قصائد

قصائد

غِنائيات الرشيدة الراحلة… أمي

مِنْ كِتابِ ذكرياتِها… من دفاترها العتيقة والجديدة

١

يا أم أم الناسْ

هيَ أمنا

هيَ أم كل الناسِ،

كل الخالدينَ،

مِنَ الفِدائيينَ

والشهَداءِ،

أم الأنبِياءِ

وأم كل المؤمنينَ

بحقهم وتُرابِهِم

٢

يا أم الغابات

يا أم أيامٍ

وأنهارٍ،

مَزيجُ حِكايةٍ وخُرافةٍ،

تَمشي على ساقَين

مِنْ وَجَعٍ وموسيقا

ومِنْ ماءٍ ونارْ

٣

وأراكِ في «العَروب»(1)

في ليلِ المخيمِ

في المزارعِ والحُقولِ،

وفي المساجدِ والزوايا

في أناشيدِ الفدائيينَ

تحتَشِدينَ بالأطفالِ والصلَواتِ،

أمكِ ليقَةٌ، ومَليكةٌ لنسائها

وأبوك مِن شُهَداءِ أرض الرب،

يكرِزُ بالكِفاحِ وبالفَلاحِ،

بخِنجَرِ الفَلاحِ يكرِزُ.. كانْ

«العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.

٤

تَعْرِفُ ما تُريد

كحَديقةٍ

ألْوانُها صَماءُ

جبارةٌ بِضَعْفِها

ضَعيفةٌ بِحَزْمِها

تَعْرِفُ ما تُريدُهُ

تُريدُ ما تَعْرِفُهُ

بِلا سؤالٍ واضِحٍ

وضوحُها سؤالُها

٥

أمي الوَطَنْ

أمي التي

قدْ ودعَتْنا

أودَعتْ فينا

أماني الزعترِ البَري،

والخُبيزةِ العَطشَى

ونَخلًا في المخيم

ظل مأوانا الأمِينْ

هِيَ ودعتْ

بِجِراحِها، بنُواحِها

بِنُحولِ عَنقاءِ الحَياةِ،

ورُوحِ أم ساحِرةْ

هِيَ ودعتْ بغِنائها

أرضًا بعيدة

بوَداعةِ الطيرِ المُمزَّقِ

في شِباكِ العُمْرِ

يَهوي دونَ ريشْ

هيَ ودعتْ أسطورةً

حتى تَعيشَ بِغيرِها

في ألْفِ مَلْحَمَةٍ

بألْفِ عباءةٍ وحِكايةٍ،

لتَعيشَ في أحلامِنا،

ونَظَل في أحلامِ مَوطِنِها

ونَحلُم دونَما خَوفٍ،

ونَمْشي في الحِكايةِ نَفسِها،

منذُ البِداياتِ/ الرؤى،

حتى النهاياتِ الجَديدةِ للوَطَنْ

أم هي الوطَنُ الذي

نَمْشي فيَحْمِلنا إليهِ،

إلى نهايتِهِ، غِوايَتِهِ،

ونَحمِلُهُ إلى أحلامِهِ

أم بحُلمٍ لا نِهائي

تَعيشْ

ها أنت إذ

تتذكرينَ طُفولةً

مِن كل ألعاب البَناتِ،

أعرفُ أنكِ الأولى

على الألعاب والفتَياتِ،

يؤلمُني عذابُكِ

أنني ما زلتُ أحيا

والحَياة غدتْ عَذابا

٦

أم لَها الأحلامُ

قبلَ بِدايةِ التوراةِ

والإنجيلِ والقُرآنِ،

أحلامُ البِلادِ كِتابُها السري

تكتبُ كل يومٍ ما تيسرَ

مِن دفاترهِ العَتيقةِ،

في الكتابِ:

صُمودُ قَريتِها معَ الثوارِ،

فيه حِصارُها وسُقوطُها

وكِتابُها قُرآنُها السري؛

قُرآنُ الصباحِ، ولَيلُ قُرآنِ الجِراحْ

وكِتابُها بَيتٌ وحقلٌ

في رُبا «مَنْشِيّةٍ» و«عِراقِها»

أواه يا أماهُ

يا أمي

ويا أم المسيحِ،

ولَدْتِني لأكونَ فادي الناسِ،

لكنْ، كُلهُم غدَروا وخانوا

أرثيكِ

أمْ أرثي خُطايَ

على خُطاكِ

يا بنتَ قُرآنِ الحَياةِ

حَياتُكِ القُرآنُ

في دَمِيَ المُباحِ،

دَمي قِراءاتٌ لروحكْ

أبكيكِ شِعرًا

لا لأبكي

بل لأرسمَ

صورةَ التاريخ

في كفيكِ

في صلَواتِ قَلبكْ

في حقلِ روحكِ

أنتِ أيتُها الرشيدةُ،

كانت الصلَواتُ تبدأُ منكِ،

في الصلواتِ كنتُ

أرى بِلادًا في ثِيابكِ

في حُقول اللوز

تُزْهِرُ في شَبابِكِ،

في المَدى

عينايَ تنهَلُ

مِن مِياهِكْ


هامش :

(١)  «العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.

أسطورة الشاعرِ الرسّام

أسطورة الشاعرِ الرسّام

الشِّعرُ سِحرٌ يُفقِرُ العُمْرَ لكي يَغنَى الكلام

(حسين البرغوثي، من كتابه «مرايا سائلة»).

[كثيرٌ من الماء وقليلٌ من التراب، ثُمّ هواءٌ ونار.. هل هذه هي أنا، القصيدة الكونيّة؟ أم أنّني كائنٌ خُرافيٌّ تشكّل في مناخ لا علاقة له بتركيب الكائن البشريّ؟].

في الكتاب كانت القصيدة. القصيدةُ بحدائقَ كثيرة. حدائق لكائنات الوجود كلّها، للجنّ والإنس، للحيوانات والطيور والنبات والحجر. متحف للوجود يروي تاريخ تكوينه. طبقاتٌ من التاريخ المُذهل والمُدهش والباهر.

* * *

مذهولًا وقف الرسّام الشاعرُ، في زاويةٍ، يتأمّلُ بين الكلماتِ وبين الألوان، رأى صورتَه قَطرةَ ضَوء في هذا الكَون العِملاقِ، وليس يرى منه سوى قِمّتِه العملاقةِ.

أعمى كان، ويمشي في غابات مِن عتمته، ليس يَرى غير العتمةِ، والعتمة كانت من أرواحٍ وخيالاتٍ، من أشباحٍ ورؤى حُلُميّة.

مسكونًا برؤاه الأولى، كان يَرى ليلَ الكونِ ببعض أصابعه، ويراهُ بروحٍ هائمةٍ في فوضى لا يُدركُ مغزاها، أو معناها. يبني عالَمَهُ مِن كلماتٍ مثلَ الألوان، ومن ألوان كالكلمات، ولكن لا شيء «يقول» العالَمَ، لا شيء تُفسّره الكلمات.

مثلَ غريبٍ كان يُسائلُ عتمتَه عن عتمتِها، عن سرّ عَماء الكَونِ، وكيف يكونُ النُّورُ، وما سرُّ النار، وما «سرُّ الأسرار»؟

لم يسمع أيَّ جوابٍ مِن عتمتِه، ما في جُبّةِ عَتْمته غيرُ سُؤال يكبرُ، يكبرُ، يغدو جَبَلًا من أسئلةٍ، عن «بئرِ الأسرار».

يفتحُ ظِلًّا في نافذة الروحِ، يُطِلّ على بيت الظلّ، يرى صورتَه طِفلًا، يصرخُ: هل كنتُ أنا هذا الطفلَ؟ وكنتُ أرى؟

قال الظلُّ: نعمْ، أنتَ الطفلُ، وكنتَ تَرى. وأنا ظِلُّكَ ما زلتُ أراكَ، أرى روحَك إذْ تذوي في نيران الأسئلة الكَونيّة.. روحُكَ هذي سَوفَ تفيضُ، وسَوفَ تعودُ كما كانت شجَرًا وطيورًا وخُرافاتٍ.. ماءً وتُرابًا دون هَواءٍ أو نارْ.

وإلى الطين تعودُ، لذا، أبدًا، لن تعرفَ شيئًا، عن سرّ الأسرارْ.

الشاعرُ الرسّامُ قال لظِلِّه:

ما زلتُ أذكرُ ذلكَ الطفلَ الذي.. كيفَ اختفى؟ أيكونُ ماتَ؛ لذا يجيءُ إليّ في الأحلام؟ أم خطَفتْه جنّيّاتُ جَدّي حين كان يقودُه فجرًا إلى كهف الدراويشِ؟ الحِكايةُ سرُّها في روحِ جَدّي أيُّها الظِلُّ الذي في الروح يقطُنُ، أيُّها الجُنديُّ مِن كتُبِ الخُرافة، أيُّها الشرّيرُ يا ظلّي، و..يا صَوتي الأخيرْ.

طِفلٌ يعودُ إلى طفولته، يعودُ إلى خُرافَة جَدّه، ليقولَ ألفَ حِكايةٍ وحكاية، ويجُسَّ نبضَ الكَونِ، أو ليقيسَ بـ«الأسرارِ» كوكَبَهُ الصغيرْ.

الطِّفلُ يكبرُ، تَكبُرُ الدُنيا، وتَعلو حولَهُ الأمواجُ، والأسوارُ، تبتعدُ الطَريقُ عن الحياةِ، حياتِه، فيَضِلُّ.

ويَضل، يكبُرُ، ليسَ يرى الدروبَ، يرى الهَباءَ يَقودُه، ويغيبُ في الأمواج بين الثلج والنيرانِ، يغرقُ، ليسَ مِن روحٍ تراهْ.

هل مِن طَريقٍ للخُطى؟ هل من خُطى، لتخطَّ ليلَ دروبهِ، إلّا خُطاهْ.

الدربُ دَربي، قالَ، وامتشقَ الخُطى، قلبي سيفتحُها، وقلبي.. لا سِواهْ.

هُوَ قالَ لي: قلبي السَّفينةُ، وهْوَ يحملُني وأحملُه، ولو من غيرِ دربٍ، إنّ قلبي عينُ بوصلتي وفي كلّ اتّجاهاتي يُعلّمُني الوصولَ إلى دروبٍ دونَ وَجْهٍ واتّجاهْ.

قلبي الذي علّمتُهُ الطيَرانَ منذُ طفولتي، قد صارَ يَرعاني، يُعلّمُني، ويَغضَبُ حينما أمشي بعيدًا عنهُ، أهجرُه وأتّخذُ الدُّروبَ على هَوايَ، ولا أسيرُ على هَواهْ.

ويُديرُني، ويُريدُني لأظلَّ طِفلًا في مَرافئهِ، وأبحرَ أو أطيرَ على هُداهْ

يا قلبُ أتعبَني هواكَ، أريدُ أن أبقى وحيدًا، مرةً، أمشي بعيدًا عن هَواكْ.

يا قلبُ، لي أسْطورتي، أحتاجُ أنْ أمشي إليها مُفرَدًا صمَدًا، بِلا..كْ.

أسطورةٌ تمتدُّ آلافًا من الأعوامِ، مِن كنعانَ والفينيقِ، تعبرُ في شُعوبٍ، في صعاليك زنادقةٍ، وفي رُسُلٍ، وفي شُعراءَ أعرفُهم، أريدُ جحيمَهم، وأريدُهم لي كلَّهم، دَعْني أكلِّمْهُمْ، وتدخلْ روحُهم روحي، لأحْيا مِثلما روحي تشاءُ، فأكتبُ الدُنيا كما روحي تريدُ، قُبيلَ تأخذُني خُطاكَ إلى الهَلاكْ.

أحتاجُ قلبي صاحبًا، أحتاجُه طِفلًا يُعلِّمُني السِّباحةَ مثلما علّمتُهُ الطيرانَ يومًا، إنّنا طِفلانِ زنديقانِ من شِعرٍ ومن نورٍ هما طَيْرانِ في حُلُمِ المَلاكْ.

الشاعِرُ الرسّامُ أنْهى جَولةَ الحُلُمِ/ الخيالْ

الشاعرُ الرسّامُ عادَ إلى دفاترهِ ليقرأْ:

هذي القصيدةُ عذّبتْني، لم تكنْ ما شِئتُ، فالصُّوَرُ التي شاهدتُها بِخَيال روحي لم تُصَوّرْها القصيدةُ، هذه الكلِماتُ ليستْ لي، أريدُ حديقةً فتجيءُ لي بحريقةٍ، وأريدُ ألوانًا فتأتي مثل «مَولانا»، وتأتيني الجحيمُ مكانَ «جنّاتِ النعيم». كفى، فما هذا الذي أبغي، أردتُ قصيدةً كُرَويّةَ الأبعادِ مثلَ الأرضِ والتاريخِ، مثلَ حضارةٍ كُبرى..

ولكنْ، سوفَ، أبدأ من جديدٍ، سوفَ أرسِمُها بِخَطٍّ دائريٍّ، سوفَ أمنحُها الضَّبابَ، كما يليقُ بوردَةٍ أو عاصِفة.   

«هنا الوردة» لأمجد ناصر: أساليب سردية حديثة

«هنا الوردة» لأمجد ناصر: أساليب سردية حديثة

سواء كتبَ الكاتب – المبدع شعرًا أم نثرًا، مقالة أم رواية، فإنّ كتابته تجسّد هذا الجانب الإبداعيّ من شخصيته. هذا ما تمثّله كتابات أمجد ناصر، الشاعر والناثر، والروائي مجدَّدًا، أي مع روايته الجديدة «هنا الوردة» تحديدًا. فهي بقدر ما تنطوي عليه من لغة شعرية عالية، تمتلك أساليب السرد النثريّة الحديثة التي تُعنى ببناء الشخصيّة وما تحمله من «رسائل». هنا انطباعات من أجواء الرواية التي يمكن أن تعَدّ مكمّلة لروايتيه السابقتين، للوقوف على أبرز ما تحمله من «خطاب». مع «هنا الوردة» (دار الآداب، 2017م، وقعت في 222 صفحة)، نقف ابتداءً مع العنوان، وهو، كما يفسره أمجد ناصر، في حوار أجريته معه «ما يحيل إلى العنوان في الرواية، هو عبارة ماركس الحرفية: هنا الوردة فلنرقص هنا، التي يضعها في سياق صرخة الحياة بأنْ «لا عودة إلى الماضي»، وجدتُ -يقول الروائيّ- في هذه المقولة شيئًا شعريًّا وحُلميًّا في آنٍ: فالحياة هي نفسها التي تصرخ، أمام الوضع الذي يخرج، أو يتخلَّق من رحم المراوحة والتكرار قائلة: هنا الوردة (…) وهذه المقولة أشهر من أن تعرَّف، وقد استُخدمت في سياقات كتابية مختلفة».

لكن عن أيّ وردة «تحكي» رواية أمجد ناصر؟ هل هي وردة الجوري الحقيقية، نسبة إلى «جور فارس»؟ أم إنها مجازية تعبر عن «صرخة الحياة بأنْ: لا عودة إلى الماضي»، كما يقول أمجد؟ و«وردة الشاعر ووردة الحديقة»، فالأحمر هو «لون الدم والحب والثورة» كما في الرواية؟ أم ربما كانت هي التنظيم – الثورة، التي كان يُرجى منها التغيير، لكن محاولات التنظيم للتغيير باءت بالفشل، وانتهت بنهاية يونس. يونس الذي ظلّ يواصل «شغفه بقراءة قصص المغامرات، ولو من وراء ظهر رفاقه المنكبّين على أدبيات التثقيف الحزبيّ الجافّة، تلك الملخَّصات الكليَّة التي يراد لها أن تشفي العالم من آلامه الأرضية ونُواحه على كِسرة خبز وشربة ماء».

تبدأ الرواية بهذا التنبيه «هذه الرواية، مكانًا وشخوصًا ووقائع، عملٌ تخييليّ، وكل محاولة لمطابقتها بواقع ما، مضيعةٌ للجهد والوقت». وهذا التنبيه من مؤلّف الرواية أمجد ناصر، سنأخذه على محمل الجدّ، أعني أننا أمام عمل تخييليّ تمامًا، ولا نستطيع، بل لا يجوز أن نفكر بغير هذه العبارة، ولنأخذ الأمورَ كما هي، ولا حاجة للتأويل والتفسير. فالمهمّ أن نقرأ بقدر عالٍ من التركيز والانتباه، كي نلمّ بهذا المنجَز الروائي بوصفه رواية، وليس ذكريات، ولا هي بسِيرة للمؤلّف، لذلك نذهب إلى شخوص وحوادث هي من خيال الروائي ومن «صنيع روحه» كما نرى.

يونس الخطّاط: تمثيل جيل

نحن، ابتداءً، ومنذ الصفحة الأولى في الرواية، مع يونس الخطّاط الذي «لا يعرف أنّه سيموت بعد أيّام، أو يتجمّد… إلخ». والأهمّ، أن الروائيّ وضَعَه «في خضمّ التيار الذي يجرفه، فيما يظنّ أنه هو الذي يسبح». وبجملة كهذه يفتتح الروائيّ جانبًا من جوانب الشخصيّة الممزّقة لـ«بطله» يونس _ دون كيخوتة «المخدوع» بأحلامه – أوهامه، وعالمًا من عوالمه التي ستودي بحياته، في نهاية الرواية، حيث تلفّه عاصفة رملية صحراوية (فهل ابتلعته العاصفة ومات كما هي النبوءة في مطلع الرواية؟)، قبل أن يصل «برّ الأمان» في مدينة تطلُّ على البحر. ومن هنا ستبدأ هذه الشخصية تتكشف لقارئها عن «الأوهام القاتلة». هذا مفتاح أساسيّ لشخصية يونس، وخيط علينا متابعته لكشف المزيد من ملامحه المبعثرة والمتناقضة، التي ستدفع به إلى «بطن الحوت» كما النبيّ يونس. وما بين لحظة البداية، ولحظة نهاية يونس في ختام الرواية، تجري مياه وأنهار دماء، وتسفح لحظات ضعف وشكّ وقلق، لدى يونس وشخوص الرواية، بما فيها «الحفيد» حاكم «الحامية» الذي يتعرض إلى اثنتي عشرة محاولة اغتيال ينجو منها.

ونحن هنا مع روائيّ يجيد «صناعة» الحوادث والوقائع، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كما هي الحال في وضع الخطّاط أحمد كامل، والد يونس، في قصر «الحفيد» بمرتبة كبير الخطّاطين، ليتمكّن يونس لاحقًا، وكونه ابن كبير الخطّاطين في القصر، من إدخال «فريق قتل» إلى منصة خطاب الحفيد من أجل اغتياله، هذه المحاولة الفاشلة التي على أثرها يتشرّد يونس، ويلقى حتفه. وقد ظلّ يتساءل لماذا اختاره تنظيمه للقيام بهذه المهمة، ثمّ يجد الإجابة في كونه ابن رجل من رجالات القصر. ولكثرة التفاصيل التي تخص شخصية «البطل» يونس، وشدّة ثرائها دراميًّا، بل تراجيديًّا، سنحاول الاختصار لنتعرّف إليه، فهو مركز الرواية، سواء كان حالة فردية، أم تعبيرًا رمزيًّا عن أحوال جيل وهمومه وأحلامه/ أوهامه.

يفتتح الكاتب روايته بشخصية يونس، في فندق في مدينة «السندباد»، مدينة الشعراء التي يقال فيها: إنك لو ألقيت حجرًا سيقع على رأس شاعر، ولا جدوى من تحديد اسم المدينة، بقدر ما يعنينا أن نتابع رحلة يونس في المدينة، يونس هذا الشاعر الشاب، والمناضل السياسي، نلتقيه هنا وهو يحمل، في حذائه، رسالة سرية، من حزبه أو تنظيمه السريّ «إلى العمل»، في بلده، إلى قيادة التنظيم في الخارج، لكن محاولةً لاغتيال «الحفيد»، زعيم البلاد، تفرض على يونس اختيار المنفى. ورحيله عن «السندباد» إلى «المدينة التي تطل على البحر»، ثمّ محاولته العودة من المنفى، واختتام الرواية بالمشهد الفانتازيّ/ التراجيديّ في الصحراء، حيث يخرج قرينُه، أو هو ينفصل عنه، فبدا «كأنه يقاوم ريحًا شديدة».

الروائيّ المولع بوصف جماليّات المكان، وبالتفصيل، يوقف يونس في غرفته في الفندق، ليطلّ من نافذتها على الشارع، ويصف لنا محتويات الشارع الطويل، بلغة تقارب الشعر، خصوصًا حول العراقة المُغبرّة، والعزّ تُبديه تفاصيل صغيرة متلكئة في بعض المباني الذي يمزج الطرز المحلية القديمة والمؤثرات الخارجيّة، وتفاصيل أزمنة ولّتْ تكافح من أجل بقاء غير مضمون «تشبيكات خشبية، توريق جصيٌّ لنباتات وزهور وأشكال هندسية متداخلة، بلكونات عائلية مهجورة للضجيج والغبار. لفتت نظره دقّة الخطوط التي كتبت بها لافتات المَحالّ، فهي تُراوِح بين الثلث والتعليق والرقعة والديواني الغنوج… إلخ» (كأنّنا في شارع من شوارع دمشق القديمة!).

نعود إلى يونس بشخصه القلق، وهو ينتظر رسول التنظيم الذي تأخر، وكعادته ينفد صبره وتروح الأسئلة والشكوك تنهش روحه. ثمّ يلتقي قائد التنظيم ويحمل رسالة منه إلى قيادة التنظيم في بلده. وتحدث محاولة اغتيال «الحفيد»، فيهرب يونس لأنه أحد المشاركين في محاولة الاغتيال. يونس الذي يواظب على قراءة كتاب – رواية «دون كيخوتة»، بصفحاته الأربعمئة، تتنوع قراءاته «تعبيرًا عن التناقض بين الفكرة والشغف»، وثمّة «قراءات الليل» و«قراءات النهار»، وهو «حداثيّ في الشعر ويحبّ الروايات التقليدية…»، وهو يفضّل «قرابة الاهتمامات المشتركة»، الفكرية والأدبية – الشعرية، لا «قرابة الدمّ والأنساب» التي تفرضها «المصادفات البيولوجيّة». فهو يرى أن «الاختيار فعل الإنسان الحرّ»، ويؤمن بالفكر الذي يعتقد أنه سيغير العالم.

نظل مع شخصية يونس، وهذا الاهتمام بشخصية «دون كيخوتة» أو «الفارس حزين الطلعة»، بوصفه شخصية «ظِلّ» في الرواية، يحيل إلى ملمح من ملامح يونس، وربّما غيره من شخوص الرواية، فهل نحن أمام شخصيات، أولها يونس نفسُه، تحارب طواحين الهواء؟ تقتل الدجاج فيما هي تعتقد أنها تحارب جيوش الغُزاة؟

وإذا رأينا «هنا الوردة» رواية لجيل، بقدر ما هي رواية أفراد، وهذا ما يعتقده المؤلّف، فإنه يصحُّ القول: إن الشخصيات فيها عاشت في «الزمن الدون كيخوتيّ»، لكن ليس كمسخرة من هذا الزمن، وليس رسمًا كاريكاتيريًّا له، وإن كانت هناك مسخرة كتيمة فعلًا، ولكن بما كانت تستقيه من أحداث ووقائع زمانها وتصعّدها إلى مرتبة الحلم. كأنَّ الواقع، بهذا المعنى، كان حلم يقظة.. لكن من دون أن يدركه يونس. يونس الذي هو، من جهة ثانية «مزيج من العاشق والمتمرّد والمغامر والحالم الذي يمشي إلى هدفه الكبير، ولا يرى ذاته».

تجريد الزمان والمكان

وكما أن الأمكنة لا تعنينا، هنا، فإن زمن السرد لا يعنينا هو أيضًا، ولا يعنينا كذلك زمنُ وقوع حوادث الرواية، فذلك كلّه يجري التلميحُ إليه بواسطة بعض الأسماء التي قد تشير إلى أزمنة محددة، وأشخاص نعرفهم، وأمكنة مألوفة جرى «تغريبها»، لكنّ الأجدر بالاهتمام والعناية هو الوقائعُ نفسها، وأسلوب بنائها، كما هو الحال بالنسبة إلى بناء الشخوص الروائية، خصوصًا شخصية يونس، التي يُظهر بناؤها مقدرة فذّة في البناء، حيث تبرز «حيويّة» الشخصية وواقعيّتها من جانب، وبعض ملامح الفانتازيا من جانب آخر، كما تبرز «تراجيديّتُها» في غير مستوى، تحديدًا في النهاية المأسوية حين تبتلعه رمال الصحراء، سواء كان الأمر كابوسيًّا أو واقعة حقيقيّة.. كذلك الأمر فيما يتعلّق بطبيعته «الانفصامية» والانقسامية بين الشكّ واليقين، والإقامة في منطقة القلق، كما ذكرنا سالفًا. وعلى الرغم من تجريد الزمن من واقعيّته في الرواية، فإنني أميل إلى أنه زمن شديد الواقعية، حيث الرواية تشير إلى بعض الوقائع العربية المعروفة، لكن الروائيّ أراد حمل القارئ إلى زمن، بل أزمنة، تجعل الرواية عملًا أدبيًّا وفنيًّا، لا سيرة أو مذكّرات. إذ لو أنه حدّد الوقائع بزمن وتاريخ محدّدين، لبدتْ الرواية أقرب إلى السيرة، أو السيرة الروائية، وهو ما أعتقد أن أمجد ناصر حاول تجنبه وتحاشيه، ونجح في ذلك.

جماليّات الخطّ العربي

يستثمر الروائي اسم عائلة يونس، أي الخطّاط، أو أنّه «يصنعه»، ليغوص في عالم الخط الجميل، فيترك يونس يستذكر تاريخ عائلته، ويقدّم الخطّاطين من العائلة، بدءًا بالجدّ نور الدين الخطّاط، الذي جاء إلى «الحامية» بصحبة «الجنرال الأصهب»، حين كانت الحامية لا تزال جزءًا صغيرًا من «الإمبراطورية الشاسعة»، وسبقه في عالم الخطّ جدّ والده وجدّ جدّه، فقد كان الخطّ حرفةً يجري توارثها. وفي هذا الجانب من الرواية، يُظهر الروائيّ معرفة عميقة وواسعة في جماليّات الخطّ العربي وتاريخه وملامحه وأبرز أنواعه. بل يتوقف عند الدور «غير التزيينيّ أو الزخرفي» للخط، حيث بات يلعب دورًا في «النضال»، ومصدرَ انبعاث لثقافة وحضارة عربية كادت الإمبراطورية تقضي عليهما. ففي تناوله هذا الجانب الجماليّ الفنيّ، يعرّج الكاتب على بروز الحركة القومية العربية، في مواجهة عنصرية «الإمبراطورية» وتمييزها ضد الأعراق، في عاصمتها «السندباد»، ثم انتقال الخطّاط نور الدين إلى الحامية، ويتسلّم مهمة تخطيط مجلة للحركة القومية الناشئة، ثمّ يتزوج وينجب أبناء خطاطين، من أبرزهم والد يونس، لكن يونس الذي حمل اسم الخطّاط لم يكن خطّاطًا، بل اتّجه إلى الشعر والسياسة. لكنه يحمل من «إرث الخط» معرفة بأنواع الخطوط: الثلث والتعليق والرقعة و«الديواني الغنوج»، وكلّها «منفّذة بمزاجٍ فنيّ رائق وحِرفيّة عالية وتنافس خفيّ لأيدٍ تحوّل بعضها، على الأغلب، إلى تراب…».

تأمّلات الروائيّ

وبقدر ما تتّجه الرواية إلى الوصف التفصيليّ للوقائع والشخوص، والسرد البطيء والهادئ، فإنها تمنح التأمل مساحةً وافيةً، فلا سردَ من دون تأمّلات في كلّ تفصيل من التفاصيل، أو صورة من الصور التي يحفل بها السرد. وفي هذه التأملات، يجري تناول قضايا دقيقة في العلاقات الإنسانية والسياسية، بما فيها صراعات القوى والأحزاب الدينية والمدنية والسياسية عمومًا، ويظهر في السرد دور بعض القوى الدينية في حماية «الحفيد». وعلى مستوى آخر، وفي مشهد معبّر، نرى يونس في بهو الفندق الذي يقيم فيه، حيث تظهر امرأة أجنبية، فيبدو حضورها «نافرًا» وفريدًا وسْط مجموعة من الريفيّين يكادون يأكلونها بأعينهم، فيرى يونس (والروائيّ) في هذا المشهد فرصة للتأمّل في فكرة «كيف يبدو العاديّ، خارج نسيجه واعتباراته، غير عاديّ بالمرّة، كيف يكتسب حضورًا وثِقلًا قد لا يتوافر عليهما في سياقه الطبيعيّ، فيبدو كأنّه طفرة، وكيف يشفُّ عن جوهرٍ ليس من لدُنْه، أو كأنّ هذا الجوهر النفيسَ كان جوهرَه طوال الوقت، ولكنّنا لم ننتبه إليه من قبل إلّا عندما وُضعَ في حالة ندرة».

وأخيرًا، يجيد الروائي صناعة الشخصية الروائية على مهل، ولعلّ خير مثل على ذلك هو بناء شخصية يونس نفسه، حيث اختار له «شلّة» من الوسط الثقافيّ – السياسيّ، وهو العالَم الذي يعرفه المؤلف جيدًا، بحكم اشتغاله في الثقافة والسياسة، واختار له أن يكون شاعرًا، ليكون قادرًا على الخوض والغوص في هذا العالَم، وجعل منه شخصَ التناقضات كما هي حال الشعراء جميعًا، أو أغلبيتهم. ليس هذا فقط، بل ربّما ليتمكّن من التهكّم والسخرية منه ومن بعض المثقّفين في شلّته أدعياء الشعر والثقافة.

قصائد ابن الورد

قصائد ابن الورد

٭

أمشي وراءَ اسْمي،

أعلّمُه الكتابةَ والغناءَ،

وخلفَهُ أمشي، يعلّمني الحياةْ

٭

عرفتُ الدربَ نحو اسْمي،

عرفتُ: الرّيحُ تحملُني إليهِ،

عرفتُ أشلاءَ المُغنّي في دَمي،

وعرفتُ أنّي سوفَ أجمعُها،

لأكتبَ سِيرتي الأولى،

وأجمعَ مِن شَظاياها..

حروفَ اسميْ

٭

عرفتُ الدربَ نحوَ اسْمي،

قرأْتُ دُروبَهُ ومشيتُ،

كان القلبُ مِصبــاحي

رأيتُ دمًا على الطُّرُقات،

ظِلّي كان مَشنوقًا على الحِيطان..،

كان اسْمي

حُروفًا مِن غُبارٍ بعثرتْها الريحُ،

في مُدُن الصّفيحِ،

وفي الخِيامِ،

وفي قِطاراتِ الغُروب،

وفي شِتاءاتٍ بلا نار،

وشمسٍ دونما مأوى..

٭

أريدُ اسْمًا يُخبّئُني،

شِتائيًّا ثقيلًا كَيْ يُدفِّئَني،

ويَحميني مِن النّيرانِ والطّلقاتْ

أريدُ اسْمًا ربِيعيًّا خفيفًا،

مِن زُهور اللوزِ،

واسْمًا للنّخيلِ.. الحُرّْ

٭

وكَتَبْتُ أسْماءَ الرّبيعِ

كتَبْتُ أسْماءَ الخَريفِ،

كتَبْتُ أسْمائي وأشْلائي،

لأعْرِف مَنْ أكونُ أنــا،

كَتَبْتُ، وما عَرَفْتُ..،

كَتَبْتُ أيّامي فُصولًا

للصَّباحِ/  وللظّهيرَةِ/  والمَســاءِ

لأعْرِفَ السّاعاتِ/  والأيّامَ

أهْذي/  أو أغَنّي /

كَيْ أرانــيْ

أو سأكتُبُ أيَّ حُلْمٍ

أكْتُبُ القُبُلاتِ والأحلامَ

أكتُبُ ليلَكِ المَخْمورَ بالأشْواقِ

كُوني كَيْ أكونَ، نكونَ

إنّي عاشِقٌ لِلكَونْ

٭

طويلًا..

حفرتُ على اسْمٍ يُلائمني،

وعميـقًا حفــرتُ لأرسُمَـهُ،

ألفَ عامٍ حفرتُ، رسمتُ،

وجُبتُ العواصمَ حتّى اهتَديتُ،

وأيقنتُ أنّي ابتعدتُ، وتهتُ،

وأدركتُ «بالقَلبِ»

أنّي أنا اسْمي

٭

في الدرب جَدّي/  جَدّتي

وكأنّما الـطوفانُ يقتلعُ البيوتَ،

كأنّما الحيتانُ تبتلعُ اللآلئَ والشواطئ

في الدرب كان أبي وأمّي،

كانت الغربانُ تنعبُ في الخرائب،

كانت الأوطانُ تمشي في اتّجاه المَوت،

تأخذُنا إلى أسماءِ مَن صاغوا قواميسَ البِلادِ من الأساطير،

استفقْنا في الطريقِ إلى الفراغِ، كأنّنا أعداؤنا، نمشي إلينا،

ثمّ عُدنا، عادت الروحُ العليّة، من سَماوات الخَواء إلى جحيمِ الأرض، عُدنا، كي نُعيدَ إلى الطبيعةِ ما تشاءُ من العُذوبة والطَّهارة والغِناءِ، وظلّت الدنيا تدورُ بنا كما دارتْ بِمَن سَبَقوا، فدُرنا في الهَباءْ

٭

مِن أينَ جاءَ اسْمي إليّ،

أنا المُشرّد في البَراري والجِبالِ،

ولمْ أعَمِّر في البِلاد سِوى خَرابٍ،

ليس لي في الأرضِ أيُّ عِمــارةٍ آوي إليها

عندما تَجتاحني ريح الشّمال،

أنا الذي، من ألْفِ عامٍ دُونما اسْم

يدلّ عليّ قلبي،

أو يدلُّ دمي على رُوحٍ أسَمّيها.. بِلاديْ

٭

مِنْ أينَ يأتي اسْمي

إذا لمْ تَزْرَعيهِ في ثِيابِك،

وَرْدَةً في صَدْرِكِ الشَّجَريِّ،

واسْمي العِطْرُ مِنْ نَهْرَيــكِ يَدْفُقُ،

وَهْوَ حَقْلٌ مِنْ حُقولِ يَدَيْكِ،

ظَلَّلَني قُرونًا بِاسْمِكِ السِّحْريِّ،

يَغْمُرُني بِحَوْضٍ أبيضٍ مُتَوَسِّطٍ

كَحَدِيقَةٍ سِرّيةٍ لِلعِشْقِ،

واسْمي نَجْمَةٌ مِنْ ضَوْءِ عَيْنَيْكِ المُبارَكَتَينِ،

باسْمِكِ سَوف أصْعَدُ سُلَّمَ الأسْماءِ،

باسْمِكِ سَوفَ أهْبِطُ بِئرَ أسْمائي وأنْهَلُ،

مِن حُقولِكِ سَوفَ أقْطِفُ وَرْدَ أسْمائي..

وأنْحَــتُ مِنْ تُرابِ القَـلْبِ أسْمـاءَ الرَّبيـعْ

واسْمي الذي،

مِنْ طِينِ «حَتّا»* رُوحُهُ،

مِنْ بِئرِها أمْطارُهُ وسَنابِلُهْ

يا تِينَ أسْمائي ويا زَيْتونَها البَرِّيّ،

يُزْهِرُ في دَمي النُّوّارُ،

تُزْهِرُ في السَّماءِ بَلابِلُهْ

واسْمي الذي من وردِ قلبي

جاءني في الحُلْمِ،

أعطاني حِكاياتي وأسمائي:

بلادُ التّينِ والزَّيتونِ،

واسْمي مِن بلادِ الناي،

أنْهارٌ وغاباتٌ، مُحيطاتٌ،

ولاسْمي ألفُ فلّاحٍ وبَنّاءٍ،

وفي قَلْبي تُشادُ سَلاسِلُهْ

واسْمي الزَّمانُ، أخُو المَكانِ،

وبُرْجُ أضواءٍ ومُوسِيقا، وزَعْتَرْ

واسْمي عَلى جَبَلٍ صَباحًا،

في المَساءِ يكونُ في الواديْ،

وبَيْنَهما أنا سَهْلٌ، وحَنّونٌ، وبَيْدَرْ

واسْمي أنا بَحْرٌ

ومِينائي مُحيطٌ هائجٌ،

وسأرسِـلُ الأمـواجَ،

أمواجي، لتَهبطَ في رَبيعِكْ

   

واسْمي رَبيعٌ للحَدائقْ

واسْمي حُقولٌ للزَّنابقْ

فَلْتَحْفَظي يا شَمْسُ أسْمائي

احْفَظي يا أرْضُ

قامَتِيَ الجَميلَةَ

واحْفَظيني يا سَماءُ

بِكُلِّ أيّامي القَليلةْ

واسْمي أنا..

ما اسْمي إذا جُنَّ النَّهارُ؟

وما اسْمُ مُوسيقايَ في القُبَلِ.. الأغانيْ؟

واسْمي سأكْتُبُهُ مِنَ الأحْلامِ،

مِنْ عَيْنَينِ كالغاباتِ في قَلْبيْ،

ومِنْ عَسَـلٍ وجُـوريٍّ و.. شــامْ

واسْمي غِناؤكِ في الصّباحْ

أنا مَنْ رأى في الشّامِ ضَوْءَ دِمَشْقِها

أنا مَنْ يرى فيها نَدى الأيّامِ

يا شامُ عادَ إليكِ

وَهْجُ الياسَمينُ الشّامي

هلّا تَعـــودُ لِعِطْـــرِها.. أيّــامي؟

في الصّالحيّة عُدْتُ أشربُ قَهْوتي

في باب تُوما زَهْرَةُ الأحلامِ

وأنا الفلسْطينيُّ

مِنْ شــامٍ دَمــيْ

ودِمَشْــق قَلْبــــيْ

وأنا رأيتُ الشّامَ تَصْعَدُ

والرّياحُ تطيرُ مِن أعطافِها قُبَلًا

كأنَّ الربَّ يَرْسمُ وَجْهَها

واسْمي بلادُ الشّامْ

مِنْ أينَ أبدأ يا بلاديْ؟