

تجميل الصورة

من جديد يستعين نظام دكتاتوري بكأس العالم في محاولة لتزييف الواقع وتجميل صورته أمام العالم، هذه المرة في الأرجنتين تحت قيادة خورخي فيديلا، الذي وصل إلى سدة الحكم بعد انقلاب عسكري أطاح برئيسة الجمهورية إيزابيل بيرون، قبل عامين فقط من انطلاق مونديال 1978م. وجود ملعب مونومينتال أحد الإستادات التي استضافت مباريات كأس العالم على بعد أمتار من كلية الميكانيكا التابعة للأسطول الأرجنتيني، الذي كان مركزًا سريًّا للتعذيب خير دليل على ذلك، بحسب ما أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة «إنفوابي» الأرجنتينية. أثارت هذه الأوضاع استياءً واسعًا بل تعالت الأصوات المنادية بمقاطعة المونديال، لكن هذه الدعوات لم تلقَ أصداء على المستوى الرسمي، واقتصر الأمر على مبادرات فردية من لاعبين وقَّعوا على بيانات تعارض النظام الدكتاتوري وآخرين قرروا عدم المشاركة. لم تحل كل هذه الدعوات أو حتى الانفجار الذي وقع قرب المركز الصحافي للمونديال قبل أسابيع معدودة على بدء الحدث الكروي الأهم في الأرجنتين أو حتى محاولة اختطاف مدرب المنتخب الفرنسي ميشيل هيدالغو من دون انطلاق المسابقة. وإذا كان هدف النظام الدكتاتوري في الأرجنتين قد تمثل في تجميل صورته؛ لذا فأي وسيلة أفضل من فوز المنتخب باللقب الأول على الإطلاق في النسخة الأولى التي تقام على أرضه ووسط جماهيره؟ وصل المنتخب الأرجنتيني -لحسن حظ فيديلا- إلى النهائي، لكن من دون أن يخلو مشواره من الجدل، وبخاصة في مباراة الدور الثاني من البطولة، التي فتحت الباب أمام صاحب الضيافة للمباراة النهائية بعد فوز كبير على بيرو بستة أهداف دون رد. ثار جدل واسع في المقام الأول بسبب توقيت المباراة المُقرَّر إقامتها بعد لقاء البرازيل مع بولندا رغم مطالب منتخب السامبا بإقامة المواجهتين في التوقيت نفسه نظرًا لأنه يتنافس مع صاحب الضيافة على مقعد في النهائي، لكن الفيفا لم يعر احتجاجات البرازيل أي اهتمام -غالبًا بتأثير من فيديلا- وتمسك بالجدول المقرر للمباراتين.

خاض المنتخب الأرجنتيني اللقاء وهو يعرف أن الفوز بأربعة أهداف يكفيه للتأهل إلى النهائي، بفضل اختلاف توقيت المباراتين، ونجح في تسجيل ستة أهداف في ظل شكوك أثيرت حول جدية حارس مرمى بيرو رامون كيروغا في التصدي لمحاولات الأرجنتين، البلد الذي ولد بين أحضانه، وبخاصة بعد تألقه سواء مع المنتخب أو فريق سبورتنغ كريستيال البيروفي، وهو الأمر الذي نفاه اللاعب بصورة قطعية لدى عودته إلى بيرو.

لا للمونديال

على عكس كل هذه المحاولات لاستغلال كأس العالم لتحسين صورة الأنظمة، وشغف البرازيليين بكرة القدم، فإن استضافة البطولة في عام 2014م أثار احتجاجات واسعة لجأت الشرطة في كثير من الأحيان إلى استخدام العنف في مواجهتها. أثارت المبالغ الطائلة التي أنفقتها الحكومة البرازيلية سواء على تشييد إستادات جديدة أو لتجديد تلك القائمة بالفعل وتطوير بنية تحتية لن تعود بالنفع على المواطنين، غضب قطاع واسع من البرازيليين الذين رأوا أن هذه الاستثمارات كان لا بد أن تستخدم في تحسين أحوال المعيشة. حينما انطلقت البطولة هدأت وطأة الاحتجاجات بعض الشيء، لكن بعد اختتامها، وربما أيضًا بعد الهزيمة المفجعة في نصف النهائي من ألمانيا بسبعة أهداف لواحد عادت جذوة المظاهرات لتشتعل من جديد، مع ظهور أوراق تشير إلى تورط الرئيسة ديلما روسيف وسلفها لولا دا سيلفا وعدد من كبار المسؤولين في قضايا فساد متنوعة تتعلق بقطاع النفط، وأخرى ترتبط بتنظيم المونديال ومشروعات تشييد الملاعب والبنى التحتية المتعلقة به. انتهت المسألة في النهاية بصدور قرار من مجلس النواب البرازيلي بتنحية روسيف من منصبها بين مؤيد ومعارض للقرار، لكن يُمكن القول: إن هذه هي المرة الوحيدة التي تمكنت كرة القدم فيها من إحراز هدف في شباك السياسة بفرض أمر ما عليها، لكن بعضًا آخر يقول: إن ذلك الهدف ليس سوى «نيران صديقة»، مجرد «هدف ذاتي» لا يسجل نصرًا لكرة القدم أمام استغلال السياسة بل يضرها أكثر بسبب لعبة «الأذرع الخفية».

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *