الأنثروبولوجيا في مواجهة الصراع السوري: وضع المجتمع في قلب التحليل

الأنثروبولوجيا في مواجهة الصراع السوري: وضع المجتمع في قلب التحليل

تعد الحرب لحظة فارقة في تاريخ المجتمعات والحضارات، يتقوض فيه النمط المعتاد للحياة اليومية، ويزول على أثرها ما كان مألوفًا. وإلى جانب ذلك لا تقف الحرب على الضحايا من مدنيين وعسكريين، وإنما أيضًا تتعداه إلى تدمير التراث وتقويض العمران. ولقد دفعتنا الأنثروبولوجيا إلى إعادة قراءة المشهد السوري وفق الدمار المادي الذي لحق البلاد وما تبعه من تهجير وتشريد وخلخلة للنسيج المجتمعي. هذه الدراسة التي كتبها الباحث في الأنثروبولوجيا والمختص في المسألة السورية تيري بويسيير، تكمن أهميتها في كونها لا تستند إلى تحليلات وقراءات تقدمها وسائل الإعلام، إنما نابعة من صلب تجربة ذاتية؛ فالكاتب عاش مرحلة مهمة في حياته في الشرق الأوسط، وكان لسوريا نصيب كبير في كتاباته. لقد انطلق من ذاتية الباحث التي تنشد موضوعية البحث، إذ إن سوريا كانت تمثل بالنسبة له، لمدة ربع قرن المكان الذي تكوَّنَ وبحث وعاش فيه.

يتطرق الباحث في هذه الدراسة إلى آثار الانفتاح الاقتصادي الذي كانت له تبعات مهمة وواضحة في حياة السوريين، وكيف برزت فئات اجتماعية وزالت أخرى. ويؤكد في هذا السياق الذي يتسم بتغييرات سوسيواقتصادية وثقافية من جهة، وحصار سياسي من جهة أخرى، أن اندلاع مظاهرات شعبية في مارس 2011م، يجب تحليلها، أولًا وقبل كل شيء، كمطلب عفا عليه الزمن، في التوافق مع مجتمع في أوج التغير والتحول. وأن رد الفعل المدمر للنظام لهذا الطلب يمكن وصفه بمحاولة لاستبدال مجتمع لم يعد مطابقًا له، مجتمع لا يستجيب لشروطه بآخر يتماشى أكثر مع آليات عمله السياسي، أي مجتمع يكون أفراده عملاء ملزمين وتابعين عوض أن يكونوا مواطنين فاعلين.

تعيش سوريا منذ مارس/ آذار 2011م أزمة إنسانية سياسية واقتصادية لا مثيل لها، ناتجة من «الصراع الكلي» الذي تسبب في نتائج مدمرة للمواطنين من جهة، وللبنى التحتية والتراث من جهة أخرى، والتي سيبقى أثرها راسخًا في التاريخ مدة طويلة حتى بعد انتهاء الحرب. فمنذ أكثر من أربع سنوات، لا نعيش فقط على وقع دمار مادي للبلاد وعلى تقطيع أوصال أراضيها، بل أيضًا على تقلب طبيعة نمط المجتمع والركائز التي يقوم عليها المجتمع.

إن الأنثروبولوجيا، كبقية مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، تجد نفسها مهتمة بصفة مباشرة بهذه الوضعية الاستثنائية: فكيف نتعامل علميًّا مع التغير الراديكالي والكارثي الذي لحق بالأحوال اليومية المعيشية والعملية للمجتمع السوري؟

ما فاعلية الأنثروبولوجيا في وضعية كهذه والحال أن جزءًا من شرعيتها المنهجية والعلمية ينبني على كيان وبناء علاقات طويلة الأمد على الميدان وعلى تسليط الضوء حول ممارسات وتمثلات وتخيّلاتِ الأفراد والجماعات؟ ما المنزلة التي يمكن أن تحضى بها في سياق تفشي خطابات «خبيرة» حول بلد يدمر أكثر كل يوم بسبب الأزمة؟

أنثروبولوجيا حضرية واقتصادية في بلاد «البعث»

بهدف محاولة تقديم بعض الإجابات عن هذه الأسئلة، أفضل الانطلاق من تجربتي الشخصية كعالم أنثروبولوجيا حيث كانت سوريا تمثل بالنسبة لي، لمدة ربع قرن المكان الذي تكونت وبحثت وعشت فيه. لقد بدأ ذلك خلال يوم من أيام فبراير سنة 1990م حين قدمت في سيارة أجرة جماعية من عمان في الأردن ﻷول مرة إلى دمشق. بدعوة من المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، كنت قد أتيت حينها للقيام ببحث دكتوراه تحت إشراف جان ميترال حول الفلاحين الحضريين القاطنين على ضفاف نهر العاصي. كان حينها لدمشق ذات المليون ونصف نسمة مظهر العاصمة الريفية بعماراتها غير المرتفعة وحركة السير القليلة، والأسواق التي تفصح عن تدابير تقييد الاستيراد الموضوعة من طرف النظام البعثي منذ 30 سنة تقريبًا. الاقتصاد المخطط مركزيًّا والهشّ، سيترك بالرغم من ذلك مكانه لصالح «اقتصاد السوق الاجتماعي» الذي تستفيد منه المدن على حساب الأرياف والضواحي الحضرية، مما يؤسس للأزمة السياسية الحالية.

وفي سنة 1990م على الرغم من ذلك، كان المجتمع السوري حينها لا يزال يتسم نسبيًّا بالمساواة. إذ إنه كان مراقبًا من «المخابرات» وكان منظمًا في آن واحد بآليات قيادة عمومية: (نقابات، وتعاونيات شراء، ومنتوجات مدعومة، إلخ…) وبأشكال حماية عائلية وقبلية ومجتمعية وعقائدية قديمة ومجددة. هذه الأشكال وجدت نفسها مدعومة بفوضى واضطهاد واستبداد النظام، وهو ما جعل السوريين يلجؤون إلى حماية «بين ذاتية» مع تسخير مؤسسات النظام لأماكن إعادة توزيع موارد خدمة العملاء. هذا التعزيز لمجموعات الانتماء صار على عكس المشروع البعثي الأولي الذي كان يهدف إلى خلق مواطن عربي جديد متخلص من انتماءاته التقليدية، إضافة إلى أن النظام الأسدي اشتغل هو الآخر على السجل العقائدي مع أغلبية معطاة للجماعات العلوية، أغلبية بالكاد تكون معدلة بداية من 1990م من خلال الانفتاح باتجاه البورجوازية السنية.

إن الأبحاث الميدانية التي قمت بها حتى أكتوبر 1995م في مدينة قصير الصغيرة في سوريا (Boissière, 1995, 2007) التي كانت تعيش مرحلة انتقالية، وفي أسواق المدن الكبرى المحيطة بنهر العاصي (Boissière, 2005) كانت تندرج في إطار استكمال الأبحاث التي قام بها عالم الجغرافيا أنور نعمان (Naaman, 1951) وعالمَا الأنثروبولوجيا فرانسواز وجان ميترال (Métral 1989, 1990). ولكن قليلة هي الأبحاث التي تتناول بشكل مباشر مسألة العلاقة بين المدن والمناطق شبه الحضرية الزراعية. وعلى الرغم من أنه منذ مدة طويلة زودت هذه المدن السورية أغلبية سوريا ومدن الشرق الأوسط بحاجاتها من غلال وخضر من خلال رعاية واستغلال المناطق الزراعية القريبة، تلك التابعة لحمص ولحماة الواقعة على ضفاف نهر العاصي والمملوكة من حضريين معروفين، حيث كانت مزروعة من عمال بساتين قاطنين في المدينة كانوا يمثلون مجموعة حضرية، مهنية، معروفة ومنظمة. إضافة إلى كونها تمثل مساحة للإنتاج، كانت الحدائق تمثل في الوقت نفسه فضاء للحياة العائلية والاجتماعية المألوفة، حيث كانت تقاليد الدخول والسلوك شبيهة بتلك التي تطبق في علاقات التجاور في المدينة.

كانت حدائق حمص وحماة أماكن زراعة مختلطة تقليدية مرتبطة بالمدينة والأسواق العتيقة التي تمثل أحد المكونات الثلاثة الأساسية للهوية الحضرية، وذلك إلى حدود الخمسينيات والستينيات. لكن بعد ذلك تبوأت الأسواق مكانة ثانوية في تزويد المدن التي ارتفع عدد سكانها بصورة كبيرة ووجدت بالتالي نفسها مهددة بالنمو الحضري.

لقد دفع تدهور الاقتصاد الرسمي للدولة ابتداء من سنة 1986م إلى تشجيع النظام للاتجاه نحو رؤوس الأموال الخاصة، كما قام بإصلاحات هيكلية وبانفتاح اقتصادي. وقد تسببت هذه التدابير في تفاقم الفوارق الاجتماعية والجهوية وفي اختلال التوازن بين المدن والأرياف وبين المراكز والأطراف / الهامش، لقد تم وضع نيوليبرالية مستبدة (O. Dahi, Y. Munif, 2011) أو رأسمالية المحاسيب (F. Balanche, 2006) حيث كان عملاء النظام يمثلون 5% من السكان، وفي مقابل ذلك كانوا يستحوذون منذ ذلك الحين على 50% من الثروات. في هذا السياق الذي يزداد فيه عدم المساواة، كنت قد اهتممت بالإستراتيجيات الاجتماعية التي يعتمدها الأفراد لتعزيز وتنويع اكتساحهم الموارد الاقتصادية. [1]. ان هذا العمل الذي هو نتاج لبعثات انجزت بين 2000-2003م وبخاصة في دمشق، حول موظفي القطاع العمومي وعمال البناء قد مكنني من تخيل ممارسات التعبئة التي تطورت حينها واستعانت بالأشكال القديمة، والجديدة أيضًا، للتعاون والمشاركة: أنشطة متعددة فردية أو عائلية، صناديق تضامن عائلية، جمعيات ربحية، مدخرات جماعية، مداخيل فلاحية مضافة، إلخ. كشفت هذه الإستراتيجيات عن إبداع الفاعلين الاجتماعيين واستقلالية شبكات «الحماية المباشرة» (R. Castel, 2003)
وأشكال التعاون المتبادل والمشاركة التي تمثل العديد من عناصر الترابط الاجتماعي الذي تعتمد عليه الدولة لتخفيف آثار الإصلاحات الهيكلية المفروضة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وكان من بين أبرز آثار الانفتاح الاقتصادي في التسعينيات ما بين 1990-2000م هو تطور المساحات التجارية؛ إذ صارت التجارة بوصفها نشاطًا مربحًا وعنصرًا مهيكلًا للفضاء الحضري، محليًّا كان أم منفتحًا، في ظرف خمس عشرة سنة، إحدى المكونات الرئيسة للاقتصاد الحضري. وقد تمحورت الأبحاث التي قمت بها حول هذا الموضوع بين 2006-2010م في إطار عمل فردي أم جماعي حول دمشق وحلب. (Boissière & Anderson, 2014a ; Boissière, 2014b) بوصفها نشاط عيش صغيرًا قائمًا أيضًا على المجازفة، تندرج التجارة ضمن إطار توجه جهوي ودولي للتبادلات التجارية وأيضًا تحولًا ملحوظًا لطرق الاستهلاك والعقليات، ولكن على عكس ما حصل في أوربا في الستينيات والسبعينيات فإن تطور أنواع تجارية جديدة في سوريا كالمغازات الكبيرة لم يقلص من أهمية الأسواق القديمة والأحياء التجارية التقليدية لمراكز المدينة. إذ تزامن نمو النشاط التجاري مع تنوع العرض مما يمثل انعكاسًا للتفاوت والفوارق الاجتماعية التي صارت تؤثر في المجتمع السوري.

إن هذا المسار البحثي الاستثنائي على ترابط وثيق مع بعض مقومات التطور والتغيير الاقتصادي والاجتماعي اللذين لحقا بسوريا في العقدين الأخيرين. كما أنه يؤدي، مثله مثل المسارات الأخرى، إلى إدراك الأزمة العميقة التي يمر بها النظام: فقدان شرعية، احتكار وخصخصة الدولة ومواردها من أقلية، فجوة متزايدة بين النظام والمجتمع الذي أصبح أكثر انفتاحًا الآن وأكثر استقلالية ومع تطلعات سياسية واجتماعية جديدة. على الرغم من أنه غير قادر على التنبؤ بحجمه الحالي، ولكن تمرد مارس 2011م هو نتيجة لعملية تفكك العلاقة ومسار انهيار الرابط بين النظام وجزء كبير من المجتمع.

الأنثروبولوجيا أمام اختبار الحرب

أحد الأسس المنهجية للأنثروبولوجيا هو الاستثمار الشخصي للباحث في هذا المجال، وهذا الاستثمار طويل الأجل يفتح معرفة من شأنها أن تمكنه من بناء معرفة شخصية عميقة بالجماعات المدروسة. انطلاقًا من حدائق نهر العاصي وأحياء دمشق وحلب ومراكزهما التجارية مرورًا بدراسات إستراتيجيات العيش الاجتماعية في دمشق، مكنتني الأثنوغرافيا من الاطلاع على بعض جوانب الحياة اليومية للشعوب المعنية مما أظهر في كل الأحوال ممارساتهم اليومية. إن ملاحظة ومراقبة نشاطات محيط أو مجموعة مهنية ما سواء كانت فلاحية، معيشية أو تجارية من شأنه أن يمثل نموذجًا لطريقة تنظم بعض فئات المجتمع السوري وتكوينهم بالتالي للمجتمع، ونعني هنا مجتمعًا تفاعليًّا، قادرًا على وضع إستراتيجيات، وعلى بلورة خطط عمل متعددة إن كانت مرتبطة بالنظام أو مستقلة عنه، وبالتالي مجتمع مرتبط بأماكن وميادين وفضاءات التحرك من جهة وبدوائر وشبكات تشتغل على مستويات مختلفة من الأكثر محلية كالحدائق والمغازات والجوامع والكنائس والأحياء إلى نطاق أكبر كالمدن والبلدان والأقاليم.

إن هذا المجتمع السوري البعيد كل البعد عن الجمود عرف أيضًا بداية من سنة 2000م تسارعًا في التطورات الاجتماعية بالمقارنة مع العقد السابق، من بينها نشأة شباب حضري متعلم، مستهلك ومنفتح على العالم بإمكانه التوفيق بين الانتماءات التقليدية والأشكال الجديدة للهوية، ولكنهم شباب مكرس لمواجهة العمالة الناقصة ومآلهم البطالة، كما أن مستقبلهم يرتبط بقدرتهم على الدخول أو عدم الدخول في منطق النظام (Vignal, 2012).

في هذا السياق الذي يتسم بتغييرات سوسيواقتصادية وثقافية من جهة، وحصار سياسي من جهة أخرى، اندلعت في مارس 2011م مظاهرات شعبية، يجب تحليلها، أولًا وقبل كل شيء، كمطلب عفا عليه الزمن للنظام السياسي في التوافق مع مجتمع في أوج التغير والتحول. إن رد الفعل المدمر للنظام لهذا المطلب يمكن وصفه بمحاولة لاستبدال مجتمع لم يعد مطابقًا له، لمجتمع لا يستجيب لشروطه بآخر يتماشى أكثر مع آليات عمله السياسي، أي مجتمع يكون أفراده عملاء ملزمين وتابعين عوض أن يكونوا مواطنين فاعلين.

إن الحرب الشاملة التي فرضها النظام على جزء كبير من المجتمع السوري تمثل لهذا الأخير صدمة كبيرة تطرح مسألة قدرته على الاستمرارية وعلى الصمود، إذ ينتج عن العدد المرتفع للضحايا بين مدنيين وعسكريين واللاجئين والمشردين داخل البلاد وتشتت العائلات وجماعات بأسرها، وتدمير الأحياء وأجزاء كبيرة من التراث الحضري وشراسة الحرب والوحشية القصوى للاضطهادات ولردات الفعل على هذه الاضطهادات والظروف المعيشية القاسية، كل هذا يبدو أنه لا يؤدي فقط إلى تفتيت وخلل المنظومة الاجتماعية والسياسية الموجودة منذ عقود وتقسيم جغرافي للبلاد ولكن أيضًا خطر تفكك بنية المجتمع كما كان موجودًا قبل مارس/ آذار  2011م.

في مواجهة هذه التقلبات والاضطرابات يجد عالم الأنثروبولوجيا نفسه أمام خطر فقدان بعض المعايير والآليات التي كانت تسمح له حتى تلك اللحظة بـ«قراءة» المجتمع السوري وفهم دوافعه وتطوراته. فالصراع بوصفه قطيعة كبيرة… يدمر الماضي والذكريات (أثناء بناء ذكريات جديدة) ويقتل الحاضر بشكل حرفي ويجعل المستقبل ضبابيًّا وغير واضح. فتجد بالتالي العلاقة بين الفضاء والمجتمع نفسها متزعزعة ومهددة بسبب التشريد والنزوح الجماعي للشعب واختفاء أماكن عيشه ووجوده. إن الأشخاص الذين كان علماء الأنثروبولوجيا يحاورونهم والذين كانوا على علاقة وثيقة بهم على مر الأبحاث والسنوات لم يعودوا متاحين او اختفوا، فعدد كبير من الأماكن التي أجريت فيها الأبحاث قد هدمت ودمرت خلال الحرب أو صار النفاذ إليها منذ ذلك الحين مهمة شبه مستحيلة. فحتى الحدود السورية وجزء كبير من البنايات الوطنية الموروثة منذ زمن الانتداب وما بعد الانتداب صارت محل جدال. إذ كل المعارف المتراكمة لدينا حول المجتمع السوري تجد نفسها محل تساؤل بسبب الحرب ومهددة بالتقادم، بالرغم من هذا بإمكاننا التساؤل عما تمكننا معرفة المجتمع من فهمه بخصوص الراهن السوري، ولكن خاصة كيف لنا أن نجدد هذه المعرفة وندرج ضمنها تطورات صارت الآن مفروضة بالعنف والموت واختفاء مقومات المجتمع؟

كيف لنا أن نبني معرفة أنثروبولوجية (جديدة) بهذا المجتمع المدمر وكيف لنا أن نربط هذه المعرفة المجددة بتلك المنشأة قبل الحرب؟

وضع المجتمع السوري في قلب تحليل الصراع

إن إشكالية زوال المجتمعات وبالتالي موت الموضوع الرئيس للبحث الأنثروبولوجي حاضرة منذ زمن طويل في المجال الذي ينبني في جزء كبير منه على فرضية حتمية اختفاء المجتمعات التي يدرسها وذلك منذ القرن 19. وبكون الأنثروبولوجيا تدعم بشدة مبدأ وحدة الفصيلة البشرية وتنوع الثقافات على عكس النظريات العرقية لتلك الحقبة فهي تعلن في آن واحد اختفاء ذلك التنوع وبالتالي اختفاء موضوع بحثها. بالتالي فقد أعطت الأنثروبولوجيا نفسها مهمة مراقبة ودراسة وتجميع وإنقاذ مجتمعات جامعي الثمار الصغيرة في إفريقيا وأوقيانوسيا والأمازون المهددة بالاندثار أمام التقدم المدمر للحضارة الغربية من النسيان، فمسألة موت المجتمعات وزوالها لطالما كان في قلب وصميم مشروع البحث الأنثروبولوجي المبكر.

ولكن في القرن العشرين مَكَّنَ تسليط الضوء على الديناميكيات الاجتماعية والثقافية من تجاوز هذه النظرة التشاؤمية الأولية، وجعل من التغيرات الثقافية والاجتماعية أحد أهم ركائز البحث الأنثروبولوجي بعد أن كانت لا تمثل سوى مظاهر اندثار مستقبلي، وفي خضم عالم كوني ومتكيف ومتحول يتسم باستمرارية تجدد أشكاله الاجتماعية والثقافية لم تعد إشكالية موت المجتمعات تطرح بالطريقة نفسها التي كانت تناقش بها في القرن التاسع عشر، فصرنا نفرق بين«التحولات الاجتماعية والثقافية»
والاندثار المادي للمجتمعات.

مع ذلك، فإن عددًا من علماء الأنثروبولوجيا المعاصرين يواجهون العنف السياسي والصراع المسلح والفوضى في ميادين أبحاثهم (في أوروبا الشرقية وأفريقيا وأميركا الجنوبية والعالم العربي). وهذا يثير مسألة التأثير الوحشي لهذه الصراعات على المجتمعات التي شملتها الدراسة، وعلى هيكلتها، وأشكالها التنظيمية، وتاريخها وذاكرتها الجماعية، وعلى قدرتها على التكيف والتأقلم وبقائها على المدى القصير، ولكن أيضًا على الممارسة الأنثروبولوجية نفسها: فكيف نبني ميدان بحث في مجتمعات تواجه عنف الحروب ودمارها؟ ما فائدة الأنثروبولوجيا في سياق الحرب والموت والتقتيل الطائفي؟ تفرض إذًا هنا بقوة إشكالية التورط العاطفي والسياسي للباحث وآثاره في عملية البحث الأنثروبولوجي وموقفه المهني الأخلاقي. يطرح إذا تساؤل مدى التأثير العنيف لهذه الصراعات في المجتمعات المدروسة وهيكلتها وطرق تنظيمها وتاريخها وذاكرتها الجماعية وقدرتها على التأقلم والتكيف وعلى عيشهم في مدة زمنية قصيرة من جهة وعلى الممارسة الأنثروبولوجية في حد ذاتها من جهة أخرى.

إن صعوبة أو استحالة دخول الباحث الغربي إلى الأراضي السورية ليقوم ببحث إثنوغرافي “عادي” يجعل تصور طرق استقصائية جديدة تختلف عن تلك التي عهدتها الأبحاث الأنثروبولوجية ضرورة ملحة، فيجد الباحث نفسه مضطرًّا للفصل بين الوجود في الميدان والمعرفة ولإعادة تقييم و تكييف وفي بعض الأحيان تجديد صيغة البحث والعلاقة بالميدان، فقد أقام بعض الباحثين مدة قصيرة في مناطق محمية نوعًا ما وعلى هامش الحرب، ولكنها مهمات على غاية من الخطورة والتعقيد وتتأثر بتقلبات عديدة، فهي شبيهة بتلك التي يقوم بها مراسلو الحرب، وبالطبع فهي بعيدة كل البعد عن ظروف وتطلبات عملية البحث الإثنوغرافي المألوفة التي تستوجب خاصة الإقامة مدة طويلة في ميدان البحث.

ومن ناحية أخرى، فإن مواقع التواصل الاجتماعي والسكايب «Skype» تطرح في المقابل إشكالية جدوى “الأنثروبولوجيا عن بعد”، فهذه الشبكات الاجتماعية تتيح لنا كمية مهمة جدًّا من الوثائق (فيديوهات وصور ونصوص) الموضوعة يوميًّا على الإنترنت. إن ذلك شكل من أشكال “الأنثروبولوجيا عن بعد” التي تستوجب التثبت من المعلومات المتحصل عليها بهذه الطريقة، فمثلاً السماح بالنفاذ إلى مواقف سورية نادرة وبالتالي لا يجعل من «Skype» وسيلة معفاة من التدليس والتحريف تمامًا كالتلاعب بصناعة المعلومة والمعادلة التقريبية وعدم دقة المعطيات المتحصل عليها واستحالة التثبت منها أو مراجعتها. فشهادة شخص ما مهما كانت درجة مصداقيته لا يسمح سوى بالحصول على وجهة نظر من الصعب وضعها في سياقها عن بعد: فمن وماذا تمثل وجهة النظر تلك في الحقيقة؟ بيد أنه في الظروف العادية تندرج شهادة المخبر الميداني ضمن سياق سوسيولوجي واضح، في حين أن شهادة “مخبر سكايب” وحده قبالة كاميرا skype خاصته ومراسله عن بعد تبقى معزولة ويصعب التثبت منها ووضعها في سياق معين ومراجعتها. فهي بالتالي تفتقر إلى الدقة وبعيدة عن الخلفية الاجتماعية التي تستمد منها شرعيتها. كما يجد عالم الأنثروبولوجيا نفسه في مواجهة كثرة وتنوع المعلومات على الإنترنت؛ فالفيديوهات والصور والشهادات المتوافرة على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع نشر المعلومات تسهم في مضاعفة الخطابات والتحليلات وتحيك بصفة دائمة أحداثًا وتعطيها معاني على غاية من التنوع وعادة ما تكون متناقضة.

فكيف يكون التعامل مع هذه المعطيات؟ وما الطرق التي يمكن اتباعها للنفاذ إلى مصادر معلومات موثوقة؟

وأخيرًا، فإنه يوجد سوية أخرى قد تكونت من جديد على هامش الحرب في مخيمات اللاجئين في تركيا ولبنان والاردن وأيضًا على طول دروب اللجوء إلى أوروبا. فإشكالية المخيمات والهجرة تدرج النظرة الأنثروبولوجية في بعد جهوي/ إقليمي يتجه بشكل متزايد نحو العولمة مما يسمح له بتطوير نظرة غير مركزية في علاقة بالأحداث الواقعة والتي تجري في سورية. إنّ سورية هذه ذات المنفى القسري تمثل منذ هذه اللحظة ميدان بحث جديدًا مهمًّا ويمثل موضوع بحث على غاية الأهمية. إذ نجد في البلدان المجاورة “سورية صغيرة” مبتورة من أرضها ومن جزء من تنوعها السوسيولوجي، ولكن البحث حولها يسمح بالنفاذ إلى أنماط الوجود والتنظيم الاستثنائيين للاجئين الذين يتحولون أكثر فأكثر نحو مجتمع كلما ازداد ترسخ أكثر في الزمن، وأيضًا إلى شهادات قيمة على الأحداث التي وقعت في سورية، وعلى الحرب وعلى ظروف العيش.

لا توجد طريقة واحدة للاستقصاء لعالم الأنثروبولوجيا الغربي الذي يريد مواصلة أبحاثه حول سورية زمن الحرب سوى عبر الاقتراب المحفوف بالخطر أو التعامل عن بعد أو على الهوامش واللامركز. فيجب عليه أن يضاعف أشكال وتقنيات النفاذ إلى المعلومة وأن يقترب أكثر من سورية، وأن يقوم بمقاربة مع مجالات أخرى كالعلوم السياسية والجغرافيا، وأيضًا مع بعض الأعمال الصحافية. ولكن في الوضعية السورية يبدو أن النقاشات سيطرت على المراقبة والمشاركة المباشرة. فهل يجب علينا إذًا العودة إلى المقابلات التي تتم “خارج الميدان” التي ينظمها بعض أفضل “علماء الأنثروبولوجيا” من نزلهم وبالتعامل مع السكان المحليين الذين يقومون بدعوتهم؟ في سياق الحرب والعنف الشديد قليلًا ما يكون عالم الأنثروبولوجيا من يرى ويسمع بنفسه ما يرويه وما يقوم بسرده وتحليله، ومن الصعب أن يكون هو بنفسه الشاهد المباشر والمبجل للمجتمع الذي يطرح له قراءة تجريبية طبعًا ولكنها متسمة ومشرعة بالتجربة المباشرة مع الميدان.

مع الحصار والغلق المأساوي لمختلف منافذ المعطيات السورية، نجد أنفسنا في مواجهة الاستهزاء والترهات وانعدام الدقة وغياب خصوصية طرق البحث المعتمدة في شتى فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية. إن تضييق المنافذ وتقييد الوصول إلى أراضي هذا “الثقب الأسود” الذي تصير إليه سورية شيئًا فشيئًا يخلق نمطية فيما يخص طرق الاستقصاء، فلا نفرق في هذا السياق بين الصحافيين وعلماء الاجتماع والسياسة والأنثروبولوجيا.

المجتمع وصورة الضحية الضعيفة

على الرغم من هذه الملحوظة، إلا أنه يبدو لي أن الإسهام في التمشي والنهج الأنثروبولوجي أساسيًّا واستثنائيًّا بما أنه هو الوحيد الذي يضع المجتمع في قلب تحليل الصراع السوري. إننا نشهد منذ مارس 2011م تدفقًا إعلاميًّا لخطابات “الخبراء” حول سورية والتي هي نتاج عمل جامعيين ومراقبين وصحافيين لا يمتلكون عادة سوى تجربة ضئيلة وقصيرة في المجتمع السوري، وهي خطابات تفضل قبل كل شيء ردات فعل ساخنة، فورية وسارية المفعول حول الحرب، وتكون ردات الفعل تلك والتحليلات سياسية وجيوستراتيجية بالأخص، مبجلة السياق الجهوي، وعادة ما يكون المجتمع السوري مقصى من دائرة اهتمامات هذه الخطابات. وحين يظهر المجتمع يكون في الخلفية لا يتجاوز صورة الضحية الضعيفة للتدمير وللتشريد وللمذابح، وهذا لا جدال فيه، ولكن قليلًا ما يظهر في صورة الفاعل في معيشته اليومية وفي الأحداث الكبرى كالمسيرات السلمية الحاشدة خلال الاشهر الاولى للثورة التي كانت على شكل تنظيمات مدنية تنادي باسقاط النظام.

ولكن على الرغم من المصاعب التي تعترضه لتحيين معطياته الميدانية، لا يزال بإمكان عالم الأنثروبولوجيا أن يعتمد على معرفته بالمجتمع السوري وطريقة عمله ليعطي معنى للأحداث الجارية، وليقترح بذلك إطار تأويل يتجاوز الوضع الراهن ويندرج في إطار طرح ثقافي واجتماعي وتاريخي عميق. وذلك ما يحصل بخصوص المقاربة الانثروبولوجية للهويات العقائدية والإثنية التي سريعًا ما وضعت في قلب المناقشات والطرح الإعلامي للعنف في سورية. برفض كل التأصلات يركز البعد الأنثروبولوجي، على العكس، على البعد السياسي والتاريخي بالتوسع في تحليل ديناميات الحركات المجتمعية بوصفها وسيلة تعبئة، وهيمنة وتلاعب عوض أن تكون حقيقة ثابتة وغير خاضعة للزمن، فإنها تذكر بأن الانتماءات الإثنية أو العقائدية لا تمثل سوى واحد من المكونات الأساسية للهويات الفردية والجماعية التي هي بديهيًّا تعددية وتندرج ضمن آليات اجتماعية، سياسية وعلائقية معقدة. وقد صنعت هذه اﻵليات من الأحداث المعيشة جماعيًّا ومن قصص الحقد أو الصداقة أو الغيرة أو التحامل القديمة، ومن إستراتيجيات التباين أو على العكس من إستراتيجيات التطابق ولكن أيضًا من التعاملات اليومية العديدة في الإطار السكني والمهني والعام، حسب الأماكن وعلاقات الجوار طويلة المدى سواء كانت هذه الأخيرة جيدة أو سيئة.

وبالتالي فان الهويات هي قبل كل شيء علائقية، ولا يمكن لها أن تقتصر على الإطارين العقائدي والاثني فقط، ويجب أن تحلل في الوقت نفسه حسب السياق الراهن وحسب سياق آخر أوسع وأكثر عمقا ألا وهو السياق التاريخي الاجتماعي المحلي والوطني. ان هذه النزعة للتعبئة تسمح للانثروبولوجيا في السياق الملموس والعام بأن تؤكد على أهمية التضامن وعلاقات الجوار في عيش المجتمعات المدنية وفي اﻹستيطان والحشد والتقسيم الكبير للكتائب المتمردة في إطار الجيش السوري الحر أولا و في إطار فصائله المتنافسة العديدة.

يسهم عالم الاجتماع بالتالي في الكشف عن قدرات المؤسسات الاجتماعية على المرونة والتأقلم وتنسيب الحقيقة التي هي نتاج انهيار المجتمع السوري خلال وبسبب الحرب. إن الحرب تؤثر في المجتمع وتسهم في تحولاته ولكن ليس لدرجة أن تقوم بتشويهه لتمحى معالمه، وأن تقلص فاعلية هياكله ومؤسساته الاجتماعية بصفة عامة. ولكنها تسهم في تأسيس الهويات الجديدة التي هي في طور النشأة داخل الحركة الاحتجاجية والتي تمثل جيلًا بأكمله من الشباب السوريين الذين سيبقى قدرهم مرتبطًا بنضالاتهم في المعارضة.

إن الأنثروبولوجيا تشهد إذًا بالترابط بين وضعية المجتمع التي تلت 2011م وراهنه الدرامي. كما تشهد بما كان عليه المجتمع وبما آل إليه وما سيصير إليه مستقبلًا، وبما يحافظ على استمراريته على رغم التدمير. على الرغم من بعض التحاليل التي لا تعنى سوى بالراهن، تركز الأنثروبولوجيا على أهمية العودة إلى التاريخ الاجتماعي في دراسة هذا الواقع المتقلب والمتجدد.

إن الحاضر، بما أنه زمن البحث، يكون أيضًا لحظة ومكان تمفصل وتراكم وتجمع مراحل زمنية وانقطاعات. هذه “المقاربة التاريخية للمعاصر” تدعم فرضية التعايش المشترك في الحاضر لمختلف الأنظمة المؤقتة داحضة بالتالي فكرة وجود قطيعة في النظام الرمزي للمجتمع وفي علاقته بالماضي، حتى ذلك القريب. كما أنها تسمح بتجاوز حدود قراءة ذات اتجاه واحد وذات بعد واحد حول الصراع السوري الذي يتمحور حول العمليات العسكرية، وتطور علاقات القوى في الميدان. قراءة لا تأخذ إذًا في الحسبان الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرمزية والتاريخية لإنتاج “حاضر العصيان”.

فعالم الأنثروبولوجيا يركز بالتالي على قدرة المجتمع السوري في الوقت الحالي على مقاومة التدمير وتقطيع الأوصال والتقسيم، ولكن أيضًا على قدرته على تحيين الأشكال الاجتماعية القديمة أو اختراع أخرى جديدة ليس فقط للاستمرارية الاقتصادية ولكن أيضًا لبناء يومي ناجع ومقبول اجتماعيًّا وسياسيًّا على الرغم من العنف، على مستوى يكون أحيانًا في غاية من المحلية: في إطار العائلة أو مجموعة صغيرة من الجيران أو من الأصدقاء، في عمارة أو في شارع أو نادرًا وبصعوبة في الحقيقة على مستوى مدينة أو جهة ما.

إن مسألة أشكال التعاون والتشارك والتنظيم كما هي موجودة بنوع ما من الفاعلية وبكثير من المصاعب، في المناطق المحررة من قوات النظام أو من وجود جهاديي الدولة الاسلامية “داعش”، تسمح بالتساؤل حول مرونة مجتمع سنحت له الحرب باكتشاف نفسه في الوقت الذي تقوم بتهديده بالتدمير، إذًا يمكن للأنثروبولوجيا أن تضع المجتمع السوري في قلب تحليل الصراع باقتراح قراءة جديدة بنّاءة وغير قائمة على الأشكال التقليدية للانتماءات: (نسب، مجموعات تضامن، جماعات، قبائل، عقيدة، طائفة). وبأخذ الأشكال الجديدة للتعبئة والتحركات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الحسبان: (شبكات مناضلين وناشطين، هيئات تنسيق محلية، جماعات تعاون، إلخ..)، التي يمكن من خلالهم أن تتكون جماعات سياسية جديدة وشكل جديد للمواطنة السورية. كما يمكن لها أيضًا أن تهتم بمسائل إلى حد هذه اللحظة نادرًا ما تناقش في الاختصاصات الأخرى التي تدرس الراهن السوري كميكانيزمات أحداث العنف مثلًا فردية كانت أم جماعية: كيف بالإمكان قتل غرباء وجيران القرية على حد السواء؟ ما اﻵليات الاجتماعية والثقافية التي تتحرك في هذه الجرائم وتعطيها معنى؟ كيف تطبق سياسة الترهيب عمليًّا على الميدان؟ كيف يتأسس “مخيال التبرير” من جهة الجلادين وحسب أي صيغ (سياسية، دينية، أيديولوجية، وهمية)؟

إن أنثروبولوجيا المجتمع السوري زمن الحرب من شأنها أن تسمح بإعطاء معنى لما يبدو لا معنى له (المذابح، الاغتصابات، التقتيل، التهديم والتدمير الأعمى)، وأيضًا بتسليط الضوء على كل ما فشل في سير عمل مجتمع، حيث العيش المشترك يبدو بالرغم من ذلك ثابتًا ويحضر لما بعد الحرب ولأحوال إعادة بناء اجتماعية يجب عليها أن تقترن باﻷساس بإعادة بناء مادية، هذا إن لم تسبقها وتحددها. كل الصعوبة التي تواجهها هذه الأنثروبولوجيا، مثلها مثل العلوم الاجتماعية الأخرى المهتمة بالحرب السورية، تكمن كما يرى هاميت بوزارسلان (2011م) في فهم هذه الانقسامات والتدمير وإعادة التشكيل الراديكالية، ليس فقط كوضعيات فوضوية ولكن أيضًا كعناصر من شأنها أن تصل في آخر مسار طويل ومؤلم لا أحد يتقنه حاليًّا، إلى تأسيس نظام اجتماعي وسياسي جديد.

______________________________________________________________________________________________________

مصدر الدراسة

– https://journals.openedition.org/remmm/9237

– Baczko Adam, Dorronsoro Gilles, Quesnay Arthur, 2013, « L’administration civile de l’insurrection à Alep », Noria, 24 octobre 2013. [En ligne]
http://www.noriaresearch.com/2013/10/24/ladministrationciviledelinsurrectionaalep/

– Balanche Fabrice, 2006, La région alaouite et le pouvoir syrien, Paris, éditions Karthala, 313 p.

– Boex Cécile, 2012, « Montrer, dire et lutter par l’image. Les usages de la vidéo dans la révolution en Syrie », in Vacarme no 61, 22 octobre 2012, [En ligne] http://www.vacarme.org/article2198.html

– Boex Cécile, 2014, « Usages, techniques et supports de l’iconographie dans le mouvement de révolte en Syrie », Cultures & Conflits, à paraître.

– Bianquis AnneMarie, 1989, La réforme agraire dans la Ghouta de Damas, Damas, Ifead, 151 p.

– Boissiere Thierry, 1995, « Les Hawakir de Qousseir, jardins potagers et cultures maraîchères dans un village de Syrie centrale », Bulletin d’Études Orientales, xlvii, Damas, IFEAD, p. 6980.

– Boissiere Thierry, 2004, « Agriculteurs urbains et changements sociaux au MoyenOrient », in Joe Nasr et Martine Padilla (dir.), Interface entre l’agriculture et l’urbanisation dans le bassin méditerranéen, Beyrouth, Ifpoéditions Delta, p. 2947.

– Boissiere Thierry, 2005, « Précarité économique, instabilité de l’emploi et pratiques sociales en Syrie », REMMM, « Le travail et la question sociale au Maghreb et au Machrek », dossier dirigé par E. Longuenesse, M. Catusse, B. Destremau, no 105106, p. 135151.

– Boissiere Thierry, 2005, Le jardinier et le citadin. Ethnologie d’un espace agricole urbain dans la vallée de l’Oronte en Syrie, Damas, Institut Français du ProcheOrient, 450 p.

– Boissiere Thierry, 2007, « Jardins des villes de l’Oronte », in B. Dupret, Z. Ghazzal, Y. Courbage, M. AlDbiyat (dir.), La Syrie au présent. Reflets d’une société, Paris, Arles, Sindbad, Actes Sud, p. 99109.

– Boissiere Thierry, Anderson Paul, 2014a, « L’argent et les affaires à Alep. Succès et faillite d’un « ramasseur d’argent » dans les années 19802009 », in J. C. David, T. Boissière, (dir.), Alep et ses territoires. Fabrique et politique d’une ville (18682011), Beyrouth, Presses de l’Ifpo, 590 p.

– Boissiere Thierry, 2014b, « Entre développements des espaces de commerce et mutations urbaines, le quartier de ‘Aziziyé à Alep » in J. C. David, T. Boissière (dir.), Alep et ses territoires. Fabrique et politique d’une ville (18682011), Beyrouth, Presses de l’Ifpo, 590 p.

– Boissière Thierry, 2014, « De l’économie de souk à la mondialisation », in J. C. David, T. Boissière, (dir.), Alep et ses territoires. Fabrique et politique d’une ville (18682011), Beyrouth, Presses de l’Ifpo, 590 p.

– Bozarslan Hamit, Bataillon Gilles, Jaffrelot Christophe, 2011, Passions révolutionnaires. Amérique latine, Moyen Orient, Inde, Paris, éditions de l’EHESS. Castel Robert, 2003, L’insécurité sociale. Qu’estce qu’être protégé ?, Paris, Le Seuil – La République des idées.

– Chatelard Géraldine, 2004, Briser la mosaïque : les tribus chrétiennes de Madaba, Jordanie, xixexxe siècle, Paris, CNRS Édition.

– Dahi Omar, Munif Yasser, 2011, « Revolts in Syria : Tracking the Convergence Between Authoritarianism and Neoliberalism », Sanhati, [en ligne]
http://sanhati.com/excerpted/4249/#sthash.WuulzWsC.dpuf/.

– Hartog François, 2003, Les régimes d’historicité. Présentisme et expérience du temps, Paris, Le Seuil.

– Huët Romain, 2015, « Quand les “malheureux” deviennent des “enragés” : ethnographie de moudjahidines syriens (2012-2014) », Cultures & Conflits 1/2015 (n° 97), p. 31-75.

– Metral Françoise, 1989, « Tabous et symboles autour de la reconstruction de Hama : pédagogie pour une nouvelle culture urbaine », in K. Brown, B. Hourcade, M. Jolé, C. Liauzu, P. Sluglett, S. Zubaida (dir.), État, ville et mouvements sociaux au Maghreb et au MoyenOrient, Paris, L’Harmattan, p. 325340.

– Metral Jean et Françoise, 1990, « Irrigation sur l’Oronte à la veille de la motorisation », in Techniques et pratiques hydroagricoles traditionnelles en domaines irrigués : approche pluridsciplinaire des modes de culture avant la motorisation en Syrie, actes du colloque de Damas, 27 juin-1 juillet 1987, Paris, Librairie orientaliste, p. 395-418.

– Moussaoui Abderrahmane, 2001, « Du danger et du terrain en Algérie », Ethnologie française 1 (vol. 31), p. 5159.

– Moussaoui Abderrahmane, 2013, De la violence en Algérie. Les lois du chaos, Arles, Actes Sud / MMSH, 447 p.

– Rey Matthieu, 2013, « La révolte des quartiers : territorialisation plutôt que confessionnalisation », in F. Burgat, B. Paoli, Pas de printemps pour la Syrie. Les clés pour comprendre les acteurs et les défis de la crise (20112013), Paris, La Découverte, p. 8491.

– VelcicCanivez Mirna, 1994, « Vers une anthropologie de la guerre », in Communications, 58, p. 6974.

– Vignal Leila, 2012, « Anatomie d’une révolution », La vie des Idées, juillet.

______________________________________________________________________________________________________

الهوامش:

1.  À l’exception de l’ouvrage de la géographe A.M. Bianquis (1989).

٢.  رأسمالية المحاسيب هو مصطلح يصف الاقتصاد الذي يعتمد فيه النجاح في الأعمال التجارية على العلاقات القوية بين القائمين على العمل التجاري والمسؤولين الحكوميين. ويمكن أن يتسم بالمحاباة فيما يتعلق بتوزيع التصاريح القانونية أو المنح الحكومية أو التخفيضات الضريبية الخاصة أو غيرها من أشكال تدخل الدولة في توجيه الشؤون الاقتصادية. ويعتقد أن رأسمالية المحاسيب تظهر عندما تمتد المحسوبية السياسية إلى عالم الأعمال التجارية، حين تؤثر الصداقات التي ترمي إلى خدمة المصالح الذاتية والعلاقات بين الأسر بين رجال الأعمال والحكومة في الاقتصاد والمجتمع لدرجة أنها تفسد المثاليات الاقتصادية والسياسية التي ترمي إلى خدمة العامة. وقد كان لمصطلح “رأسمالية المحاسيب” تأثير كبير بين العامة كتفسير للأزمة المالية الآسيوية. كما أنه يستخدم في مختلف أرجاء العالم كذلك للإشارة إلى أي قرارات حكومية تهدف إلى تفضيل “محاسيب” المسؤولين الحكوميين بطريقة عملية. وفي العديد من الحالات، يستخدم هذا المصطلح بشكل متبادل مع مصطلح رفاهية الشركات، إلى درجة وجود فارق بينهما، فهذا المصطلح الأخير يمكن أن يقتصر على الدعم الحكومي المباشر للشركات الكبرى والاستثناء من الثغرات الضريبية وكل القرارات التنظيمية والتجارية، والتي يمكن أن تكون، في الواقع العملي، أكبر من أي دعم مباشر.

٣.  الأثنوغرافيا هي دراسة خصوصية الشعوب.

4.  En août 2015, la Syrie se partage grosso modoen quatre territoires de tailles différentes :
celu (…)

5.  7 Voir en particulier les travaux de C. Boex (2012, 2014).