القوى الغربية العظمى ستواجه فظاعة موقفها الأخلاقي أثناء امتحان الوباء

القوى الغربية العظمى ستواجه فظاعة موقفها الأخلاقي أثناء امتحان الوباء

ما يجعل وباء كورونا يسبب الشلل للحياة المعتادة هو الخوف من المجهول وليس قدرة الوباء على القتل. حتى لحظة هذه السطور (الثلاثاء 31/3/2020م) ما زال عدد المصابين في العالم أقل من مليون شخص، وأعداد الوفيات لم تصل إلى خمسين ألف نسمة، بالمقارنة قتل الغزو الغربي مليون عراقي وعراقية، وشوَّه وعوَّق مليونين، ويَتَّمَ ورمَّل وشرَّد ملايين لا تُعرَف أعدادهم. المقارنات الإحصائية توضح أن الإنسان هو القاتل الأكبر وليست الأوبئة مهما تفاقمت وانتشرت. الفارق هو أن قتل الإنسان للإنسان بأعداد هائلة يدرّ مكاسب اقتصادية ضخمة من مبيعات السلاح ونهب الآثار والثروات والمتاجرة بالمخدرات والبغاء وغير ذلك.

أمام وباء كورونا انكمش العالم إنتاجيًّا وتجاريًّا وسوقيًّا وسياحيًّا، فتوقفت العولمة الجائرة، وارتعدت فرائص المتجبرين الأقوياء على الفقراء الضعفاء؛ لذلك نستطيع استشراف نعمة مقبلة محتملة بعد انحسار الوباء، هي معرفة الإنسان لحدود قدراته ولطغيان شروره في تخطيطه للمستقبل، وأنه بجرة قلمٍ قَدَرِيَّة غير متوقَّعة تتحول إلى الضعف والهلع واهتزاز القدرة على التفكير الطامح للوصول إلى الإنسان السوبرمان. اهتزاز ثقة الإنسان في نفسه يدفع إلى الرجوع إلى الإيمان بالخالق وقدراته وعلى انتهاج عولمة إنسانية حقيقية. لكنني لست من المتفائلين بذلك. الإنسان بطبعه منقسم بين غرور الثقة في الرخاء، والرهاب الانهياري وقت الامتلاء، وهذه طبائع تنطبق على الفئات والمجتمعات والدول عبر كل التاريخ.

* * *

تحديات كورونا لمجتمعات العولمة والعولمة نفسها ثلاثة أنواع، منها العاجل ومنها المؤجل. التحدي السياسي لمفاهيم الانتخاب والحكم وتمثيل الشعوب، ثم التحدي الاقتصادي بانكشاف مخادعة النخب الاقتصادية والدولة العميقة وسهولة انهيارها أمام الأزمات المفاجئة مثل كورونا. وهذان التحديان هما العاجلان، وبدأت المواجهة معهما خلال أزمة كورونا. أما التحدي الثالث (الآجل) فهو التحدي الأخلاقي، أي تحدي الضمير والمكون النفسي الاجتماعي، وكل نوع يحتاج إلى تفصيل.

أما الأول، التحدي السياسي: فكشفت كورونا للمجتمعات التي خرجت منها العولمة أن تلك المجتمعات أدارتْ مقدراتِها المالية والإنتاجية والصحية والترفيهية نخبٌ سياسية أوهمتْها بشعارات الديمقراطية الليبرالية كأفضل أنواع الحكم لخدمة الصالح العام. عند المواجهة المفاجئة مع كورونا مارست النخب السياسية في أكثر الدول المعولمة التدليس في الوعود والتوقعات والأرقام وعجزت عن توفير أبسط متطلبات التعامل مع الأوبئة مثل الكمامات والقفازات وأجهزت الإنعاش إلى آخره.

ببساطة لم تثبت النخب السياسية الديمقراطية الليبرالية المعولمة قدرة مقنعة على إدارة الأزمة؛ بسبب تقاسم السلطات والصلاحيات من الأحزاب المتآلفة والمتعارضة، كما انكشف أن السياسيين كانوا مجرد أتباع للنخب الاقتصادية في الدولة العميقة.

أما التحدي الثاني: فكشف كورونا مرة ثانية أن النخب الاقتصادية كانت تدرُّ الأموال لجيوبها الخاصة، وعند المواجهة لم تكن هناك أموال بل ديون فادحة على الوطن، تستقطع بفوائدها من كدِّ المواطنين. وكشف كورونا أيضًا عن تسخير النخب الاقتصادية برامجَ الانتخابات السياسية ومن تفوز بها لصالحها، إنها تشتري ولاءهم مثل فوزهم، وأن الحقيقة المعروفة منذ أزمنة الإقطاع ما زالت ماثلة في مجتمعات العولمة، وهي امتلاك 1% من المواطنين 90% من الأموال والثروات، ويتعارك التسعة والتسعون من الشعب على الواحد من المائة المتبقية من الثروة الوطنية.

المعنى في ذلك هو أن تلك الأنظمة لم تحقق عولمة عادلة ولو جزئيًّا داخل مجتمعاتها الخاصة نفسها، بينما غزت العالم الخارجي بالإعلام الإيجابي وبالقوة الغاشمة وبالابتزاز الاقتصادي، لعولمة أسواقه ومؤسساته الإنتاجية وحركة أمواله، والتهديد بالمقاطعة والحرمان من المشاركة في الأسواق العالمية إن لم يتعولم.

ابتزاز العالم الأول أو ما يسمى كذلك قبل كورونا للعالم الثاني والثالث بتصوير الديمقراطية والليبرالية وعولمة الاقتصاد والأسواق انكشف داخل مجتمعاته وخارجها بضربة الفشل القاضية أمام كورونا. بناء على هذا الانكشاف سيتوجب قسرًا على مجتمعات العولمة الأول البحث عن أنظمة حكم وإدارة اجتماعية واقتصادية جديدة.

أتوقع أن حملة ألوية التغيير في الدول الكبرى المعولمة ستكون من طلائع الشباب الجامعي والمثقفين والفنانين الملتزمين وأساتذة الفلسفة الاجتماعية. في خضم البحث عن التغيير الإيجابي ستحصل اختراقات اجتماعية عندهم لصالح العنصريات القومية والعرقية، لكنها ستفشل سريعًا بسبب حاجة الدول بعضها لبعض وتخليق مفاهيم جديدة باتجاه عولمة أخلاقية عادلة يستفيد منها الجميع.

بقي التوضيح أن انكشاف النخب الاقتصادية في العالم المعولم سيتسارع بإفلاس شركاته وبنوكه ومؤسساته العميقة، وتسريح العمال والموظفين وانتشار البطالة الواسعة والعجز عن دفع المرتبات والتعويضات ومعاشات التقاعد. انكشاف العالم الأول المتغول بالعولمة الرأسمالية المتغولة سيكون (منطقيًّا) لصالح المجتمعات الآسيوية النشطة الناجحة مثل الصين وكوريا واليابان.

باختصار وباء كورونا يتيح الفرصة لقارة آسيا لتصحح الغلطة الاستعمارية الغربية منذ القرن السادس عشر وما سببته من نهب وحروب وانتهاكات. هل تعني هذه التوقعات سقوط الغرب وتحوله إلى العالم الثاني بعد الصين واليابان وكوريا؟ لا أعتقد ذلك؛ لأن الثقافة الغربية وخصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، تمتلك طاقات وإمكانات هائلة للتصحيح. علينا أن نتذكر كيف استطاع الرئيس الأميركي الحازم روزفلت إطلاق المارد الأميركي للرد على هجوم بيرل هاربر، ثم دخول الحرب العالمية الثانية وحسم الانتصار النهائي له ولحلفائه.

أتوقع بعد انحسار كورونا أن تسقط الحكومات الفاسدة في الغرب وتحدث نقلة دستورية باتجاه أحزاب ومواصفات انتخابية أكثر شفافية وأخلاقية، وأن يصبح الغرب فعلًا منافسًا لآسيا الناهضة وليس سيدًا للعالم كما كان.

بخصوص التحدي الثالث للعولمة والمعولمين المؤجل إلى ما بعد الوباء:

ستواجه المجتمعات الغربية ثم القوى العظمى التقليدية، فظاعة موقفها الأخلاقي أثناء امتحان الوباء، تجاه كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة، وإهمالها لطبقاتها الاجتماعية المهمشة أثناء انتشار كورونا.

الأمراض النفسية ستشهد ازديادًا غير مسبوق وخصوصًا بين الأطباء والطواقم الصحية التي خضعت لأوامر السياسيين والاقتصاديين فطبقت تعليمات مخزية تجاه الحق في الحياة والعلاج. منذ الآن يتحدث بعض الأطباء الغربيين والحقوقيين عن كونهم أُجبِروا على القيام بدور الإله الخالق في اختيار من يستحق البقاء على قيد الحياة ومن يُحرَم منها.

الأعراض النفسية والشعور بالذنب ستواجه كذلك أعدادًا كبيرة من الشباب ومن شاهدوا جداتهم وأجدادهم وعاجزيهم يُحرَمون من العلاج لصالح فئاتهم الشبابية ولم يحتجوا على ذلك. حالات الانتحار والطلاق وتفكك الهياكل العائلية من المتوقع أن تشكل التحدي الأخلاقي لمجتمعات العولمة بعد انحسار الوباء وعودة الوعي الاجتماعي. باختصار تحديات كورونا لمجتمعات العولمة ستكون عاجلًا سياسية واقتصادية وآجلًا أخلاقية.

* * *

الانهيارات الأخلاقية الواسعة بالذات ستفتح أبوابًا واسعة لعلماء النفس وأطبائه وللشعراء وكُتّاب المسرحيات وصانعي الأفلام الدرامية للإبداع. الإبداع سيكون لديه من الحقائق والتجارب التي حصلت في كل العالم ما يكفيه لإشغال كل المواهب بالحقائق والوقائع مثل البحث في المتخيل الميتافيزيائي. واقع الإنسان البائس اقتصاديًّا واجتماعيًّا وعائليًّا ونفسيًّا بعد عبور الكارثة سيفتح سماوات وبحارًا وأراضيَ لكل أنواع الإبداع التعبيري عن هشاشة الإنسان ونفاقه وخداعه لنفسه.

ولكن هل ستكون في ذلك عبرة ناجزة للأجيال التي ستولد بعد أجيال الكارثة ولم تشاهدها، ذلك ما أشك فيه. هل أعبر في ذلك عن أفكار شخص مصاب بالذهان التشاؤمي، إنني لا أعتقد ذلك. مرت على البشرية أوبئة فتاكة وحروب مدمرة وكوارث طبيعية مزلزلة، فلم تزدد إنسانية ولا إيمانًا، بل ازدادت كفرًا وعقوقًا وتدميرًا للبيئة والطبيعة والكائنات الفطرية.

وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬السعودية‭ ‬تستهدف‭ ‬الموهوبين‭ ‬بمبادرات‭ ‬ثقافية‭ ‬للإفادة‭ ‬من‭ ‬العزلة

الفيصل

أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة، التابعة لوزارة الثقافة السعودية، مبادرات ثقافية عدة، إحداها بعنوان: «أدب العزلة»، تفاعلًا مع التدابير التي فرضتها وزارة الصحة للحد من انتشار فيروس كورونا. وتهدف المبادرة إلى استثمار أوقات البقاء في المنزل، عبر حفز الموهوبين والموهوبات على ممارسة الكتابة والإبداع الأدبي والتدوين. وتسعى المبادرة أيضًا إلى توظيف العزلة في إنتاج مشروع أدبي لتوثيق الأحداث الحالية، وخلق حال من التفاعل المجتمعي على وسائل التواصل الاجتماعي لبث روح الأمل والتفاؤل، وإلى اكتشاف المواهب الأدبية لإثراء المشهد الأدبي السعودي. فالعزلة التي يعيشها المجتمع السعودي ومعظم دول العالم حاليًّا فرصة للاختلاء بالذات والتعبير عن المشاعر ومحاورة الأفكار.

ووضحت هيئة الأدب والنشر والترجمة آليات المشاركة في المبادرة عبر طرائق عدة؛ منها التفاعل مع هاشتاغ #أدب_العزلة عبر كتابة نص أدبي، أو إرسال نصوص أدبية طويلة عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك. وكانت هيئة الأدب أكدت أن المشاركة في المبادرة متاحة لجميع المواطنين والمقيمين في السعودية.

ومن المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة مبادرة «فيلم الليلة»، فسعيًا إلى استثمار أوقات العزل الوقائي، أطلقت الوزارة مبادرة «فيلم الليلة»،التي تحتفي بمنجزات صناعة الأفلام السعودية، وتبث خلالها فلمًا سعوديًّا واحدًا كل ليلة.

كما أطلقت الوزارة «مسابقة التأليف المسرحي»، وهي مسابقة تُعنى بالحفز على كتابة النصوص المسرحية في المملكة؛ من خلال دعم النصوص الفائزة؛ لإنتاجها وإخراجها بشكل إبداعي وعرضها محليًّا وعالميًّا عبر برامج استثنائية وحصرية.

وتتضمن المسابقة مسارين، يمكن للكُتَّاب والمواهب السعودية تقديم مشاركتهم من خلالها؛ أولهما: مسار النصوص المسرحية، ويركز على النصوص المسرحية التي تعتمد على الحوار والأداء الحركي والسجال بين الممثلين. أما ثانيهما: فهو مسار نصوص مسرحيات الأطفال، ويركز على النصوص المسرحية التي تعتمد على الخيال الواسع والمبالغة والحوارات الفكاهية البسيطة التي يتخللها لوحات غنائية راقصة.

تتنافس المشاركات المرشحة والمطابقة لشروط وأحكام المسابقة على خمس جوائز في كل قسم، التي سيجري تحكيمها من خلال لجان تحكيم مختصة.

ينتهي التقديم في يوم 30 يونيو المقبل، ويبدأ تحكيم المشاركات خلال المدة من 1 إلى 29 يوليو، ويُعلَن عن الفائزين يوم 30 يوليو، وسيكرَّمون في حفل ختامي للمسابقة يصاحبه عرض مسرحي. ويحصل الفائز بالمركز الأول على 70,000 ريال سعودي، والمركز الثاني على 50,000 ريال سعودي، والمركز الثالث على 30,000 ريال سعودي، أما الفائز بالمركز الرابع فيحصل على 20,000 ريال سعودي، والمركز الخامس 10,000 ريال سعودي.

إضافة إلى ذلك، قال المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة عبدالكريم الحميد: إن مبادرة «أدب العزلة» التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة «حققت أهدافها وحفزت الكثيرين على المشاركة في إنتاج إبداعات أدبية شملت اليوميات وفن القصة والقصة القصيرة والنصوص الشعرية، التي قُدِّمت من خلال المنصة الإلكترونية للمبادرة .https://engage.moc.gov.sa/isolation، وهاشتاغ خاص بالمبادرة».

وأضاف الحميد أن المبادرة «كان لها الأثر الكبير في تشجيع المواهب الإبداعية للتعبير عن مشاعرهم في فترة العزلة، التي دائمًا ما تكون حافزًا على ظهور روائع أدبية».

أما مسابقة التأليف المسرحي فأوضح الحميد أن هذه المسابقة أُطلِقتْ من المسرح الوطني، «وتعد فرصة للمسرحيين وعشاق الكتابة المسرحية للمشاركة وإبراز مواهبهم في فترة العزل الوقائي»، مشيرًا إلى أن وزارة الثقافة من خلال هيئاتها الثقافية أطلقت أيضًا مجموعة من المبادرات التفاعلية؛ لاستثمار فترة العزل الوقائي التي تمر بها المملكة.