المسرح العربي هو الاختبار الحقيقي للعقل

المسرح العربي هو الاختبار الحقيقي للعقل

كيفما كنتم يُمَسْرَحُ عليكم، المسرحي العربي اليوم مهدَّد في مهنته، لكون السياسي هو المنافس الأول له، هذا السياسي يقف اليوم فوق مسرح هائل تُضخ له الأموال وتسخَّر له حملات الدعاية، كمسرحي أتساءل: ما الذي يمكن مسرحته؟ وحالك كحال فنان الكاريكاتير الذي يرسم بناءً على حساسيته تجاه المفارقات والمبالغة، الآن نعيش عصر مليء بهذه المبالغة، فكيف لك أن تبالغ تجاه المبالغة نفسها؟ فكرة الدراما نتجت من فكرة التعدد التي أدت بدورها إلى النزاع، إلا أن أية حالة توحيد تلغي الدراما وتحدُّ منها، فالدراما في حد ذاتها صراع بين الإنسان والآلهة، والصراع هنا هو الاختلاف وقبولي الآخر شريكًا فيه، أما نحن في موروثنا وتاريخنا العربي لم يَتَحَدَّ إبراهيمُ الخليلُ الآلهةَ، بل عندما أَمَرَهُ الإلهُ بذبح ولده إسماعيل أمسك السكين وكاد أن يقتله، لولا أن الرب ترفق به وأرسل له كبشًا فداء لابنه.

فكرة الدراما لدينا منفية وقائمة على التصالح، ونبذ التعددية، فإذا أردتُ اليوم أن أقدم مسرحًا؛ ماذا أقدم؟ هل أقدم مسرح المصالحة؟! كأنكَ هنا صحافي يورد خبرًا عاجلًا كالآتي: «جاء القطار في موعده»! أين الغرابة في ذلك؟ المسرح العربي اليوم هو الاختبار الحقيقي للعقل، لقد ولَّى زمن التقية المسرحية والترميز والتشفير، اليوم لم تعد هناك تلك الرقابة التي كنتم تتحججون بها أيها المسرحيون؛ زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي وصالح وصدام الذين كانوا يضيِّقون عليكم ويمنعونكم ويحدُّون من تعبيركم ذهبوا؛ هيا قَدِّمُوا لنا فنًّا، مارِسُوا نَقْدَ الثورة؛ كي تحافظوا عليها وعلى مكتسباتها، اليوم صح عليكم المثل الشعبي التونسي القائل: «هات ذراعك يا علاف». أرونا ما الذي ستفعلونه بحريتكم الجديدة؟ الثورة في أصلها ثورة مفاهيم قبل كل شيء وليست حادثًا زمنيًّا ينتهي بطرد الطاغية، المطلوب ليس التغزل في الثورة، أو استحضار أرشيف القمع أيام نظام زين العابدين وسواه، إنما المطلوب هو النقد والنقد الدائم للثورة للحفاظ على ديمومتها.

أما أنا فالثورة لي شر لا بد منه لكونها دائمًا في مخيلتي مصبوغة بالدماء، لكن دائمًا يتحمل مسؤوليتها الفاسدون والطغاة؛ لذلك كتبتُ مرةً نقدًا للنشيد الوطني التونسي الذي يقول: «نموت نموت ويحيا الوطن»، فقلت «نعيش نعيش ويحيا الوطن» لماذا نموت؟ وما قيمة الوطن إذا متنا؟