«نولي وود» .. صرخة نيجيريا للكشف عن وجهٍ إفريقيٍّ مغايرٍ

«نولي وود» .. صرخة نيجيريا للكشف عن وجهٍ إفريقيٍّ مغايرٍ

تتباهى نيجيريا، من الناحية التاريخية، بأكبر صحافة حرة وصريحة أكثر من أي بلد إفريقي، ولكنها أيضًا كانت من بين الصحف دائمة الاستهداف من الدكتاتوريات العسكرية السابقة. انعكس هذا الواقع على جميع مناحي الحياة في هذا البلد الثائر ضد الاستعمار والفساد، فصار يعبر عن هذه الانعكاسات ويصورها على شكل أعمال فنية، وكان للسينما نصيب الأسد من هذا العبء الثقيل، فانطلقت تصرخ عبر مبدعيها؛ لتكشف عن وجه نيجيري إفريقي يغاير الصورة المنطبعة في الأذهان

السينما في نيجيريا، التي أصبحت ترتدي العباءة النيجيرية «نولي وود»، تتألف من الأفلام المنتَجة في نيجيريا، التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وإلى الحقبة الاستعمارية في أوائل القرن العشرين، في بعض الأحيان يتم تصنيف وتطور صناعة الصور المتحركة النيجيرية في أربعة عصور رئيسة: العصر الاستعماري، والعصر الذهبي، وعصر أفلام الفيديو، وأخيرًا عصر السينما النيجيرية الجديدة الناشئة.

بعد استقلال نيجيريا في عام 1960م، توسعت أعمال السينما بسرعة، خصوصًا مع إنشاء دور جديدة للسينما، ونتيجة لذلك ازدادت القناعة بالعمل النيجيري المسرحي في أواخر الستينيات حتى السبعينيات.

تصوير الأفلام كوسيلة وسيطة، وصَلَ إلى نيجيريا في البداية في أواخر القرن التاسع عشر، في شكل ما يصطلح عليه باسم «مشاهدة ثقب الباب» لأجهزة الصورة المتحركة. وقد استبدلت بها في أوائل القرن العشرين باستخدام أجهزة عرض صور متحركة محسّنة، مع عرض المجموعة الأولى من الأفلام في قاعة غلوفر التذكارية في لاغوس في المدة من 12 إلى 22 أغسطس 1903م.

يرجع أصل مصطلح «نولي وود» إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو اسم مستعار، يشير أصلًا إلى صناعة السينما النيجيرية، ونظرًا لتاريخ المعاني والسياقات المتطورة، لا يوجد تعريف واضح أو متفق عليه لهذا المصطلح، إلا أن أليكس إينغو قد عرّفه بأنه: «مجمل الأنشطة التي تُجرَى في صناعة السينما النيجيرية»؛ سواء باللغة الإنجليزية، أو اليوروبا، أو الهوسا، أو الإيبو، أو إيتيكيري، أو إيدو، أو إفيك، أو إجاو، أو أورهوبو، أو أي لغة أخرى من أكثر من 300 لغة نيجيرية.

كما تتبع جوناثان هاينز أول استخدام لهذه الكلمة في مقال نُشر في عام 2002م بقلم مات ستينغلاس في صحيفة نيويورك تايمز؛ إذ استُخدمه لوصف السينما النيجيرية، فعلى مر السنين استُخدم مصطلح «نولي وود» للإشارة إلى غيره من الصناعات التي تدخل تحت مظلة هذا المصطلح، مثل: السينما الغانية باللغة الإنجليزية، التي عادة ما تتشارك في إنتاج أفلامها مع نيجيريا، وتقوم بتوزيعها الشركات النيجيرية؛ كما استُخدم هذا المصطلح لأفلام «الشتات النيجيري/الأفريقي»، التي تنتسب لنيجيريا، أوابتُكرت لاجتذاب جمهور النيجيريين.

وعندما يُذكَر اسم نيجيريا، تستحضر أذهاننا التمزق الاجتماعي والإرهاب، ولكن هذه ليست الصورة كاملة؛ حيث إن تلك الدولة المترامية الأطراف أصبحت في مدة زمنية قصيرة من أكبر قلاع صناعة السينما، وحصلت على لقب «نولي وود»، ولم يأتِ هذا من فراغ أو مجاملة لنيجيريا، ويكفي أنها أصبحت في المركز الثاني في العالم وراء «بوليوود» نظرًا إلى عدد الأفلام المنتَجة، وامتداد سوق هذه الصناعة، فهي توجَّه لجمهور ضخم يصل زُهاء 170 مليون نسمة في نيجيريا، وأكثر من بليون نسمة في إفريقيا كلها.

«لا نرغب في إنتاج نسخة طبق الأصل من أفلام هوليوود، ولا حاجة لنا بتقليدها … نحن نتناول مسائل تشغل جمهورنا، فيمكنه التماهي مع الممثلين»، يقول إيكوشوكوو أونييكا، وهو أبرز مخرج في نيجيريا، ويتولى اليوم إخراج السلسلة التلفزيونية «ذا ڤيندور (البائع)» وموضوعها الرئيس هو الخطف، ومع الأسف، الخطف هو جزء من الحياة اليومية النيجيرية. تَعرِض هذه السلسلة الجديدة الظواهر الحياتية والاجتماعية المعيشة مثل الظاهرة الجديدة: منظمة «بوكو حرام» «المنظمة المتطرفة، التي تنشر الخراب والدمار في شمال نيجيريا»، وأخرى عن إيبولا، وحلقة عن الخطف في منطقة الدلتا «منطقة النفط في جنوب شرقي البلاد»، وأخرى عن مشكلة البطالة في أوساط الشباب، وعن الانتخابات.

ويُعرب بعض أصحاب المصلحة باستمرار عن عدم موافقتهم على هذا المصطلح؛ على أساس أن هذا المصطلح صِيغ من قبل أجانب، وهذا شكل آخر من أشكال الإمبريالية، أما الذين يدافعون عن استخدام هذا المصطلح، فيزعمون أنه شكل من أشكال المقاومة للإمبريالية الثقافية والإعلامية، بحجة أن مصطلح «نولي وود» يمثل صناعة السينما النيجيرية في حد ذاتها، في أسلوبها النيجيري، وبواسطة أبنائها النيجيريين، «بدلًا من مجرد استهلاك واستيراد معظم محتوى هوليوود، مثلما تفعل العديد من الدول النامية».

السينما النيجيرية

تتقسم صناعة السينما في نيجيريا إلى حد كبير على أسس إقليمية ودينية وعرقية، ومن ثم فهناك صناعات أفلام مميزة، يسعى كل منها إلى تصوير اهتمام الشريحة والعرقية التي يمثلها، ومع ذلك، فهناك صناعة السينما باللغة الإنجليزية التي تعتبر بوتقة تنصهر فيها الأفلام مشكِّلة باقة من النكهات الإقليمية. السينما ذات اللغة اليوروبية هي مولود شرعي لـ«نولي وود»، وموطنها هو منطقة غرب نيجيريا، في منتصف ستينيات القرن الماضي، بدأت كسينما من مجموعة ممثلين متعددي المواهب من المجموعات التمثيلية المتنقلة التي تمارس عملها خارج المسرح؛ لتدلف إلى إنتاج الأفلام باستخدام شكل الشريط السينمائي «السيلولويد»، كان لمنفذي هذه الأفلام في بعض الأوساط قصب السبق في صناعة أفلام نيجيرية أصيلة، فالأفلام مثل: حصاد كونقي Kongi›s Harvest (1971م)، وBull Frog in the Sun (1974م)، وBisi، وDaughter of The River (1977م)، وJaiyesimi (1980م)، وCry Freedom (1981م) تقع في هذه الحقبة المزدهرة من صناعة الأفلام اليوروبية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك: فلم Mosebolatan (1985م) من إبداعات موسيس أولييا، الذي حقق 107،000 نيرة نيجيرية في خلال خمسة أيام من إطلاقه.

ابتدع سنوسي شيهو من مجلة «تاوروارا» مصطلح «كاني وود» في عام 1999م، وسرعان ما أصبح المصطلح المرجعي الشعبي لهذه الصناعة؛ كما أن السينما بلغة الهوسا، هي أيضًا إحدى بنات «نولي وود»، ومقرها أساسًا في كانو، دار السينما الكبرى في شمال نيجيريا، التي تمخضت عنها وببطء إذاعة وتلفزيون كادونا في الستينيات. كان المحاربون القدماء، مثل:Dalhatu Bawa و Kasimu Yero رواد إنتاج الدراما التي أصبحت شائعة لدى جمهور الشمال النيجيري، شهدت تسعينيات القرن الماضي تغيرًا جذريًّا في السينما النيجيرية الشمالية، رغم حرصها على جذب المزيد من جمهور الهوسا، الذين يجدون متعتهم بصورة أكبر في أفلام «بوليوود»، فـ«كاني وود» هي توليفة سينمائية بين الثقافة الهندية والهوساوية، تطورت وأصبحت تتمتع بشعبية كبيرة، فمثلًا: فلم Turmin Danya في عام 1990م، يُعتبَر أول فلم من هذا النسق يحقق نجاحًا تجاريًّا، سرعان ما تبعته أعمال أخرى، مثل: غيمبيا فاطمة Gimbiya Fatima وكياردا دا ني Kiyarda Da Ni، حتى وصل العدد إلى أكثر من 2000 شركة أفلام بحلول عام 2012م، تم تسجيلها لدى جمعية صانعي الأفلام في كانو.

السينما الغانية

على مر السنين، استُخدم مصطلح «نولي وود» أيضًا للإشارة إلى صناعات الأفلام الأخرى التي تقع تحت سقفها الواسع، مثل: السينما الغانية باللغة الإنجليزية، ففي المدة بين عامَيْ 2006م و2007م، وقَّع صانع الأفلام النيجيري فرانك راجاه آريس عقدًا مع شركة غانية لإنتاج الأفلام تُدعَى «ڤينوس فيلمز»، التي ساعدت في انخراط الممثلين الغانيين في التيار الرئيس لـ«نولي وود»، وأدى هذا التمازج في نهاية المطاف إلى زيادة شعبية بعض الممثلين الغانيين، مثل: فان فيكر، وجاكي أبيا، ومجيد ميشيل، وإيڤون نيلسون، وجون دوميلو، ونادية بواراي، وإيڤون أوكورو، الذين برزوا بقدر أكبر من نظرائهم النيجيريين؛ علاوة على ذلك، وعلى مر السنين، وبسبب التكلفة العالية لإنتاج الأفلام في نيجيريا، اضطر صانعو الأفلام النيجيريون إلى إنتاج أفلام خارج لاغوس من أجل خفض التكاليف؛ وهو ما يشابه هجرة صناعة الأفلام في هوليوود من لوس أنجليس إلى مدن مثل: تورنتو وألبوكويرك، وتُعرَف هذه الظاهرة باسم «الإنتاج الجامح».

وقد بدأ العديد من المنتجين الآخرين في تصوير أفلامهم في مدن، مثل: مدينة أكرا بغانا، ووجهوا مدخرات هذه الصناعة للاستثمار في استجلاب معدات أفضل لرفع جودة منتجاتهم ومحاولة عرضها على الشاشة الكبيرة، وقد خلق هذا التطور نوعًا من الاندماج بين صناعة السينما النيجيرية والغانية، وبدأت معظم أفلام اللغة الإنجليزية من غانا أيضًا تحمل العلامة «نولي وود»، ويرجع ذلك إلى غزارة الإنتاج المشترك بين هذَينِ البلدَينِ، وسهولة إبرام صفقات التوزيع مع دور إنتاج الأفلام النيجيرية؛ حيث أصبح شيئًا معتادًا أن نشاهد أفلامًا يتقاسم نجوميتها أبطال نيجيريون وغانيون في ذات الوقت.

«نولي وود» الولايات المتحدة الأميركية: «نولي وود أميركا» مصطلح واسع يُستخدَم للإشارة إلى الأفلام النيجيرية المصنوعة في الغربة، على الرغم من أنها تحمل اسم أميركا، إلا أنه يمكن تصوير هذه الأفلام في أي بلد غير إفريقي، وتُنتَج هذه الأفلام عادة من قبل صانعي الأفلام النيجيريين، الذين يعيشون خارج بلادهم، وتُصنَع عادةً للجمهور النيجيري، ومثلما كان مصطلح «نولي وود» غامضًا، فإن مصطلح «نولي وود أميركا» يسير في الاتجاه نفسه .

التمويل وسوق الأفلام المقرصنة

غياب التمويل وشُحُّه، علاوة على بعض المشكلات ومحدودية عدد صالات السينما في عاصمة الترفيه الإفريقي، هذه المدينة التي يقطنها 20 مليون شخص، وأفلام «نولي وود» تباع في سوق الأفلام المقرصنة في متاجر صغيرة مقابل 500 نيرة أو 400 (حوالي 2 يورو) في عربات البائعين الجوالين في الشوارع، والمصارف لا تغامر بدعم هذا القطاع المزدهر، وترى أن عائداته لا يُعتَدُّ بها، «المستثمرون لا يفكرون سوى في الأرباح والأرقام، وهم لا يشجعون الإنتاج الثقافي أو الفني، ولكن مع ازدهار المسلسلات التلفزيونية يبدو أن الأمور تتغير»، يقول إيكي نابو.

كوميديا موسيقية أيضًا: للمرة الأولى في مسيرتها المهنية، اشترت شبكة تلفزيونية إفريقية، «أفريكا ماجيك»، «فكرة (الفلم)» أو مشروع «إيكي نابو»، والسلسلة الجديدة هي كوميديا موسيقية يُتوقَّع أن يشارك فيها أكبر مغنِّي البوب في نيجيريا، والنجاح مضمون، فأعمال هؤلاء المغنِّين تتصدر برامج إذاعات الراديو في كل القارة الإفريقية.

ويروي المخرج؛ أنه استوحى قصة السلسلة من قصص الفنانين في الصحافة النيجيرية الصفراء، «في الإمكان صوغ آلاف الحلقات بالاستناد إلى حيوات الفنانين؛ من الخيانات، إلى اتهامات الشعوذة، ومرورًا بأساليب حياتهم المرهفة، ووصولًا إلى كؤوس الشامبانيا في سهرات كبار الشخصيات»، يقول نابو والحماسة تظهر في نبرة صوته: «وعلى الرغم من أن «أفريكا ماجيك» لم تطلب سوى 24 حلقة، تدعو خطوتها إلى التفاؤل؛ فهي فاتحة خير». وفي مكتبها المكيف، الواقع في الشارع الأنيق في شبه جزيرة فيكتوريا، ارتقت وانغي با-أوزوكوو إلى مرتبة أبرز مخرجة في الصناعة السينمائية الإفريقية، وهي تختار الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية التي تبثها «أفريكا ماجيك»، ومعيارها الوحيد هو: «النوعية».

المصادر:

1- Emeagwali، Gloria (Spring 2004). «Editorial: Nigerian Film Industry». Central Connecticut State University. Africa Update Vol. XI، Issue 2. Retrieved 16 July 2014.

2- «Facts About Nigerian Movies and History». Total Facts about Nigeria. Retrieved 22 October 2014.

3- Onikeku، Qudus. «Nollywood: The Influence of the Nigerian Movie Industry on African Culture». Academia. Retrieved 12 February 2015.

4- Boyon، Sophie. «Libération»: Date de publication 12.05.2015، 23:00.

5- «Yoruba Movies | Yoruba Films». Yoruba Movies. Retrieved 2017-07-17.

6- Babagana M Gana (1 June 2012). «Hausa-English code-switching in Kanywood Films»International Journal of Linguistics. Archived from the original on 16 February 2013.

7- Ebirim، Juliet (22 March 2014). «Are the Ghanaian actors taking over Nollywood?». Vanguard Newspaper. The Vanguard. Retrieved 15 October 2014.

8- «Nollywood Producers Guild USA Kick off Film Production With Arrival of Annie Macaulay Idibia».