نادي يحيى حقي.. المعيار الأساسي لانضمام الكتاب له هو الاهتمام بالكلمة ونبذ الاستسهال

نادي يحيى حقي.. المعيار الأساسي لانضمام الكتاب له هو الاهتمام بالكلمة ونبذ الاستسهال

انشغل يحيى حقي بهذا النادي في كثير من كتاباته وأحاديثه. وعنون سيرته الذاتية بـ«أشجان عضو منتسب» في إشارة إلى انتسابه لهذا النادي الذي يصفه بالعجيب وهو «وقف على من لمسهم الفن بعصاه السحرية، أيًّا كان عصره أو لغته أو دينه أو جنسه أو لونه، هم داخله أحياء، بينهم تواصل الإخوة وتراسل لا ينقطع، فسمح لي أن أنضم إليه، عضوًا منتسبًا».

ولم يكن هذا النادي مجرد تجربة شخصية يعرضها حقي في سيرته، بل جزءًا أساسيًّا في رؤيته لمن يكتب الكاتب التي أوضحها في بداية كتابه «أنشودة للبساطة»، فـ«أسمى ما يصبو إليه الكاتب هو أن يتصور له جمهورًا جامعًا لطائفتين؛ الطائفة الأولى: كل من سبقه أو عاصره من كبار الكتّاب. الطائفة الثانية: قومه الذين فيهم مولده ومماته». فلا يتوقف الأمر لدى حقي على ضرورة الاطلاع على الأعمال الإبداعية التي تشكل محطات أساسية في تاريخ الأدب، بل إن مبدعي تلك الأعمال هم الطائفة الأولى من متلقيه، الذين يصعب إرضاؤهم والانضمام لناديهم إلا بأعمال في مستوى ما حققوه من قيم فنية.

ويظل الكاتب طوال حياته في حوار معهم من خلال أعمالهم الإبداعية. ويزداد أعضاء النادي كلما اتسع نطاق قراءة الكاتب لكنه في النهاية يستخلص كما يرى حقي «صديقًا أو اثنين أو ثلاثة، فازداد محبة لهم ويزداد الاتصال بهم». هؤلاء الأصدقاء الذين اختارهم الكاتب يمثلون التيار الذي ينتمي إليه الكاتب، وقد يضم مبدعين تفصلهم عن بعضهم الآخر أزمنة متباعدة لكنهم حاضرون دائمًا داخله.

تأمل هموم كبار الفنانين

وإحساس الكاتب بأنه عضو في هذا النادي الذي يضم كتّابًا كبارًا من أزمنة مختلفة وأماكن متعددة يجعل همومه إنسانية؛ لذلك كان حقي عندما يخشى على كاتب من أن يضيق أفق أعماله، يشجعه على أن يتأمل همومه من خلال تأمل هموم كبار الفنانين «لتأخذ مكانها المعتدل المستريح في لوحة الكون كله». فقراءة وتأمل الكاتب لأعمال كبار الفنانين تُغْنِي مشاعره وتجربته وتدفعه إلى أن يكون جزءًا من لوحة الكون كله ومنفتحًا عليه؛ لذلك كان يحث شباب الكُتّاب على البدء بقراءة مؤلفات كبار الكُتّاب ودراستها وتأملها، وأن يتعلموا منها القواعد الفنية لكتابة القصة والرواية وليست من النظريات النقدية. «تأملوها وادرسوها دراسة حقيقية واعية. انظروا كيف يفعل المؤلف في البداية والنهاية، شاهدوا كيفية اختياره للحوار والوصف والتحليل والصنعة إلى آخره».

ونصيحته تلك لشباب الكُتّاب نابعة من تجربته الشخصية كمبدع، فهو لم يتحمس لقراءة الكتب النظرية عن أصول الفن القصصي، ولم يظهر اهتماما كبيرًا بها، بل قرأ ما كتبه كبار المبدعين عن خبراتهم مع عملية الكتابة والعوائق التي واجهتهم. وعلى مدار حياته كتب يحيى حقي مقالات عديدة عن أسرار العملية الإبداعية كما تتضح في رسائل المبدعين ويومياتهم وسيرهم الذاتية مثل: فلوبير وباسترناك وأندريه موروا وستيفان زفايغ، ويحرص على ذكر طبيعة علاقته بهم التي تماثل كل علاقاته بأعضاء النادي «شاركتهم أفراحهم وأتراحهم حتى كنت أعدهم –وإن لم نتعارف– من أعز أصدقائي». وينوّه يحيى حقي في مقالاته النقدية بالكاتب الشاب الذي ينتهج سبيل قراءة ودراسة أعمال كبار المؤلفين ولا يقتصر على الكتب النظرية في فن القصة، ويبرز أن هذا الكاتب اهتدى بما تعلمه من أسرار من تلك الأعمال الإبداعية وابتعد من خطر تقليدها في الوقت نفسه. «فهو يتتلمذ على كبار المؤلفين أنفسهم ولا يقتصر على رطانة الكتب النظرية في فن القصة حتى أصبح خبيرًا بهذا الفن، وحتى أصبحت قصصه تنضح بأسرار هذه الصنعة».

أفق توقعات أعضاء النادي

إن دراسة أعمال كبار الكتاب بقدر ما تعلم الكاتب الشاب القواعد الفنية، فإنها تعرفه إلى الطائفة الأولى من جمهوره حسبما حدده يحيى حقي، وهم كبار الكتاب الذين يسعى ويجتهد الكاتب إلى أن ينضم إلى النادي الذي يجمعهم، وأن يحقق أفق توقعات أعضاء النادي. وهذا الأفق يتعرف إليه الكاتب من خلال دراسته الأعمال الأدبية التي كتب لها البقاء في مواجهة مرور الزمن، ومن خلال محاولته التعرف إلى ما فيها من قيم فنية أكسبتها هذا البقاء. بحيث يصير طموح الكاتب في الكتابة باتساع وثراء أفق توقعات أعضاء هذا النادي، وأن يسعى إلى أن تكون أعماله إضافة لهذا النادي وليس مجرد اجترار أو تكرار.

وتأكيد حقي أنه «عضو منتسب» لهذا النادي بقدر ما يكشف عن تواضعه الذي اشتهر به، فإنه في الوقت نفسه يكشف مدى صعوبة إرضاء أفق توقعات هذه الطائفة من الجمهور المثالي، وجعل يحيى حقي المعيار الأساسي لانضمام الكاتب لهذا النادي هو الاهتمام بالكلمة وليس الاستسهال. فليس معنى أنه يكتب لهذا النادي المتخيل أن يظن الكاتب أن أعضاءه سيقبلون منه أي شيء، بل هناك شرط أساسي «وأول مادة في قانون هذا النادي هو توقير الكلمة. لا طرد من هذا النادي لجريمة سوى جريمة العبث بكرامة هذه الكلمة… فماذا يبقى لهم؟ ليس لهم جزاء سواها».

وهذه المادة الأولى في قانون النادي لم يَدَعْ حقي فرصةً وإلا ذَكّرَ الكُتّاب والقُرّاء بها، سواء في كتاباته عن تجربته الأدبية أو في نقده الأدبي أو في حواراته، ومن أجل أن يزيد الانتباه إلى هذه المادة فإنه أكد رضاه أن تغفل جميع قصصه وكتاباته لكنه سيحزن إذا لم يلتفت أحد إلى دعوته إلى أسلوب يتميز بالحتمية والدقة والوضوح، «وأهمية هذه الدعوة ترجع إلى أنها تعود الذهن على عدم استعمال ألفاظ عائمة معانيها غير محددة… فمثل هذه الألفاظ لا تخلّ بالمعنى فقط، بل تشلّ قدرة الذهن على التفكير الناضج المحدد». ومع اهتمام حقي بهذا الأسلوب فإنه يشترط «ألا يبدو على الكلام أثر من عرق الكاتب وجهده، بل لا بد أن يختفي هذا كله حتى ليبدو الأسلوب شديد البساطة».

لذلك أبدى إعجابه واندهاشه من تعليق سمع قارئة تقوله لأحد الأدباء: «إنني حين أقرأ لك أحس أنني لا أقرأ»، ورآه آية في الكشف عن سر البلاغة، ويفوق بكثير أي مدح يطمح إليه أي كاتب. إن هذا التعليق بالنسبة ليحيى حقي مطلب وحلم كل كاتب يريد أن يتواصل ويتفاعل القراء مع عمله الإبداعي، ولا يحسون بمرور الوقت وهم مستغرقون في قراءته، ويصل الاستغراق إلى حد أنهم يعيشون كلمات النص الإبداعي كأنها أصواتهم الداخلية التي لا يفصلهم عنها أي حاجز. ومن أجل تحقيق هذا الحلم يخوض المبدع رحلة طويلة من أهم سماتها ألا تكون اللغة عائقًا أمام هذا التواصل؛ لذلك كرر حقي مرات أنه قد يعيد كتابة عمله أو أجزاء منه مرات عدة ليعالج الفجوة التي يشعر بها بين الكلمات التي كتبها، والرؤى التي تتملكه ويريد إظهارها على الورق.

مشكلة القديم والحديث

يرى حقي أن إحساس الكاتب بأنه يكتب لهذه الطائفة من الجمهور أعضاء النادي، هو ما يحل مشكلة القديم والحديث في الأدب، والخلاف الذي يثار حولهما دائمًا، فالنص مرتبط بالتراث السابق عليه من أعمال كبار الكتاب الذين يسعى الكاتب إلى الانضمام إليهم، كما أنه حديث لأنه نابع من عصر جديد «وهذا الإحساس –إحساس أنه يكتب لأعضاء النادي- هو الذي يفك عقدة الخلاف على القديم والحديث، أن الأثر الفني لا بد أن يكون قديمًا وحديثًا في آنٍ واحد؛ قديم بسبب هذا الاتصال بالتراث والوحي المتبادل بين المأثورات والألفاظ، حديث لأنه نابع في عصر جديد».

 وأصدقاء حقي من أعضاء هذا النادي هم أول من تحدث عنهم في آخر لقاء له مع الجمهور في الصالون الثقافي بدار الأوبرا 1992م قبل رحيله، وأظهر شدة ارتباطه بهم وأنه يحس بوجودهم حوله «حقيقة حينما أجلس وأكتب أشعر أنني في هذا النادي. بل أتصور في بعض الأحيان أن بعض أعضاء هذا النادي يمرون من حولي كأني تلميذ في الخيمة يكتب. يريدون أن يروا ماذا أكتب؟ بعض الأشخاص أحس بهم كأنّ بيني وبينهم اتصالًا روحيًّا. من الأشخاص الذين جاؤوا إليَّ وكأني في المنام «شوقي» الشاعر. ساعات يفوت عليَّ ليرى ماذا أكتب ويمشي».

ويمكن ملاحظة أن «حقي» في كل المرات التي كتب وتحدث فيها عن هذا النادي وأعضائه لم يقدمه على أنه مجرد تشبيه من التشبيهات التي كان يبرع في كتاباتها، بل قدمه على أنه واقع يعيشه ويحكي قصته التي يزداد ثراء تفاصيلها بمرور السنوات.

وإذا كان بورخيس قد رأى أن الكاتب يخلق أسلافه، بمعنى أن إبداع كافكا قد يكون له أسلاف موزعون على أزمنة مختلفة لكننا لم ندرك الإمكانيات الإبداعية في نصوصهم إلا مع ظهور كتابات كافكا. فإننا مع يحيى حقي يمكن القول: إن الكاتب يصاحب أسلافه المختارين، ويسعى دائمًا إلى أن يكون بينهم ويكونون معه في هذا النادي.

الملاكم

الملاكم

يظهر في الصورة مرتديًا قفازي الملاكمة، ويرفع ذراعيه إلى أعلى وينظر مبتسمًا نحو الكاميرا، وخلفه يبين حائط مرسومة عليه فروع شجرة تضم «أستديو الأنوار للتصوير» على شكل عش يسكنه عصفوران.

كانت هذه الصورة الوحيدة في بيتنا لمن كان جدي يطلق عليه دائمًا «البطل محمود». وأفهمني أنه «في منزلة عمك» ليختصر صلة القرابة البعيدة به. وأكد وجود صور أخرى له لدى أقربائنا المتناثرين في محافظات عدة، تم التقاطها وهو في حلبة الملاكمة يوجه لكمات إلى خصومه، أو يقف متحفزًا في ركنه أو يحيي الجمهور بعد انتصاره. وتمنى كثيرًا لو جمع كل تلك الصور في ألبوم واحد. وظل في مكالماته مع هؤلاء الأقرباء يطلب منهم معاودة البحث عن صور البطل، ولا يقتنع بأنهم فتشوا في كل مكان ولم يعثروا على أية صورة. ويحثهم على التفتيش في الحقائب والصناديق والأكياس المهملة منذ زمن، والمكدسة بأشياء قديمة يحتاج فرزها إلى صبر. ولولا ضعف صحته لسافر إليهم وبحث عن الصور بنفسه.

وكلما سنحت فرصة لجدي كان يتحدث عن المباراة الوحيدة التي حضرها للبطل، والتي لم تستغرق سوى دقيقة واحدة، أطاح فيها بخصمه بعد عدة ضربات قوية لا يتحملها أي إنسان. وتُوّج بعدها بطلًا لمحافظة القاهرة. ولماذا لم يحصل على بطولة الجمهورية؟ كاد يحصل عليها لولا حادثة السيارة التي أصابته بالعرج. وعلى رغم محاولاته إقناع منظمي البطولة بقدرته على الملاكمة فإنهم رفضوا، ومنحوه شهادة تقدير اعتبرها نعيًا له قبل الأوان. ويقسم جدي على أن هذا العرج عجّل بموته وهو ما زال في الثانية والعشرين، فقد ساءت حالته النفسية واختفت ضحكته المجلجلة وصار صموتًا، وإن تكلم صعب سماع ما يقوله.

يحدق في الصورة الوحيدة المعلقة في الصالة، ويتذكر أن البطل أهداها له قبل وفاته بأيام كما لو كان يودعه. وإذا رأى بريق البرواز الذهبي قد انطفأ يسارع بالذهاب إلى محل البراويز لتلميعه إن أمكن أو استبدال واحد آخر به.

وما سر اهتمامه بالبطل؟ كانت إجابته التي كررها كثيرًا، أن يطلب ممن يسألونه تخيل أنفسهم وقد رحلوا عن الدنيا مبكرًا قبل تحقيق أحلامهم. ألا يسعدهم أن يظل شخص واحد على الأقل يتذكرهم، ويطيل أعمارهم القصيرة باستمراره في الحكي عنهم؟

وعلى رغم إحساس معظم من سألوه بوجود أسباب أخرى لكنهم لم يواصلوا سؤاله، فلا أحد يريد إطالة حديث يتخيل فيه نفسه وقد اختطفه الموت فجأة، وصار مجرد ذكرى لا يتذكرها سوى شخص واحد.

وفي يوم وهو يقرأ جريدة الأهرام كعادته كل صباح. صاح مناديًا كل من في البيت. أسرعنا متوقعين وقوع مصيبة. أشار إلى صورة في الأهرام

– البطل

يوجه لكمة نحو الممثل فريد شوقي الذي بدا كأنه يصرخ. والصورة منشورة ضمن حوار مع «عم عبدالله. نصف قرن من التصوير» يحكي فيه أهم ذكرياته في المهنة، ومواقف طريفة جمعته مع مشهورين مثل أنور وجدي الذي التقط صورة له وهو يكاد يقع من فوق جمل، وشادية وفاتن حمامة يتسابقان في الجري. أما محمود الذي وصفه بـ «أفضل ملاكمي جيله» فقد رغب في أن يصوره عم عبدالله داخل حلبة ملاكمة أقامها البطل بنفسه في أستديو الأنوار. وراح يتحرك ويسدد اللكمات كأنه في مباراة، ويُحيي جمهورًا تخيله احتشد في المكان. وفي أثناء التصوير حضر فريد شوقي «أهم زبون عندي»، وأعجبته تحركات الملاكم السريعة على رغم عرجه، فقفز داخل الحلبة وتبادل مع الملاكم عدة لكمات «زي ما كان بيعمل في الأفلام»، لكن يا للأسف توفي محمود قبل أن يتسلم الصور.

سعادة جدي الغامرة بالصورة والحوار دفعتنا إلى تهنئته كما لو أنه حقق حلم عمره، وطلب مني أبي الإسراع بشراء عشر نسخ من الأهرام.

– هات عشرين.

قالها جدي وهو يبحث في دليل التليفونات عن رقم أستديو الأنوار. لا بد أن يقابل عم عبدالله بنفسه، ويسمع منه الحكاية بالتفصيل، ويحصل على نسخ من صور البطل يضعها في ألبوم مخصص لها. واستبعد احتمال احتفاظ عبدالله بالصورة المنشورة فقط، فكلامه في الحوار يدل على شدة إعجابه بـ«عمكو محمود» ووفائه لذكراه على رغم مرور أكثر من أربعين سنة. ومن المستحيل أن يكون مثل «قرايبكو» الذين أضاعوا الصور ولا يقدرون قيمة البطل.

ظل يجرب الاتصال بالأستديو ولم يقلق من عدم الرد. فربما يعمل عبدالله متأخرًا، وقد يكون اليوم إجازته أو قرر البقاء في البيت احتفالًا بالحوار في الأهرام. احتمالات كانت ستتزايد لولا أن عبدالله رد أخيرًا.

وبعد مقدمة من التعارف والترحم على البطل، استغرقا في حكي ذكريات لا تُنسى عنه، وتوقفا عند مباراة بطولة القاهرة التي حضرها الاثنان، متذكرين تلك اللكمات القوية السريعة التي تهد جبلًا لا إنسانًا. وفاجأه عبدالله بامتلاكه صورة لتلك المباراة، فأخبره جدي بأمنيته الحصول على نسخ من كل الصور. وحينما علم أنها ثلاثون صورة صاح مكررًا العدد بسعادة. ولا يعرف كيف يشكر عبدالله على تلك المفاجأة الرائعة، ولا كيف يرد له الجميل. وفجأة تحول الصياح إلى همس «بكام؟ مش معقول»، وتحول الشكر إلى فصال طويل لم يغير من المبلغ المطلوب. وانتهت المكالمة على وعد باتصال آخر بعد مهلة من التفكير.

– النصاب. خمس تلاف جنيه.

وظل طول اليوم يردد «النصاب» سواء وهو ينظر إلى صورة عبدالله في الجريدة أو في أثناء جلوسه معنا يشاهد التليفزيون. وأكد أخي الأكبر على سماعه جدي يصيح بـ«امسك حرامي» وهو نائم وخبطت يده السرير بقوة.

قرر في اليوم التالي الذهاب إلى أستديو الأنوار. التحدث مع عبدالله وجهًا لوجه قد يسهل عملية الفصال، بالإضافة إلى رغبته في رؤية المكان الذي أقام فيه البطل حلبة ملاكمة.

ظل طول الطريق صامتًا. وكنت قد اعتدت على استرساله في حكي ذكريات مضحكة، تدفع عددًا من ركاب الأتوبيس أو الميكروباص إلى الضحك.

كانت صور نجوم السينما تحتل مساحة كبيرة من فاترينة الأستديو. رحب بنا عبدالله، ثم انفجر في الضحك سعيدًا بتعليق جدي أنه يبدو أصغر بكثير من أعوامه الثمانين، وصورته في الأهرام قد ظلمته. أخرج ألبومًا ثبتت على غلافه صورة البطل مع فريد شوقي.

– اتفرج براحتك.

على غير المتوقع تصفح جدي الألبوم بسرعة وهو يعد الصور.

– دول عشرة بس مش تلاتين.

– للأسف مش لاقي الباقي.

– زي قرايبنا اللي ضيعوا الصور.

ثم طلب رؤية المكان الذي صور فيه البطل. أضاء عبدالله غرفة التصوير وأشار إلى الموضع الذي نُصبت فيه الحلبة. اقترب منه جدي ببطء، وهو يبدأ عملية الفصال من جديد. ورفض عبدالله أن يخفض جنيهًا واحدًا، كما رفض بيع صورة البطولة فقط «كلها يا إما…»، وقبل أن يكمل كلامه رفع جدي ذراعيه وبكل قوته لكم عبدالله لكمتين، حاول أن يتفادهما لكنه تعثر في كرسي وهو يرجع للوراء، فوقع على الأرض، واصطدمت رأسه بالحائط. وراح يتأوه مغمض العينين بينما صاح جدي يعد من واحد إلى عشرة.

أسرعت لأجلس جدي على كرسي. وأمسح وجهه المبلل بالعرق، لكنه رفض أن أنزل ذراعيه المتأهبتين للملاكمة من جديد. ناولت عبدالله كوب ماء وهو في مكانه على الأرض. وقبل أن يشرب قال مبتسمًا:

– عايز تعمل بطل. برضو خمس تلاف جنيه.

لم أتوقع كلماته تلك. انتظرت إما أن يشتمنا أو يصرخ مستنجدًا بأصحاب المحلات المجاورة.

نهض جدي. وقبل أن نغادر تصفح الألبوم مرة أخرى. وتوقف عند صورة محمود يوجه لكمة نحو الكاميرا وهو غاضب. لم تفارق الابتسامة وجهه في أثناء عودتنا إلى البيت، وظلت أصابع كفيه مضمومة بشدة.

سخر من توقعات أمي بمجيء «عبدالله ورجالته» للانتقام وتكسير البيت على من فيه. هو يعرف طبيعة الناس جيدًا. وهذا النصاب لا يجرؤ على إخافة قطة، ومن المؤكد أنه يجلس في محله مرعوبًا من عودة جدي مرة أخرى. وعلى رغم كلامه مرت أيام لم نفتح فيها باب الشقة إلا بعد التأكد من شخصية الطارق، وتكرار «مين؟» عدة مرات. ولا بد أن تكون الإجابة بصوت واضح لا لبسَ فيه. وأحيانًا كنا نسارع بفتح الباب حتى نسكت صياح الطارق المبالغ فيه، أو نمنعه من المغادرة غاضبًا من طول وقوفه في الخارج. وما إن يسأل أحد عن سبب كل هذا الحذر حتى يحكي له جدي حكايته مع عبدالله وهو يشير إلى صورته في الأهرام. ويترحم على البطل الذي زاره في الحلم، وأوصاه بالذهاب إلى الأستديو، وعلّمه كيف يصوب اللكمتين بشكل مباغتٍ وقوي مثلما فعل في مبارياته، وحذّره من أي تردد أو خوف. وفي النهاية أهداه ألبوم صوره. اندهش جدي من ضخامته، ومن كثرة الصور التي يظهر فيها مع البطل داخل حلبة الملاكمة.

رقعة متخيلة

رقعة متخيلة

حسين حمودة

عام 1996م، وفي أثناء انتظار الصعود إلى الطائرة التي ستقل الوفد المصري إلى الدار البيضاء للمشاركة في لقاء الرواية المصرية المغربية، رأيت الروائي الكبير فتحي غانم والصديق الدكتور الناقد حسين حمودة يحدقان في الفراغ، ويتناوبان الهمس بعضهما لبعض، وأحيانًا يشير أحدهما إلى مواضع في الهواء ويحرك يده كأنه يمد بينها خطوطًا. عرفت بعد ذلك من حسين أنهما كانا يلعبان الشطرنج غيبًا، وأن الدور لم يكتمل بسبب بدء الصعود إلى الطائرة. لم أكن أعرف وقتها أن فتحي غانم لاعب كبير في الشطرنج، وكان من أبطال الجمهورية في اللعبة. وتذكرت المدة التي امتدت طوال المرحلة الثانوية وكان الشغل الشاغل فيها لي ولأصدقائي لعب الشطرنج، وتسجيل الأدوار كتابة كما تعلمناها من كتب عبدالرحمن محفوظ التي استعرناها من مكتبة عامة بالجيزة، وكانت ذاخرة بتحليلات لأشهر مباريات بطولات العالم في الشطرنج، حاولنا وقتها لعب الشطرنج غيبًا، ومغالبة أي شيء يشتت تركيزنا، سواء أصوات التليفزيون والراديو المنبعثة من شقق الجيران أو شجار نشب فجأة في الشارع، فلا نسارع كعادتنا للفرجة عليه. ونظل في أماكننا نحدق في الفراغ، في قطع الشطرنج التي لا يراها غيرنا. وكلما استطعنا الصمود في وجه الإغراءات الخارجية التي لا تنتهي ازدادت متعتنا، وفي الوقت نفسه اشتدت دهشة أفراد أسرنا الكبار من سكوننا المريب. ورغم كل هذا التركيز لم نفلح في إتمام دور كامل إلا نادرًا، فسرعان ما كنا نصل إلى مرحلة تتوه منا مواضع القطع، ونختلف على موضع قطعة هل هي هنا أم هناك ونحن نشير إلى رقعة متخيلة. وبعد سنوات، دفعني هذا الاهتمام القديم بالشطرنج ومشهد المطار إلى قراءة آخر روايات فتحي غانم «القط والفأر في القطار»، بعدما لمحت وأنا أتصفحها مصطلح «زوج زفانج: كلمة ألمانية لا تجد ترجمة لها في أية لغة أخرى». ويعني المصطلح وضعًا غالبًا ما يكون قرب نهاية دور شطرنج، ويجد فيه أحد اللاعبين أن تحريك أي قطعة من القطع المتبقية معه سيزيد موقفه سوءًا، ومواصلة اللعب تشبه سيره نحو موته الذي يعلم موعده بدقة، وقد يتمنى عدم القيام بأي نقلة أو إن أمكن اختفاء رقعة الشطرنج بما عليها.

وكنت أنا وأصدقائي في بداية تعلمنا لعبة الشطرنج لا نقبل بالاستسلام والتوقف عن اللعب حينما نكون في هذا الوضع الذي لم نكن نعرف اسمه، ونصر على مواصلة اللعب أملًا في أن يخطئ الخصم، وهو احتمال قائم في ظل قلة خبرته وتسرعه في تحريك القطع دون تدبر. وحتى عندما كنا نلعب مع من هم أكبر سنًّا وخبرة، ويشرحون لنا بوضوح كيف سيموت الملك بعد عدة نقلات، فإننا كنا نصر على المواصلة، فاللعبة لا تنتهي إلا بسماعنا كش مات، ولا معنى للانسحاب قبل هذا. وكنا نأمل بالطبع في أن يقع الكبار في خطأ مثل زملائنا الصغار، أو يضطر الكبار إلى المغادرة قبل إكمال الدور، وقبل الإعلان عن هزيمتنا بشكل رسمي. وبالتالي نصر على عدم احتساب الدور ضمن هزائمنا المتتالية على أيديهم.

الزعيم المحب للعبة الشطرنج

ومصطلح «زوج زفانج» تذكره شخصية الزعيم في رواية «القط والفأر في القطار»، تلك الشخصية التي يتضح للقارئ منذ البداية أن المقصود بها جمال عبدالناصر رغم عدم ذكر اسمه. وقد استعان الزعيم المحب للعبة الشطرنج بهذا المصطلح ليشرح ويبرر به ما فعله طوال مدة حكمه، فتتضح عبثية الوضع الذي كان فيه. وتدفعنا كلماته إلى تخيلها على لسان إحدى شخصيات رواية القلعة لكافكا: «أنت لا تستطيع أن تلعب الشطرنج دون أن تحرك القطع. ولا تستطيع أن تقود ثورة وتحكم دون أن تتصرف وتصدر القرارات، وهذا أمر لا بد منه، وبعد ذلك عليك ثانيًا أن تواجه أي تصرف تقدم عليه وأنت تعلم مسبقًا أن أي إجراء تتخذه يسيء إليك وضرره أكثر من نفعه، ومع ذلك لا بد من التصرف، ولا بد من قبول الأضرار حتى تجد نفسك أخيرًا وثالثًا في حالة اختناق، ومع ذلك لا بد أن أتصرف، لا مفر من أن أصدر القرار بعد القرار».

جمال عبد الناصر

يماثل الزعيم بين المصطلح وقيادته الثورة والحكم وكأنهما وجهان لعملة واحدة، على الرغم من أنه في بداية الرواية وقبل الثورة كان إذا انهزم في دور شطرنج قال باستخفاف: «إن رقعة الشطرنج ليست وطنًا ولا مجتمعًا. وهذه القطع لا علاقة لها بالبشر». وبقدر ما ساعد مصطلح زوج زفانج الزعيم على تبرير أفعاله، فإنه بشكل غير مباشر صار دليلًا ضده. فلاعب الشطرنج عند وقوعه في هذا الوضع يتحمل بمفرده الخسارة وأسبابها، أما الزعيم بإصداره القرار تلو القرار فإنه لا يكبد نفسه الخسارة فقط، بل يكبدها لشعب متفرج على اللعب وغير مسموح له بأن يكون لاعبًا يتحمل مسؤولية دور بأكمله. كما أن أي لاعب من ذوي الخبرة القادرين على رؤية مصير قطعهم يسارع بالانسحاب ما أن يقع في هذا الوضع، ولا يصر على الاستمرار –كما فعل الزعيم، وكما كنا نفعل في صغرنا– في دور لا نجاة فيه من الهزيمة. إضافة إلى أن انفراد لاعب الشطرنج بقراراته من طبيعة اللعبة وليس من طبيعة الحكم، إلا إذا كان الزعيم يرى من يحكمهم مجرد قطع يملك وحده تحريكها كما شاء. ويذكر الزعيم هذا المصطلح مرة ثانية في نهاية الرواية، ليعبر عن فرحته باستطاعة شخصية المحامي -الذي طالما شارك الزعيم لعب الشطرنج- من الخروج من هذا الوضع نهائيًّا، بعدما تخلص من كل قواعد اللعبة التي قيدته، وفرضت عليه أدوارًا ظل يؤديها، ونجا من أسر حب الزعيم، ومن تمثل مواقفه وشخصيته في حياته وبعد مماته.

ومن المفارقات اللافتة في الرواية، أن المرتين اللتين ذكر فيهما الزعيم هذا المصطلح كانتا بعد مماته، في لقاء معه تخيله المحامي. كأن الموت فقط هو من يجبر الزعماء على عدم التشبث بالاستمرار في وضع «زوج زفانج»، ويجبرهم على التوقف عن إصدار القرارات التي تزيد الموقف سوءًا.

حكاية صندوق

حكاية صندوق

رأيته دائمًا جديرًا بأن يضم كنزًا، وليس مجرد أوراق قديمة، ينتظر أبي دائمًا الوقت المناسب لفرزها. هذا الصندوق الخشبي المغطاة زواياه الخارجية بشرائط نحاسية، وله بطانة من القطيفة الحمراء. ولا يمكن إغلاقه إلا بالضغط على غطائه بقوة عدة مرات.

كان أبي يسمح بفتحه في وجوده فقط. ويضع كتبًا كثيرة فوقه حتى تكون عقبة أمام من يخالف هذا الشرط. ومنذ خروجه إلى المعاش، صار يغضب كثيرًا إذا وجد الكتب مزحزحة عن مكانها أو تغير ترتيبها. ويثق في أن الصندوق فُتح في غيابه. لم يكن يوجه اتهامًا لشخص بعينه بل يلوم كل من في البيت: أنا وإخوتي وأمي، كلنا مسؤولون عن السماح لأحدنا بالعبث بالأوراق، ويعيد تذكيرنا بأهميتها فمن بينها عقد زواج أبيه من أمه، وشهادات ميلاد أخويه اللذين توفيا منذ سنوات، وعقد بيع البيت الذي قضى فيه طفولته، والأوراق التي كان يكتب فيها الشعر وهو صغير، ورسائل من أصدقاء قدامى لم نر أيًّا منهم، وإن كنا حفظنا أسماء معظمهم من كثرة حديثه عنهم، ويتمنى لو لم يتسبب في ضياع المفتاح وهو صغير.

أراد يومًا أن يرى زملاؤه في المدرسة هذا المفتاح الضخم، المحفورة فيه طيور منمنمة لكن ملامحها واضحة لمن يدقق فيها. وظل المفتاح يتنقل بين أيدي الزملاء المبهورين به حتى اختفى فجأة عن عين أبي، فتش كل الجيوب والحقائب كما حكى لكنه لم يعثر عليه. اشتكى للناظر فغضب لإحضاره المفتاح دون علم أسرته، وعاقبه بوقوفه ووجهه إلى الحائط حصتين كاملتين. ونصح جدي بحرمانه من المصروف لمدة شهر على الأقل، صارت أسبوعًا واحدًا، لم يكلمه فيه جدي الذي ظل يحس بفقدانه أفضل مكان لحفظ الأشياء الثمينة. ورفض أن يلمس الصندوق أي صانع مفاتيح، فكلهم لا يقدّرون قيمته وقد يكسرونه، ولا يستطيعون صنع نسخة مطابقة للمفتاح الأصلي. وصار يغير باستمرار الأماكن التي يخفي فيها خمس عملات ذهبية ومسدسًا وعدة رصاصات ورثها عن أبيه، وأحيانًا كان ينسى مكانها، فيظل يفتش عنها وهو يشتم كل من في البيت، ويسارع أبي بالخروج ولا يعود إلا بعد العثور عليها.

وكنت كلما فتحت الصندوق أمرر يدي ببطء على البطانة القطيفة، وأثق في إخفائها شيئًا ثمينًا لم ينتبه إليه أي أحد من قبل. وأتوقف عند مواضع أحس فيها بوجود شيء صلب تحتها. وأتخيله أحيانًا عملة ذهبية أو رصاصة أو نسخة أخرى للمفتاح.

وفي يوم قررت وضع حد لشكوكي المتزايدة، وفتحت بالمقص فتحة دقيقة في طرف البطانة، أقنعت نفسي بأنها غير ملحوظة، وأدخلت قلم رصاص قصر عن الوصول إلى أماكن أبعد. وسَّعت الفتحة قليلًا، وأدخلت مسطرة طويلة، استطاعت مسح مساحة أكبر دون الاصطدام بأي شيء صلب. دفعت المسطرة بأصابعي بقوة. فتمزقت حواف الفتحة، وسمعت صوت التمزق حادًّا كأنه خرق طبلة أذني، وسمعه كل أفراد أسرتي رغم عدم وجودهم في الشقة. رجعت أمي وأنا أعيد مجلدات الكتب فوق الصندوق. ونبهتني كعادتها بترتيبها كما كانت. لمحت المقص والقلم والمسطرة، وخشيت من أن أكون قد قصصت الأوراق القديمة أو كتبت فيها شيئًا. وقبل تماديها في تخيل ما يمكن أن يفعله أبي صارحتُها بما حدث. ظلت تحدق في التمزق صامتة. ثم أحضرت كيس أدوات الخياطة، وظلت تضاهي الدرجات المختلفة للخيوط الحمراء بلون البطانة، لم تجد الدرجة نفسها. نظرت في ساعة الحائط. وأمرتني بإغلاق الصندوق قبل عودة أبي. وخرجت مسرعة تلف على محلات الخردوات حتى عثرت على درجة اللون. تمنّت، وهي تهمس لي، لو كنت فعلت هذا قبل خروج أبي إلى المعاش. فلم يعد يغادر البيت كثيرًا، وأحيانًا لا يكمل مشوارًا لإحساسه بالألم في قدميه. وصارت أمي موزعة بين رفو التمزق بدقة والإسراع بإعادة كل شيء إلى مكانه ما إن تحس بصعوده السلم. وساهم إخوتي معي في إتمام هذه العملية سواء بتكرار الضغط على الغطاء حتى ينغلق، أو بترتيب الكتب فوقه أو بمسارعة أحدهم لتعطيل أبي عن الدخول.

لازمت أمي وهي ترفو، كانت تظل تحرك أصابعها في الهواء فوق الجزء الذي سترفوه، وتتحدث مع نفسها بصوت عالٍ عن أفضل جانب تمرر منه الإبرة، وعن الخطأ المحتمل لو سلك الخيط هذا الاتجاه أو ذاك، وضرورة أن يمتد مع خيوط النسيج ولا يتقاطع معها، وكثيرًا ما رأيتها سارحة في شاشة التلفزيون تحرك يدها كأنها ما زالت ترفو. وتبادلنا الابتسام حينما ظن أبي أنها تسبح على أصابعها فناولها سبحته حتى لا تخطئ في العدد. استغرقت عملية الرفو أسبوعًا، أكثرت فيه أمي من الدعاء بألَّا ينتبه أبي لما يحدث. وظل القلق ينتابنا جميعًا حينما يستغرق في حكي ذكريات يذكر فيها الصندوق أو الأوراق داخله ولو بشكل عابر. وأبدى سعادته بإنصاتنا له مهما طال حكيه، وعدم تذكيره بسماعنا هذه الحكايات من قبل. وكنت مثل إخوتي أنصت له مترقبًا انفجار غضبه، ومعاقبتنا جميعًا لتواطئنا عليه.

كررت أمي تحذيري من فتح الصندوق أو لمسه. والأفضل اعتباره غير موجود. وظلت فترة طويلة الشخص الوحيد الذي يفتحه في غياب أبي، لتتفرج الجارات على دقة رفوها، وتضحك حينما يفشلن في العثور على موضع الرفو، وتشرح لهن بالتفصيل الطريقة التي اتبعتها، وتحذرهن من ارتكاب أخطاء كادت تقع فيها كما لو أن لدى كل منهن صندوقًا تمزقت بطانته. وفجأة تتوقف عن الكلام، وتغلق الغطاء ضاغطة عليه عدة مرات، ونسارع كلنا ومعنا الجارة بمساعدتها، وإعادة الكتب كما كانت قبل أن يفتح أبي باب الشقة.